شبكة ذي قار
عـاجـل










إيران وذيولها وراء المحاولات الخبيثة لإبعاد العراق عن محيطه العربي

أ.د. مؤيد المحمودي

 

 

العراق بالنسبة الى إيران هو البقرة الحلوب التي تدر عليها ذهبا، والسوق الاستهلاكية المفضلة لتصريف بضائعها الفاسدة ومنفذا مهما لتجاوز تأثير العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة عليها. ومن أجل التحكم في هذه السوق الاستهلاكية بمفردها فإن إيران تسعى دائماً إلى ابعاد العراق عن أي تقارب وثيق مع محيطه العربي وتعمل جاهدة لخلق المعوقات أمام المشاريع الاقتصادية المشتركة بينه وبين الأقطار العربية الأخرى، خاصة إذا كان هذا التقارب يمكن أن يؤدي إلى تحسين الوضع الاقتصادي العراقي الذي يعاني الكثير من الصعوبات والأزمات المستعصية. ولضمان تحقيق هذه الاستراتيجية الخبيثة، دأبت حكومة طهران على تسخير جنودها من الذيول في العراق لتشويه واحباط أية محاولة يسعى إليها هذا البلد لكسر الطوق الاقتصادي الإيراني الملفوف بإحكام على رقبته.

تهميش مشروع الربط الكهربائي للخليج والأردن مع العراق

بات موضوع الوصول إلى حالة الاكتفاء في ﻣﻮﺍﺭﺩ ﺍﻟﻄﺎقه بالعراق مصدر قلق رئيسي لقطاع الكهرباء. لا سيما وأن المتوفر من هذه الطاقة الحيوية في البلاد لا يلبي سوى 50% مما هو مطلوب، وفي السنوات القادمة من المحتمل أن تتجاوز ذروة الطلب على الكهرباء القدرات المتاحة للمحطات الحالية وقد يلجأ العراق الى التعاقد على بناء محطات جديدة كأحد الحلول المطروحة لحل هذه المشكلة. الا أن هذه الخطوة لا تخلو من معوقات أهما توفر الوقود، وظهور مشكلات فنية أخرى غير متوقعة كالإخلال باتفاقات إنشاء المحطات والبطيء في تنفيذها بالإضافة إلى الفساد المستشري والذي يمكن أن يؤدي إلى ابتلاع الأموال لبناء هذه المحطات أو انجازها بكفاءات متدنية.

لذا فان مشاريع الربط الكهربائي بين العراق والدول العربية المجاورة تعتبر الحل الأمثل والاسرع لتجاوز النقص الشديد الحاصل في توفير احتياجات البلاد من الطاقة.

وفي هذا السياق سبق لحكومة عادل عبد المهدي ان عقدت اتفاقية لربط شبكة الكهرباء في دول الخليج العربي مع شبكة الكهرباء العراقية، وكانت السعودية من أوائل الدول الخليجية التي سعت لتحقيق هذا المشروع في مجال الطاقة الكهربائية. حيث ذكرت جريدة الاقتصادية الاسبوعية الصادرة في السعودية بان اتفاق الربط الشبكي قد تم بين البلدين لإمداد جنوب العراق ب نحو500 ميجا واط من الطاقة الكهربائية وان الجانب السعودي قد أنجز المتطلبات الضرورية لإكمال هذا المشروع في عام 2020. كما صرح متحدث باسم وزارة الكهرباء العراقية في 14 أيلول 2020 بأن العراق من جانبه أنجز 80 % من متطلبات ربط الطاقة مع الخليج. وبالرغم من اننا دخلنا الان في منتصف العام 2022 تقريبا لكن الربط الكهربائي مع الخليج لم يتم انجازه لأسباب غير معروفة.

كما أعلن الأردن في بداية هذا العام بأنه قد قام بإجراء كافة الفحوصات اللازمة لتحقيق الربط الكهربائي بين شبكتي الكهربائية الاردنية والعراقية بنجاح وانه أصبح الان جاهزا لإمداد العراق بالطاقة الكهربائية. لكن الجانب العراقي لم يبادر إلى التجاوب مع تلك الجهود الأردنية في هذا المجال. وباتت المبررات واضحة لهذا التلكؤ من الجانب العراقي في التعامل بجدية مع المبادرات الخليجية والأردنية لإمداد العراق بالطاقة الكهربائية، عندما أقدم مؤخرا وزير الكهرباء العراقي على الذهاب إلى إيران وعقد اتفاقية لربط الشبكة الايرانية مع الشبكة العراقية، ضاربا بذلك عرض الحائط جميع الاتفاقيات للربط الكهربائي التي عقدها العراق مع الدول العربية. ناهيك عن ان تكلفة الطاقة الكهربائية الموردة للعراق من إيران هي أغلى بكثير من سعرها المورد من الدول العربية ووجود سجل سيئ لدى إيران سابقا في الالتزام بتوريد وقود الغاز إلى محطات الكهرباء في العراق.

 

 وضع العراقيل أمام مشروع مد الأنبوب النفطي العراقي إلى الأردن

كانت بداية مشروع مد أنبوب يصل من البصرة إلى العقبة في الأردن لتصدير النفط الخام العراقي إلى الخارج قد أقرت في عام 1983 لغرض تنويع منافذ التصدير. إلا ان تنفيذ المشروع تعطل في وقتها بسبب الظروف الاستثنائية التي كان يمر بها العراق، منها إطالة أمد الحرب العراقية الإيرانية (1980- 1988) ثم حرب الكويت وفرض الحصار الجائر على العراق عام1991.

وقد اعيد إحياء هذا المشروع في عام 2012عندما زار رئيس الوزراء العراقي أنذالك نوري المالكي، الأردن وبحث مجددا مشروع أنبوب البصرة-العقبة، حيث اتفق الجانبان على إعادة إحيائه مع منح الأردن أولوية التزود بالنفط الخام العراقي. وأعلن المالكي وقتها من عمّان: «تم الاتفاق على مد أنبوب نفط عراقي عبر الأردن إلى ميناء العقبة لتصدير النفط العراقي وسد حاجات الأردن من النفط الخام» وفي عام 2014 أبلغ العراق الأردن رسمياً موافقته على تنفيذ المشروع. وتكررت موافقات الحكومات العراقية على المشروع خلال فترة حكومتي حيدر العبادي وعادل عبد المهدي. أما في عام 2021 فقد أكد رئيس الحكومة الحالي مصطفى الكاظمي مضي العراق في المشروع وأن المحادثات والمفاوضات في شأنه بلغت مراحلها النهائية، وتم إقرارها في اجتماعات ثلاثية بين رؤساء العراق والأردن ومصر التي انضمت للمشروع لاحقا.

ويتضمن المشروع نقل النفط الخام المستخرج من حقول البصرة في جنوب العراق إلى ميناء العقبة في جنوب الأردن، عن طريق مد أنبوب لمسافة 1700 كلم تقريبا. بتكلفة تقديرية حددت بـ 8.5 مليارات دولار تمول ذاتيا من قبل الشركة التي ستقوم باستثماره على أن تعود ملكية الانبوب بالكامل بعد 20 سنة إلى الدول التي يمر بها الانبوب.

ويتكوّن الأنبوب من مرحلتين، الأولى هي الرميلة – حديثة، ويتمّ استخدام هذا الجزء لتوفير النفط الخام إلى محطات الطاقة والمصافي التي يمر عليها الأنبوب في المناطق العراقية المختلفة. أما الجزء الآخر فيمتد من حديثة إلى العقبة على البحر الأحمر لتصديرالنفط العراقي إلى أوروبا. ويتم من خلاله تزويد الأردن باحتياجاتها من النفط الخام والمقدرة بـ 150 ألف برميل يوميًا بالإضافة إلى احتياجات مصر بحدود 65 ألف برميل يومياً. كما يمكن للأنبوب أن يتفرع من حديثة إلى خطين آخرين، أحدهما يذهب نحو بانياس في سوريا والآخر إلى جيهان التركي.

 وبالإضافة إلى المرونة في منافذ التصدير، فان العراق يمكن أن يجني فوائد عديدة من اقامة هذا المشروع على النحو التالي:

1. الطاقة التصديرية الحالية للعراق من النفط الخام تقدر بحوالي 3.6 ملايين برميل يوميا بينما تصل الطاقة التصديرية لمشروع الانبوب النفطي للعقبة إلى 3 ملايين برميل نفط يومياً قابلة للزيادة إلى أكثر من 5 ملايين برميل يومياً.  وعليه فان انجاز هذا الانبوب سوف يجعل العراق من أعلى الدول في تصدير النفط بالشرق الأوسط.

 قدّرت بعض الدراسات أن العراق يمكنه أن يجني 18 مليار دولار أرباحاً سنوية من هذا المشروع..2

3. يمنح العراق منفذا مهما للتصدير في حالة اغلاق مضيق هرمز الذي يخضع دائما للتهديدات الايرانية عند حصول أي نزاع في المنطقة.

4. يعتمد حاليا تصدير النفط العراقي على الأسواق الاسيوية، لكن مد الانبوب النفطي إلى العقبة سوف يسهل عليه التقرب من الأسواق النفطية الأوروبية.

5. مد الأنبوب سوف ينهي الصعوبات والمخاطر المترتبة على العملية الحالية لنقل النفط الخام العراقي إلى الأردن بالشاحنات والصهاريج.

6. توفير الوقود إلى محطات الطاقة والمصافي التي يمر بها الأنبوب في داخل الأراضي العراقية.

ولأسباب عديدة تعتبر إيران انها المتضرر الاكبر اقتصاديا من مد الانبوب النفطي العراقي باتجاه العقبة الأردني، لأن هذا الخط يفقد إيران سيطرتها التامة على صادرات العراق النفطية. حيث أن 96% من هذه الشحنات النفطية العراقية لا تمر حاليا عبر مضيق هرمز إلا بموافقة إيران مما يجعل الاقتصاد العراقي مرهونًا بيدها. كما انها لا تريد أن ترى العراق يتمتع بأفضلية في سوق الطاقة العالمي أو يعزز شراكته الاقتصادية مع محيطه العربي.

وتأكيدا لموقف إيران الرافض لهذا المشروع الاقتصادي العراقي الحيوي، أوعزت حكومة الملالي لذيولها في العراق إلى التصدي لمشروع مد الانبوب النفطي من البصرة إلى العقبة والعمل على خلق الأكاذيب حوله والمخاوف من انجازه لغرض تشويه صورته أمام الرأي العام العراقي. وفي هذا السياق بادرت مؤخرا قوى سياسية وفصائل مسلحة حليفة لإيران في العراق، بحملة انتقادات غير مسبوقة على مشروع أنبوب نفط البصرة ــ العقبة. ولوحت هذه القوى بالتوجه إلى المحكمة الاتحادية العليا، لإصدار أمر لوقف المشروع باعتبار الحكومة الحالية لا تملك الصلاحيات للمضي به كونها حكومة تصريف أعمال. رغم أن المشروع سبق وأن أقر خلال فترة صلاحياتها الدستورية الكاملة العام الماضي. ومن أشد المعترضين على انشاء المشروع أعضاء من الإطار التنسيقي على رأسهم نوري المالكي الذي سبق وان وافق عليه عندما كان رئيسا للوزراء عام 2012. بل طالب المالكي مؤخرا عن جهل بأن يستغنى عنه بأنبوب كركوك بانياس داخل الاراضي السورية الذي هو بحاجة إلى صيانة ذات تكلفة عالية وقدرته التصديرية لا تتجاوز ال 100 ألف برميل يوميا. ولوح القيادي في ميليشيا العصائب سالم العبادي ان مشروع أنبوب نفط البصرة-العقبة يُراد منه إيصال النفط العراقي إلى إسرائيل كما أعتبر النائب عن الإطار التنسيقي أحمد الموسوي أن المشروع بداية لدفع العراق نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني لذا لا يمكن السماح بتمريره. هذا وقد دحض مسؤول في وزارة النفط العراقية شبهة وصول النفط إلى إسرائيل، موضحاً بأن شركة سومو العراقية القابضة هي المشرفة عليه لصالح شركات وجهات وفقاً لعقود بيع، على غرار ما يجري بالبصرة حاليا.

ونتيجة لهذه المواقف السلبية من قبل الذيول الإيرانية، ارتأت الحكومة الهزيلة الحالية أن تجمد مشروع مد الانبوب النفطي من البصرة إلى العقبة، وترحل قرار الموافقة على الشروع به إلى الحكومة القادمة. والله وحده يعلم متى سوف يتم ذلك على ضوء الانسداد السياسي الحالي، وما إذا كانت الحكومة الجديدة قادرة فعلا على اتخاذ قرار حاسم لمد الانبوب بمعزل عن التحفظات الايرانية.

 

اجهاض المشروع الاستثماري الزراعي للسعودية في العراق

للسعودية استثمارات زراعية ناجحة في 27 دولة بما فيها السودان والأردن وكانت تطمح لإنشاء مشروع استثماري زراعي مماثل في العراق ضمن الاتفاقية المبرمة بين البلدين عام 2017. وحينها عرضت وزارة الزراعة العراقية على الجانب السعودي استثمار مليون هكتار من الأراضي العراقية بهدف تحويلها إلى حقول ومزارع لتربية الأبقار والماشية والدواجن. وكان من المؤمل لهذا الاستثمار السعودي أن يؤدي إلى انشاء أكبر مشروع زراعي- حيواني في العراق على الإطلاق مستفيدة من تجارب الشركات السعودية الكبرى في هذا المجال مثل شركة المراعي. وتشير التقديرات إلى أن المشروع يوفر فرص عمل لما لا يقل عن ستين ألف شخص، ويغطي الحاجة المحلية للعراق من المنتجات الزراعية والحيوانية، فضلا عن تصدير الفائض. علما ان العراق يستورد حاليا ما يزيد على 75% من احتياجاته الغذائية، معظمها من إيران والتي تثقل ميزانيته المالية. وقد خطط لهذا المشروع أن يشمل أراضي عراقية معظمها صحراوية تقع في بادية محافظة الأنبار وصولا إلى الجنوب لتحاذي محافظتي المثنى وذي قار. ومن شأن هذا المشروع امتصاص البطالة وتشغيل آلاف المزارعين والعاطلين عن العمل والبيطريين، وتحويل البادية شبه الصحراوية إلى أراضٍ زراعية منتجة يمكن أن تحول العراق إلى بلد مصدر وليس مستورد للمواد الغذائية. ناهيك عن أن تشجيع انشاء مثل هذه المشاريع الزراعية سيؤدي إلى تحسين البيئة وتقليل الجفاف في التربة المسبب للعواصف الترابية.

وبالرغم من هذه الفوائد الكثيرة التي يمكن أن يجنيها العراق من مشروع الاستثمار السعودي، إلا أنّ مليشيات مسلحة وأحزاباً حليفة لإيران قادت حملة واسعة لرفض المشروع وكان على رأسهم ميليشيا عصائب أهل الحق التي يتزعمها قيس الخزعلي، وائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه نوري المالكي. وكانت تحفظات هذه الذيول سياسية أكثر مما هي اقتصادية حتى أنهم وصفوا المشروع "بالاستعماري وليس الاستثماري". الأمر الذي دفع وزارة الزراعة العراقية إلى الإعلان رسمياً عن إلغاء المشروع الاستثماري السعودي، مبررة ذلك بعدم كفاية المياه الجوفية، على العكس مما هو معروف من أن نسبة المياه الجوفية في العراق أكثر من نسبتها في الاراضي السعودية التي تحولت بعض صحاريها إلى مزارع شاسعة.

 

قديما سأل هتلر ماهي الشعوب التي تعتبرها الأكثر احتقارا، قال تلك التي ساعدتنا على احتلال بلدانها. لعن الله الذيول على ما فعلوه بالعراق من دمار لمصلحة إيران. 

 






الثلاثاء ٩ شــوال ١٤٤٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٠ / أيــار / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أ.د. مؤيد المحمودي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة