شبكة ذي قار
عـاجـل










قراءة اولية للحدث الانتخابي اللبناني :
-النظام غير العصي على التغيير ،
والثورة التي ماعادت مستحيلة،
-لبنان الآخر في عيون الاغتراب .


نبيل الزعبي


بداية ومع اعادة التأكيد على انه لم يغامرنا يوماً الشك بان ما حصل في السابع عشر من تشرين اول ٢٠١٩ ، لم يكن سوى انتفاضة شعبية ذات طابع ثوري وحسب ،
وهذا ما اختلفنا حوله مع العديد من المجموعات التي صنفت نفسها بالثورية وقبضنا على مكابح الكلام والمواقف خشية منا على الانتفاضة لعلمنا الراسخ ان بعض من ادعوا انهم ثواراً ليسوا سوى متسلقين ومندسين ستكشفهم التجارب قريباً جداً وها قد حلت انتخابات الخامس عشر من ايار لتثبت صحة نظرتنا وتشبثنا بان الثورة ، وان لم تتحقق بعد ، فان اوانها حاصل وقريب حتماً .
لقد كنا نتصارع مع الذات عندما كانت القوى الدخيلة على الانتفاضة تمارس تشويهها وابعاد الناس عنها وهي تقطع الطرقات على الناس وتحرق الدواليب وتفصل المناطق عن بعضها البعض ، ولم يكن الصمت سوى لادراك المخلصين والاوفياء للانتفاضة ان هذه المجوعات ليست سوى قنابل موقوتة تُمسِك الاجهزة بصمام تفجيرها في اللحظة التي تنهي بها الثوار والتغييريين في البلد ، وبُذِلَت لاجل ذلك محاولات عدة لاستيعاب هؤلاء او الحد من تأثيرهم السلبي ، وذلك لم يكن بالامر السهل امام من حاولوا ركوب الموجة للتشبيح والابتزاز ، دون ان نغفل الحقد الآخر على الانتفاضة الذي مارسته منظومة "كلّن يعني كلّن "التي نزلت اطراف منها الى الشارع وقطعت الطرقات بدورها وفق حساباتها الخاصة وتبين ان الذي يجمع فيما بينها اكبر بكثير مما يفرِّق ،
فقط لادراك هذه الاحزاب جيداً انها ستضمر وتصغر امام تعاظم القوى التغييرية الحية في البلاد التي جاءت جائحة الكورونا وللاسف ، لتشل من حركتها في الوقت الذي بدأ الغلاء يستشري وتهبط العملة اللبنانية الى ادنى المستويات ، ولقد استغلت المنظومة كل تلك المعطيات لتهريب ما امكنها من ودائع بالعملة الصعبة الى الخارج وجلّ من هرّبوا الاموال عملوا على تغيير جلودهم عندما تباكوا امام اللبنانيين قبل الانتخابات تحت ذريعة الغائهم ، بينما غيرهم سعى الى تشتيت المعارضة وتشجيع توزعها على لوائح عدة بهدف تشتيت اصواتها وتوفير الفرص للمنظومة الحاكمة نحو اعادة تدوير نفسها والاستشراس على مرشحي التغيير بالترهيب والتهديد في سابقة لم تشهدها الدورات السابقة امام ما سُمّي في الخامس عشر من أيار، ب "اوسخ " انتخابات نيابية تحصل في لبنان ، اذا ما اُحصِيَت المليارات التي صُرِفَت شراءً للذمم .
هي الانتخابات التي كرّست الانتماء الطوائفي للخارج وصار لكل مذهب مرجعيته الدينية الخارجية بعد ان اعادت المنظومة الطائفية تدوير نفسها واجهضت الحلم اللبناني بدولة المواطنة التي بدونها لا قيامة للبنان وسيبقى بلداً كسيحاً مشلولاً ، عالةً على الآخرين وممراً لكل اطماعهم ومشاريعهم ، يعتاش على ما يتركون له من فتات ويعيش على الولاء الاعمى الاقرب الى العبودية من اي شئ ٍ آخر .
إزاء ما تقدم وبالنظر الى النصف الملآن من الكوب الانتخابي ،
تُرْفَع القبعة احتراماً للاغتراب اللبناني الذي حفظ المجتمع المدني بعد ان فرّط قسمُ من هذا المجتمع بوحدته وتماسكه فافقدته انانيته ، فرص عديدة للفوز والتغيير الاوسع في المشهد الانتخابي اللبناني ،
يكبر القلب بابنائنا في الاغتراب وتتجرّع الروح قبساً نورانياً يضئ على المستقبل بفضلهم ،
ولولاهم لعصفت الكوارث في بلاد الارز الى اجلٍ غير معروف ، وتجمّدت فيها كلّ حياة وقد أُطْلِقَ على اياديهم نفير الشباب المتمرّد على "المعازل " والقيود ليعيش من هم في الداخل المخطوف نشيد الحلم الجديد القادم على ايدي ابنائنا في الاغتراب .
حالتان رمزيتان تلخصان متانة حبل السرّة الذي لم ينقطع بين الاغتراب اللبناني والداخل:
- عجوز سبعيني يحمل اوجاعه وماكينة الاوكسيجين معه الى احد مراكز الاقتراع في كندا ليقوم بواجب اختيار التغيير ،
- شاب ثلاثيني يقطع مئات الكيلومترات لينتخب آخر النهار في مركز انتخابي في دولة الامارات العربية المتحدة ، مخاطباً اللبنانيين على الهواء :
نحن نقوم بعملنا من اجلكم وصار عليكم ان تكملون في الداخل ليتحقق التغيير الحقيقي في البلد .
هو انجاز ُ مهم يتحقق متمثلاً بوعي اللبناني المغترب لاهمية التصويت وانتخاب من يشبهه ليعاقب في نفس الوقت من تسبب بتهجيره وانهيار بلده وايصاله الى الحضيض.
هل هو التفاؤل في غير مكانه، ام انها تباشير خير حملتها الينا نتائج اقتراع المغتربين في الخارج ، بعد اعادة شبه التوازن الذي افرزته نسب التصويت المنخفضة في اكثر الدوائر والتي لم يعادلها سوى تعدد لوائح المعارضة فقدمت ، من حيث تدري ام لا تدري ، الخدمات المطلوبة التي انتظرتها القوى التي هيمنت على اصوات منتخبيها بالترهيب والتخويف والاجبار على سحب الترشيحات والاعتداءات الشخصية على المرشحين مما افقد العملية الانتخابية كل زخم متوقع لها بعد اكثر من محطة مصيرية شهدتها البلاد ، سواء بانتفاضة السابع عشر من تشرين ، الى انفجار مرفأ بيروت فانفجار التليل بعكار الى كل التدهور الحاصل مالياً واقتصادياً واجتماعياً وحتى اخلاقياً مع انفلات السرقات والخطف والتعديات الشخصية على الاملاك الخاصة دون اي رادع ادبي او قانوني ،
هذه المنظومة التي لم تتورع عن كل تجييش مذهبي طائفي تصعيدي ، قبل اليوم الانتخابي وبعده ، في خطابٍ لم يرتقِ الى الوحدة الوطنية ولا الى الرضوخ للمزاج الشعبي بِصِلَةٍ ، البتة ، فمن يخرج على الملأ ل"يُصَهْيِن" مناضلين ناشطين شهدت لهم الساحات بالصدق والوفاء لشعبهم ووطنيتهم وعروبتهم ، فإنما يقدمون اكبر الخدمات للعدو الصهيوني واثبتوا بما لا يدع مجالاً للشك انهم كانوا رأس الحربة التي طعنت انتفاضة السابع عشر من تشرين وعملت على اجهاضها في ايامها الاولى ،وقد اصبحت مصداقية هؤلاء على المحكّ وصار من الصعب التكهن في الوجهة الحقيقية للبندقية التي يحملونها ،
هل هي لمقاتلة العدو الصهيوني ، ام انها لتصفية الوطنيين الشرفاء ودق الاسافين في مشروع الدولة الوطنية التي يصبو اليها اللبنانيون وبدونها لا قيامة للبنان .
الى ذلك فإن الامل يتجدد في النواة الصلبة في الوجوه التغييرية الذين خرقوا المنظومة السياسية بكل ترسانتها وقد توزعوا على اكثر من دائرة ومنطقة عابرين للطوائف والمذاهب ، بهم سيبدأ التغيير في البلد ، وبهم ستخطوا الانتفاضة بثباتٍ راسخ نحو المستقبل ،
لتبدأ ثورة الشعب الحقيقية من جديد بعد تكريس حقيقة ان هذا النظام الفاسد لم يعد عاصياً على التغيير والثورة ما عادت مستحيلة .
١٨/٥/٢٠٢٢




الاربعاء ١٧ شــوال ١٤٤٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٨ / أيــار / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نبيل الزعبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة