شبكة ذي قار
عـاجـل










الافتتاحية

ذكرى النكبة ... تؤكد الثوابت المبدئة والاستراتيجية التي أكدها البعث

 

 

هناك مجموعة من الثوابت والعناصر التي يتحدد بها النهج القومي العروبي في مسألة الصراع مع الكيان الصهيوني الذي خُلِقَ مشوهاً وغير قادر على البقاء إلا من خلال الاستمرار بِمَدِّه بعوامل ومتطلبات البقاء والديمومة وهو أمرٌ –وفق منهجية التاريخ- لا يمكن دَوَامُه إلى الأبد.

 

فلسطين، الجزء العربي الأكثر رسوخاً في ضمير العرب ووجدانهم، الذين يعيشون هذه الأيام ذكرى نكبتها الرابعة والسبعين، حين تكالبت كلُّ قُوى الطغيان الامبريالي العالمي ضد الأمة العربية لطعنها في الصميم، كي يستمر نزفها الأبدي لتعيش في دوامة الصراع ليختل توازنها وفاقدة الاستقرار لتتمكن قُوى الشر من الفتك بها واستغلالها واستلاب كل حقوقها الإنسانية.

 

لقد شكلت فلسطين منذ اللحظات الأولى التي توضحت خلالها الأطماع الصهيونية والامبريالية العالمية ركيزة الصراع العربي وأضحت قضية العرب المركزية، وأصبح الموقف من قضيتها هو الفيصل بين المناضل العروبي وبين الخانع الذليل.

 

شغلت القضية الفلسطينية  مكانة بارزة  في  فكر وضمير حزب البعث العربي الاشتراكي وأدبياته، فمنذ تأسس البعثُ في السابع من نيسان من عام 1947 رفع شعار الدفاع عن القضايا العربية، خاصة قضية فلسطين والنضال من أجل تحريرها، وأعلن موقفه صراحة منذ البداية حول هذه القضية القومية، مؤكداً على رفض وعد بلفور وعلى عروبة فلسطين وحقوق شعبها العربي التاريخية فيها، محذراً في حينه من المخاطر التي ستترتب على إقامة  الكيان الصهيوني العنصري القاعدة المتقدمة لقوى التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية  في المنطقة العربية، رافضاً تقسيم فلسطين داعياً لتضافر جهود الأمة قاطبة لمواجهته على ثرى ترابها الطهور.

 

لقد ربط البعثُ ربطاً جدلياً بين قضية فلسطين وبين تحقيق أهداف الأمة العربية، حيث اعتبر ((أن استمرار العدو الصهيوني يعني استحالة تحقيق أي هدف من أهداف الأمة ، مما يستدعي التزام الحزب بقضية فلسطين التزاماً يؤدي إلى تحريرها وتجميع وتحشيد كل القوى من أجل معركة التحرير!)

 

لقد حذر البعثُ منذ تأسيسه من المخاطر التي تهدد الأمة من هذا الكيان المصطنع، وتهدد كذلك تطلعاتها الوحدوية، وشخصيتها القومية، ووجودها الحضاري سياسياً، اقتصادياً، ثقافياً، قومياً، ودينياً، وكذلك ثرواتها الطبيعية، فقرر أن يتوجه مقاتلوه وقياداته لخوض معارك البطولة والفداء عام 1948م في فلسطين تنفيذاً لقرار اتخذه بهذا الشأن لإنقاذ عروبتها من براثن أخطر استعمار استيطاني عنصري وإرهابي، رغم قناعته أن هذه الحرب لم تحظ بالاستعداد والتحضير الجيد لها من الناحية العسكرية.

 

وبعد حرب 1948 أكد البعثُ اهتمامه بقضية فلسطين من خلال تأسيس مكتب فلسطين الدائم في الحزب الذي عمل على إصدار البيانات المتعلقة بهذه القضية باعتبارها قضية العرب القومية والمركزية والعمل على تهيئة الجماهير لخوض معركة تحرير فلسطين واعتماد الحرب الشعبية والكفاح المسلح الطريق الأمثل لها، وتبنى الدعوة لتأسيس الكيان الفلسطيني على اعتبار أنه ضرورة ملحة  لتنظيم عمليات التطوع للجهاد في سبيل إنقاذ عروبتها، تجسيداً لموقفه بعد تأسيس الكيان الصهيوني في أنه وليد الاستعمار والصهيونية، وهو خطر يتهدد الأمن الوطني والقومي، ولأن إقامة هذا الكيان الاستيطاني فيها يعني تمزيق الوطن العربي وتعريض استقلال الأقطار العربية للخطر، حيث يعتبر البرنامج الصهيوني أن فلسطين ما هي إلا البداية لابتلاع الأرض العربية من النيل إلى الفرات.

 

 وسعى البعث جاهداً إلى إبراز الشخصية الوطنية الفلسطينية، وتوحيد كلمة الفلسطينيين، والمحافظة على استمرارية نضالهم من خلال تشكيل جبهة نضالية تحررية فلسطينية باعتماد الكفاح المسلح الطريق العملي على الساحة الفلسطينية وقام بتأسيس منظمات البعث كجبهة التحرير العربية، وطلائع حرب التحرير الشعبية،  اللتان تبنتا هذا الدرب كطريق لتحرير فلسطين، وجرى تدريب هذه المنظمات باعتبارهما منظمتين عقائديتين تنتهجان خط البعث النضالي والكفاحي، حيث  أكدت على ذلك المؤتمرات التنظيمية الحزبية القومية والقطرية على ذلك في فترة ما بعد هزيمة حزيران عام 1967.

 

لقد كان البعثُ مصيباً وصاحب نظرة ثاقبة وعلمية أن جعل فلسطين قضيته المركزية، ولم يساويها بأي قضية أخرى رغم أن كل أرض عربية مغتصبة هي نضال بعثي، لكن خصوصية فلسطين وأولويتها تكمن في خطورة هذا الكيان السرطاني الدخيل الاستيطاني على جسد العروبة.

 

وهذا ما يؤكده قول القائد المؤسس أحمد ميشيل عفلق: (حيث ينبض عرق بالعروبة توجد فلسطين وبكل آمالها في التحرير).

 

ويقول: (إن التجزئة وأسوارها الشاهقة هي التي كانت تحول دوماً دون أن تتجمع القوة الجماهيرية العربية، وإن ما تطلبه الجماهير في هذه المرحلة هو التطابق بين الحقائق التي يكشف عنها التحليل السياسي لهذا الظرف المصيري وبين الممارسة، فمؤامرة التسوية والصلح مع الكيان الصهيوني وتصفية قضية فلسطين لصالح الامبريالية والصهيونية هو التحدي المهدد لوحدة الأمة ومصيرها).

 

ولطالما نبهت القيادة القومية للحزب (نيسان 1956) لخطر الحركة الصهيونية الاستعمارية الغازية على الكيان القومي العربي، مؤكدةً أن الصهيونية تستغل العامل الديني لتسخير اليهود لهذا المشروع بمزاعم وخرافات وأساطير وأكاذيب وأن "الصهيونية غزو ديني لا يشبهه في التاريخ إلا الحروب الصليبية، ولا يقدر على دفعه إلا يقظة الإيمان في نفوس العرب، وتجسيد هذا الإيمان بشكل عملي وفعال".

 

  فإيمان حزب البعث العربي الاشتراكي ينطلق بفكره لتحرير فلسطين كونها قضية قومية تتطلب وحدة المواقف العربية والعرب أجمعين بالالتزام المطلق بقضية العصر القضية الفلسطينية، فتحريرها يعني أنه لن يبقى أي أثر للاستعمار في المنطقة العربية بل يتجاوزها للعالم أجمع.  

 

وقد سجل التاريخ أن فكر البعث ومنهجيته ونضاله، وفكر ونهج قادته ارتبط بقضية فلسطين حتى ليشعر المرء أن البعث وقادته مسكونون بقضية العرب الأولى قضية فلسطين، ولا أَدَلَّ على ذلك من اللحظات الأخيرة من حياة الشهيد الخالد صدام حسين قبل استشهاده، وهو يرفع الصوت عالياً ليُسمع من بهم صمم، وعلى قلوبهم أقفالها أن فلسطين عربية من النهر إلى البحر، وأن قضيتها هي قضية كل العرب.

 

لقد كانت كل مشكلة البعث وقادته العظام مع الإمبريالية الأمريكية وحلفائها من الغرب ما كان يمثله من تهديد للكيان الصهيوني، فأمريكا لا تسعى للاستحواذ على النفط وغيره من الموارد الطبيعية في المنطقة العربية، لأنها هي أصلاً تستحوذ عليها وتنهبها، لكنها كانت تسعى أن تمنع العراق من الحصول على التكنولوجيا التي يريدها ويحتاجها، ليكون قادراً على بناء عراقٍ قوي وأمة قوية، فالقضية كامنة في مدى قدرة نظام العراق على تهديد الكيان الصهيوني في وجوده، فكان كل ما تعرض له العراق والبعث هو نتيجة موقفه المشرف والمبدئي من فلسطين.

 

إن البعث، وفي الذكرى الرابعة والسبعين للنكبة يؤكد مبدئية وصوابية موقفه وصدق نهجه وثباته، لأن أكثر من سبعة عقود مرت على نكبة الأمة ما زادت الجماهير العربية إلا إيماناً ورسوخاً على نهج البعث الذي لم يتزعزع يوماً رغم كل التحديات والأخطار التي واجهها ويواجهها يومياً






الخميس ١٨ شــوال ١٤٤٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٩ / أيــار / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الافتتاحية نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة