شبكة ذي قار
عـاجـل










الانقلاب على الشعارات بين التمسُك بالقانون الانتخابي، وغدر الصوت التفضيلي.

نبيل الزعبي

 

في المهرجان الشعبي الذي أقامه في البيال ٢١/٥/٢٠٢٢ احتفالاً ب "انتصار" تياره في الانتخابات النيابية الاخيرة، جاهر رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل في تمسكه الشديد بالقانون الانتخابي اللبناني الحالي قائلاً :

"لا اخجل أني مساهم أساسي بقانون الانتخاب المعمول على قياس لبنان. والبرهان النتائج التي توزعت على الجميع، القانون على قياس نظامنا وتركيبتنا ولست مستعداً أن أتخلى عنه إلا لأفضل أو إذا انتقلنا فعلاً إلى الدولة العلمانية، عندها نذهب إلى الدوائر الكبيرة النسبية. غير هكذا متمسكين بالقانون".

قد لا يستغرب القارئ هذا الموقف فيما لو كان صادراً عن نائب أقلّوي حديث النعمة في نيابته ، اما ان يصدر عن رأس التيار السياسي العريض الذي يتخذ لنفسه مسمى الوطني والحر ويرأس تكتلاً كبيراً شعاره الاصلاح والتغيير ، والوريث لحالة وطنية امتدت على طول وعرض مساحة الوطن اسمها العماد ميشيل عون ، فإن الامور تنحى الى اكثر من تساؤلٍ واستغراب :

-التساؤل عن المرحلة السياسية الطويلة من النضال في الشارع الوطني التي قطعها التيار الوطني الحر ولم يستفد منها لتكريس قانون انتخابي عصري نسبي وخارج القيد الطائفي من المفترض ان يكون ثمرة "نضال" متراكم بدأت مع التجربة العونية في العام ١٩٩٢، واستكملت في التسونامي النيابي الكاسح عام ٢٠٠٥، الى الدخول في صلب المشاركة في الحكم ورئاسة الجمهورية فيما بعد ، -والاستغراب، كيف انتقلت الحالة العونية من مشروع وطني كبير عابر للطوائف والمناطق ، الى التقوقع داخل حظيرة طائفية ومذهبية في خروجٍ سافر عن الثوابت التي ابتدأت بها مما صار يشكلِ لها انفصاماً كبيراً بين ان تكون وطنيةً وتدعو جماهيرها للمواطنة ودولتها بكل ما للكلمة من معنى ،وبين ان تتحوّل طائفيةً مذهبيةً في تناقض سافر بين الصورة الجميلة التي تتقدم بها للناس ، والاخرى الطائفية التي اضحت حقيقتها الساطعة ،ولا استمرارية لها بدونها.

هل هو شعورُ بالعجز والفشل وراء كل هذا التباهي بانتصارٍ ناقص وتمثيل طائفي غير مكتمل هو آخر ما كان يعمل له دعاة الاصلاح والتغيير دون الاعتراف انهم قد غيّروا من جلودهم عن سابق اصرار وتصميم ، وانقلبوا على مبادئهم يوم انكبّوا على صياغة قانون انتخابي جديد استهلكوا فيه سبعة سنين من الدراسة والتمحيص (٢٠٠٩-٢٠١٦)،ليكون على هذه الصورة التي تشبههم اليوم ، ولا يفاخرون بها سوى لأنها تحلّلهم من كل وعودهم التي قدموها للبنانيين بعد ان كانت كل الطرق معبّدة لهم ليكونوا المرجعية الوطنية الاولى بغير منازع ، متجاوزين كل الهالة التي حظي بها العماد ميشيل عون يوماً ، ولم تكن لتتحقق لغيره من اسلافه السابقين ، لتُكتَب نهايتها بأيادي ابناء التجربة انفسهم الذين فعلوا بها ما عجز ان يفعل الخصوم .

فأن تكون قائداً وطنياً، فأنت مُطَالَبُ ان تكون على قدر المبادئ والشعارات الوطنية التي ترفعها، وأن تكون قد عجزت عن ذلك او تلوثت بمروحة الفساد ، كما تلوّث الآخرون، فليس أمامك سوى الدخول في لعبة النظام الطائفي القائم التي لن تجد نفسك فيها خاسراً البتة ، طالما اطراف اللعبة تُشابِهُ بعضها البعض وتعرف متى تربح وكيف تحافظ على رصيدها الشعبوي الثابت الذي لا يرتوي وينتعش الا بالخطاب الطائفي المذهبي ، ورفع وتيرة التحريض السياسي الذي يحتاج الى طرفٍ آخر ، بل واكثر من طرف يقابله، يتقّن دور الخصومة ، لتتكامل بينهم مروحة الفساد المتعددةُ الاضلاع والالوان التي كلما تزايدت سرعتها ، كلما صعُب التمييز بين الوانها وايُ لونٍ فيها هو الغالبُ على الآخَر .

لقد سقطت كل شعارات الوطنية والاصلاح والتغيير ،وبقيت، فقط مرفوعةً على يافطات القماش الفخم تتزين بها المكاتب والمقرات الحزبية ، ليس ، سوى لذر الرماد في عيون من يتهم دعاة الاصلاح والتغيير بالخروج على المبادئ وطعنها في الصميم ، بعد ان تحول القانون الانتخابي اللبناني الى عامل تقسيم وتمزيق اللبنانيين ونسيجهم الاجتماعي والسياسي ، وهو يشَرّع الغدر بين الحليف والحليف في اللائحة الواحدة ، وكأنه يكرًس في النفوس، ما تم تشريعه في النصوص ليسحب نفسه على كلِّ ما يضع المصلحة الخاصة فوق كل مصلحةٍ أخرى وأولها المصلحة الوطنية والعامة ،

هذا القانون الذي يفاخر به رئيس التيار الوطني الحر ويعلن اُبُوَّة التيار له دون أية مواربة، بينما ترى فيه غالبية اللبنانيين انه القانون الذي يحفظ لكل فاسدٍ حقه في الكعكة اللبنانية، ويوفر له ما يحتاجه من أمان يحميه من كل مساءلةٍ واستجواب، لينعم في ظل دولةٍ عميقة داخل الكيان اللبناني تديرها وبكل دقة وحرفية، منظومة الفساد اللبناني بغير منازع، ويدافع عنها المنادون بالإصلاح والتغيير اليوم جهراً دون خجل!

١٥/٦/٢٠٢٢






الاربعاء ١٥ ذو القعــدة ١٤٤٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٥ / حـزيران / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نبيل الزعبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة