شبكة ذي قار
عـاجـل










بسم الله الرحمن الرحيم

(إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ)

صدق الله العظيم

الخيانة خطر

 يصعب الاحتراز منه


اعداد: د. بدر العنزي


رغم عدم اتفاق علماء النفس على وضع تعريف مُحدد للخيانة إلا أنه يُمكن القول إنّ الخيانة في مفهومها البسيط تعني، نقض العهد أياً كان نوعه، والخيانة، هي تصرُف مذموم ولا أخلاقي لدى جميع الأديان وجميع الثقافات لأنها تنعكس بشكل سلبي على المحيطين بالشخص الخائن إن كانوا أشخاصا أو معلومات أو عهد، لأنه يُعتبر شخصاً غير جدير بالثقة والأمانة وهي أسوأ صفة في الإنسان لما يترتب عليها من قيم أخرى تشكل في مجموعها الأخلاق.

عرفت الخيانة بأنها كسر ثقة شخص ما عن طريق فعل معين من الأفعال مخالف لمعيار الأخلاق والقيم لديه، وأن يكون الشخص غير مخلص لشيء ما أو لشخص من الأشخاص وألا يفي بواجباته ووعوده تجاههم، كما وتعرف بأنها تخييب أمل شخص ما عن طريق بعض الأفعال السيئة وغير المتوقعة، وتعتبر الخيانة من أكثر التجارب المؤلمة التي قد يتعرض لها المجتمع والإنسان خلال حياته، فهي تجلب الحزن والصدمة الكبيرة للشخص الذي يتعرض لها.

الخائن، هو شخصٌ أنانيّ وحقير لا يُراعي مشاعر غيره، فهو يتصرّف تبعاً لمصلحته التي يُفضلها على كُل من حوله مهما كانوا مقربين منه، ولا يضع اعتباراً للثقة التي قد تمنح له.

ومن الأسباب التي قد تدفع الشخص للخيانة هو بُعده عن الدين والأخلاق، ولا يُقصد الدين الإسلامي على وجه الخصوص، لأنّ كافة الأديان السماوية تُحرّم الخيانة وترفض جميع أشكالها، كما أن غياب الخوف من الله عزّ وجل سببٌ رئيسي لدفع الشخص نحو خيانة العهد مع الطرف الآخر، كما أن انتشار الرذيلة وعدم الشعور بالذنب عند ارتكاب الأخطاء لهو من أهم الأسباب التي تُؤدّي إلى قبول الشخص بخيانة غيره.

بعض أشكال الخيانة


خيانة الوطن

 وقد يعتبرها الكثيرون من أصعب أنواع الخيانة لأنّ فيها دماراً مجتمعي وللكثير من الأشخاص داخل الدولة ولا يقتصر تأثيرها على عدد مُحدد، ومن الأمثلة عليها التخابر مع جهة عدوّة للإضرار بأبناء الوطن.

الخيانة قد يختلف مفهومها من شخصٍ لآخر أو من مجتمع لآخر، تبعاً لطريقة التفكير وبيئة المجتمع، فقد يبدر من الشخص تصرفاً سيئاً ولكن لا يصل لدرجة الخيانة بينما يعتبره الشخص المقابل له أو المتأثر سلباً من هذا التصرف بأنه خيانة.

وحتى يتجنب الشخص الخيانة من قبل أشخاص آخرين عليه أولاً أن يعرف بمن يثق، وألا يضع ثقته في أي شخص أياً كان إلا بعد أن يتأكد من أنه جدير بهذه الثقة، ولا يُنصح أيضاً بالثقة الكاملة في أي شخص بل يجب أن تكون الثقة ضمن حدود حتى لا ينصدم أحد الطرفين بخيانة الآخر، فالخيانة تُشكل صدمة لكُل من يتعرض لها.


خيانة الثقة

إحدى أنواع الخيانة الشائعة للغاية والمشهورة بين الناس، وهذه الخيانة تختلف في أشكالها باختلاف طبيعة العلاقة بين الأطراف المعنية، فالناس تعتمد على بعضها البعض، وتعطي بعضها الثقة الكاملة على أمل ألّا تخان هذه الثقة، فالأصدقاء يدلون بأسرارهم لبعضهم منذ الصغر ويشاركون أفكارهم ومشاعرهم، وهذا يرجع أهمية الثقة في بناء العلاقات، ودونها لا يمكن للعلاقات الشخصية العميقة أن تستمر، وتكون خيانة هذه الثقة عن طريق إفشاء الأسرار لشخص آخر، أو استخدام هذه الأسرار والمعلومات لأغراض تضر بالطرف الآخر، وهو ما يؤدي إلى تدهور العلاقة أو انتهائها، وهو ما يسبب الألم والحزن للشخص كذلك.


الكذب

واحداً من أشكال الخيانة، فعندما يتشارك الناس المعلومات فإنهم يعتمدون على صدق الشخص الذي أمامهم في نقل المعلومة ويستبعدون عادة أن يكون كاذباً يقدّم لهم معلومات خاطئة، وتقوم العلاقات جميعها على تبادل هذه المعلومات والاعتماد على موثوقيتها سواء في علاقات الإنسان الشخصية أم علاقاته الرسمية في العمل وغيره، ولذلك فإن مشاركة وإعطاء المعلومات الكاذبة للشخص أو الجهة الآخرى يعتبر شكلاً من أشكال الخيانة، فهذا الأمر ينفي الثقة القائمة في العلاقة ويضر بمصلحة الطرف الآخر.


إخفاء الحقيقة

 فإخفاء الحقيقة يعتبر نوعاً من أنواع الكذب وبالتالي من أشكال الخيانة. 


خيانة الدولة

من أشكال الخيانة المعروفة، فخيانة الوطن تكون عن طريق التحالف مع الأعداء والجهات الخارجية التي تعمل على هدم مصالح الدولة، فيمكن لهذه الخيانة أن تكون عن طريق التحالف الصريح أو الضمني من خلال نقل المعلومات وإفشاء أسرار الدولة والمساعدة بإلحاق الضرر بها بكافة الأشكال، وتقوم هذه الخيانة بشكل أساسي على الإطاحة برئيس الدولة أو بحكومتها، وتنطبق أيضاً على الإطاحة برئيس العمل أو المنظمة التي يعمل بها الشخص.


للخيانة العديد من الآثار السلبية التي تعود على الأفراد بالضرر الكبير، ومنها، المعاناة إذ تؤدي الخيانة إلى تعرض الشخص الذي تمت خيانته إلى المعاناة، وتختلف شدة ودرجة هذه المعاناة باختلاف نوع الخيانة وباختلاف طبيعة العلاقة وأثرها، بالإضافة إلى مدى قرب الشخص الخائن، فكلما كان الشخص عزيزاً أو قريباً كان أثر الخيانة أكبر، وقد يعاني الشخص من هذا الأمر لمدة طويلة مما يؤثر سلباً على حياته وأدائه المجتمعي في مختلف جوانب الحياة.

فالشخص عندما يُخان فإنه قد يخسر ثقته في الشخص الخائن تماماً وإلى الأبد مما يعني انتهاء العلاقة أو الانتقام أو تحولها إلى الطابع الرسمي، ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد يخسر الإنسان الثقة بالناس جميعاً، فلا يعود قادراً على إعطاء ثقته للجميع حتى الأشخاص الذين يستحقونها بسبب الألم الذي تعرض له.


هناك العديد من الطرق التي تساعد الشخص على التخلص من الآثار السلبية التي سببتها له الخيانة، ومنها:


 مقاومة الرغبة في الانتقام

عندما يتعرض الشخص للخيانة فإن أول ما يفكر به هو كيفية أخذ الثأر ممّن خانه، ولكن الانتقام يعتبر من الأشياء السلبية، فهو لن يتيح للشخص أن يتخلص من مشاعر السوء التي خلّفتها الخيانة، بل سوف يجعله أسيراً لها ولانتقامه، ولذلك فإن عليه أن يقاوم هذه الرغبة وألّا يحاول الانتقام، وهذا يؤدي إلى اختفاء المشاعر السيئة المرافقة للخيانة تدرجياً ومن ثم نسيانها، أما الانتقام فإنه يؤدي إلى سحب الشخص إلى الوراء بدلاً من جعله يتقدم إلى الأمام.


الابتعاد عن الخائن

يمكن فعله في بداية التعرّض لهذا الأمر، فالبقاء قريباً منه سوف يعرض الشخص للمزيد من الحزن والألم مما يزيد من رغبته في أخذ ثأره ومعاقبته، أما البعد فإنه يريح الأعصاب ويساعد على النسيان شيئاً فشيئاً، بالإضافة إلى أنه سوف يكون باستطاعة الفرد التفكير بشكل جيد في الأمر الذي حصل.


المسامحة

طريقة لنسيان وتجاوز الأمر السيّئ الذي تعرّض له الإنسان، فهي تريحه من المشاعر السلبية التي ترهقه وتثقل كاهله، وتخلّصه من الأفكار السلبية التي تجول في عقله طوال الوقت، وتتمّ عملية المسامحة بعد أخذ الفرد الوقت الكافي في التفكير ليكون مستعدّاً لهذه الخطوة، ويجب التنويه هنا إلى أنّ المسامحة لا تعني بالضرورة إعادة بناء العلاقة من جديد أو الغفران، وإنما تعني إعطاء المجال للمشاعر السلبية أن تخرج من القلب والفكر الآخر.


لا فرق بين خيانة الضمير وخيانة الواقع إلّا التنفيذ، ثمّة أناس لهم تلك القدرة الخرافية على المشي فوق قلوب الآخرين دون شعور بالذنب، يأتون عندما نكف عن انتظارهم، ويعودون عندما يتأكدون أننا ما عدنا معنيين بعودتهم.

إن الخيانة في حد ذاتها ميتة حقيرة، يسرقون رغيفك... ثم يعطونك منه كِسرة... ثم يأمرونك أن تشكرهم على كرمهم... يا لوقاحتهم، وخائن الوطن من يكون سبباً في خطوة يخطوها العدو في أرض الوطن.

(عندما تحب شيء إن كان الوطن أو أسرتك أو شخص...

وتفعل فعل يلحق الضرر به بشكل مباشر أو غير مباشر دون قصد،

 عليك أن تتراجع وتتوقف عن فعله إكراماً لما تحب، وإن تماديت

 بالاستمرار بفعلك فتوصف بالخيانة لما تحب)


الخيانة أكبر خطر، وليست وجهة نظر، إن تعبت في الخير فإن التعب يزول والخير يبقى، وإن تلذذت بالآثام فإن اللذة تزول والآثام تبقى، وعُدَّ الكسل مثل الخيانة، وإذا خانك الشخص مرّة فهذا ذنبه، أما إذا خانك مرتين فهذا ذنبك أنت.

إن الخيانة سلوك بحد ذاته، سلوك جبان مهما تنوعت أساليبه وموضوعه فهو سلوك حقير ومن أسوأ السيئات وأنجسها، وعلى الذين يحاولون أن يخدشوا العهد والقسم الذي قطعوه على أنفسهم أن يفكروا ألف مرة قبل أن يتحول ذلك إلى فعل وسلوك، والأفضل لهم حين لا يستطيعون الوفاء بعهدهم وقسمهم أن ينسحبوا من المشهد بهدوء دون أن يمارسوا فعل الخيانة (حتى غير المباشرة) فذلك أهون وأفضل لهم وللجهة التي يحنثون بعهدهم وقسمهم لها، إن كان وطناً أو جهة أو أشخاص.

والله من وراء القصد






الاربعاء ١٥ ذو القعــدة ١٤٤٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٥ / حـزيران / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. بدر العنزي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة