شبكة ذي قار
عـاجـل










المنصة الشبابية


انطلاقا من حقيقة ان الشباب هم صناع الحاضر العربي وجوهر قوته وحيويته وهم قادة مستقبله، فقد تم تأسيس هذه المنصة الشبابية لتكون باباً جديداً من ابواب النشر لمكتب الثقافة والاعلام القومي لتطل على الشباب العربي من خلال مناقشة شؤونه وطرح قضاياه الراهنة والتعبير عن تطلعاته المستقبلية. وهي مخصصة حصرياً لنشر كتابات الشباب وابداعاتهم في المجالات الفكرية والثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والاعلامية وذلك لتعميق مساهمتهم في الدفاع عن قضايا امتنا العربية وصناعة مستقبلها. كذلك فان المنصة تعنى بمتابعه ما يصدر من موضوعات ثقافية واعلاميه وفنية في وسائل الاعلام العربية ودول المهجر والتي لها علاقة بقضايا الشباب في الوطن العربي، وترجمة ونشر ما يخدم منها في مواجهة تحديات الأمة وتحقيق نهضتها الحضارية الشاملة.

 

 

في ذكرى رحيله...

قراءة في رؤية القائد المؤسس

للجيل العربي الجديد*

د. نادية الصمادي - الأردن

 

في أكثر من مناسبة تحدَّث القائد المؤسِّس أحمد ميشيل عفلق رحمه الله، عن الجيل العربي الجديد، موضحاً معنى التسمية ومواصفات من تنطبق عليه وما هي مهامه ودوره في نهضة الأمة. وهو لا يعني به مفهومه الضيق المحدد بالسن المبكرة لجيل الشباب بمعزل عن الفعل. وفي هذا يقول المؤسس: لا يُفهَم من الجيل الجديد أنَّه جيل الشباب، اذْ ليس الشباب فكرة، بل هو شرط مناسب لنموها، وقد يكون من الشباب مَن هم أشّد من الشيوخ عداوة ومناقضة للجيل الجديد! من هنا يرى المؤسس أنَّ الفكرة العربية الجديدة لن تتحقق الَّا في نوع معيَّن من الشباب. وهنا يضع تصوره في نتائج كل محاولات البعث التي قام بها في بدايات نشأته والتي تعامل فيها مع الشباب على اساس السنّ، وصفة أخرى هي الثقافة(الاصطلاحية) فقط والتي لم تكن مآلاتها بمستوى الطموح. وقد قادته تلك النتائج الى بلورة مفهوم اصيل للجيل العربي الجديد وتحديد المواصفات التي لابد ان تتوفر فيه كي يستحق هذه التسمية ولتشكِّل انعطافة في تاريخ الأمة ويستطيع بالتالي ان ينهض بمهام نهضتها.

 

ومن هنا فهو يرى أنَّ تحقيق الفكرة(القومية) العربية الجديدة، تكون مشروطة بوجود جيل يمتلك ارادة التغيير ويتوافر فيه فهم معيَّن للثقافة المقترنة بالفعل، ليمثل نوع معيَّن من المثقفين المناضلين. ثم يضع القائد المؤسس معادلة تحدد مسؤولية هذا الجيل، امتازت بالواقعية وكانت في قمَّة الرقي من جهة والانسجام في نفس الوقت مع الواقع الحيّ للأمة، فيوجز هذه المعادلة بما يلي:

في الحالة التي تكون فيها الأمة في قوة ورقيّ، تخف مسؤولية الفرد، حيث يكون قادراً على نفع أمته، وعاجزاً عن الاضرار بها، ولا يكون هناك تناقض أو تقاطع بين أن يكون نافعاً لأمته، وبين انتفاعه منها، بل تتوافق المنفعتان في أكثر الأحيان.

ويضيف محدداً العلاقة بين دور الفرد وتأثيره في مجموع الامة في هذه الحالة فيقول: عندما يحقق الانسان العربي شخصيته، تتحقق على المستوى الجمعي شخصية الأمة كلها، وبالتالي فعندما يقوم الفرد بعمله الخاص، فإنَّه يخدم الحياة العامة للمجتمع. ويعود هذا التوافق بين الفرد والأمة كما يراه المؤسس، الى أنَّها عندما تكون مسيطرة على ظروفها ومصيرها، فإنَّ حياتها تكون ايجابية دافقة بالحيويَّة، لذلك فإنَّ الفرد محمول على الصعود الى مستوى تيارها الصاعد، بما يخدمها بلا عناء ولا تكلّف.

 أمَّا في حالة تأخر الأمة وضعفها، عندها تتضَّخم مسؤولية الفرد، حتى أنَّه يرى كل حركة من حركاته قادرة على الاضرار بأمته، في ذات الوقت تصبح خدمتها بالنسبة له، شاقة وقد تكون متعذّرة، وفي هذه الحالة يكون اهتمام الفرد بحياته الخاصة، ونفعه الخاص، ليس اهمالاً للخدمة العامة فحسب، بل في أكثر الأحيان موجَّهاً ضدّها، فلا يكون الفرد حينها خليةً في جسم الأمة، بل سيكون خصماً لهذا الجسم، لا يقوى الَّا من ضعفه، ولا يسمن الَّا من جوعه.

 

 وفي حالة الضعف، يكون هناك تضارب بين ظروف الامة التي تعيشها، ومصلحتها الحقيقية، وكذلك بين قدرتها وارادتها. بمعنى أنَّ عملها يكون عكس نفعها، وواقعها نقيض حقيقتها. فحياتها سلبية، وتيارها غائر ومنكفئ، وفي هذه الحالة لا يجدي علم بعض الأفراد وكفاءتهم واخلاص البعض الآخر ونزاهته، وغيرة الغيورين، وتضحيات المضَّحين، ذلك لأنَّ الآلة الكبرى للضعف والتخلف قادرة على أن تتحمَّل ما يجري لتهضمه وتطبعه بحركتها، كما يقدر المجتمع الراقي السليم على تحمّل بعض الفاسدين. لذا يرى المؤسس أنَّ كل علم يبقى ضمن إطار هذه الحركة أو الآلة، يكون ناقص، وكل اخلاص مشوب، وكل نزاهة مشتبهة.

إذن ما هو الحل في نظر القائد المؤسس؟ انَّه يكمن كما يقول في أن يكون العلم صحيحاً، وأن يكون الاخلاص تاماً، وأن تكون النزاهة حقيقية، كيما يحرص صاحبها على نظافة أمته، أكثر من حرصه على نظافة سمعته.

 

ويطرح القائد صفة مهمة للجيل الجديد، تتمثَّل في الفرق بين النوايا والأماني المجرَّدة، وبين الأفعال الحقيقية لأفراد هذا الجيل.  لهذا، فإنَّه يرى أنَّ الربط بين الأقوال والأفعال، يخلق أفراداً قلائل، يصمدون بوجه الواقع الفاسد والمتخلف، فيعاكسون السير بالاتجاه الخاطئ لحركة الأمة. وهؤلاء هم النخبة الواعية، التي يتشكل منها الجيل الجديد بفكره ووعيه وتضحياته العملية وليس بسن شبابه وحسب.

 

فعندما يتخلَّى العدد الأكبر من الأفراد عن مسؤوليته، يظهر هنا وهناك الأفراد الذين يتحملون كل المسؤولية، أي مسؤولية الكل. وهنا يرى المؤسس ان أولئك الأفراد يجب أن تتوحّد جهودهم، حتى يكونوا القوة القادرة على التغيير. ولأنَّ الجهد المطلوب ليس آنياً، ولا عادياً، بل هو تاريخيّ، كما انه ليس ممارسة سياسيةً بل هو رسالة، لأنَّه مكلَّف بتصحيح تراكم تخلف وانحراف عصور عديدة ماضية، وتهيئة انبعاث للأمة يؤتي أكله في عصور عديدة مقبلة، فلابدّ اذن من جيل بكامله مهيَّأ لأن يضطلع بهذه المسؤولية، فيبدع في النضال، ويستمر فيه حتى بلوغ اهدافه. هذا هو الجيل العربي الجديد الذي يؤكِّد عليه القائد المؤسس رحمه الله، لتحقيق الرسالة الخالدة للأمة العربية.

 

ويحذر من جهة اخرى من بعض المبالغات غير الواقعية في هذا الشأن فيقول أنَّنا عندما ننسب الى السنّ الشابة قوة خارقة في حدِّ ذاتها، فهذا وهمٌ علينا الابتعاد عنه. لماذا؟ لأنَّه هو نفس الوهم الذي ينتظر انتهاء الجيل القديم، وموت آخر مَن يمثِّله. وهنا يصف القائد المؤسس الجيل القديم وصفاً رصيناً معبِّراً، فيقول: أنَّه ليس مجموع أجسام مسنَّة، بل هو روح وتقاليد قادرة على أن تتجسَّد في الأجيال الشابَّة الى ما شاء الله. فكما أنَّ الجيل الجديد لا يوجد الَّا متى وجِدَت فكرته، كذلك الجيل القديم لا يموت مالم تمُت روحه وتقاليده، أو بالأحرى ما لم تُقتَل بظهور الروح التي تعارضها وتنفيها.

 

 وفي مسألة الاخلاق والفضائل وعلاقتها بالجيل العربي الجديد واهميتها لنجاحه في حمل الرسالة وتحقيق نهضة الامة، يبيِّن لنا القائد المؤسس أنَّ اهتمام البعض الذهني بالأخلاق، وفشلَه العملي فيها، يعود الى أنَّنا نحسبها سبب وهي في الحقيقة نتيجة. وما الفضائل المتعددة التي نطيل في ذكرها، في كتاباتنا وخطبنا، الَّا نتيجة طبيعية لموقف حيوي يجب أن يهيّئه الفكر. ويتجلى هذا في ماضينا المجيد، وفي حياة أبطالنا، فنحن ننظر الى الأبطال من خلال ضعفنا وانحطاط حال الامة الان، لذلك نحمِّلهم أحمالاً لا يتناسب ثقلها مع ما كان لحياتهم من عفوية وطلاقة وتدفق، ولا يتفق تعدد تلك البطولات والفضائل مع ما كان لشخصيتهم من وحدة رائعة. لذا وبقدر تعلق الموضوع بالجيل الجديد، فأنَّنا لا نطلب جيلاً مؤمناً مخلصاً جريئاً صبوراً مضحياً فعَّالاً، بل نطلب جيلاً جديداً، يكون له موقفٌ حيوي جديد، يستنبط هو نفسه الفضائل التي يتضمنها ويحتاج إليها.

 

وعن علاقة الواقع المتخلف بميلاد الجيل الجديد الواعد، يؤكِّد القائد المؤسس أنْ لا نهضة الَّا من الداخل، من رحم المعاناة مع التردي والانحطاط، فمن هذا الواقع الفاسد سيخرج الجيل الجديد، ولكنَّه سيكون نقيض هذا الواقع، لأنه سيولد منه وينفصل عنه.  فميلاد هذا الجيل هو نتيجة الألم، اذ لا يشعر بألم الفساد الَّا مَن عاش فيه وعانى منه.

 

وفي المقابل يضع الرفيق المؤسس رؤيته للجيل المتعالي الذي لا يساهم بالتغيير ويكتفي بالتفرج فيسمه ب (المنحط)، ويصفه بأنَّه الجيل الذي يحكم على الحاضر حكم مؤرِّخ، فيكون المفسِّر لا المؤثِّر، الذي يحوِّل الأسباب الى أعذار، بل قد يحوِّل الأعذار الى مبادئ فلسفية وقواعد أخلاقية!

 

إن الاهتمام والغيرة على الجيل الجديد كما يقول، هي غيرة على المستقبل، وبالتالي فهي تفرض أسلوباً معيَّناً في وضع المسائل ومعالجتها، لأنَّ ثمة فرق كبير بين وضع المسألة بشكل يوصل الى ايجاد أعذار ومسوّغات أو فضائل للجيل القديم، وبين وضعها بشكل يوصل الى تكوين عقيدة ومُثُل ومفاهيم تمكِّن الجيل الجديد من القيام بمهمته التاريخية.

 

وفي رؤيته للعلاقة بين الجيل القديم والجيل الجديد، يذكر المؤسس أنَّ الجيل الجديد لن يتكون الَّا بانفصاله عن الجيل القديم، ليس في الزمن(الاصطلاحي)، بل في الزمن النفسي وكذلك في الجوهر. من هنا ينظر القائد المؤسس الى أصغر تلميذ قابل لأن تتجسَّد فيه الفكرة العربية الجديدة (وهي بعث الامة)، على انه أثمن وأنفع لأمته من أكبر سياسي تقليدي حافل العمر بالحوادث والتجارب. ويستشهد المؤسس رحمه الله بصورة من المشاهد عند ظهور الإسلام، فيقول: أنَّ قيمة المسلم في كونه مسلماً، لأنَّ فكرة الإسلام كانت كفيلة برفعه الى مستواها. وكان فساد المشرك، في كونه مشركاً بصرف النظر عن مواهبه وفضائله، لأنَّ فكرة الشرك كفيلة بخفضه الى دركها، وتهديم هذه الفضائل، وذلك هو الفرق بين فكرة خلَّاقة وفكرة عقيمة.

 

وفي الختام يعطينا القائد المؤسس صورة مشرقة عن العلاقة التفاعلية للجيل الجديد مع امته، فيقول: انَّ الجيل الجديد يؤمن بنفسه، لأنَّه يؤمن بأمته الخالدة، ويؤمن بأمته الخالدة وبقدرتها على أن تغلب انحطاطها، لأنَّه يؤمن بنفسه.   وما دام هو قد خرج منها، فهي قادرة أن تخرج من نفسها، ومادام هو قد ارتفع فوقها، فهي قادرة أن ترتفع فوق نفسها، ومادام هو قد انفصل عنها، فهي تستطيع بعمله وتأثيره أن تنفصل عن نفسها، لتعود الى ذاتها الأصيلة، لتعود الأمة العربية الخالدة، ولكن كل ذلك يشترط أن يكون هناك ثمَّة جيل عربيّ جديد...

__________________________________________

*من كتاب في سبيل البعث للقائد المؤسس، ص 150-157.

 

    

 






الخميس ٢٣ ذو القعــدة ١٤٤٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٣ / حـزيران / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. نادية الصمادي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة