شبكة ذي قار
عـاجـل










حزب البعث العربي الاشتراكي                                                                         أمة عربية واحدة

       القيادة القومية                                                                                               ذات رسالة خالدة

مكتب الثقافة والاعلام القومي

 

 

سلسلة منجزات ثورة البعث

بمناسبة الذكرى السنوية لقيام ثورة السابع عشر من تموز المجيدة عام 1968، يسر مكتب الثقافة والاعلام القومي ان يقدم بهذه المناسبة العزيزة على قلوب العراقيين والعرب جميعاً سلسلة من المقالات التي تتناول بعض جوانب التحولات الجذرية التي احدثتها الثورة والانجازات العظيمة التي حققتها خلال قيادتها للحكم الوطني في العراق للفترة 1968 -2003م.

الحلقة الثامنة عشرة

العقيدة والاستراتيجية العسكرية العراقية

في ظل ثورة 17 تموز المجيدة

العميد الركن فكري سليم

  

مقدمة:

الجيش العراقي الوطني الباسل، جيش الوطن الغالي، وجيش الأمة العربية المجيدة الذي لم تثبت عليه أي ثلمة وطنية أو قومية أو قيمية عبر تاريخ كفاحه المجيد، هو نفسه الجيش البطل الذي أقرت ثورة 17 تموز المجيدة خطة حكيمة لتحديثه وتطوير مفاصل عمله وإعداد مقاتليه بما يمكنهم من مجابهة التهديدات والتحديات كافة ، فضلاً على حماية مكتسبات ومنجزات الثورة العملاقة، وهو نفسه الجيش الذي قاتل المحتل الأمريكي الغاشم بعد أن قدمت جيوشه الجرارة من أقصى غرب هذا العالم الفسيح وعبر ممرات عروبية تحكمت بها قيادات جاحدة في قيم العروبة ومبادي الإسلام الحنيف.

 


وإن من يستعرض قدرات هذا الجيش يقف مذهولاً أمام الأمجاد والبطولات وصور العز والمجد والفخار وملاحم الإباء والشمم التي سطرها بعد أن سجل بأحرف من نور ذلك السجل الناصع من الوفاء لتربة العراق وأرضه ومائه وسمائه. ويشعر بالفخر والزهو لتلك المواقف البطولية في الدفاع عن أرض العراق ووحدته والدفاع عن أرض العروبة.

 

فهذا الجيش أضحى عنواناً للوطن، بل إنه بات مرادفاً للعراق، ولا يذكر اسم العراق إلا وذكر معه جيش العراق الذي سعت ثورة 17 تموز المجيدة إلى تحديد عقيدته العسكرية والقتالية والتدريبة بما يحقق أهداف سياسة الثورة العملاقة، وتبنت بذلك إعداد وتأهيل المقاتلين من القادة والآمرين والضباط والمراتب اعداداُ مهنياً ومعنوياً وعقائدياً، بالوقت نفسه الذي سعت القيادة لزيادة تشكيلاته وتسليحه بأحدث الأسلحة والمعدات، وتنظيمه بما يؤمن سهولة عمله الميداني باتجاه تحقيق الانتصار في سوح الوغى.

 

والعقيدة كمصطلح جاءت من العقد والاعتقاد، وهي العقد الذي يجري بين القلب والضمير من ناحية، والشيء الذي يؤمن به الإنسان من ناحية أخرى. وعموماً فإن العقيدة العسكرية العراقية انبثقت من العقيدة السياسية الوطنية. وقد وصف الرئيس الشهيد المهيب الركن صدام حسين رحمه الله هذه العقيدة بأنها ظل السياسة في الميدان.

والعقيدة العسكرية هي مجموعة من الأفكار والنظريات والقيم والمبادئ التي توجه الاستراتيجية العسكرية (السوق العسكري)، وتنير الدرب لها لتسهيل مهمة رسمها وتطبيقها، ولتتمكن من تحقيق أهدافها. والاستراتيجية العسكرية هي ببساطة علم وفن استخدام القوات المسلحة لتحقيق أهداف السياسة. كما أن العقيدة القتالية تنبثق من العقيدة العسكرية، وهي التي تجيب على سؤال: كيف نقاتل؟، كما أن العقيدة التدريبية تنبثق من العقيدة القتالية التي تجيب على سؤال: كيف نتدرب؟

 

ومن هذه المقدمة الوجيزة يمكننا الدخول لإلقاء الضوء على الأبعاد القومية والاستراتيجية والمهنية والمعنوية والثقافية للعقيدة العسكرية العراقية.

 

البعد القومي للعقيدة العسكرية العراقية

كانت العقيدة السياسية للعراق في الزمن الوطني قبل الاحتلال تتبنى الفكر القومي، وتعتبر الأمة العربية أمة واحدة وتسعى لتوحيدها، ولذا فإن العقيدة العسكرية تبنت عقيدة وطنية قومية تعتبر فيه جيش العراق جيشاً وطنياً وقومياً في آن واحد يلبي النداء في عموم جغرافية الوطن العربي، فهو جيش الأمة العربية أينما تطلب الأمر منه أن يقاتل دفاعاً عنها. وقد استمدت العقيدة العسكرية العراقية مبادئها واتجاهاتها ومداها من تمسك القيادة السياسية بمبدأ تحرير فلسطين من البحر إلى النهر ومن النهر إلى البحر وإزالة الكيان الصهيوني من أرض العرب، مع الرفض الكامل والشامل لكل اتجاهات التطبيع والتطويع، ومحاولات فرض الواقع الصهيوني على العرب للسير على وفق الخطط المرسومة لتبديل وتعديل الخارطة السياسية للمنطقة بما يحقق الهدف الصهيوني المعلن في الاستحواذ والسيطرة والهيمنة على الأرض والإنسان العربي من ضفاف الفرات إلى ضفاف النيل. فالعراق بقيادته السياسية وشعبه وقواته المسلحة كان يؤمن بأن الصراع العربي الصهيوني هو صراع حاد بين إرادتين متناقضتين لا يمكن التوفيق بينهما إلا بالتحرير الشامل والكامل للأراضي العربية. ولعل هذا المبدأ والتمسك به هو الذي جعل الصهيونية العالمية تخطط وتهيئ المستلزمات والظروف كافة الكفيلة لتحطيم أواصر العراق وتهديم بنائه وتهشيم وحدته الوطنية وحل جيشه الباسل.


 

وعديدة هي المواقف التي جسدتها العقيدة العسكرية العراقية في المجال القومي، لعل النموذج الأسمى والعنوان الأبهى قد تمثل في ذلك الاندفاع السريع لجحافل القوات المسلحة العراقية في حرب تشرين الثاني عام 1973م ضد العدو الصهيوني في الجبهة السورية، والبطولات النادرة التي سطرها أبناء الجيش العراقي الباسل من القادة والمقاتلين في الدفاع عن دمشق التي كادت أن تسقط لولا تلك الملحمة التي سطروها في دحر الجيش الصهيوني وتكبيده الخسائر في الأشخاص والأسلحة، وفرض الهزيمة النكراء.

وكل ذلك كان قد تحقق حال وصول طلائع الجيش العراقي إلى أرض الشام برحلة شاقة وعاجلة من أعماق العراق، علماً أن عديد من الدبابات قد عبرت الصحراء الغربية لأكثر من ألف كيلومتر على السرف، وطواقمها في داخلها من أجل المشاركة في القتال تجسيداً للعقيدة العسكرية العراقية ذات البعد القومي. مع العرض أن القيادة السياسية كانت قد تفاجأت بنشوب الحرب، بل سمعت بها من المذياع.

 

 


أما على الجبهة المصرية فكان صقور الجو الأشاوس قد تقدموا في طلعاتهم الجوية بأسراب طائرات الهوكر هنتر على سلاح الجو المصري فدكوا عبر أجواء سيناء مواقع الدفاعات الجوية، والتحصينات الدفاعية، ومعسكرات الكيان الصهيوني وأوقعوا فيها الخسائر الجسيمة، وتقديم الاسناد الجوي القريب للقوات المصرية في اندفاعها عبر الصحراء.

وما الدماء الزكية للشهداء من صقور الجو والمقاتلين على الجبهتين المصرية والسورية إلا الشهادة الحية على عمق الانتماء القومي لجيش العروبة في العراق العظيم التي سعت وسائل الإعلام المأجورة من قبل العملاء والأذلاء والخونة أن تمحو هذه الشهادة عبثاً من ذاكرة الأجيال.

 

البعد الاستراتيجي للعقيدة العسكرية العراقية

ومثلما ذكرنا آنفاً فإن العقيدة العسكرية هي التي توجه بوصلة الاستراتيجية العسكرية على مستوى السوق العام، وإن العقيدة القتالية هي التي توجه العمليات العسكرية والتكتيك العسكري في الميدان (التعبئة). ولما كانت العقيدة العسكرية هي ظل السياسة في الميدان، فقد كانت العقيدة العسكرية عقيدة (دفاعية/ تعرضية) في آن واحد وهي عقيدة مرنة تستند في المجال الدفاعي على عدم التفريط بأي شبر من أرض الرافدين وبأي ثمن، أما في المجال التعرضي فاستندت على استعادة أي جزء يتمكن الأعداء من احتلاله. وبهذه العقيدة المرنة والقادرة على التكيف مع الظروف التي يفرضها الميدان القتالي تمكنت القوات المسلحة العراقية في التواصل بتحقيق الانتصارات.

وإذا ما أخذنا أمثلة حية على اتجاهات هذه العقيدة نجد أن عام 1988م قد شهد تطبيقاً حياً للاستراتيجية العسكرية المعتمدة على هذه العقيدة حيث إبان وطيس الحرب العراقية الايرانية وبعد أن تمكنت إيران من احتلال مناطق واسعة وشاسعة ومهمة من الأراضي العراقية الحدودية مثل مثلث الفاو ومنطقة الشلامجة وجزر مجنون النفطية ومنطقة الزبيدات ومناطق أخرى في القاطعين الأوسط والجنوبي من جبهات القتال، فإن العراق ومن عقيدته الدفاعية التي كانت لا تسمح بأي اختراق أو احتلال لشبر واحد من الأرض اعد خطة عسكرية تعرضيه طموحة كانت من أفضل ما شهدته الاستراتيجية العسكرية العراقية من تطبيق لمبادئ الحرب وخاصة مبادئ المباغتة والتحشد والعمليات التعرضية والأمن والشؤون الإدارية وغيرها ليبدأ تنفيذها في السابع عشر من نيسان عام 1988م بالهجوم على القوات الإيرانية الهائلة التي رتبت دفاعاتها بصورة وبصيغة وبأسلوب وحجم لا يمكن لأي مراقب أو محلل أو قائد عسكري في النظر بعين المنطق العسكري الاستراتيجي إلى إمكانية اختراق الدفاعات والقطعات الإيرانية المحتشدة والمدافعة في منطقة الفاو لما شملته تلك الدفاعات من تحصينات طبيعية واصطناعية متتالية وصعبة ، ولما تضمنته الدفاعات الإيرانية من حشد ناري وبشري هائل. إلا أن القوات العراقية تمكنت من تحقيق نصر عسكري سريع ومباغت خلال ساعات لم تتجاوز الست والثلاثين وليس أياماً.. ففي اليوم الأول من شهر رمضان المبارك انطلقت القوات العراقية من خطوط شروعها وأنجزت مهامها قبل غروب اليوم التالي ثم توالت العمليات التعرضية العراقية في المناطق الأخرى المحتلة الكائنة شمالاً، فاحتشدت القوات العراقية في منطقة الشلامجة بعد أقل من شهر من عمليات الفاو لتجهز على القوات الإيرانية وتحرر تلك المنطقة لتنتقل بسرعة إلى جزر مجنون وتحطم القوات الايرانية فيها وتأسر الآلاف منها، وهكذا استمرت العمليات لتشمل منطقة الزبيدات ثم القاطع الأوسط حتى استعادت كل الأراضي العراقية المحتلة بعد أن أوقعت خسائر هائلة في صفوف وأسلحة ومعدات وتجهيزات القوات الإيرانية والتي فرضت على الحرب أن تضع أوزارها بالنصر العراقي بعد إعلان إيران الموافقة على قرار مجلس الأمن الدولي(598).

 

وكان هذا المبدأ قد تطلب زيادة وتحديث التشكيلات العسكرية كماً ونوعاً، فشكلت قيادات الفيالق وازدادت عدد الفرق المدرعة والآلية والمشاة، وتم تزويدها بأحدث الأسلحة والمعدات، كما لم يكن في بداية الثورة سوى لواء واحد للحرس الجمهوري، مخصص بالأساس لحماية رئيس الدولة والحكومة، إضافة إلى مراسيم حرس الشرف والقيام ببعض المهام الخاصة. فتم القرار على تشكيل قوة النخبة القتالية النموذجية من قوات الحرس الجمهوري حتى وصل تعدادها إلى فيلقين وستة فرق مجهزة بأحدث الأسلحة من الدبابات والمدفعية ووسائل القتال الأخرى. وصممت لتكون مفتاح النصر في  المعارك الكبرى كافة التي خاضتها إبان الحرب الإيرانية العراقية. وعموماً فقد وصل حجم القوات المسلحة العراقية خلال وبعد انتهاء الحرب الإيرانية العراقية من حيث عدد المقاتلين إلى مليون مقاتل مدرب ومجرب، وأضحى جيش العراق رابع أقوى جيش بالعالم، بسبب التفوق العددي والمهني والتكنولوجي. مما دق ناقوس الخطر لدى الكيان الصهيوني الذي خطط بكل ما أوتي من وسائل لاستهداف العراق.

 

البعد المهني للعقيدة العسكرية العراقية

ارتكزت مهنية القوات المسلحة العراقية على ما يأتي:

1.    الجاهزية القتالية:

تبنت العقيدة العسكرية العراقية في ظل ثورة تموز العمل على تحقيق أعلى درجات الجاهزية القتالية التي تعني ذلك المستوى الرفيع أو المتكامل أو العال من الاستعداد المادي والمعنوي لمفاصل القوات المسلحة كافة من خلال جوانبها التدريبية والتسليحية والتنظيمية والمعنوية وفقاً لأحدث الأساليب والوسائل والسبل العلمية والتقنية المتاحة، والتي تؤهلها لتنفيذ مهامها الوطنية والقومية في السلم والحرب. وبالطبع فإن ذلك تطلب التركيز على الجانب النوعي، ومواصلة بناء وتحديث القوات المسلحة على أسس وطنية وعلمية من خلال اعتماد منظومة تنظيمية وتسليحية وتدريبية للقوات المسلحة في إطار البنية المتكاملة التي تقوم على أسس علمية دقيقة لمختلف صنوف الجيش. مع تطوير المعاهد والكليات والمدارس العسكرية التخصصية ورفع نسبة القبول فيها من أجل مواصلة التأهيل والتدريب بصورة دائمة بما يواكب استيعاب العلوم العسكرية والتكنيك العسكري الحديث. فضلاً عن تحسين منظومة التدريب العملياتي والقتالي والتعبوي، وتحقيق أعلى المعدلات من حيث التخطيط والتنظيم والتنفيذ والاستيعاب. واستكمال بناء القاعدة المادية التدريبية في كافة الوحدات وتجهيز مسارح العمليات القتالية من حيث التحصينات والموانع الهندسية.

 

وكان مبدأ تعدد مصادر التسليح من أهم مبادئ العقيدة العسكرية العراقية في منظور ثورة 17 تموز لضمان عدم قطع موارد الأسلحة من جهة محددة واحدة، وكذلك تبني توسيع وتطوير قاعدة التصنيع العسكري لتحقيق أعلى ما يمكن من الاكتفاء الذاتي في العتاد والأسلحة الخفيفة والمتوسطة إضافة لبعض الأسلحة والمعدات الثقيلة.

أما سبل تفعيل الجاهزية القتالية فكان يتم من خلال الانطلاق بالعمل من توجيهات وأوامر وتعليمات القيادة العامة للقوات المسلحة ووزارة الدفاع ورئاسة أركان الجيش، والخطة السنوية العامة للتدريب العملياتي والقتالي، وتعميق مبدأ التنافس الشريف بين المقاتلين وبين الوحدات العسكرية.  وكذلك العمل على إقامة المباريات والمسابقات التدريبية التخصصية المختلفة الرامية إلى رفع مستوى فهم المقاتلين للمعارف العلمية العسكرية للخواص الفنية والقتالية للأسلحة والمعدات والآليات العسكرية واكتساب الخبرات والمهارات القتالية ميدانياً. 

 

وتعتبر الجاهزية الفنية واحدة من أهم عناصر الجاهزية القتالية، ولذا كان يتم التأكيد عليها باستمرار، والحرص على صيانة الأسلحة والمعدات العسكرية وفق الأسبقيات المعروفة للصيانة، الابتدائية، المتوسطة، والكاملة، فالسلاح والعتاد القتالي الحديث يعتبر القوة الضاربة للقوات المسلحة وهو الأساس المادي للقدرة القتالية، ولذلك فإن تدريب المقاتلين على السلاح وإجادة استخدامه كان من أهم قضايا البناء العسكري المهني للجيش، وكانت درجات التأهيل بمثابة المؤشر الحقيقي لمستوى التدريب الفني للمقاتلين.

2.    منظومة اعداد وتأهيل القادة والآمرين

القائد العسكري العراقي بمختلف مستويات القيادة كان يتمتع بخصائص قيادية تؤهله للوصول إلى رفع مستوى ارادة القتال لمقاتليه في حدودها القصوى بغض النظر عن الصفات الوراثية والمكتسبة المختلفة التي ترافق شخصية القائد بوصفه إنساناً. فالعامل النفسي للمقاتلين يبقى العروة الوثقى التي ينبغي تعزيزه من قبل القائد العسكري مهما كان مستواه، مع ارغام شخصيته للتوجه في السلوكية التي تحقق له كشف نقاط الضعف في هذا العامل، وتأمين متطلبات المعالجة السليمة لها.

 

إن القائد الناجح في معايير الجيش العراقي التي كانت معتمدة في منظومة الانتقاء، هو الذي يمتلك سمات الإبداع، والمبادرة، والمرونة، والانضباط النفسي، والثقة، والبت في الأمور، والتحمل، والصبر، والبساطة، ورعاية رجاله رعاية نفسية. وهو بعد ذلك كله القائد العادل، الذي لا تأخذه في الحق لومة لائم، ولا تغويه مغريات السلطة التي وضعت أمانة في عنقه، وهو الذي لا يتأثر بالظروف الخارجية كافة على حساب تحقيق العدالة بين صفوف رجاله، فليس هناك أسلوب لتحطيم ارادة القتال في نفوس المقاتلين أكثر من أن يكون قائدهم بعيداً عن التحلي بروح العدالة.  والقائد الناجح هو الذي يمتلك مهارة الثواب والعقاب، ويعرف كيف يصرفها عندما يتطلب أي منهما التطبيق. وأخيراً فهو القائد الذي ينهل من سجايا وصفات قادة الأمة العربية الذين أفرزهم التاريخ المجيد كل سمات القيادة للقائد الناجح. إن مقاتلي جيش العراق البواسل لم يكونوا بحاجة إلى شيء سوى سلوكية قيادية لقائد ناجح.. وهكذا كان القادة في جيشهم الوطني قبل الاحتلال الغاشم لبلادنا الجريحة. فلم يكونوا ذوي معنويات عالية فحسب، بل كانوا يتسابقون بكل حرص واخلاص لتنفيذ المهام المنوطة بهم سواءً على مستوى الضبط العسكري أو التدريب أو المناورات أو المهام الاخرى، مهما تفاقمت صعوباتها.

 

ولذلك فإن القائد الناجح هو الذي يتمكن من الوصول إلى مستوى تماسك قطعاته، وذلك يتحقق بالطبع عندما تتولد القناعة لدى المقاتلين بأن قائدهم العسكري كفء لهذه المسؤولية. فالقناعة، التي ما أن يتحصن المقاتل بها روحياً وفكرياً، حتى كنا نراه أشد عزماً وأقوى شكيمة وأقدر صبراً. والقناعة لم تكن تحتاج سوى المعرفة التفصيلية لخصائص الرجال، وبعد ذلك زرع الثقة في نفوسهم، ولم يكن قائدهم العسكري يفرط بالتفاصيل الدقيقة التي تسهم في رفع الجانب المعنوي، والمتمثلة بالرعاية الأبوية وحل المشاكل النفسية والشخصية والاجتماعية، واللقاءات المتواصلة واشعارهم دوماً بأنه منهم وليس مفروضاً عليهم، يقاتل معهم لنفس الهدف وبنفس القناعة، وما موقعه القيادي ترفعاً عنهم أكثر من كونه ضرورة تنظيمية مطلوبة. وبعد ذلك كله، لم تكن تغرب عن بال القائد العسكري الناجح تلك الخصائص المطلوبة، فلم يكن عليه سوى محاكاة العقل والمنطق في أفضل اسلوب لتسخير خصائص رجاله على وفق إطار الثقة والقناعة والإيمان بالقتال، ليجسد قيادته فيها من أجل النجاح والنصر مهما كان موقعه.

 

وأخيراً فإن الشرف العسكري كان من أهم العناصر الكفيلة بتحقيق أعلى درجات النزاهة في التعامل بين صفوف أبناء القوات المسلحة، وخاصة بين الأمرين والقادة وبين مقاتليهم، فلا وجود للفساد الإداري أو المالي، ولا وجود للمظاهر السلوكية غير السوية. كما أن القوانين والأعراف العسكرية المعتمدة كانت هي الضامن لشرف الجندية التي يعتز بها أبناء القوات المسلحة في سلوكهم العام سواء داخل اسوار المؤسسة العسكرية أو خارجها.

 

3.    الانضباط العسكري واعداد المقاتلين

يعتبر كل من الانضباط والتدريب العسكري من أهم العناصر الأساسية في اعداد المقاتل في المنهج الذي تبنته العقيدة العسكرية العراقية. فالانضباط العسكري هو بمثابة العمود الفقري للقوات المسلحة، وهو الميزة الأساسية التي تميزها عن باقي مؤسسات المجتمع. وقد برهنت التجارب أن الجيوش النظامية عالية الانضباط هي التي حققت الانتصارات المؤزرة في مسارح العمليات وهكذا كان جيش العراق، جيشاً منضبطاً بامتياز. وتكمن أهمية الانضباط العسكري في أنه الوسيلة الرئيسية التي بواسطتها يتمكن القادة والآمرين من السيطرة على مرؤوسيهم وضمان تنفيذ الأوامر العسكرية بسرعة ودون تلكؤ وفقاً لمبدأ وحدة القيادة.

ويأتي الانضباط العسكري في طليعة قيم شرف الجندية العراقية، ويعتبر من أهم متطلبات العمل الاحترافي العسكري، وبه تميز المقاتل العراقي عن الآخرين. والانضباط يمثل في معناه الأوسع إرادة العسكري بوضع حياته في خدمة وطنه، وفي خدمة الأهداف الوطنية العامة، ومن هذا الباب فإن المقاتل العراقي كان مستعداً لتنفيذ كافة المهام التي توكل إليه مهما كانت، وأثبت تاريخ المعارك التي خاضها سواء في الدفاع عن العراق، أو في المعارك التي خاضها دفاعاً عن الأمة العربية هذا التوجه.

 

 

ومن جانب آخر فإنه لا يختلف اثنان على أن الضبط العسكري في الجيش العراقي كان يعد ركيزة أساسية من ركائز البناء العسكري. فإنه من غير الممكن، بل ومن المستحيل التحدث عن تنظيم وتسليح وجاهزية فنية وقتالية ومستوى عالٍ من التدريب والتأهيل وروح معنوية عالية واستعداد قتالي، دون وجود المستوى المطلوب من الضبط العسكري، ناهيك عن صعوبة حسم الأعمال القتالية في أية معركة حديثة مشتركة أو تقليدية. ليس هذا فحسب، بل وحتى أثناء تنفيذ التدريب اليومي خلال فترة السلم. فالانضباط يعني الطاعة وذي صلة وطيدة بالصبر. فالإرادة والثقة التي يخلقهما الانضباط العسكري تسهمان في تعزيز سمة الصبر لدى المقاتل وهو الدواء الأمثل لأصعب داء.  داء الأزمات والأهوال والصعاب. ولذا فتجد الوحدة العسكرية العراقية المنضبطة هي الوحدة الأقوى والأجدر بنيل النصر دائماً، وشهدت بذلك كافة المعارك التي شاركت بها هذه الوحدات العسكرية ضمن الجيش العراقي الوطني. وكان يتم بناء الانضباط العسكري على أسس المحبة والاحترام والشعور بالواجب والمسؤولية والألفة والإخلاص والثقة بين الجنود وضباط الصف والضباط والقادة، كما كان الانضباط العسكري في الفرد مستنداً على ثقته بنفسه وسلاحه ووحدته وقواته المسلحة والقيادة الحكيمة والواعية.

 

وكان جيش العراق الوطني يركز في كافة مفردات الانضباط العسكري فالتحية العسكرية كانت رشيقة، أنيقة، دقيقة، وموحدة. وهي تمثل التعبير العسكري عن الاحترام والاهتمام والالتزام بالسياقات العسكرية. وهي فاتحة الحديث وباب الدخول للأرفع رتبة ومنبع التميز. أما غطاء الرأس(البيريه)، فكان يجب على العسكريين ارتداءها باعتبارها مكملة لنظام الهندام العسكري. فلا يجوز دخول الأقل رتبة إلى الأعلى بدونها. كما لا يجوز نزعها في الفضاءات والشوارع والساحات. ولا تصح التحية العسكرية بدونها. كما أن الهندام كان موحداً ويتميز بالأناقة والنظافة والتوحيد. كما ترتيب الجلوس كان يجب أن يكون حسب الأقدمية والرتبة والمنصب.

 

وفيما يخص التوقيتات فقد تميز جيش العراق بالدقة المتناهية في الحياة العسكرية، فلا يجوز مثلا التأخر عن التجمع أو عن المحاضرات واللقاءات أو التوقيتات المحددة في البرنامج اليومي للمعسكرات. كما كان هناك بعض القواعد الضبطية الأخرى ومنها، عدم تناول المشروبات والطعام قبل مباشرة قائد أو آمر الوحدة العسكرية، مع عدم وضع ساق فوق ساق أمام الأقدم رتبة ومرتبة، وعدم مد يد المصافحة أو التقبيل للأرفع رتبة إلا إذا بدأها هو.

 

أما التدريب العسكري فقد كان أحد أهم عناصر تنمية الضبط، فحقق زيادة كفاءة المقاتل، وتنمية ثقته بنفسه، وكان السبيل الأساسي في غرس روح الضبط فيه، فبه تقوى غريزة الطاعة والنظام ويتمكن القائد من إصدار الأوامر لتنفيذها الطوعي والغريزي من قبل المقاتلين. ويغرس الضبط عملياً بصورة تدريجية، ابتداء بحركة الاستعداد والاستراحة والدوران والتحية والثبات، مروراً بتدريب المقاتل على تكييف نفسه وفق الظروف المحيطة، وتنفيذ ما هو مطلوب منه وممارسة الضبط في كافة الأعمال اليومية بحيث يحدث انقلاب نفسي في عادات المقاتل ويكيف حياته وفق المتطلبات العسكرية إضافة للمراقبة والمحاسبة لكل مخالفة ضبطية مهما كانت بسيطة وخاصة في المراحل الأولى لفرض الضبط، وكذا الاهتمام بكافة أنماط التدريب، بما فيها، التعليم الأولى والتدريب الجماعي. والتدريب في هذا الجانب يحقق العديد من الأهداف تتمثل بتعزيز الثقة بالنفس والحرص على اللياقة البدنية العالية، وكمال الأجسام، وخفة الحركة، والسرعة، والمرونة ويتم اكتساب كل ذلك بممارسة الألعاب الرياضية، ومزاولة التدريبات المستمرة بجميع أنواعها، وكذلك فإن التدريب يعزز الثقة بالسلاح من خلال التدريب المتواصل على استخدام السلاح وصيانته والمحافظة عليه. ثم أن التدريب يسهم في تعزيز روح الجماعة والفريق الواحد، ويعزز الصبر في نفوس المقاتلين مثلما يدعم الروح المعنوية..

 

البعد المعنوي للعقيدة العسكرية العراقية

الروح المعنوية تعني روح القتال، وروح القتال تأتي في مقدمة العوامل التي يترتب عليها تحقيق النصر وكسب المعارك، لأنها تشمل صفات المقاتلين وأخلاقهم وحسن انتظامهم وشجاعتهم وإخلاصهم وقوة احتمالهم وقدرة قادتهم وكفاءتهم وإيمانهم بأحقية الهدف الذي يقاتلون من أجله. فالقناعة تولد الدافع، والدافع يولد الطاقة. وهذه الطاقة الخفية هي التي تولد العوامل المادية المتمثلة بالاندفاع لتمسك المقاتل بالصبر والشجاعة تجاه التعب والصعاب والمخاطر مهما تفاقم ضغطها. وأن يكون على درجة عالية من الاستعداد النفسي لتحمل المشاق والصعوبات بشجاعة فائقة ومقدرة على خوض الحرب بكفاءة واندفاع. بل حتى في جعل المقاتل نفسه مشروعاً للاستشهاد من أجل عقيدته وهدفه الأسمى.

 

وهذا ما تجسد بالفعل التأثيري الكبير لشهداء جيش العراق الذي ضحوا بأرواحهم في سوح الوغى سواء للدفاع عن أرض العراق أو أرض الأمة العربية جمعاء. فالروح المعنوية العالية هي التي جعلت المقاتل العراقي مستعداً دوماً لبذل آخر قطرة من دمه في سبيل نيل الهدف دون النظر إلى الضرر أو الخطر الذي قد يصيب ذاته. وتميزت الروح المعنوية العالية لمقاتلي جيش العراق الباسل بالتماسك النفسي، والشجاعة الفائقة، والمبادرة والابداع، والانضباط العال، والروح الرفاقية العالية، إضافة للقناعة والإيمان الكامل بالنصر والإصرار على تحقيقه. وقد لعب القادة بمختلف مستويات القيادة والمكتب العسكري ودائرة التوجيه السياسي والمعنوي دوراً تأثيرياً بالغاً في رفع مستوى الروح المعنوية للمقاتلين من خلال غرس الإيمان والقناعة بعدالة القضية التي يقاتل من أجلها الجيش والإعداد المسبق للمقاتلين، سواء كان على مستوى المعرفة بأهداف المعركة أم على مستوى التدريب الذي يحقق دعماً مهما للبناء المعنوي، فكان الجيش يدرك مهمته بوصفها مسؤولية اجتماعية وقضية ضمير قادر على تحمل أعباء التعب البدني والضغط النفسي. كما كان الأمر يشمل التركيز المتواصل على مبدأ الانتماء الوطني وتسليح المقاتلين بالأفكار العلمية والمتطورة وتحصينهم المستمر ضد مختلف الولاءات الضيقة والاتجاهات الفكرية المتطرفة. ومن ناحية أخرى فإن الاهتمام بالمعوقين وجرحى الحرب وأسر الشهداء كان يمثل عاملاً أساسياً أسهم في رفع مستوى الروح المعنوية للمقاتلين.

 

كما ارتكزت العقيدة العسكرية العراقية في دعم الروح المعنوية على جعل الوحدة العسكرية كمسماها نموذجاً مصغراً للوحدة الوطنية، لتضم بين صفوفها ضمن مبدأ خدمة العلم، كافة شرائح المجتمع ومن كافة أطيافه وأعراقه وأديانه ومذاهبه ومناطقه وقبائله. فكافة وحداته العسكرية تشكل فسيفساء جميلة متنوعة، متحدة بالهدف، يسود أبناءها الإخاء والمودة والحب، يجمعهم حب الوطن، وعرض أرواحهم مشاريع للاستشهاد من أجل الحفاظ على شموخه وهيبته وسيادته واستقلاله واستقراره. وتجد ابن البصرة إلى جنب ابن الأنبار والسليمانية والمثنى ونينوى وكركوك وديالى وميسان وكل المحافظات، ينامون في قاعة واحدة، وينهضون للتدريب الصباحي، يتناولون الطعام على طاولة واحدة، ويتحدثون مع بعض بأخوة صادقة وصداقة حميمة، ويؤدون الفرائض الدينية سوية دون أن يعرف أحدهم عن الآخر أو يسأله عن مذهبه أو يناقشه في تفاصيل مؤذية تخرج عن حدود الحاضنة الوطنية. وبهذا التنوع كانت القوات المسلحة العراقية في ظل ثورة تموز قد حققت أعلى وأغلى وسام لها، بانبثاقها من الشعب ورسم الصورة المصغرة له، والتعبير عن طموحاته، وهي بذلك تدرك عالياً مهامها الوطنية الحقيقية المناطة بها كقوة ضاربة بيد الشعب لا تأتمر إلا له للذود عن حياض الوطن وسيادته وأمنه.

 

البعد الثقافي التربوي للعقيدة العسكرية العراقية

تبنت العقيدة العسكرية العراقية مبدأ (العقل السليم في الجسم السليم) في استثمار الآمرين لأوقات الفراغ للاستفادة والاهتمام بمختلف الأنشطة الثقافية والذهنية وتنمية المواهب الفكرية، فاكتساب المقاتل لهذه الجوانب تولد لديه القوة البدنية والعقلية التي من شأنها زيادة ثقته بنفسه، مما يؤهله للقيام بأي مهمة مهما كانت صعبة، وهو واثق من النجاح فيها.

 

وقد تعددت الأنشطة الثقافية والفكرية في عموم القوات المسلحة ابتداء من مستوى الوحدة وحتى المستويات العليا في الجيش، فكان هنالك مديرية التطوير القتالي التي تعنى بإصدار المجلة العسكرية ومجلة آمري الحضائر، والكتب والمؤلفات العسكرية والثقافية المختلفة، مثلما كان هنالك مجلة حراس الوطن التي تصدرها مديرية التوجيه السياسي والمعنوي، وبرنامج التثقيف والمحاضرات اليومية التي تصدرها المديرية لكافة الوحدات العسكرية، وإجراء السباقات السنوية لاختيار شاعر القوات المسلحة، والاحتفاء ببوم اللغة العربية حيث تتوقف الأعمال اليومية في عموم القوات المسلحة في الساعة الأولى من اليوم المذكور للقيام بالنشاطات الثقافية المختلفة من إلقاء المحاضرات والقصائد والتعريف بأهمية لغتنا الجميلة. فضلاً عن إصدار صحيفة رسمية يومية (القادسية) والتي تعنى بالشؤون العسكرية والعامة، وكانت توزع يومياً إلى عموم وحدات القوات المسلحة بمنظومة توزيع دقيقة وسريعة قل نظيرها.

 

وكانت أهمية الوسائل الثقافية العسكرية في التربية تركز على توعية المقاتل بأهمية القوات المسلحة وأهمية تنفيذ الأوامر بدقة وإخلاص. والتأكيد على غرس الاعتزاز بالنفس والافتخار بالوحدة العسكرية. كما كان يتم فيها تعريف المقاتل بالمآثر والملاحم البطولية والسفر الخالد للقوات المسلحة عبر سني كفاحها المجيد ومآثرها الجمة والملاحم البطولية التي خاضتها دفاعاً عن الوطن.

 

وفي جانب آخر فقد كانت القيادة العامة للقوات المسلحة قد أصدرت توجيها إلى عموم الفيالق والفرق والألوية والوحدات العسكرية التي تحمل مسميات المعارك الفاصلة في التاريخ الإسلامي، وأسماء القادة العرب الذين حققوا الانتصارات الحاسمة في التاريخ العربي الإسلامي، بأن يجري التثقيف المركز لكافة المقاتلين الذين ينضوون تحت راية تلك القطعات بوضع لوحة في معسكراتهم تتضمن خلاصة المعركة أو الشخصية العسكرية القيادية التي تم تسمية وحداتهم بها، وأن تلقى المحاضرات ليتفهوا تاريخ ودلالات تلك المعاني الكبيرة لتلك المسميات، ويستلهموا منها القدرات الفذة والشخصية العسكرية القادرة على تحقيق النصر. وكانت الفيالق تحمل أسماء قادة ومعارك فاصلة وعناوين إسلامية كبرى كالرشيد للفيلق الأول واليرموك للفيلق الثاني والقادسية للفيلق الثالث وحطين للفيلق الرابع وعمورية للفيلق الخامس. وقوات الله أكبر للفيلق الأول حرس جمهوري والفتح المبين للفيلق الثاني حرس جمهوري. أما الفرق فحملت أسماء القادة الميدانيين العظام كأبي عبيدة الجراح وخالد بن الوليد وسعد بن أبي وقاص والقعقاع والمثنى والمقداد رضي الله عنهم وغيرهم. كما تم إطلاق تسميات لبعض الوحدات كما في كتائب دبابات علي والحسن والحسين رضي الله عنهم.

 

فوج الامام موسى الكاظم نواة تأسيس الجيش العراقي

 






الخميس ١٥ ذو الحجــة ١٤٤٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٤ / تمــوز / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب مكتب الثقافة والإعلام القومي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة