شبكة ذي قار
عـاجـل










"بائعة الحليب" وسردية حسن النويهي ،غير المُمِلَّة، وهو يروي مأساة الشعب الفلسطيني .

نبيل الزعبي

 

صدر مؤخراً عن مجموعة مرسال الحديثة ( ناشرون وموزعون ) في العاصمة الاردنية ، عمّان ، الطبعة الاولى لرواية "بائعة الحليب"للكاتب الفلسطيني الاستاذ حسن النويهي ، ابن القضية الفلسطينية ، والراوي على لسان بطله عبدالواحد ، الذي حمل معاناة شعبه على كتفيه منذ تفتح وعيه المبكر وهو  داخل الخربوش ، (الخيمة المشكلة من اكياس الخيش وينتصفها عامود )، ثم لينتقل مع عائلته الى ما كان لها الافضل للسكن ، تحت سقف الزينكو في معمل للطوب ،  ليعود ويجد نفسه مع عائلته في عداد اللاجئين الذين شكلُوا الوجه الانساني المعذّب للنكبة مستعرضاً التحديات التي واجهها رب العائلة وشريكته في سبيل توفير الحياة الافضل للفتى بطل الرواية الذي اعادنا في سرديته السلسة الجميلة الى ستينات القرن الماضي وهزيمة الخامس من حزيران ١٩٦٧ ، عام دخوله الى دراسة الهندسة في الجامعة الاميركية ببيروت ، مؤشراً في ذلك الى تحسُن واقع والده المعيشي ليرسله الى بيروت ويدرس في اهم جامعاتها ويتعرّف على جو المدينة والصخب السياسي - الحزبي العقائدي الذي تماوجت به العاصمة اللبنانية التي اتاحت له التعرُف على شخصيات حزبية ودينية لعبت دورها في الحياة اللبنانية السياسية في تلك الآونة كالسيد موسى الصدر والاستاذ جورج حاوي المسؤول الشيوعي اللبناني ، الحزب الذي حاولت احدى العضوات فيه استمالة عبدالواحد اليه  بحكم زمالتها له في الجامعة ، لنعود ونكتشف انه رأى ضالته التنظيمية في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي استقطبته وهو في سنة التخرج الجامعي لترشحه ، بعد لقاء سريع مع مسؤول العمليات الخارجية السيد وديع حداد ،الى دورة عسكرية شاقة في دولة كوبا في الوقت الذي كانت الجبهة محط الاعلام العالمي  اواخر ستينيات واوائل سبعينيات القرن الماضي في تسليط الاضواء عليها في عمليات اختطاف الطائرات كاستراتيجية اعتمدتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين لكسر الطوق الامبريالي -الصهيوني على المقاومة الفلسطينية  ، مستذكراً معركة الكرامة بين المقاومة الفلسطينية والعدو الصهيوني ومنعه من التمدد داخل الاراضي الاردنية ، ليأتي بعدها الى ايام ايلول الاسود في العام ١٩٧٠، والمواجهة العسكرية مع القوات الاردنية والتي مهدّت الى اخراج المقاومة الفلسطينية من الاردن وتوجهها الى لبنان ،

وهنا ينقلنا حسن النويهي او عبدالواحد ،في سرديته الى ابرز المفاصل التاريخية التي شهدتها المقاومة الفلسطينية في تلك المرحلة ، وهو ، وان لم يقرّْ انه مؤرخاً ، فقد سرد لنا احداثاً تاريخية لا يعرفها الجيل الجديد وهي التي غيّرت في مجرى القضية الفلسطينية وكانت من المداميك الاولى الى ادت الى الاوضاع المأساوية التي تعيشها اليوم ، وبالتفصيل ينقلنا الى المعارك الدائرة بين الجيش الاردني والمقاومة في اغوار الاردن واستشهاد المناضل ابو علي اياد صاحب مقولة :نموت واقفين ولا نركع ، ثم يتحدث عن الدور الذي لعبه وصفي التل وزير الدفاع الاردني في استدراج المقاومة الى مواقع جغرافية معينة في الاردن بذريعة حمايتها  ثم يلجأ الى

ضربها بواسطة الحيش الاردني ، وهذا ما دفع ثمنه التل اغتيالاً في العام التالي ،

ليتطرق الراوي خلال ذلك الى مؤتمر القمة العربية الاخير في ايلول من العام ١٩٧٠ الذي جمع فيه عبدالناصر  الملك حسين وياسر عرفات ، بعد تهريب الاخير من الاردن ، للصلح بينهما ،

وبعد ارفضاض المؤتمر بساعات منيت الامة العربية بالموت المفاجئ للرئيس جمال عبدالناصر .

ومن موقع الفدائي المتسلح بالتدريب الشاق والمعرفة والدروس العسكرية المكثفة ، يأخذنا بطل الرواية الى كوبا ، الدولة المعادية للامبريالية الاميركية والتي كانت تمنح وديع حداد امكانية اعداد دورات الضباط على اراضيها ليسجل لنا عبدالواحد وبالتفصيل مراحل هذه الدورة ساعة بساعة مضيئاً على تلك المرحلة من النضال الثوري الذي لا يعرف المساومات والمهادنة ويعد مقاتلين برتبة قادة تمتلك من الوعي الثوري والقدرة العسكرية ما يمكنها من الدفاع عن  القضية الفلسطينية والزود عن حياضها . ومع القراءة الشيّقة ل" بائعة الحليب " او ام غزالة ،الصبية الاولى التي دخلت قلب عبدالواحد في لحظات تفتُح مشاعره على الحب ليُحرَم منها باكراً بعد تزويجها ، يكتفي حسن النويهي باربعة فصول ممتعة بلغة عامية اقرب الى الفصحى وتحمل نكهة فلسطين في مفرداتها ، في ٢٢٢ صفحة من القطع المتوسط والطباعة الجيدة ، لولا بعض الاخطاء الاملائية الطفيفة الناجمة عن الاستعجال في التدقيق ،

لياخذنا معه الى ميشيغان في الولايات المتحدة الاميركية لدراسة الماجيستير في الهندسة المعمارية ويبدأ في تشكيل حياته الجديدة هناك ويعلن ان القصة مفتوحة والتتمة قادمة قريباً في انتاج ادبي آخر سيتناول تجربته الجديدة في بلاد العم سام وادارة البيت الابيض التي مدّت الكيان الصهيوني بكل عوامل القوة والتفوُق العسكري على الجيوش النظامية العربية ، غير ان ما يستوقفنا هنا ، هو الحوار الساخن الذي اجرته معه القنصل الاميركي في لبنان حين سالته : هل تؤيد اسرائيل ، ليجيب هل انا في سفارة الولايات المتحدة ام في سفارة اسرائيل !

ولعل فيما تقدّم يشير الى ان الراوي المعروف بالمصدّي والمخرّب  كما كان اهله ينادونه ، لن يعيش سوى مشاكساً في اميركا وربما لديه ما هو اهم ليقوله في الرواية المقبلة .

يبدأ  عبدالواحد مع بائعة الحليب وينتهي باعترافه لزميلته الجامعية زهراء بحبه لها ويلبس الاثنان محابس الخطوبة على امل العودة والزواج، قبل توجهه الى اميركا ويأخذنا الى مشهدية شرب الحليب المسخّن على الفحم في اميركا ، لنتساءل عن السر في تسمية الرواية ب"بائعة الحليب "،

وهل هو حنين  العودة الى الفطرة والصفاء في زمن كثر فيه باعة الوطن وما عاد الفلسطيني ليشرب سوى علقم  المؤامرة  تلو المؤامرة على قضيته في زمن الركوع والتطبيع ، وهذا ما قصده المؤلف وهو الناقد المتمكن لكل السياسات الرامية الى التفريط بحقوق الشعب الفلسطيني وانهاء قضيته عبر اتفاقية اوسلو وما تلاها .

ختاماً للرفيق حسن النويهي التهنئة المخلصة بانتاجه الادبي الجديد ، والشكر له بتخصيصي نسخةً الكترونية بعد الساعات الاولى لاشهار كتابه في العاصمة الاردنية ، عمّان ، وننتظر منه المزيد من الانتاج الادبي الملتزم في المستقبل .






الاربعاء ٢١ ذو الحجــة ١٤٤٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٠ / تمــوز / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نبيل الزعبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة