شبكة ذي قار
عـاجـل










التيار الإسلامي وعدائه للقومية العربية، شواهد وحقائق تظهر الدور البريطاني – الحلقة الخامسة

 

زامل عبد

 

 من الجدير بالتأكيد هنا إلى أن ما سمي بـ ( الربيع العربي ) كان قد تم استغِلال الحراك الشعبي فيه لحرفه عن أهدافه الشعبية الحقيقية ، باتجاه تنفيذ مؤامرة مخطط لها عن سابق تصور وتصميم لحظت فيها قوى الاستعمار والصهيونية دوراً بارزاً للحركات التي تدعي الإسلام السياسي  لأن عقائدها قائمة على إسقاط أنظمة الدولة المدنية لمصلحة إقامة أنظمة تتخذ من الدين غطاء لسياساتها ومن أبرز من يمثِّل تلك الحركات تياران ، وهما حركة الإخوان المسلمين التي يرتبط بعضها بصيغة أو أخرى خلال السنين الأخيرة بالحكومة التركية ، وحركات وأحزاب الولي الفقيه والتابعة لها بقيادة النظام الإيراني الحالي وكان من أهم الأدوار التي قامت بها ، هو أنها ركبت موجة الحراك الشعبي وقامت باستغلاله وحرفه مستغلة حاجة الجماهير الشعبية للحرية السياسية والعدالة الاجتماعية التي صادرتها أنظمة القمع والديكتاتورية والتي مهدت بمصادرتها تلك لانطلاقة حواضن الحراك الشعبية ، بالنزول إلى الشوارع ، وكان ذلك واضحاً في كل من تونس وليبيا وسورية ، وأكثر وضوحاً في مصر بدأت أقنعة الخداع التي ارتداها نظام ( ولاية الفقيه ) تتكشف وتتساقط تباعاً أمام أنظار المخدوعين من أبناء شعبنا في العراق ، وخاصة في محافظات الجنوب وفي كل قطر عربي حل فيه هذا النظام ، إذ وجدوا أنفسهم عبيداً وخدماً في بلاط ( الولي الفقيه ) الإيراني لا يجدون سبلاً للعيش الكريم ، عندما فقدوا حقهم بالعلم والعمل والأمن والخدمات ، واكتشفوا أن دورهم المرسوم لهم ينحصر في مهمة القتال نيابة عن الحرس الثوري الإيراني ، وبأوامر إيرانية ، ولمصالح الطبقة الحاكمة في إيران  ، عندما بلغ السيل الزبى عند جماهير الشعب ، انطلقت أول ثورة شبابية في بغداد واستجاب شعبنا في جنوب العراق لأصدائها وخاصة في البصرة والناصرية والنجف وكربلاء ، منذ تشرين الأول من العام 2019 وهي لا تزال مستمرة بصيغة أو أخرى ، وتتصاعد على الرغم من كل أنواع القتل التي تعرض لها الثوار الشباب والشابات والذين سقط منهم الشهداء والشهيدات الذين فاقت أعدادهم المئات  كما وفاقت أعداد المعتقلين والمصابين عشرات الآلاف  ، ولم يعد سراً أن من كان يقوم بكل تلك الجرائم في التصدي للثوار هم عشرات الميليشيات الولائية التي تستلم الفتوى من ما يسمى الولي الفقيه ، التي هي عبارة عن صناعة إيرانية ، يقوم نظام ( ولاية الفقيه ) باستخدامها في تعميم وسائل الظلم والجور بأبشع الطرق وحشية وانتقاماً وإذا كان هذا الواقع مما يستهلك عشرات التقارير والدراسات للإحاطة بتفاصيل وقائعه ، فإننا نعتبر أن الثورة ستبقى مستمرة ، ليس من قبيل التمني ، بل لأنها أثبتت ذلك بالوقائع الملموسة ورغم أن الثورة محافظة على سلميتها ، فإنها بالمصطلح الثوري وباكتسابها لشروط الاستمرار قد دقت المسمار الأساس في نعش وجود النظام الإيراني في العراق وهي دلالة لا شك فيها ، على أنها ستساهم في تجفيِف وسائل الدعم المالي والبشري للنظام الإيراني ، كما ستجرده من البيئة الشعبية الحاضنة له على أرض العراق ، وكذلك من الرابط اللوجستي الجغرافي الذي يربط طهران بدمشق وبيروت فإذا جفت السرقات من ثروات العراق ، وإذا انقطعت وسائل التواصل مع ما يزعم نظام ( ولاية الفقيه ) أنه أصبح عمق ا للإمبراطورية الفارسية ، فإن ذلك يعني قطع وسائل الإمداد الإيراني لهذا العمق مما يؤدي إلى أضعافه تدريجياً حتى يبلغ درجة الصفر  ،  اتّسمت مرحلة ما بعد الأربعينيات بتبلور الأيديولوجيا (  العروبية  الإسلامية ، الشيوعية  )، وبدأ الاصطفاف الأيديولوجي يتأسس ليس على مجرد الآراء والقناعات الأوليّة فحسب  بل على نظريات فكرية وثقافية ، تستقي مضامينها من المرجعيات المعرفية لكل طرف ، فلم تعد العروبة -  وفقًا للقوميين - مجرّد انتماء إلى كيان ما ، ولم تعد – كذلك - مجرّد مواقف سياسية حيال حالة ما ، بل أضحت نظرية متكاملة بنظر أصحابها ، تتضمن مشروعًا نهضويًا يحمل تطلعات الأمة بالوحدة والنمو والازدهار والقوة ، وكانت الترجمة العملية لتلك السيرورة هي ولادة أهم التنظيمات والأحزاب القومية في تلك الفترة ( البعث – الناصرية )  وبموازاة ذلك ، بدأ التيار الإسلامي أكثر بلورةً مع الحضور الذي جسّده ( الإخوان المسلمون ) آنذاك  بتوجههم المنهجي الجهادي الذي أفصح عنه ( سيد قطب ) بكل وضوح  ، وعلى الرغم من كثرة الأدبيات التي سطّر فيها الطرفان - القومي والإسلامي - سجالات وحوارات كثيرة ، حاول فيها كلا الجانبين أن يبرهن على صوابيه نظريته  فإن هذه الحوارات  - على أهميتها - لم تكن تهدف إلى فهم كل طرف للطرف الآخر ، بقدر ما كانت تنزع نحو إفحام الخصم ، ولم يظهر في تلك الحوارات أيّ نزوع من كلا الجانبين ، نحو التكاملية في مقاربة الحقائق ، ولذلك غاب البعد المعرفي للحوار وساد الخطاب الأيديولوجي الذي قلّما ينتج أي منجز معرفي  ، العقم الذي انتهى إليه سجال الأيديولوجيا ناتج -  كما يرى كثيرون - عن أسباب تعود إلى ماهية الأيديولوجيا ، باعتبارها تجسيدًا لمعتقدات وقناعات قارة في الذهن ، وليست مجرّد أفكار خاضعة لنسبية الخطأ والصواب ، أضف إلى ذلك أن مشروعية تصورات الطرفين - القومي والإسلامي - كانت متكافئة ولكن غياب النزعة التكاملية في الفهم والمعرفة قد أبقى قناعات كلا الجانبين في حالة تنابذ وعلى الرغم من التباين والتناحر بين العروبيين والإسلاميين على مستوى الأيديولوجيا منذ العقود الأولى في القرن العشرين حتى وقتنا الراهن ، فإن ثمة سمات مشتركة بين الجانبين ، منها ما يتعلق بطبيعة التفكير وآلياته ، كاليقينية ، والشمولية والموثوقية ، وهذه السمات تكاد تكون مشتركة لدى كل الأيديولوجيات ولا تنحصر لدى الإسلاميين والعروبيين فقط  ، وثمة سمات أخرى ذات صلة ليس بالتصورات فحسب  بل باليات عمل كل من الإسلاميين والقوميين ، ابان سعيهما معا لتجسيد أهدافهما ، ولعل من أبرز تلك السمات  {{  أولهما مفهوم الدولة  فثمة معايير متماثلة ثابتة لم تغادر المخيلة ( العربية الإسلامية ) في أي تصور لشكل وطبيعة الدولة  لعلّ أبرزها اتساع الجغرافيا باعتبارها مقياسًا لاتساع النفوذ دون إعطاء أي أهمية أو اعتبار للخصائص النوعية لتلك الجغرافية  وأعني بذلك تجاهل المناخات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسكانية لكل  الأقاليم ، أو المناطق ، أو الأقطار التي يمكن أن تنضوي في الدولة الواحدة  ،  ولا شك في أن هذه النظرة تنبثق من إيلاء الأهمية للمشروع السياسي للدولة دون إيلاء أي أهمية لمصالح الأقاليم أو البلدان الأخرى ،  وكما أن المسلمين ما يزالون يحتفظون بالصورة اللامعة للدولة الإسلامية الممتدة من الصين شرقًا حتى الأندلس غربًا ، وكذلك القوميون لن يرضوا دون أن تكون الدولة العربية ممتدة من المحيط إلى الخليج  ، مشروع حيازة الجغرافيا ، ثم إحكام السيطرة عليها ، ينطلق من الدولة ( النواة ) التي هي غالبا ما تكون عاصمة الخلافة عند الإسلاميين ، تقودها حكومة ذات مركزية هرمية ولعلّ خير من جسد هذا التصور في الإرث النظري للقوميين هو الدكتور نديم البيطار في كتابه (  من التجزئة إلى الوحدة )  ، حيث يشيد نظريته في بناء دولة الوحدة على ركيزتين اثنتين هما  ( الإقليم القاعدة ، الشخصية الكاريزمية ) وقد وجد الرجل لركيزتيه قرينتين تؤيدان طرحه الوحدوي آنذاك ، وهما  مصر كالإقليم القاعدة  والراحل جمال عبد الناصر الشخصية الكاريزمية  -   ،  وثانيهما النظر إلى الدولة على أنها كيان يستمد مقومات قوته وبقائه من قدرته على إخضاع المجتمع وإجباره على خدمة مشروعه السياسي – السلطوي في غالب الأحيان ، أي إن قوة الدولة لا تتقوم على تماسك وصلابة التماسك الاجتماعي وقدرتها على تلبية الحاجات المجتمعية ، والتي تفضي إلى علاقة تفاعلية بين الجهتين ، بل تتقوم على انقياد المجتمع لمشيئة الدولة وتسخير طاقاته كلها لخدمتها ، الأمر الذي يؤدي إلى نتيجتين حتميتين -  انفصال الدولة عن المجتمع ، ثم اختزال مشروع الدولة بمشروع السلطة ولم يعد ولاء الفرد للدولة -  وفقا لهذا المنظور منبثقا من شعور الأفراد بسعي الدولة للاستجابة إلى حاجاتهم وتطلعاتهم ، بل من دأْب الدولة إلى امتثالهم أو انصياعهم لمشروع لا يرون فيه سوى أنه يجسد مصالح من يحكمهم ولعل هذا التصور العام لمفهوم الدولة ما زال يمتح من مرجعيات سالفة لم يعد بمقدورها الاستجابة لواقع مغاير لأزمانها الغابرة ، وأعني بذلك النموذج الإمبراطوري للدولة ، الذي ما زال يعد النموذج الأرقى لجميع أنظمة الحكم ذات الأيديولوجيات الشمولية  }}

 

يتبع بالحلقة السادسة

 






الاحد ٢٥ ذو الحجــة ١٤٤٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٤ / تمــوز / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب زامل عبد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة