شبكة ذي قار
عـاجـل










(الحزب الإسلامي)  وعدائه للقومية العربية  شواهد وحقائق تظهر الدور البريطاني  - الحلقة السادسة

 

زامل عبد

 

إيمان البعث أن مفهوم الوحدة العربية جاء ردًّا على واقع التجزئة الذي فرضته السياسات الاستعمارية على الوطن العربي ، وبالتالي فإن جميع الكيانات أو الأقاليم التي كانت جسدا واحدا ثم تقطعت إلى أوصال بفعل الإرادات الاستعمارية الغربية ، هي كيانات لا تحظى بشرعيتها كدول قائمة بذاتها بل هي كيانات تجسد حالة راهنة أو طارئة فرضها الاستعمار ، وذلك ما أُطلق عليه في الأدبيات القومية بمصطلح ( الدولة القطرية ) ومنذ ذلك الحين  اتسم هذا المصطلح بانطباع سلبي على الدوام ، فالدولة القطرية باتت مصدر إيحاءات ذهنية ونفسية عديدة  فهي رمز للتجزئة والضعف والتخلف ، بل باتت في نظر البعض مصدر الشرور والبلاء كافة ، ولهذا فهي لا تستحق الاهتمام في بنائها وتطويرها ، لأن هذا المسعى  كما يرى البعض  يجسد تكريسا لما سعى إليه الاستعمار ، فهي في أفضل حالاتها ليست أكثر من حالة راهنة ، يجب تجاوزها إلى بناء كيان قومي موحد تجتمع فيه الأوصال ( الكيانات القطرية ) ، وذلك الكيان الموحد ( الدولة العربية الواحدة ) هو ما يستحق الاهتمام ويوجب التطوير  ، ولعل ما يماثل هذا التصوّر قد لازم مشروعهم المتخيل أيضا ، إذ لا يرى الحزب الإسلامي أن طموحهم السياسي يمكن اختزاله ببناء دولة في بقعة جغرافية محددة من العالم ، بل إن الدولة الإسلامية المنشودة هي التي ينضوي تحت لوائها المسلمون جميعًا ، وليست التجارب الإسلامية في هذا البلد أو ذاك  الا حيزا جزئيا ، لن يكتمل إلا بانتظامه أو التحامه بالأجزاء الأخرى ، التي تشكل جميعها دولة الإسلام  ، لعلّ السمة المشتركة لكلا التصوّرين السابقين هي تجاهل ما هو واقعي ومحسوس ومعاش ، واستمرار التفكير فيما هو متخيل وكذلك تجاهل الحقيقة القائلة  إنّ مشروعية أي حلم ، إنما هي مشروطة بسلامة حوامله الواقعية الملموسة  ،  كان من الممكن للتباينات السياسية بين الطرفين أن تبقى محصورة في حقل السياسة ، دون أن تمتد إلى القناعات الفكرية   وذلك بحكم ارتباط السياسة بالمصالح والمتغيرات (  الدولة القطرية ) لدى القوميين  ما قبل نشوء البعث كوليد قومي نتاج الحاجة ورد على كل متناقضات الواق العربي  المفروض بفعل معاهدة سايكس بيكو  والنظام العربي الذي اوجده المستعمر لتمرير اجندته  و ( الولاية الإسلامية القائمة أو المُفترضة ) لديهم بمختلف مشاربهم وان كانوا ينطلقون من ذات الفكرة والهدف المرسوم من زرعها ضمن المجتمع العربي  ،  واللتان لا تجسدان سوى واقع مذموم ، وطارئ أو مؤقت لدى الطرفين ، ما هما - في حقيقة الأمر-  سوى الواقع الذي ضحّى به الطرفان ، امتثالًا للحلم الذي تثبت الوقائع والمنطق معًا - يومًا بعد يوم - طوباوية وعدم جدواه فالكيانات الراهنة ، في نظر الحزب الإسلامي والقوميين ، وهي في واقع الحال هذه الدول التي نعيش في أكنافها ، لم تبدُ سوى دول مهترئة وهشة ، ومبعث هشاشتها ليس بسبب عدم توحّدها ، كما يوحي به خطاب الأيديولوجيات ، بل بسبب افتقارها إلى مجمل النواظم القانونية والاجتماعية والأخلاقية التي تحدّد العلاقة فيما بين الأفراد بعضهم البعض ، أو بين الفرد والدولة وكذلك بسبب افتقار مواطني هذه الدول إلى الحصانة الإنسانية التي تتقوّم على الحريات بكل أشكالها ، وعلى مبدأ المواطنة والديمقراطية وسيادة القانون ، هذه الحصانة هي المؤسس الحقيقي لمفهوم الوطنية الذي سبب غيابه بروز مجمل التناقضات العرقية والطائفية والسياسية التي تستنزف طاقات الشعوب ، فضلًا عن أن التجارب الوحدوية الأكثر نجاحًا عبر التاريخ ، هي تلك التي تتأسس على وحدة المصالح وتكامل الاقتصاد وتلبية الحاجات المجتمعية ، وليست تلك التي تتأسس على خطاب أيديولوجي مبعثه الدين والثقافة واللغة وحسب  ، السمة الأبرز بين الأيديولوجيات الشمولية جميعها هي تجاوزها لتموضعات الجغرافية المحلية ، وسعيها نحو الامتداد والانتشار  - كما يطلق عليها وصف عابرة الحدود  - ،  وذلك ووفقًا لمحدداتها الفكرية والسياسية ، ووفقا لمعالم مشاريعها التي تسعى إلى تحقيقها ، ولتحقيق هذا المسعى ، كان لا بد من إيجاد حوامل مؤسساتية تعمل على تنظيم الآلية المناسبة لنشر الأفكار والترويج لها ، ومن ثم تعمل على كيفية تنظيم واصطفاف الحواضن الشعبية لتلك الأفكار ، وهذا ما يمكن أن نطلق عليه الأطر التنظيمية أو الحزبية وسأكتفي بالإشارة الوجيزة إلى تجربتين حزبيتين  واحدة قومية ، والأخرى إسلامية   ، تمكن حزب البعث العربي الاشتراكي أن يقبض على السلطة في بلدين عربيين  ،  هما العراق  وسورية ،  وذلك من خلال ثورتين  ثورة 8 شباط 1963  - 14 رمضان -  والردة المشؤومة التي وئدت الولادة الثورية الاصيلة لتصويب مسار ثورة 14 تموز 1958  التي حرفها الشعوبيين عن مسارها وأهدافها  والثورة البيضاء في 17 - 30 تموز 1968 وما شهده العراق من تجربة قومية وطنية وانجازات أسست قاعدة الانطلاق لتحقيق المشروع القومي الذي نادى به البعث الخالد منذ التبشير وبيان التأسيس وكان لتحالف نصارى يهود وعرب الجنسية والصفويين الجدد نهايته تجربتها وانجازاتها لإيجاد التوازن الإقليمي بالغزو والاحتلال  الذي تعرض له العراق سنة 2003 ، والتجربة الثانية للبعث الثورة السورية في 8 آذار 1963  وما اعقبها من انحراف تحت عنوان التصحيح  وتوالي حكم عائلة الأسد وتحالفها مع الصفويون الجدد وذراعها حزب الله اللبناني  ،  والى اليوم وما رافقه من تزوير وتحريف وادعاء اضر بالمشروع القومي العربي الذي كان هو الحل الجذري لكل متناقضات الواقع المفروض على الامة العربية من وعد بالفور وحتى الغزو والاحتلالين سنة 2003  ،  تمكن المدعين بإسلاميتهم من انجاز الاجندة المعادية للدين المحمدي النقي من كل الشوائب والتحريف ، وتؤكد قوى الإسلام السياسي كافة -  الجهادية  ! منها والدعوية - ، أنها تستوحي أهدافها وغاياتها من مرجعيات نصية مقدسة كما تؤكد أن من مهامها تنفيذ أوامر الله على الأرض ، ولئن اجتهدت هذه القوى في صياغة بعضٍ من شؤونها التنظيمية أو الإدارية ، نتيجة حاجات تكتيكية تقتضيها ظروف العمل ، فإن اجتهادها حول المسائل الأساسية ، كالغايات والأهداف الكبرى والأولويات ، يبقى مشروطًا بقرائن نصية ولعل هذا الأمر يجعلنا ندرك  بيسرٍ منهجية الاخوان المسلمين

يتبع بالحلقة الاخيرة

 






الثلاثاء ٢٧ ذو الحجــة ١٤٤٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٦ / تمــوز / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب زامل عبد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة