شبكة ذي قار
عـاجـل










فلسفة الفساد التي حفرت في المجتمع اللبناني منذ زمن بعيد

بلد السمسرات ونهب المال العام :

من يقلب الطاولة على الجميع!


نبيل الزعبي

ثمة رواية مضحكة مبكية يعرفها ابناء طرابلس المخضرمين لثلاث أو أربع عقود مضت ،تتحدث عن موظف في احدى الدوائر المالية كان يُطلَق عليه لقب (الحمار)،وكان ذلك يستثير حفيظة العاملين في الشأن العام الذين دفعهم فضولهم لتقصي حقيقة هذا الموظف ليتبين انه من اشرف وانقى الموظفين في عمله ولم تكن لديه من مشكلة سوى انه نظيف الكف ،لا يرتشي ولا يساوم على معاملة لمواطن يقصده ،اي مواطن ، الامر الذي شكّل تحالفاً وظيفياً مضاداً له بتشبيهه ب (الحمار) وهكذا كان في نطاق  تكريس ثقافة جديدة  للفساد يعيش اللبنانيون ابجدياتها وفيها ،ليس ما يندى له الجبين وحسب، وإنما ما يدعو الى الحفاظ على ما تبقى من اخلاق وظيفية ومناقبية في الإدارة العامة تحد من استشراف نفوذ الفاسدين وفضحهم وتعريتهم واقل ما يجب أن تتخذ من اجراءات بحقهم هو مصادرة املاكهم المنقولة وغير المنقولة ليكونوا عبرةً لكل من يتسلم وظيفة عامة بعد اليوم .

 فالفساد في لبنان لم يكن وليد هذه الايام البتة وانما حفر بمروحته المتعددة على مدى عقودٍ متعاقبة من السنين أقلها منذ الاستقلال المزعوم الذي بدأ بعهد الرئيس بشارة الخوري والصفقات التي كان يبرمها شقيقه الذي اتخذ مسمى السلطان سليم عن "جدارة "اكتسبها في استغلال عهد أخيه ودفعت إلى اسقاطه بعد مرور نصف مرحلة التجديد الثاني له، وفي عهد الرئيس الراحل فؤاد شهاب وبالرغم مما حقق من انجازات مؤسساتية ليس من الممكن انكارها،

فإنه لم ينكر في ذات الوقت ان الفساد موجودُ والدليل على ذلك ما كان يُنقَل عنه وهو يخاطب بعض الموظفين عن أحوالهم بالسؤال عن "البرّاني" الذي يجنيه خارج الوظيفة.

أما أيام المكتب الثاني صاحب اليد الطولى في عهدي شهاب وشارل حلو، فقد انشأ طبقة من المخبرين وكتبة التقارير ألذين اعتمدوا على شريحة كبيرة من قبضايات الاحياء واصحاب السوابق وعضلات العشائر، ولم يوفر منطقة لبنانية دون افساد حياتها السياسية إلى درجة أن الرئيس صائب سلام حرص على أن تكون أولى مهام حكومته في عهد الرئيس سليمان فرنجية أن يداهم غرفة التنصت للمكتب الثاني ويصادرها على مرأى من الشعب اللبناني منهياً تلك المرحلة المخابراتية من الحياة السياسية اللبنانية، غير أن أولى مطبات ذاك العهد(الفرنجياوي) تظهرت مع بداية حكومة الشباب عندما تم الاطاحة بوزير آدمي اسمه الدكتور إميل البيطار الذي لم يصمد امام تحدي مافيات الدواء فدفعته للاستقالة ، لتغرق الحكومة بعدها في مطب خيبة الامل وتفشل في تحقيق الصدمة الايجابية للعهد بالتغيير وليختتم بحرب اهلية داخلية امتدت سبعة عشر عاماً اعتقد اللبنانيون انها انتهت مع مؤتمر الطائف الذي عدّل في الدستور اللبناني فطُبّقت بنود واهملت  أخرى لتدفع الديمقراطية  اللبنانية اثمان الغائها لمصلحة طوائف ومذاهب نقلت  ثقافتها الميليشياوية الى الجسم البرلماني اللبناني لتمارس ابشع انواع الديكتاتوريات والفساد على المكشوف تحت مسمى الديمقراطية التوافقية وميثاقية الطوائف وحكومات الوحدة الوطنية وتوزعت الوزارات الى احزاب تشبثت بها وكأنها ملكية حصرية لا تقل فساداً عن الملكية الحصرية التي تصادر دواء وغذاء الناس لتطال لياليه الطويلة التي أُغرِقَت بظلام العهود المتتالية، والغيت المؤسسات التشريعية والتنفيذية لمصلحة امراء طوائف لا يتجاوزون اصابع اليد الواحدة في العدد  لتمتد العدوى الى القضاء وهل بعد ضرب القضاء من افساد!

هل من فساد في بلد الأرز وتصدير الابجدية، أكثر من امتهان كرامة اللبناني واسترخاصه سياسياً، والنظر الى كتل بشرية بأكملها على انها قطيع في حظيرة، وفائض انتخابي يباع ويشترى في سوق نحر الديمقراطية المشرّع بالعُرف والامر الواقع.

هل من بصيص امل وينتفض الجسم القضائي اللبناني على نفسه ويخرج قاضٍ "انتحاري "أو أكثر يتصدون لمافيا الفساد على غرار ما جرى في إيطاليا.

أم هل نُفاجأ ببلاغٍ رقم واحد يصدر عن المؤسسة العسكرية بعد ان بلغ السيل الزُبى وبدأ العسكر يجوع وبات من المستحيل عليه زجّه في مواجهة شعبه الجائع في الشارع.

هل التحقيق الجنائي يكفي لاستعادة الاموال المنهوبة ،ام انه بالون دعائي لعهدٍ فاشل يبحث عن خشبة خلاص تحفظ له ماء الوجه امام من علقوا عليه الآمال العريضة وخاب الرجاء به.

هل تخرج الطوائف عن وصاية من يتاجر بها بعدما تساوى اللبنانيون جميعا ،طوائف ومذاهب وطبقات ومناطق في الجوع وصاروا سويةً في القهر والمعاناة.

وإلى أي مدى يستطيع فائض القوة ان "يروّض" الخارجين عن ارادته ،والشعب ما عاد يمتثل سوى لجوعه ،وعندما يجوع الشعب يأكل حكامه وكل المتحكمين بمصائره .

أمام كل ما تقدم من سيناريوهات مقبلة على اللبنانيين غداً نقول: من سيقلب الطاولة على الجميع !!


*مهداة الى روح شهداء تفجير الرابع من آب .






الجمعة ٧ محرم ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٥ / أب / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نبيل الزعبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة