شبكة ذي قار
عـاجـل










قرية العراقيب رمز الصمود الفلسطيني التي أعيد بناؤها بعدما هدمتها اسرائيل 204 مرة


في الوقت الذي نرى بعض الأطراف العربية تلهث وراء التطبيع مع الكيان الصهيوني وهي ليست مضطرة الى هذا التنازل الكبير، بل لمجرد انها لم تبدي صمودا كافيا أمام الضغوطات الأمريكية في عهد ترامب التي حثت الدول العربية على تغيير سياساتها باتجاه هذا السلوك الشاذ. أو لأنها تعتقد بصورة واهمة قدرة هذا التطبيع على توفير حماية كافية  لنظامها السياسي ضد التدخلات الخارجية  وخاصة التي تأتي من تمدد النفوذ الايراني. لكنها بالمقابل تتناسى أن سياستها التطبيعية تدفع بالكيان الصهيوني الى الغرور والتمادي في التنكر لحقوق الشعب الفلسطيني في أرضه المغتصبة ولا تثنيه عن سياسة الاستيطان المستمرة لابتلاع المزيد من الأراضي العربية. ومن الممارسات المجحفة بحق الشعب الفلسطيني نتحدث اليوم عن قرية فلسطينية بسيطة في منطقة النقب اسمها العراقيب عمدت قوات الاحتلال على هدمها مؤخرا للمرة 204 مرة على التوالي، منذ هدمها لأول مرة يوم 27 تموز عام 2010.  أي أن اسرائيل تقوم بهذه الجريمة النكراء بصورة مستمرة لمدة 12 عاما ولكن بعد كل عملية هدم تنهض قرية العراقيب من جديد بسواعد أبنائها .و تعتبر عملية الهدم الأخيرة هي المرة الثامنة على التوالي منذ مطلع العام 2022 بعدما هُدمت 14 مرة في العام الماضي 2021. وبعد كل عملية هدم يعيد الأهالي نصبها من جديد مستخدمين الأخشاب وغطاء من النايلون لحمايتهم من الحر الشديد في الصيف والبرد القارس في الشتاء، متحدين بذلك المخططات الصهيونية لاقتلاعهم وتهجيرهم من أراضيهم.  ومؤكدين أن ممارسات قوات الاحتلال الإسرائيلية لجرائم هدم مساكن أهالي القرية، لن تثنيهم عن البقاء والصمود على أرض الآباء والأجداد.

تقع قرية العراقيب في شمال مدينة بئر السبع، في صحراء النقب جنوب فلسطين المحتلة وتبعد عن مدينة القدس نحو 110 كلم إلى الجنوب منها. ، حيث تبلغ مساحتها أكثر من 200 ألف متر مربع. وتعد العراقيب واحدة من 45 قرية عربية في النقب لا تعترف إسرائيل بها وترى وجودها غير شرعي، وهي ممنوعة من المياه والكهرباء والمواصلات، وغيرها من الخدمات. ويعيش في هذه القرية البدوية  نحو 800 شخص متوزعين على 22 عائلة، وتشكل الأغنام والمواشي مصدر رزقهم الوحيد، نتيجة لطبيعة الأرض الصحراوية التي تفتقر إلى جميع الخدمات المختلفة . ويعيش المواطنون في بيوت من الصفيح والأخشاب والبلاستيك، لعدم استطاعة  أهالي القرية إقامة منازل من الطوب كما كان في السابق، لأن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تواصل هدم القرية بشكل مستمر . ولا تتوفر خدمات طبية أو تعليمية في العراقيب، ما يضطر سكان القرية إلى السفر إلى مدينة رهط على بعد حوالي 6 كيلومترات للحصول على هذه الخدمات. ويستخدم السكان المولدات والألواح الشمسية لتوليد الكهرباء، أما المياه فيتم نقلها في صهاريج بثمن باهظ . ويقول سكان العراقيب إن قريتهم أنشئت منذ مئات السنين، وإنهم يملكون وثائق طابو صادرة أيام الحكم العثماني حيث قاموا بشراء الأراضي في تلك الفترة، ويستدلون على ذلك بأن مقبرة القرية يعود وجودها إلى بداية القرن التاسع عشر الميلادي.

إضافة إلى الدواعي الأمنية والعسكرية حيث يقع مفاعل ديمونا النووي في منطقة النقب ، عمد الجيش الإسرائيلي مؤخرا على نقل قواعده إلى هذه الصحراء في محاولة لتوسيع الوجود العسكري والصناعي هناك. كما أصبحت النقب المحتلة موطناً لمجموعة واسعة من المشاريع الإسرائيلية، مثل مزارع الطاقة الشمسية ومحطات الطاقة والصناعات الأخرى التي تستغلها الحكومة الاسرائيلية كوسيلة لزيادة عدد السكان اليهود على حساب السكان العرب الذين لا يزالون متشبثين بأرضهم رغم المحاولات اليومية للتضييق عليهم. وأحد  المستثمرين الرئيسيين في عملية إعادة بناء النقب، هو الصندوق القومي اليهودي  ، وهي منظمة مقرها الولايات المتحدة والقدس المحتلة، تمتلك صلاحيات استثنائية  خاصة من قِبل الحكومة الإسرائيلية لشراء الأراضي وتطويرها للاستيطان اليهودي على حساب الوجود الأصلي للسكان العرب.

ويعيش في صحراء النقب نحو 240 ألف فلسطيني، يقيم نصفهم في قرى وتجمعات بعضها مقام منذ مئات السنين.

 

ولا تعترف سلطات الاحتلال الإسرائيلية بملكيتهم لأراضي تلك القرى والتجمعات، وترفض تزويدها بالخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء، وتحاول بكل الطرق والأساليب دفع العرب الفلسطينيين إلى مصيدة اليأس والإحباط بهدف دفعهم إلى الهجرة من أراضيهم. والعراقيب هي واحدة من قرى النقب التي ابتليت بهذه السياسة الهمجية للكيان الصهيوني لكن اعادة بناء بيوتها البسيطة المرة  تلو أخرى بعد كل عملية هدم شكل تحديا يؤرق السلطات الصهيونية الجائرة وتدفعها إلى الإمعان في الظلم الذي لم يأتِ بأي نتيجة  في اخضاع أهالي هذه القرية الصامدين

الى جبروت قوة الاحتلال. ورغم السلبيات التي تتركها عملية الهدم على الحياة الاجتماعية لسكان القرية وخاصة تأثيراتها على مشاعر الطلاب الذين بحاجة الى أجواء مستقرة تساعدهم على اداء امتحاناتهم بتركيز جيد، الا أن الايجابيات لعملية الهدم هي أيضا كثيرة. ومنها حضور متضامنين من جميع أرجاء البلاد للوقوف إلى جانب سكان القرية  ودعم قضيتهم العادلة لتمثل حالة فريدة  من التكافل الاجتماعي والتضامن وشد الأزْر.

ان ترك قرية العراقيب لوحدها تواجه هذا العدوان المتكرر من قوات الاحتلال الغاشمة هو عار على دول التطبيع التي لم تعمل على استثمار التنازلات التي قدمتها للكيان الصهيوني من أجل التدخل لإيجاد حل منصف لسكان هذه القرية المنكوبة .بل ان احدى هذه الدول المطبعة كانت أكثر حرصا على مجاراة مشاعر الصهاينة من الاهتمام بالحق الفلسطيني عندما أقدمت على طرد وزيرة من عملها لأنها رفضت مصافحة السفير الاسرائيلي في بلدها. ولا حتى الجامعة العربية التي تدعي الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني أو حكومات الاتحاد الاوروبي التي تتباهي  بالدفاع عن حقوق الانسان وجدوا في الحالة المأساوية لقرية العراقيب ما يستحق الدفاع عن قضيتها الشريفة. كل هذه الأطراف مقصرة في الدفاع عن الحقوق المشروعة لقرية العراقيب والضغط على الكيان الصهيوني لثنيه عن الاستمرار في سياسة الهدم المجحفة.

و تبقى جذوة الصمود مشتعلة في قرية العراقيب حتى يتحقق لها الأمان والاستقرار في أرضها ، بالرغم من الصعوبات والقمع والاضطهاد من قبل لكيان الصهيوني . وباستمرار انتصار ارادتها في  البقاء  ضد محاولات الهدم الاسرائيلية المتكررة، .قد برهنت هذه القرية البسيطة  ان سلاح الصمود هو أقوى من كل الأسلحة التدميرية الفتاكة التي يمتلكها الكيان الصهيوني.  فأصبحت بذلك رمزا وطنيا لمعركة التحدي التي يخوضها الفلسطينيون من أجل البقاء والحفاظ على الأرض والهوية الوطنية.

أ.د. مؤيد المحمودي

9/8/2022

 

 

 

 

 

 

 






الثلاثاء ١١ محرم ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٩ / أب / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أ.د. مؤيد المحمودي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة