شبكة ذي قار
عـاجـل










بغداد بين أمسين

أحمد صبري

 

جال بنا مؤلف كتاب “بغداد التاريخ” الدكتور محمد مظفر الأدهمي عبر تاريخ ودور مدينة بحجم بغداد التي ملأت الدنيا، وشغلت الناس من خلال تسليط الضوء على جوانب مضيئة من دورها في الحضارة الإسلامية منذ تأسيسها عام 145ه/762م وحتى الاحتلال البريطاني لها عام 1917م وآخرها الاحتلال الأميركي عام 2003م.

وشهدت بغداد منذ تأسيسها سلسلة من الأحداث الجسام وضعتها في صدارة أحداث العالم كمدينة لعاصمة الرشيد وملاذ للعلماء والمفكرين والمثقفين وطالبي العلم والمعرفة والتنوير.

وعاصمة الرشيد التي بناها العباسيون عاصمة لهم غزاها المغول والصفويون والعثمانيون والإنجليز والأميركيون في محاولة لإطفاء وهج الحضارة والتنوير والرقي التي كانت تتمتع به بغداد، كما يوضح المؤلف ويشير إلى أن بغداد رغم ما أصابها من تراجع وتدهور باحتلالها من أقوام غريبة، غير أنها لم تستسلم لتنهض من جديد في مواجهة مشاريع تغييبها ووأد مشروع التنوير التي كانت ترفع ساريته.

ويعود تاريخ تأسيس بغداد إلى عهد أبي جعفر المنصور ـ ثاني الخلفاء العباسيين ـ عام 145 للهجرة، وقد اتخذها عاصمةً للدولة العباسية، واختار تشييدها على موقع قرية كانت تعرف باسم بغداد منذ أيام حمورابي في القرن الـ18 قبل الميلاد، وسماها “مدينة السلام” غير أن الناس كانوا يسمونها في الغالب “مدينة المنصور”. وأصبح لبغداد ـ في حكم العباسيين ـ مكانة مرموقة، وكانت من أهم مراكز العلم والثقافة في العالم وملتقى للعلماء والدارسين لعدَّة قرون من الزمن.

ويتوقف المؤلف عند أبرز الغزوات التي تعرضت لها بغداد، فقد سقطت وهي عاصمة العباسيين عام 1258 على يد هولاكو، وقُتل الخليفة المستعصم. كما سقطت في أيدي الصفويين في عهد إسماعيل الصفوي عام 1508. وسقطت عام 1831 في يد الجيش العثماني بعد ما يقارب 82 عاما من سيطرة المماليك عليها. وفي عام 1917م سقطت في يد الجيش البريطاني خلال القتال مع الأتراك العثمانيين في الحرب العالمية الأولى وصولا إلى أحدث احتلال لبغداد في التاسع من أبريل ـ نيسان عام 2003م، وهو احتلال ما زالت تداعياته تخيم على العراقيين وتنغص حياتهم.

وعندما نقارن بين بغداد الأمس واليوم رغم اتساع المقاربة بين الأمسين، فإننا نتوقف عند أهمية ودور بغداد منذ تأسيسها التي تحولت إلى مركز العلم والمعرفة في العالم. وما شهدته من أحداث وأطماع من قبل الغير وحتى آخر احتلال لها عام 2003م، نستطيع القول إن بغداد رغم ما أصابها من كبوة وانهيار ستعود مثل طائر العنقاء؛ لأن قدرها أن تكون حاضرة ومركز جذب واهتمام وإشعاع للمشروع القومي النهضوي الذي حاول آخر احتلال أن يطفئ شعلته، كما حاول الغزاة الآخرون، إلا أن بغداد بقيت عصية على مشاريع التخلف والتجهيل والتعطيل التي تهدف إلى إبقاء العراق وعاصمته بغداد متخلفة، غير أن بغداد كانت أبية وصامدة، وتحاكي وتتواصل مع تاريخها المجيد الذي حاول الغزاة على مرِّ العصور تغييبه ومصادرته؛ لأنه يتقاطع مع المشاريع المشبوهة التي سعت جاهدة لإبقاء العراق تحت وطأة مشاريع التخلف والتجزئة والطائفية، كما سعى إلى ذلك غزو العراق واحتلاله.

وبين الأمسين وما شهدته بغداد من إشعاع حضاري في مواجهة التخلف، فإن الغزاة والمحتلين في الأمسين هم أنفسهم من حرَّض وسوَّق ونفَّذ احتلال العراق في الأمس القريب.

وأختم بمطلع لرائعة شاعر العراق الراحل عبد الرزاق عبد الواحد عن بغداد:

دمع لبغداد: دمع بالملايين

من لي ببغداد أبكيها وتبكيني

 

أحمد صبري

كاتب عراقي






الثلاثاء ١٨ محرم ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٦ / أب / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أحمد صبري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة