شبكة ذي قار
عـاجـل










سوريالية المشهد اللبناني على أبواب الاستحقاق الرئاسي

نبيل الزعبي

 

من يتابع المهاترات الحاصلة بين وزراء معنيين في الحكومة المستقيلة ورئيسها، لا يستبشر خيراً في امكانيات هذه التركيبة من السياسيين في إدارة البلد خلال الأشهر المقبلة، سيّما وأن حكومة تصريف الأعمال، في ظل عدم تشكيل حكومة جديدة، هي من سوف تنوب، مجتمعةً، عن مهام رئيس الجمهورية المنتهية ولايته في الواحد والثلاثين من شهر تشرين الأول القادم.

إنها حقاً لمأساةٍ أخرى تتنكب على أكتاف اللبنانيين، وكأنه لا تكفيهم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية التي تعصف بالبلاد وقد تحولت إلى أزمات مصيرية بكل ما للكلمة من معنى.

ما هي الإنجازات التي قدمتها حكومة تصريف الأعمال ليرفع لها اللبنانيون القبعة احتراماً، وهي التي لم توفّر شبهةً إلا وألصقتها برئيسها ونائبه وما تبقى من وزرائه، بدءاً من خطة التعافي التي تشوبها أكثر من علامة استفهام وخاصةً بما يتعلق بإيداعات الناس في المصارف وتنصل الأخيرة من مسؤولياتها التي ترميها على الدولة، بينما حاكم مصرف لبنان ينكر عليها ذلك ويشكك في تذرعها بعدم وجود الملاءة المالية لتسيير أمور المودعين، متناسيةً أن هناك أكثر من (عبد الله الساعي وبسام الشيخ حسين) ينتظر لاسترجاع أمواله المودعة بقوة السلاح والترهيب، غير عابئٍ بالنتائج طالما أنه سيتحول بطلاً في نظر اللبنانيين، ويُنتَظَر أن يحذو حذوه بطلاً آخر بين يوم وليلة، في الوقت الذي يجد فيه رئيس الحكومة نفسه عاجزاً ، حتى عن لعب دور ( المايسترو) الذي ينظّم حركة وزرائه، فلا كان قادراً على ذلك ، ولا كانت لديه القدرة للجم تطاولات هذا الوزير وذاك عليه ، لنراه مكتوف اليدين مثلاً ،  أمام وزير طاقة سحب خطة الكهرباء في آخر جلسة للحكومة قبل تحولها إلى تصريف الأعمال ، فلم يجد رئيسها سوى أن يشتكيه إلى الرأي العام دون جدوى ، أو التوصل إلى حلولٍ عادلة تحمي جيوب اللبنانيين من جشع أصحاب المولدات الكهربائية  وتطاولهم على كل من يحاول أن يمس بتجاوزاتهم، وهو الذي بقي مكتوف اليدين أيضاً أمام وزير المهجرين الذي قال في رئيسه ما لم يقله مالكٌ في الخمرة، وأقله تهريب أمواله إلى الخارج وتفضيل مصالحه الخاصة ومراعاة الخارج على حساب مصالح البلد.

أما الدولار الجمركي، فيستحق أكثر من وقفة جدية لتبيين من تبناه ومن يتنصل منه، ومن ينتظر اقراره مستفيداً بمخزوناته المخفية داخل البلد، وكلهم نفضوا أياديهم بعد أن رمى كل طرف بمسؤوليته على الآخر من منطلق الشعبوية الحادة التي يحرص عليها الجميع، فيما البلد ينحدر نحو الانهيار الشامل، فلا الليرة باتت تشتري رغيفاً، ولا حليب الأطفال بات يُرى في الصيدليات، بينما وزير الصحة يؤكد إنه متوفر حتى أواخر تشرين أول القادم.

أما الأفران فمن العجب العجاب أنها تخبز يومياً، وبكميات كبيرة، كل أنواع المعجنات باستثناء الخبز! وكأنها هي المسرحية إياها التي شاهدناها بالأمس على محطات المحروقات فنجحت وفق السيناريو المعد لها، واستحقت أن تتكرر على الأفران تمهيداً لرفع الدعم عن الطحين وادخال رغيف الخبز في بورصة السوق السوداء، شأنه شأن السلع الأخرى.

وعلى طريقة الناس بالناس والقطط بالنفاس، يتصرف تيار الرئيس الأول ومستشاروه وكأنه لا يعنيهم سوى من يكون الوريث وإلى من ستؤول سكنى القصر الجمهوري في أول تشرين الثاني ولو أفضى الأمر إلى استعادة مشهدية خريف العام ١٩٨٩ ، وكأن البلد تحول إلى ملكية شخصية طُوِّبَت لمن لم تحسم الانتخابات النيابية الأخيرة أولويته في تمثيل بيئته فيما هو يصرُ عليها ولو اقتضى ذلك الغاء الآخرين مستنداً إلى فائض قوةٍ ينظر إلى ما هو أبعد من " كاريش" معيداً الذكرى إلى " الأبعد من حيفا" في ظل السعار المرتفع حول ما ستخلفه الأيام القادمة من مفاجآت لعل أسوأ ما فيها، أن إدارة البلاد معطلة، والقاضي في البلد يجوع ، والمعلم يستجدي القرش الحلال ، ورجل الأمن يتوسل الإغاثة ، والفقراء يبحثون عن قوتهم في قمامة الميسورين ،  واللبنانيون ألِفوا قوارب الموت وجفّت دموعهم أمام " غواصة" يدفع أجرها " الأجاويد " لانتشال جثث أهاليهم من أعماق المتوسط ، ولبنان برمته يتوجه ليكون أسوأ دولة في العالم ليتجاوز افغانستان قريباً، وهو المتفوّق بجدارة على زيمبابوي التي حلّت في المرتبة الثالثة.

فيا أيها اللبنانيون، أبشروا بشد الأحزمة، هذا إن بقي في بطونكم ما يتحمل الحزام بعد اليوم!






الجمعة ٦ صفر ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٢ / أيلول / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نبيل الزعبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة