شبكة ذي قار
عـاجـل










العدالة التي فقدت شرعيتها في لبنان

نبيل الزعبي

 

أبشع ما يسيء للعدالة أن يتجمّع من يرومون العدالة أمام مقرات وبيوت وزير العدل اللبناني ورئيس مجلس القضاء الأعلى، فلا يجدونها.

هو القضاء المسيّس في لبنان، باعتراف الجميع، والقضاء كالملح إذا فسد، فبماذا يُمَلّح!

نعم، ماذا تبقى من عدالة في لبنان، وقضية انفجار مرفأ بيروت، في طريقها إلى التعتيم، تمهيداً لطمسها نهائياً لتتحول ضد مجهول.

إنه القضاء المسيّس الذي يحمي كل من تلوّثت يداه بدماء الشعب اللبناني وإفقاره وتجويعه ومصادرة كل جنى عمره من مدّخرات، ثم يشهر سيف العدالة في وجه من دفعته الظروف أعلاه إلى سرقة علبة حليب للرُضّع أو ربطة خبز يقتات بها مغمّسةً بالقهر والمذّلة، فتدفعه البليّة إلى الإجرام فلا يجد غيره سبيلاً من أجل البقاء.

إلى أيّ درك من السقوط، هوت العدالة في لبنان، بعدما توافق وزير العدل ومجلس القضاء الأعلى مجتمعاً، وهم يطلقون رصاصة الرحمة على قضية انفجار المرفأ، فيتمادون في مصادرة صلاحيات زميلٍ لهم هو قاضي التحقيق في الانفجار دون الرجوع إليه، في تعيين قاضٍ رديف له في القضية تحت أمر مهمةٍ عنوانه: البت في قضايا الموقوفين على ذمة التحقيق! في مهمةٍ ظاهرها حق وباطنها باطل.

هي باطلةٌ، نعم، عندما ينتمي الموقوفون إلى جهة سياسية معينة، أمرت، فكان رهن أمرها من يردُ" الجميل " لها باعتبارها صاحبة الفضل عليه دون منازع...

هي باطلةٌ، نعم، لاستنسابية لا دخل لها بالقضاء ولا العدالة، عندما تتكدس سجون لبنان بموقوفين لم تتم محاكمتهم بعد وقد أمضوا في السجن أضعاف المدة فيما لو حوكموا، إلى مساجين آخرين، لم يُلحظ أي اهتمام بمعاناتهم حتى الآن، سوى ذرف دموع الأمهات يطالبن بالعدالة التي أصبحت في بلادنا، كالصيف والشتاء على سطحٍ واحد.

لقد أدّى الاستهتار في قضية الموقوفين والسجناء المنسيين، أن جعلتها العدالة العمياء جميعهم من طائفة واحدة، وكأنها تمهّد لإحداث فتنة، لها من ينفخ على نارها لتصيب شرارتها الجميع.

أي عدالةٍ هذه والقضاء يخاف من المتظلمين فيغلق أبوابه في وجوههم مستعيناً بالقوى الأمنية لتفريقهم، وأي عدلٍ هذا ووزير العدل المسيّس" والمتهم بتسديد الفواتير لمن وضعه في منصبه، يتهم ذوي ضحايا انفجار المرفأ بالتسييس والغوغائية ويرميهم بأقذع الأوصاف ولم ينقصه بعد سوى تحميلهم مسؤولية قتل الأب والأخ والأخت والصديق والجار...

إنها حقاً لمهزلةٍ تشهدها ساحة أم الشرائع، العاصمة بيروت، على أيدي أشرارٍ، لم يكتفوا بقتل البلد وتمزيقه بين معازلهم وحظائرهم الطائفية، ليجعلوا لكل حظيرةٍ، شريعةً تعمل بها، ولتمت بعدها كل الشرائع ولتندثر القوانين ويتحول الوطن إلى أوطان، ولتُرفَع أعلام "الولايات " اللبنانية المتحدة على كل شارع وزقاق، وليُكتَب على كل واحدةٍ منها: هنا لبنان، ومن يعترض إلى الجحيم.

هل هنالك من بصيص أمل بعد كل ما تقدّم، والجواب نعم، وقد أتى على لسان نادي القضاة اللبناني الذي أكدّ، معقباً على ما جرى من تسييس للقضاء اللبناني مخاطباً مجلس القضاء الأعلى بالقول:

إن "الضرورات، أياً كانت أشكالها وأنواعها، لا تبيح المحظورات! فلا تشاركوا في تدمير ما تبقى من هيبة للقضاء، ولا تشاركوا من يقترح حلولاً اعتباطية، بل تراجعوا عن قراركم، فإن الرجوع عن الخطأ فضيلة!"،

مضيفاً: ليس هكذا تصان الحقوق وتتحقق العدالة، وليس هكذا يتم إعادة الثقة بالقضاء ليقوم بفرض هيبته، وليس هكذا يتصرف من يفاوض ويناقش للاستحصال على قانون يكرس استقلالية السلطة القضائية".

فيا أيها اللبنانيون، لا تتركوا القضاء يُنحَر أمامكم على أيدي من عطّل كل حياة في هذا البلد وجعلوكم قرابين على مذبح مصالحهم وتحاصصاتهم السياسية، وثبُت لكم أن آخر ما يفكرُون فيه هو أنتم، حاضركم ومستقبلكم لتكونوا القطيع الجاهز للتضحية به في معازلهم الطائفية والمذهبية والمناطقية وشعارهم: لنحيا نحن وأولادنا وذرياتنا، ولتحيا مصالحنا، وليذهب الوطن إلى الجحيم.






الاثنين ١٦ صفر ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٢ / أيلول / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نبيل الزعبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة