شبكة ذي قار
عـاجـل










ستة أسابيع مضت على استمرار الانتفاضة الإيرانية ونظام الملالي يزداد تخبطاً

أ.د. مؤيد المحمودي

 

قليلون كانوا يتوقعون أن تستمر الاحتجاجات الإيرانية الحالية لمدة ستة أسابيع بعد أن نجحت القوات القمعية الايرانية في اخماد الانتفاضات السابقة خلال أيام معدودة. وبذلك تكون هذه الاحتجاجات قد سجلت أطول فترة لانتفاضة تشهدها إيران خلال 42 عاما من حكم الملالي.  وقد لا يرتقي أعداد المتظاهرين في هذه الانتفاضة الى تلك الأعداد التي خرجت احتجاجا على تزوير الانتخابات عام 2009 والتي بلغت وقتها حوالي ثلاثة ملايين متظاهر، الا أن كبح جماح الاحتجاجات الحالية تعتبر من أكبر التحديات التي تواجه النظام الثيوقراطي الإيراني خلال فترة حكمه الطويل للبلاد منذ عام 1979.

 ولم تنفع تحذيرات خامنئي التي أطلقها مؤخرا وشدد فيها" لا ينبغي لأحد أن تأتيه الجرأة للتفكير أن بإمكانه اجتثاث الجمهورية الإسلامية "   في تخويف الشعب الايراني وثنيه عن التظاهر.  بل على العكس من ذلك فقد ازدادت قطاعات الشعب المنخرطة في الحراك الايراني يوما بعد يوم، حتى شهدت مؤخرا اضراب المعلمين الايرانيين لمدة يوميين احتجاجا على سوء معاملة الطلبة المحتجين من قبل الأجهزة القمعية اضافة الى اضراب نقابة سائقي الشاحنات، لتنظم بذلك الى القطاعات الأخرى المنتفضة.

 ان أسباب استمرار حركة الانتفاضة الايرانية الى هذا الوقت تعود بالدرجة الأولى الى توفر عوامل عديدة ايجابية عملت على اسنادها، والتي يمكن تلخيصها فيما يلي:

1.معظم المشتركين في حركة الاحتجاج الايرانية الحالية هم من جيل الشباب ممن تقل أعمارهم عن 25 سنة والذين فجّرت الانتفاضة تذمرا متراكما لديهم على النظام السياسي الحالي الغارق في الأفكار الطائفية المتحجرة ويرون أنفسهم غرباء عليه.  وباتت تطلعاتهم الحقيقية تكمن في وجود نظام بديل يضمن لهم مستقبل أفضل في مجال العمل وممارسة الحياة الاجتماعية. وهم يمتلكون الارادة القوية للمضي قدما في تحقيق هذا الهدف ولا يأبهون للممارسات القمعية التي يقوم بها النظام، فلم يعد لديهم من شيء ليخسروه.

2.أصبحت حركة الاحتجاج الحالية أكثر تنظيما من سابقاتها والتي تقودها حركة المقاومة الايرانية من خلف الكواليس لكنها ميدانيا تدار من قبل مجموعات صغيرة من المنتفضين.

 

 3. صارت حركة الاحتجاج تستخدم تكتيكات جديدة للتخلص من القمع الوحشي للأجهزة الأمنية. ولم تعد تسكت على تلقي الضربات من النظام القمعي الايراني، بل لجأت الى ممارسات الدفاع عن نفسها أحيانا بما في ذلك احراق بعض مقرات الباسيج بإلقاء قنابل المولوتوف عليها.  وفي هذا السياق نشرت صحيفة إيران اليومية الحكومية قائمة بأسماء أفراد القوات المسلحة والمجموعات شبه العسكرية الذين قُتلوا منذ بداية موجة المظاهرات الجارية في البلاد. وأوردت الصحيفة مقتل 17 فرداً من الباسيج و7 ضباط مسلحين خلال الشهر الأول من الاحتجاجات، وهي أعلى احصائية لعدد هؤلاء القتلى من نظرائهم في أي انتفاضة أخرى شهدتها البلاد.

4.ظهور بعض التصدعات في المنظومة العسكرية للنظام ومن أهمها حدوث حركة تمرد في الفرقة 27 من الحرس الثوري الايراني. اذ أعلن قائدها علنا عن عدم استعداد هذه الفرقة العسكرية لمواجهة المدنيين المتظاهرين إذا ما تلقى مثل هذه الأوامر. كذلك حصلت احتجاجات في بعض صفوف الجيش الايراني وخاصة تلك الذي شهدتها قاعدة الشهيد حرزاي العسكرية مؤخرا.

 

5 حظي جيل الانتفاضة الحالي بفرصة الحصول على معلومات الانترنت للتواصل مع العالم الخارجي، أفضل من تلك التي أتيحت للأجيال السابقة والتي منحتهم قدرات تحليلية جيدة ومنصة للتعبير عن مطالبهم وشجاعة التصريح بآرائهم. ويعتبر الإنترنت أهم سلاح تستخدمه الانتفاضة الحالية لتجاوز الحواجز التي تضعها الرقابة عليهم وتتيح لهم إمكانية التحرك في هذه الشبكة بدون الإفصاح عن هوياتهم. وقد أدركت السلطات الايرانية أهمية استخدام الانترنت لحركة الانتفاضة فعمدت الى قطعها مبكرا عن عموم البلاد. ولتجاوز هذه المشكلة تجري حاليا بعض المحاولات لتأمين الانترنت لهؤلاء المنتفضين من الخارج عبر الأقمار الاصطناعية

6. أصبح النظام الايراني منبوذا ومعزول دوليا بسبب تعامله الوحشي مع المحتجين ولا تؤيده سوى المليشيات الذيلية المتواجدة في العراق وسوريا ولبنان واليمن بحكم ولاؤها المطلق لخامنئي. ويستند هذا الولاء الأجوف على خرافة مفادها أن المشعوذ خامنئي يتلقى تعليماته مباشرة من المهدي المنتظر.

وقد أدى فشل نظام الملالي في احتواء الانتفاضة الحالية الى الدخول في دوامة من التخبط للبحث عن مخرج يبرر به هذا الفشل. فتارة يطلق رئيس الحرس الثوري الايراني تصريحات يتهم فيها السعودية بأنها وراء دعم الانتفاضة الشعبية في إيران. وتارة أخرى يقوم نائب رئيس القضاء الأعلى بتهديد أمريكا ودول أخرى أوروبية لأنه يعتبرها مسؤولة عن تصعيد حركة الاحتجاجات الايرانية. كلها مبررات واهية لتبرير عجز النظام عن ايقاف عجلة   الانتفاضة التي تمضي بنجاح قدما الى الأمام. مما دفع بعض المراقبين الى الاعتقاد بأن الغليان الموجود اليوم في الشارع الايراني هو مشابه لما حصل قبل عام 1979، وبدأوا يتساءلون هل ستنجح الاحتجاجات الحالية في جعل نهاية خامنئي تسير على نفس خطى الشاه؟ 






الخميس ٢ ربيع الثاني ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٧ / تشرين الاول / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أ.د. مؤيد المحمودي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة