شبكة ذي قار
عـاجـل










الشراكة الاستراتيجية، ما قصتها في أجواء الخداع والتضليل؟

د. أبا الحكم

 

في العقود الاخيرة من السنين كثر استخدام مصطلح (الشراكة الاستراتيجية) كدعوة لتأطير العلاقات الثنائية بين الدول من ناحية، واحتواء واقع العلاقات بمستوياته الاقتصادية والتجارية والصناعية والعسكرية - التسليحية والتطويرية، فضلاً عن إعادة إعمار وتأهيل البنى التحتية للواقع الانتاجي والخدمي للدولة.

ويكاد الصينيون هم أول من استخدم هذا المصطلح للأغراض التفتيش عن اسواق خارجية بواسطة شركات صينية كبرى مؤهلة نصف حكومية تعتمد عليها الحكومة الصينية في تنفيذ سياستها واستراتيجيتها.. فتقبلت معظم دول العالم هذا المصطلح بما يحمله من جاذبية ورصانة واستقرار نفسي عند التعاقد مع الاطراف الأخرى، وخاصة مع طبيعة النهج السياسي غير التوسعي التي تعمل به الدول الاستعمارية والإمبريالية ذات التوجه القسري بفرض سياسة الأمر الواقع التسلطية.

سياسة الشراكة الاستراتيجية الصينية، في ضوء النهج الصيني سياسة ناجحة، فيما يعمد الأخرون من الدول على محاكاتها بطريقة تحمل الكثير من الشكوك لاعتبارات تتعلق بـ(الثقة) و(الإمكانات) و (القدرات) و (البيئة غير المستقرة)، الأمر الذي يؤدي الى فشل الخطوات من بداياتها في ضوء الاعتبارات المؤشرة التي تلوح في أفق الدولة في مساعيها المحاكية للنهج الصيني بتقليد سياسة (الشراكة الاستراتيجية).

هذه المقدمة ضرورية لفهم حكومة السوداني باتجاه باريس وقبلها برلين وقبلهما القاهرة وعاصمة الأردن/ عمان.. وقد تناولنا في مقال سابق هذا الموضوع وأكدنا ان توجه بغداد نحو القاهرة وعمان هدفهما (امتصاص) الضغط الشعبي في العراق و (تنفيس) الحالة المأساوية التي يعيشها الشعب العراقي نتيجة تسلط ازلام الفارسي (ولي الفقيه) وطغم المليشيات والمافيات المتسلطة على الحياة العامة في البلاد من ناحية، وتهديد مليشيات نظام بغداد وبأوامر طهران بنسف أية خطوات تنفيذية لمشاريع استيراد الكهرباء وتأهيل البنية التحتية للطاقة من ناحية اخرى.

ما الذي تريده بغداد من باريس؟ أو بالأحرى ما الذي تريده إيران من فرنسا؟ وما هو توجه فرنسا السياسي نحو طهران في ظل:

1- اعدامات طهران بالجملة.

2- قتل المحتجين الايرانيين السلميين بالجملة.

3- اعتقالات المحتجين شباب وشابات ونساء ورجال إيرانيين بالجملة.

4- تغيير الأحكام من أحكام السجن المحددة إلى أحكام بالإعدام.

5- اعتقال مواطنين أجانب ومنهم يحملون جنسيات مزدوجة ومن أصول إيرانية بتهم التجسس.

6- احتجاز مواطنين أجانب يعملون في إيران أو جاؤوا للسياحة بتهم التجسس وذلك للمقايضة بأرواح البشر والضغط على الحكومات.

7- ابتزاز دول العالم برفع مستويات تخصيب اليورانيوم إلى معدلات لا يمكن أن يقبل بها المجتمع الدولي والوكالة الدولية للطاقة الذرية ودول العالم.

8- الدخول في لعبة الحروب الاقليمية على حساب أمن واستقرار العالم.

9- تهديد الملاحة في البحار الدولية.

فكيف تتعامل فرنسا مع نظام طهران الذي يهيمن على نظام بغداد في ضوء مبادئ سياسة فرنسا الخارجية المعنية بالشرق الأوسط وخاصة منطقة الخليج العربي ومقترباته الجيو- سياسية؟ وقبل الإجابة على هذه التساؤلات يتوجب الحديث عما تريده طهران من توجه بغداد نحو فرنسا وقبلها ألمانيا:

أولاً- إيران تدرك أن لفرنسا دوراً تلعبه في ضوء سياستها القائمة على مبدأ (التوازن) بين قوى النزاعات والصراعات في هذه المنطقة الحساسة من العالم، وتدرك أيضاً أن السياسة الفرنسية تتعامل بشيء من (الاستقلالية) عن السياسة الأمريكية وتحاول أن تنأى عن هذه السياسة، سيما وأن السياسة الأمريكية قد (استدارت) كما يقال، نحو آسيا لمواجهة الصين أو تموضعت في المنطقة تبعا لمعطيات التحولات التي تنتجها الصين وكوريا الشمالية وروسيا.. ومن هذه الزاوية تتعامل السياسة الايرانية إدراكا منها بأن فرنسا لا ترغب بتصعيد الاوضاع الى مستوى العنف والارهاب، وترغب بفتح ملفات خاصة بتسويق تجارتها وتمكين شركاتها في مجالات الاستثمار، فضلا عن ملفات التسليح والتسلح مع حكومات دول المنطقة دون اكتراث لطبيعة مشكلاتها وأزماتها المستفحلة سياسياً وأمنياً واستراتيجياً.

ثانياً- ولكن الذي لا تدركه إيران، التي ادخلت نفسها في مأزق (Dilemma) يصعب التخلص منه ابداً، ان السياسة الفرنسية لا تسمح بنفوذ إيران في العراق، كما لا تسمح بأن يتسع هذا النفوذ في المنطقة، وهي من هذه الزاوية تحظى بمباركة السياسة الأمريكية.. وعلى هذا الأساس، تركز السياسة الفرنسية على مصطلح (سيادة) العراق والمحيط العربي والعودة إلى العائلة العربية، وتشارك العراق في مؤتمراته العربية اقتناصاً للفرص بتكريس هذه السياسة وفتح ملفات العلاقات الثنائية بكل مستوياتها المالية والتجارية والمصرفية والعسكرية والثقافية.

ثالثاً- إن إغراء فرنسا بعقود ما يسمى بـ(الشراكة الاستراتيجية) مع العراق يأتي من أجل تخفيف الضغط الامريكي والاوربي وإسكات باريس وكتم صوتها والصوت الألماني بإغراءات هذا المصطلح وعدم الاحتجاج وإدانة الجرائم والمذابح والاعتقالات، التي تتعرض لها الجماهير الايرانية الثائرة على نهج (ولي الفقيه) الذي دخل خانة مجرم الحرب بتشريعات البرلمان الاوربي وقرارات الاتحاد الاوربي، بانتظار التنفيذ.  

رابعاً- هذه الإغراءات الاقتصادية التي برمجتها طهران لحكومة العراق، والتي دفعت السوداني الى برلين وباريس لا تنفع ابداً لعدد من الأسباب:

1-   وقع الجانبان الألماني والعراقي على عدد كبير من الاتفاقيات، سُطِرَتْ في شكل مذكرة تفاهم وشملت عدداً كبيراً من الموضوعات وخاصة الكهرباء والغاز وغاز النفط المحروق المهدور، فضلًا عن تأهيل البنى التحتية لقطاعات النفط المختلفة الواسعة وتأسيس شبكات الكهرباء ومحطاتها وتأهيل بناها التحتية ايضا.

2-   البنى التحتية لأنابيب النفط وحقوله ومصافي تكريره وتخزينه وتسويقه داخليا وخارجيا، تمثل واقعاً ماديا واحداً، فكيف يتوزع هذا الواقع على (شراكات استراتيجية) تتكفل بها شركات ألمانية وفرنسية وإيرانية وصينية وامريكية وبريطانية وغيرها؟

3-   على من تضحكون ايها المتفاوضون في قصر صانع القرار السياسي في برلين؟  وعلى من تضحكون ايها المتفاوضون في قصر الإليزيه؟ وهل تعتقدون بأن هذه الشركات المتزاحمة ستجد طريقها الى تحقيق نهضة إنعاش العراق في ظل مليشيات العراق ومليشيات الحوزة ومليشيات المرجعية الفارسية في العراق؟ وهل يتساوق الاستثمار والإنعاش الاقتصادي مع منهج إيران تفريغ العراق من وارداته من العملة الصعبة التي تشكل (أوكسجين) للاقتصاد الايراني؟

4-   المأزق العراقي يكمن في الاحتلالين الإيراني والأمريكي.. الاحتلال الإيراني يشكل خطراً وجودياً يعرض العراق إلى الإفناء والضم، أما الاحتلال الامريكية فهو احتلال ليس وجودياً ولا يمتلك منهجاً يذيب من خلاله شعب العراق على عكس المنهج الفارسي فهو يعمل على (تفريس) المجتمع العراقي وتذويبه ومحو هويته الوطنية والقومية ونهب ثرواته وإفقاره.

5-   - النظام الايراني في طهران يعتاش على ميزانية العراق النفطية ووارداته المتنوعة، والعراق ليس لديه أية صادرات ولا أي إنتاج ولا يمتلك أية مشاريع إنتاجية مثل بقية دول العالم، وميزانيته وموارده منهوبة سلفا ومُصَدَرَهَ الى إيران، فكيف له ان يطبق مع الشركات الألمانية والشركات الفرنسية وغيرها (الشراكات الاستراتيجية) في العراق؟

6-   تحرك بغداد صوب برلين وباريس بأمر من نظام طهران لغايات ذات طابع سياسي يصب في مصلحة النظام الإيراني الذي يعاني من العزلة والاختناق، والعراق وحكومة بغداد الموالية هما متنفسه للبقاء على قيد الحياة.






الثلاثاء ٩ رجــب ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٣١ / كانون الثاني / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة