13-02-2007

د. غالب الفريجات
شبكة المنصور

 

 

 


يظن بوش الذي فقد احساسه باهمية الحياة لدى جنوده في العراق، انه قد يحقق ما عجز عن تحقيقه فيما يقرب الاربع سنوات، من القتل والتدمير في عموم الوطن العراقي، ولم يتمكن ان يحقق أي نصر يستند اليه ، حتى اضطر الى الاعتراف بالاخطاء ، التي ارتكبت في العراق، وانه وحده من يتحمل مسؤولية هذه الاخطاء.
بوش لم يقرأ تاريخ الصراعات بين الامبرياليين والمستعمرين من جهة، والشعوب الحرة التي تناضل في سبيل حريتها وكرامتها من جهة اخرى، وكيف ان هذه الشعوب رغم قلة الامكانيات وتخلف ادوات المواجهة مع الاعداء، فانها دوما تمتلك القدرة على تحقيق النصر، وترمي بالقوات الغازية وراء حدودها، وتستصدر شهادات القتل والاجرام في حق القادة الامبرياليين، والذين تواطؤا معهم ضد حرية وحقوق الشعوب، ثم كيف تمتلأ ساحات الوطن المحرر بتماثيل القادة الشجعان، الذين تقدموا الصفوف لانقاذ وطنهم وشعبهم .
الحرب بقدر ما تعتمد على الانسان، الا ان هذا الانسان لا يملك القدرة على تحقيق النصر، رغم انه يملك من القدرات العسكرية، افضل بكثير مما يملكه الخصم الذي يقاتله، ولكن لدى هذا الخصم مزايا يتمتع بها، تساهم في تحقيق النصر، فهو يدافع عن ارضه وتراب وطنه، وهو يحمي كرامة شعبه، ويقف سدا في وجه الغزاة من سرقة تراثه ونهب خيراته، وهو يملك الحق في مواجهة القوة، ولانه كذلك فهو يقاتل بارادة الشجاع الذي يضع نصب عينيه اما الموت او النصر، وليس للهزيمة طريق لديه، في الوقت الذي يقاتل فيه الغزاة بارض ليست ارضهم ولا بيئتهم، وهم يظنون واهمين ان كمية النيران وما يملكون من تقدم في معدات الحرب، كفيلة بالتغلب على الخصم، والغازي يحارب في ضوء مصالح في الاغلب مادية، وعندما ترجح الكفة باتجاه الخسائر، فان اول ما يفكر به هو الهروب من ارض المعركة.
المواجهة بين القوات الامريكية والمقاومة العراقية، قد تم حسمها منذ الاشهر الاولى للغزو والاحتلال، عندما بدأت القوة الامريكية وقيادتها في اخفاء حقيقة الصراع على ارض الواقع، فقد ظلت لزمن طويل تنكر الدور الوطني العراقي في المواجهة، وكانت تعزو مواجهتها الى المقاتلين العرب وتنظيم القاعدة ولعبة الزرقاوي، ناسية ان كل هؤلاء لا يملكون القدرة على تشخيص الواقع العراقي الديمغرافي والجغرافي ، فكيف يتم القيام بمعدل مئة عملية فدائية ضد القوات الغازية؟، ولم تنجح الادارة الامريكية في محاولات انكار الدور الوطني العراقي في المقاومة وبشكل خاص انصار الرئيس الشهيد المناضل صدام حسين.
العمل الاخر في فشل الغزو والاحتلال من تحقيق اهدافه، هو ان زمام المبادرة في الصراع بينه وبين المقاومة اصبح بيد المقاومة، منذ ان تمكنت المقاومة من اللعب بقواته، عندما تقوم بمهاجمة مدينة عراقية ، تقوم المقاومة باشعال المواجهة في مكان آخر، بعيدا عن المدينة المستهدفة، لتشتيت قوات العدو وارباك خططه والتقليل من تأثير قدراته العسكرية، وتكبيد الخصم خسائر في المعدات والعناصر البشرية.
لا شك ان الغباء العسكري الامريكي، قد ساهم ايضا بالفشل الامريكي، اذ ان القوات الامريكية المذعورة، اخذت باسلوب التدمير والقتل العشوائي، والعمل على ترويع المواطنين الآمنين، مما ساعد في تعزيز صفوف المقاومة، سواء باضافة عناصر جديدة الى صفوفها، او العمل على تعزيز حمايتها وتقديم كل العون والمساعدة لها، وهو ما ساهم بتمدد المقاومة وعملياتها بالاتجاهين الافقي والعمودي، واصبح للمقاومة حضور عملياتي في كثير من المناطق والمحفظات العراقية ، رغم محاولات التعتيم او اظهار طائفية المقاومة، وهي اخطاء قاتلة للغزاة والمحتلين، لانها في حالة اكتشاف عدم مصداقيتها، فان الثقة فيها لا تنعكس على المواطن االعادي، بل على الجنود والمتعاونين، وهو ما يؤثر على اداء وفعالية الخصم في ساحة المعركة، والتي تصب في مصلحة المقاومة.
عدم مصداقية الاهداف ومبررات الحرب انتزعت كثيرا من قوة العدو النفسية، فالجندي الذي زج به في اتون حرب يهدف من ورائها حماية مجتمعه من اسلحة الدمار الشامل، او الارتباط بتنظيم القاعدة المتهم باحداث سبتمبر، لا بد وان يتساءل لماذا انا هنا ما دامت كل الاهداف التي جاءت بي كاذبة؟، مما سيؤثر على قدرته القتالية، ورغبته في الموت في سبيل اهداف لم تعد موجودة.
الفشل الامريكي في استبدال ما كان قائما قبل الحرب بافضل منه بعد الحرب، حيث الديمقراطية الزائفة تم باسمها القتل والتدمير، والحرية تمت مقايضتها بالفوضى والنهب والسرقة، ولم يعد هناك أي من محرمات المجتمع لم يتم تدنيسه، وعلى صعيد الخدمات تراجع ملحوظ لا بل خانق وقاتل في كل شيئ، وهروب من الفضاء الديمغرافي والجغرافي في كل انحاء الوطن، وتشرد مهين وذليل لكل مكونات المجتمع، حتى تحول المواطنون الى مذعور يخشى من الموت في اية لحظة، او هارب بجلده خارج حدود الوطن، يسعى وراء لقمة عيش لاطفاله، الا فئة ضالة ما بين لصوص سرقوا محرمات الوطن المادية والمعنوية، ومجرمون يتلذذون بقتل الناس على الهوية.

اما رجال السلطة الذين جاء بهم الاحتلال، فلم يتمكنوا ان يصلوا لمستوى احذية رجال النظام الوطني، الذي جاء عليه الاحتلال، من طهارة في اليد والفرج وسلوك وطني، يهمها الوطن ومستقبل اجياله، في الوقت الذي يتسابق فيه عملاء الاحتلال على النهب والسرقة والانتقام من الناس وانتزاع ممتلكاتهم الخاصة، وحالات الخطف والتهديد بمقابل تدفع للخاطفين ومن يرعاهم من ازلام النظام الجديد، حتى على صعيد الوعي السياسي، فلن يجرؤ احد من ازلام النظام الامريكي على التشبه بالمستوى والوعي الوطني والسياسي بأي مسؤول من رجالات النظام الوطني السابق.
كل هذه العوامل قد ساهمت في افشال الغزو والاحتلال الامريكي للعراق، وقد ساهم غباء القيادة السياسية الامريكية بالفشل بشكل لا مثيل له، فالرئيس بوش اغبى رئيس دخل البيت الابيض، وقد تجلى هذا الغباء في الحقد الاعمى الذي يعشعش في عقله المريض، باقدامه على اعدام الرئيس الشهيد صدام حسين، لان الاعدام الذي ظن من خلاله بوش ان يسيئ الى الرئيس او الخلاص منه، قد انقلب باتجاه خدمة الرئيس، لان صدام حسين لم يسمح لاعدائه بالتشفي منه، بل اكتسب على مساحة الوطن العربي والعالم من المؤيدين والانصار، قد يكون اكثر مما كان له قبل الاستشهاد، لان مواجهته للموت كانت نادرة، لم يتمكن احد ان يسير على نهجها، فكان صدام حسين فريدا في استشهاده ، كما كان فريدا في نضاله .
لا بد من الاشارة هنا لغباء بوش في اقدامه على اعدام السيد الرئيس بوش، حيث يعلم بوش والادارة الامريكية وقواته على الارض العراقية، ان انصار الرئيس الشهيد هم العمود الفقري في جسم المقاومة العراقية الباسلة، فهل يملك بوش الارضية التي يقف عليها للمفاوضة غدا؟، عندما يريد ان يحمي قواته في انسحابها المهزوم، والذي لا يمكن لاحد ان يشكك فيه ، فكيف يقدم بوش الصغير على رعونة الاعدام لسيد المقاومة؟، والوحيد القادر على فتح منافذ هروب للامريكان ، كما فتح منافذ لهروب الفرس في معركة الفاو.
بعد كل ما سبق ، ماذا ينفع بوش في ارسال العشرين الف جندي امريكي الى ارض العراق؟، فاغلب الظن ان الرئيس بوش آخر من يفكر في اهمية حياة جنوده، لانه فيما يبدو يدفع بهم الى اتون معركة خاسرة، فالوقود البشري في استراتيجية بوش، لن يحقق لامريكا ولا للبيت الابيض الا المزيد من القتلى والجرحى، والاكثر من ذلك هزيمة تودي بطموحات امريكا الامبراطورية، وسيكون الوطن العربي هو صاحب الفضل في وأد اول امبراطورية في الالفية الثالثة ، وان الامريكان خسروا معركتهم في ان يتربعوا على عرش العالم والى الابد، ومن قلب النيران في وسط بغداد العروبة، بغداد صدام حسين.
 

الـوقود البشري في استراتيجية بوش