بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

"السلام" والنفخ في صدر الميت
حروب آل بوش ومبادرات السلام من 91 الى 2007.. السر في العراق
بهلوانات رام الله على حبال غزة

 

 

شبكة المنصور

محمد لافي الجبريني

 

 تعود الاجواء البروتوكولية -غير المنطقية- والابتسامات المتبادلة مرة أخرى على وسائل الاعلام، تحت وميض العدسات بين محمود عباس وأيهود اولمرت وكأنها تحاول استجلاب أجواء اوسلو الميتة من جديد، وتلبية طموح الادارة الامريكية بإقناع الرأي العام الناخب بأن الأمور ستكون على خير ما يرام في قادم الايام، حتى تزيل عن كاهلها عبئ تلك القضية على الاقل مؤقتا ريثما تنتهي المعضله الملحة في العراق.

 

دماء فلسطينية لتهدئة امريكية

و بالنظر الى أولويات الرئيس بوش وضغط الوقت عليه قبل الانتخابات الرئاسية في العام القادم، فإن اولمرت مطالب أكثر من أي وقت مضى بالإستمرار بعملية ذر الرماد، وإقناع الوسطاء الاوروبيين بجدية الكيان في وجود النوايا الحسنة لديه، وعباس عليه الخوض أكثر في عبثية المشهد التفاوضي المهزوم سلفا والمحكوم عليه بالمزيد من التنازلات بطبيعة الحال بين من تخلى عن كامل أوراقه وبين الخصم الذي ملكها جميعا الا قليلا.

 

فبينما الرئيس الفلسطين آخذ بالتطرف اكثر وأكثر تجاه غزة والتضييق على مواطنيها بذريعة إنهاء ما بات يصطلح عليه رسميا بالانقلاب على الشرعية، ومن ثم التحالف مع السفير الصهيوني في الامم المتحدة لرفض دعوة قطر لإعتبار غزة منطقة منكوبة، عدا التحريض على قطع الامدادات عن غزة ماتسبب بقطع الكهرباء والوقود مؤخرا، فإنه يتجه أكثر نحو إضفاء الشرعية الرسمية على ممارسات الاحتلال، وعلى تسويق وتبرير أحداث متوقعة الحدوث، والجديث عن إنقلاب مزعوم لحماس في الضفة –وهي ترهات لا تدخل عقلا وفندها اولمرت ذاته الذي قال في الكنيست قبل ايام انه لولا وجود الاحتلال لما بقيت باقية لعباس في الضفة- خاصة في ظل الحديث عن ضربة مباشرة لقطاع غزة يرى محللون أنها ستكون أقسى ما يتعرض له القطاع منذ الاحتلال، مع استمرار الترويج لتطور حماس عسكريا، وقمعها لأعضاء فتح المزالين لعباس ودحلان، التي بدأت تمارس تقنية الصلاة الجماهيرية لإفتعال الاحداث هناك.

 

نشاط الكسالى!

الواقع الفلسطيني بطبيعة الحال لا  يجب ان نفصله عن واقع المنطقة العربية إذا أردنا الوصول الى حد أدنى من فهمه، فرغبة الرئيس بوش ووزيرته رايس الملحة في عقد مؤتمر الخريف بين الكيان والسلطة، والترويج الى حلول رغم عدم منطقيتها تشير بكثير من الوضوح ان الرئيس بوش لا يبحث عن حل جذري او على الاقل تقريب لوجهات النظر، بقدر ما يعنيه حالة تناغم بين ما كان يفترض فيهم ان يكونوا أعداء وبين خططه المستقبلية في المنطقة العربية ومحيطها الاقليمي. وهو ما يفسر النشاط الغير مسبوق للبعثات الغربية، التي افتتحتها رايس قبل شهرين ويتوقع ان تختمها في غضون شهر، وقد حشدت بينها زيارات عديدة كزيارات المستشار النمساوي ألفرد غوزنباور، رئيس وزراء بريطانيا السابق ورئيس اللجنة الرباعية توني بلير، ديفيد وولش مساعد وزيرة الخارجية الامريكي، وخافيير سولانا المفوض الاوروبي، والجميع يلح على دعم عباس وتقويض حماس لفسح المجال أمام فرص ما يسمى بالسلام.

 

غراب وليس حمامة

الا أن الظاهر بوضوح مهما قيل بدبلوماسية على وسائل الاعلام، ان أيا من الملفات الرئيسية في ثوابت القضية الفلسطينية لن يتم حلها بهذه الطريقة.

 

 فالقدس لن تكون بأية حال كأضعف الايمان عاصمة لدولتين، وهو قرار "اسرائيلي" مفروغ منه دللت عليه تصريحات كل زعماء الحركة الصهيونية، وكان اكثرهم تعبيرا عن ذلك زعيم "دولة" اليهود بيرز الذي قال بوضوح أن القدس لا يمكنها الا ان تكون عاصمة لدولة واحدة، رغم انه يرحب  بإحتفاظها بالتعدد الإثني للديانات الثلاث. هذا عداك عن الامر الواقع الذي تحاول "دولة" الكيان فرضه بخط موازي مع تلك المحادثات، أولها ذلك الجدار الذي لم تتعطل الاعمال عليه يوما واحدا، والتسريع في تهويد المدينة وخلخلة أسس المسجد الاقصى، اضافة الى ما تردد عن بناء الكيان ملجأ نوويا في جبال القدس الشرقية يكون مستعدا لإستقبال قادة الكيان قبل نهاية العام 2011 ، وهو التوقيت الذي تجمع مصادر عديدة على انه سيشهد تضاعفا في عدد أعضاء النادي النووي العالمي، مما يعني الاستعداد لحرب نووية أكثر تطورا من الملاجئ الحالية المقامة في النقب وغيره.

 

لبنان اول الرقص..

أما قضية اللاجئين، فيمكن ملاحظة اسقاطها من ملفات المحادثات منذ امد، وواقع الحال أن حديث  الاكاديمي الفلسطيني سري نسيبة الذي شارك ياسر عبد ربه قبل ثلاث سنوات في ترويج وثيقة جنيف سيئة الذكر، كان قد عبر صراحة عن رأي التيار التسووي  للسلطة مشيرا الى أن الحديث عن عودة اللاجئين الفلسطينيين أمر غير ممكن وغير عملي، لم يكن بعيدا عما يجري العمل عليه بالخفاء او العلن، ولعل البداية كما يرى بعض المراقبين هي دعوة عباس للسودان باستقبال اللاجئين الفلسطينيين القادمين من العراق، مما قد يفتح الافق تحت بند (الحلول الانسانية) لصيغ مشابهة قد يكون هدفها القادم اللاجئون في لبنان، بعد ان أخذ الحديث عن ضرورة حل لهم أبعادا أكثر من مجرد حديث، خاصة بعد ما جرى لنهر البارد، المخيم الذي قد تكون اعادته للحياة أمرا غير محبذا للدولة اللبنانية التي ستدرس مع شركائها نتائج ما حصل بجدية اكثر، لتقييم الوضع القادم، قبل الالتفات الى مخيمات اخرى، وبالتالي تبرير ما يسمى بالحل الانساني للاجئين، مع اغفال متعمد للقضية الوطنية السياسية، وهو ما إستعدت للمساهمة فيه أكثر من دولة، مثل استراليا، كندا والبرازيل.

 

إذا اردنا ان نعرف ماذا في روما..

إذن ما الذي يبحث عنه بوش بدعوته لهذه القمة العبثية؟ وضغطه المستمر بإتجاه الوضع المؤقت، الذي عبر عنه صحفي صهيوني قائلا في هائرتس "عبر السنين تعلّم الفلسطينيون أنه بالنسبة “للإسرائيليين” لا يوجد ما هو أكثر ديمومة من المؤقت”؟

 

قال نابليون ذات مرة ان الأحداث تكون تراجيدية في المرة الاولى وإذا تكررت فإنها تغدوأ مهزلة، إن الإجابة على هذا السؤال نجدها في التاريخ مرة أخرى، وتحديدا قبيل انطلاقة محادثات مدريد عام 1991 التي كانت حينها بالفرصة المواتية، لجذب الأطراف "المعتدلة" في منظمة التحرير الى طاولة المفاوضات بعيد الحسم العسكري الأمريكي الذي استعاد منابع النفط في الكويت، بعد انسحاب القوات العراقية منها، ونحيل أنفسنا الى ما قيل في أرشيف وسائل الاعلام حينها وكأننا نقرأ تصريحا حديثا لبوش ("القيادة الامريكية عازمة على عقد المؤتمر الدولي بأسرع وقت ممكن". "الرئيس بوش برهن على أنه قادر على المواصلة والاستمرار في نهجه، ولن يتراجع عن خطة المؤتمر المُزمع". "الرئيس بوش صرح في مؤتمر صحفي بأنه يطالب بتجميد البناء في المستوطنات فورا، وهدد بأنه اذا تجاهلت حكومة اسرائيل مطلبه هذا، فلن يتردد في المس بالمساعدة الاقتصادية المقدمة للصديقة الصغيرة"." نحن الولايات المتحدة، وهذه سياستنا الخارجية. طالما بقيت رئيسا سأواصل العمل من اجل ما هو أفضل لامريكا".. "أنا على قناعة تامة بأن الأمر يصب تماما في مصلحة عملية السلام").

 

واليوم فالحال لا يختلف كثيرا ونحن نسمع من بوش الابن مطالبه بإزالة البؤر الاستيطانية، والدفع بإتجاه "دفع فكرة الدولة الفلسطينية"، فيما تقوم وزيرة خارجيته بدعوة رجال الاعمال الى عقد المؤتمرات، وهي بالتالي عملية اختراق اقتصادي مهمة لو نجحت، ونحن نسلم بتفوق الاقتصاد الصهيوني مقابل العربي وبالمحصلة الفلسطيني.

 

كلاكيت ثاني مرة.. مهزلة!

إذن فهل يمكننا ان نسلم بأن الاجابة على هذا الامر يعني بالضرورة وجود أمر عالمي جلل على وشك الحدوث، على غرار حرب الخليج الثانية وإنهيار جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفياتي؟

 

هذا ما تتفق عليه معظم الآراء الجدية، التي لا تغفل عن الربط بين الاحداث العالمية التي يتسيد التأثير فيها الرئيس بوش وإدارته، وتحديدا منطقة القيادة العسكرية الوسطى، ولعبة الشطرنج التي تحاول فرض السيطرة او التخلي عنها في منطقة لصالح أخرى. وغرة عاصفة تلوح بالافق لا تخفى في ملامحها الاصرار على الحلول الجراحية تجاه كل من سوريا، ايران والمقاومة العربية في فلسطين، العراق ولبنان.

 

وما تقسيم الوضع الرسمي العربي بين معتدلين ومتطرفين الا طريقة ساذجة لمنح ما يسمى الاعتدال تبريرا سياسيا في مواجهة الاحداث الدموية القادمة في الهلال الخصيب بدءا من غزة مرورا بجنوب لبنان، سوريا، العراق ومن ثم ايران التي اوشكت ذرائع الهجوم عليها تنضج.

 

ولا يبقى علينا سوى مراقبة المحيط الفلسطيني لنتسائل مرة أخرى عن مغزى زيارة بوش الى المنطقة الاكثر دموية في العالم- العراق، عشية اعادة انتشار القوات البريطانية في البصرة، والحديث عن انتصار في الانبار، والتمهيد لفكرة انسحاب، وتهدئة الخطاب تجاه المالكي، فما معنى ذلك كله؟

 

هناك مثل صيني يقول "اذا اردت ان تهاجم في الغرب فتحدث مرارا عن الشرق"، اذا سلمنا بتطبيق بوش لهذه النظرية التقليدية، فما هو شرقه وعن اي غرب يسهب في الحديث؟

 

 

 

 

شبكة المنصور

الاحد / 09 / أيلول / 2007