محسن خليل

شبكة المنصور

 

                                     

 

بعد مرور اكثر من اربع سنوات على الاحتلال ،فاجأ (المجلس الاعلى للثورة الاسلامية)في العراق الذي يراسه عبدالعزيز الحكيم رئيس كتلة الائتلاف ، الجميع داخل العراق وخارجه بالاعلان عن تغيير اسم الحزب الى( المجلس الاعلى الاسلامي العراقي)وحذف كلمة (الثورة ) منه.. كذلك غيّر المجلس مرجعيته من علي خامئني وحوزة قم في ايران الى المرجع الديني (الايراني الاصل) بالنجف السيد علي السيستاني . حصل التغيير في مؤتمر (الدورة التاسعة للهيئة العامة للمجلس الذي عقد يومي 10 و11/5/2007) ،التي قررت تغيير الاسم والمرجعية الدينية . أعلن الحكيم ذلك في مؤتمر صحفي عقده بعد انتهاء اعمال المؤتمر الذي اعاد أنتخابه رئيسا للمجلس الاعلى وكذلك أشار اليها البيان الختامي للمؤتمر ..  التبرير الذي قدمه الحكيم ، هو{{ ان ( الثورة ) تعني التغيير وان الحزب ساهم في اسقاط النظام وغيّر المعادلة الظالمة التي كانت تحكم العراق، وان تغيير اسم الحزب جاء لان هذا الحزب العريق ) أي المجلس الاعلى) يؤمن بالتداول السلمي للسلطة ، لذا تم تغيير اسم الحزب بتغيير المرحلة الجديدة }}.

الحكيم أذن يريد ان يقنع مستمعيه بأن حزبه أنجز (الثورة ) في العراق وأسقط (النظام الديكتاتوري الصدامي) ، وأقام الديمقراطية ،وحقق الامن والاستقرار واعاد الخدمات الى الناس ،وغمر الشعب بالتطور والازدهار ،وأن مرحلة الثورة قد انتهت وبدات مرحلة الدولة  وحانت ساعة العمل الجاد والمؤسسي ، في ظل الدستور والانتخابات  الخ.. ولم يُعِرْ الحكيم أهتماما كثيرا لمدارك الناس ووعيهم ،بأن الثورة ( الاسلامية) التي تحدث عنها ،أنجزتها الدبابات الامريكية وليس حزبه العريق، وأن بريمر الحاكم الامريكي ،هو الذي وضع حزبه في السلطة ،وعيّنه ً رئيساً دورياً لمجلس الحكم وليس التداول السلمي للسلطة ،وان قوات الاحتلال ، هي التي وفرت الحماية لحزبه والاحزاب الاخرى في حكومة الاحتلال ، لأجراء أنتخابات مزورة ،وصياغة (المعادلة السياسية للعراق الجديد)، بما فيها نسب المحاصصة في الحقائب الوزارية والمقاعد البرلمانية وليس نضاله العتيد ...لقد تجاهل ان تاريخ الشعوب لا يصنعه محتل ، ولا يوجد مثال واحد على قيام  محتل بثورة نيابة عن شعب ما في أي مكان في الكرة الارضية !! .

المعنى واضح ، تغيير اسم الحزب والمرجعية ، محاولة شكلية من الحكيم يتحسب بها لأمران ، بوادرهما واضحة للعيان بين العراقيين وفي كواليس السياسة الامريكية . وفي كل الاحوال لا يتعدى التغيير حدود التسميات، وممارسة ميكيافيلية مفضوحة هي ديدن الاحزاب التي تعاونت مع المحتل ، وارتضت أن تكون خنجرا بيده لطعن الشعب العراق والغدر بالوطن ..

الامر الاول يتعلق بالتظاهر الشكلي للتنصل من عبء الارتباط بأيران ، ومرجعيتها ، بعد أفتضاح تبعية المجلس المطلقة لها ،وتدهور سمعة ايران وتشوه صورتها لدى اوساط الشعب العراقي وخاصة في الجنوب ، وادراك هذه الاوساط أن سياسات أيران التدخلية في شؤون العراق ، مسؤولة  الى جانب قوات الاحتلال عن الفتنة الطائفية وتمزيق العراق وتكريس الاحتلال ، .... أضافة الى :

1- تنامي العداء لأيران ، جراء السياسات العنصرية والتمييزية التي مارستها ضد العراقيين العرب ، وتفضيل العراقيين من اصل فارسي عليهم ، واسناد المناصب والمسؤوليات العليا لهم ..

2- أفتضاح دور الاجهزة الايرانية في تهريب المخدرات الى مناطق الجنوب وتشجيع الشباب على تناولها ، وخاصة بين الفئآت الفقيرة والمهمشة اجتماعيا .

3- سطو ايران على ممتلكات العراق ، ونهب ثرواته ، والاستيلاء على كميات كبيرة من نفط الجنوب وتهريبه عبر الحدود ، مستفيدة من نفوذ المجلس الاعلى والاحزاب والميليشيات الاخرى الموالية لها ،في السلطة ومناطق الميناء والحدود .

4- أفتضاح الطبيعة الايرانية للمجلس من حيث التأسيس والتسليح والتدريب والسياسات والتصرف .

5- تولي منظمة بدر الذراع العسكري للمجلس ، (وهي بالاساس أحدى فيالق الحرس الثوري الايراني وكان أسمها ـ فيلق بدر 9 ـ قبل أن يتم ربطها بالمجلس الاعلى للثورة الاسلامية ) تنفيذ التوجيهات الايرانية بتصفية ضباط الجيش العراقي وطياريه ، وتنفيذ خطة اجتثاث البعث وأغتيال آلآف البعثيين من أبناء الجنوب للقضاء على الفكر القومي هناك وأرهاب القوميين العراقيين ،ومحو هوية العراق العربية .

6- وقوع عمليات عسكرية قام بها شباب من محافظات الجنوب استهدفت ضباط المخابرات الايرانية وعناصر فيلق القدس المنتشرة بكثافة في تلك المحافظات ، وفي حالات عديدة عبر هذا العداء عن نفسه في تظاهرات واحتجاجات شاركت فيها فئآت شعبية واوساط عشائرية رغم ظروف الارهاب والقمع التي تفرضها الميليشيات والاحزاب الموالية لأيران .  

كل ذلك جعل صورة ايران قاتمة وسلبية ،ودفعتْ الحكيم وقيادة حزبه للمناورة بهذه اللعبة الشكلية وهي تغييرالاسم لأعطاء أنطباع بان قرار التغيير مقدمة لتعريق المجلس االعلى كحزب ، والنأي به عن ايران وفك أرتباطه بسياساتها ،وسد الذرائع امام الانتقادات التي تعتبر الأحزاب المنضوية في كتلة الائتلاف وفي مقدمتها المجلس الاعلى،مجرد اذرع لسياسة أيران الاقليمية بأدوات عراقية .وفي كل الاحوال هي لعبة مكشوفة  ولن تقنع احدا ، لأن تبعية المجلس الاعلى ليست محصورة بالاسم وحده ولا تحل بتغيير الاسم فحسب ، وانما هي تبعية كامنة في النشأة والفكر والهدف والسياسات ،وكلها من صنع ايران، وليس للحكيم فيها الا الجانب التنفيذي منها.

الامر الثاني ، يتعلق ، باحتمالات تطور السياسة الامريكية في العراق . فثمة مؤشرات على ان الادارة الامريكية تستعد لأجراء تحسينات شكلية على العملية السياسية ،وأستحداث كتل سياسية وبرلمانية جديدة ،وتشجيع أحزاب وشخصيات اخرى على الدخول في العملية السياسية في اطار مايسمى بالمصالحة الوطنية ،كأحد خيارات فك الاختناق المفروض عليها من المقاومة ،ومعالجة فشل حكومة المالكي . وقد تكون هذه المؤشرات تمهيدا لتصعيد المواجهة بين الولايات المتحدة وأيران .. في هذا الاطار تحاول الاحزاب المحسوبة والموالية لأيران ، تبديل جلدها ،وتحسين صورتها ، لتكون مؤهلة ، لدخول المرحلة الجديدة المحتملة للعملية السياسية ..ويعتبر قرار تغيير اسم ومرجعية المجلس الاعلى، في أحد ابعاده ، تكيّفا مع المرحلة القادمة ،من خلال التحول من مرجعية خامنئي وحوزة قم ، المستتندة الى (نظرية ولاية الفقيه ) وتصدير الثورة الاسلامية بثوبها الطائفي ، الى مرجعية السيستاني المتحفظة على هذه النظرية ، على الاقل المعلن منها .. وقد سبق حزب الفضيلة ، المجلس الاعلى في عملية التكيّف هذه بأنسحابه من كتلة الائتلاف ، أستباقأ للتغيرات القادمة المحتملة ،والتهيؤ للتعامل مع صيغة جديدة قادمة تعتزم الادارة الامريكية تبنيها .أذ أعلن الفضيلة في حينه ،أن رفضه للمحاصصة الطائفية في تقاسم السلطة دفعه للأنسحاب من الائتلاف ،وأنه يسعى لأقامة حكومة وفق معايير غير طائفية . وهذا ايضا شكل من اشكال النفاق السياسي ، لأن من يرفض الطائفية ويريد تجاوز المحاصصة ،عليه أن يتخلى عن الفكر الطائفي وعن البنية الطائفية لحزبه .فكيف سيعالج الطائفية وهو يتمسك بطائفية الحزب وأنغلاق عضويته على طائفة بعينها .كيف سيحافظ على الوحدة الوطنية ،وهو يبنى فكرا فئويا ،وينشيء منظمات مغلقة على فئآت من الشعب دون غيرها .. حزب الفضيلة بهذا السلوك لا يختلف عن الحزب الاسلامي وعدنان الدليمي ، اللذان يتهمان حكومات الجعفري والمالكي بالطائفية وهما ليسا أقل طائفية منهما ،ويوجهان النقد لهما ليس بسبب بنيتهما الطائفية كما يقولان ، وانما من اجل الضغط  لتوسيع حصتهما فيها . تغيير اسم المجلس ومرجعيته لا يعدو الجاني الشكلي ، ولتطمين هواجس ومخاوف حلفاء الولايات المتحدة (المعتدلين) من أنتشار العدوى الطائفية من العراق الى بلادهم ، وربما كان هذا التغير أحد مطالب قمة الرياض ومؤتمر شرم الشيخ ،من الولايات المتحدة ، مقابل أستمرار دعم (محور المعتدلين ) للعملية السياسية ، ..

استكمالا للتفسيرات المنافقة لتغيير أسم المجلس الاعلى ،زعم الحكيم في مؤتمره الصحفي ، ان التغيير يأتي (انسجاماً مع النظام السياسي الجديد في العراق المبني على اساس الدستور والتداول السلمي للسلطة عبر الانتخابات الشعبية الحرة ). فأذا كان النظام السياسي الجديد يتصف بكل هذه السمات ، ولم يعد بحاجة الى (عنف ثوري ، ومفاهيم ثورية، ومفردات الثورية) فلماذا يتمسك الحكيم ببقاء الاحتلال وحماية قوات الاحتلال للمعادلة السياسية الجديدة، ولماذا يعتمد على الدعم التسليحي والتدريبي والامني لأيران ؟؟.وأذا كان حقا ان العراق ، بفضل (الثورة) التي انجزها هو وشلة الاحزاب المتحالفة مع امريكا ، قد استنفذ الحاجة الى العنف والثورة عبر الدبابات الامريكية ، فلماذا أكتفى بيان مؤتمره الختامي ومؤتمره الصحفي ،بوصف وجود القوات متعددة الجنسيات في العراق بأنه مؤقت ، ولم يعترف بوجود الأحتلال نفسه ؟؟ أليس التشبث ببقاء الاحتلال، يعني ان ( الاجواء الثورية ) ما تزال سائدة في العراق ،وانه من المبكر استعجال التخلي عن (المفاهيم والسلوكيات الثورية) طالما لا يزال الحكيم يتمسك ببقاء قوات الاحتلال.. أم ان الحكيم كبقية الشلة الحاكمة غير مكترث بتناقضات أقواله ومواقفه وتصرفاته ، ويراهن على ماكنة الاعلام الامريكية للتغطية على هذه التناقضات من خلال قمع أي منبر اعلامي يفضح هذه التناقضات ؟؟؟ كان جلال الطالباني قد أستنتج بطريقة عبقرية مماثلة ( أن العراق ليس فيه احتلال، وأن قرار مجلس الامن 1546 قد نقل السيادة كاملة الى الحكومات العراقية ، وطالما لايوجد احتلال ، لا يوجد بالضرورة مقاومة ، بل أرهاب ) .. وحين لم تجد هذه الاستنتاجات العبقرية لها صدىً مقنعا عند أحد ،راح  يردد في مناسبات اخرى ودون ان يشعر بأدنى قدر من الخجل او الحرج ، أنه أجرى اتصالات مع اكثر من عشرين فصيلا من فصائل المقاومة ،ابدت جميعها استعدادها لألقاء السلاح والانخراط في العملية السياسية ، ورفض أن يكشف أسم تنظيم واحد من الفصائل العشرين  ، زاعما  أن الوقت لم يحن لكشفها . وها قد مضى على هذا اللغو اكثر من سنتين ، ولم يظهر فصيل واحد يؤكد ادعاءآت الطالباني .

لا احد يعرف كيف يفكر (ثوار العراق الجديد ) ، فلا هم يعترفون بوجود الاحتلال ، ولا ينكرونه !! وغالبا يعتبروه تحريرا ، فأذا كان تحريرا فلماذا يخجلون من بقاء قوات التحرير أذن ؟؟ انها الديماغوجية والنفاق وأنعدام الاخلاق في ممارساتهم السياسية .. !!

مؤتمر الدورة التاسعة للمجلس الاعلى ، لم يفته  التأكيد على عدد من القضايا التي أكدت سياساته المعروفة بأمتثالها التام للمطالب الامريكية والايرانية في كل صغيرة وكبيرة . فالبيان الختامي للمؤتمر أكد على (ان البعث الصدامي كان ولازال العدو الأول للشعب العراقي)،وشدّد على (حظر عمل  "البعث الصدامي" فكراً وتنظيماً).وهو مطلب أمريكي أيراني صهيوني ، لأن البعث من الاحزاب العريقة التي تحمل فكرا وتنظيما قوميا موحِدا للأمة متساميا على النزعات الطائفية والتفتيتية داخل القطر الواحد وعلى مستوى الامة العربية ،وحزب مقاوم وأثبت قدرته على الصمود بوجه حملة الاسئصال والاغتيال والتصفيات الدموية التي قادتها وما زالت قوات الاحتلال والاحزاب الطائفية والعرقية المتحالفة معها . والحكيم كما ايران  و أمريكا وأسرائيل ، يريدون أستئصال الفكر القومي بوجه عام وليس البعث فقط ،ويتخذون من قانون اجتثاث البعث غطاءً لأجتثاث كل التنظيمات العراقية ذات الفكر القومي ، ، وتحويل الأغلبية العربية البالغة اكثر من ( 80%) من الشعب، الى أقليات موزعة طائفيا تسهل محو هوية العراق القومية وانتماؤه العربي ، وعزله عن بيئته العربية ودمجه مع ايران وتركيا والدول الغربية الامبريالية . وهو ما يلاحظ على توصيات مؤتمر المجلس الاعلى الذي حدد خارطة علاقات العراق مع دول الاقليم والعالم على قدر واحد من المساواة ، وكأن العراق لم يعد عربيا ، ولم يكن عربيا ، وسيتم تفريسه وربما أستجلاب أقليات أخرى من أيران وتركيا ، كما يحصل الان بمنح الجنسية العراقية والجواز العراقي لمئآت ألآلآف من غير العراقيين في أطار خطة تغيير بنيته السكانية. وفي الوقت الذي ركز فيه بيان المجلس الاعلى على أدماج العراق الاقليمي والاسلامي في أشارة واضحة الى أيران ، فأن التوصيات تشدد في الوقت نفسه على (رفض اي تدخل خارجي في شؤون العراق الداخلية. واحترام الواقع الجديد والخصوصية العراقية).. وهذه العبارات هي مصطلحات وليست مجرد صياغات لغوية لنهج سياسي ، نعم أنها مصطلحات أي ان لها معنىً سياسيا محددا لا يتطابق بالضرورة مع معنى المفردات اللغوية التي تتكون منها .. {رفض التدخل} المقصود به أصطلاحا { التدخل العربي} سواء عن طريق الجامعة العربية أو عن طريق ثنائي .و{أحترام الواقع الجديد والخصوصية العراقية } تعني الحفاظ على المحاصصة والتقسيم والفدراليات والدستور، والابقاء على هيمنة الاحزاب السبعة المتحالفة مع الاحتلال في دست السلطة وحسب الأنصبة التي تقررت منذ (مجلس الحكم ) وغير مسموح بتغييرهذه النسب .. الامر الذي يضع قرارات جميع المؤتمرات التي اوعزت امريكا بتنظيمها حول العراق ،من آخر مؤتمر في شرم الشيخ الى اول أجتماع لوزراء الخارجية العرب عقد في سبتمبر 2003 وقرر الاعتراف بمجلس الحكم وفق شروط محددة، فسرى الاعتراف فعلا ونسيت الشروط ... جميع تلك القرارات حول أستئصال الطائفية ،وتعديل الدستور ورفض تقسيم العراق تحت أي مسمىً تصبح لا قيمة لها ، لأنها مجرد توفير ذرائع للأنظمة العربية لتغطية مشروع الاحتلال والتقسيم . وما تأكيد مؤتمر المجلس الاعلى على {الخصوصيات} و{ تفعيل مشروع الاقاليم وأستكمال هذا المشروع..} الا دليل على أصرار احزاب الاحتلال ،على المضي في مخطط تقسيم العراق والغاء هويته العربية لمصالح أيران وأمريكا وأسرائيل ، خاصة وأن البيان الختامي لمؤتمر المجلس الاعلى {تحوط}، في معرض حديثه عن تفعيل مشروع الاقاليم ، لأحتمال أن تطلب محافظات مختلفة مذهبيا الانضمام الى فدرالية الحكيم حفاظا على وحدة العراق ، فجاءت توصيات مؤتمره  لتمنع ذلك وتؤكد على طائفية وعرقية الفدراليات كشروط لتحقيقها وأهمها:

{ب- الانسجام بين الاقاليم المشكلة من الناحية الثقافية والجغرافية والادارية والاقتصادية والتاريخية.

ج ـ تعزيز الوحدة الوطنية ومنع اي تصدع او انقسام او تشطر على الصعيدين المناطقي والوطني}.

فكيف تتعزز الوحدة الوطنية ويمنع التصدع مع اصرار المجلس على أن يتشكل كل اقليم من وحدات متجانسة طائفيا وعرقيا ( ثقافيا وجغرافيا واداريا وأقتصاديا وتاريخيا ) ؟؟ أليس هذا هو النفاق بعينه حين يصاغ الخطاب العام بلغة الحرص على الوحدة الوطنية بينما التشريع والتطبيقات تتعارضكلية مع هذا الخطاب ؟؟ فماذا يعني هذا التجانس غير التجانس الطائفي والعرقي، ومن ثم التفتيت في مرحلة اولى ثم التقسيم في مرحلة لاحقة ،ولم تكن أشادة مؤتمر المجلس الاعلى (بتجربة حكومة اقليم كردستان) من غير دلالة في هذا السياق ،وهو يعلم أن حكومة كردستان تتصرف بأستقلالية كاملة عن الحكومة المركزية على كل المستويات بما في ذلك عقد اتفاقيات مع دول أجنبية ،وفرض تأشيرات على العراقيين لدخول كردستان ، والزام غير العراقيين الحاصلين على تأشيرة من السفارات العراقية ،بالحصول على تاشيرة اضافية من مكتب الشؤؤون الكردية في السفاراتبالضبط هذه هي الصورة التي يريدها الحكيم ومجلسه الاعلى لعراق ( الثورة ) المنجزة  ..

ومنذ الان يمهد المجلس الاعلى لأقامة نظام أمني لمنطقة الخليج ستكون أيران القطب المهيمن عليه أمنيا وأقتصاديا وسياسيا ،وحتى يتحقق ذلك يصّر المجلس على تنفيذ فدراليات الاقاليم ، لكي يحتفظ بالحرية الكافية ، في ادارة سياسة أقليم الجنوب مع دول الجوار كما تراها وتريدها ايران دون ان يمتلك شركاؤه في الحكومة الاتحادية سلطة وصلاحية الاعتراض ، وستجد دول مثل الكويت أو البحرين والامارات نفسها مجبرة على الانضواء في نظام كهذا أو البقاء في عزلة عن محيطها تحت حماتها الامريكيين..

ولم يفت مؤتمر المجلس الأعلى أن يدعو (كل الاطراف إلى الالتزام بقرارات الشرعية الدولية فيما يتعلق بالحدود التاريخية بين العراق وبين كلّ من ايران والكويت وغيرهما من الدول المجاورة) متناسيا أن ترسيم الحدود مع الكويت فرض على العراق في ظل التهديد بالعدوان والحصار ،ولم يكن  العراق طرفا فيه ، وجاء مخالفا  للمواثيق الدولية ،وأن أيران لم تلتزم بترسيم الحدود طبقا للأتفاقيات الموقعة بين البلدين ،وأستولت على مناطق واسعة من الاراضي العراقية ،مستغلة ظروف الاحتلال وحالة الفوضى التي سببها..أن المجلس أفترض أن العراق هو الذي تجاوز على أراضي أيران  والكويت ، مع ان الوثائق والوقائع على الارض تؤكد ان العراق هو الضحية ،وان كلا من الكويت وأيران توسعتا داخل حدوده والى اليوم .. فهل الوطن العراقي بات في عرف الحكيم  ملكا للنظام الوطني قبل الاحتلال، لكي يفرط بارضه على سبيل الانتقام ، ويهب  ما لا يملك لكل من الكويت وأيران  ؟؟؟.

وكنموذج للكذب المفضوح ، والمزايدة الفجة، دعا مؤتمر الحكيم الى (استمرار الدفاع عن القضية الفلسطينية والقدس الشريف) متجاهلا جرائم القتل التي قامت بها ميليشيات بدر التابعة له ضد اللاجئين الفلسطينيين في العراق ،وفشل السلطة الفلسطينية وحماس في أخذ تعهدات منه ومن حكومة المالكي بتوفير الحماية لهم ، وهم الذين لا ملجا لهم غير العراق منذ تم تهجيرهم من فلسطين عام 1948 ..

ومن بين التوصيات الملفتة التي تبناها  مؤتمر المجلس الاعلى تأكيده على ( تشريع قانون النفط والغاز والقوانين المرافقة له ) واعتبار اقراره من مجلس النواب دليل على ( جدية المؤسسات الجديدة في خدمة مصالح البلاد).وهي كلمة باطل يراد بها باطل .. لأن الشعب العراقي بحاجة في الظروف الحالية الى خدمات الماء والكهرباء والصحة ومعالجة البطالة والفقر ، وليس الى أستقدام شركات اجنبية تستولي على  نفطه  وتلغي قرار التأميم الوطني ، فهذه هي رغبة الادارة الامريكية ، وهذه ايضا أستجابة (الثورة الاسلامية ) لها معبر عنها بقرارات المجلس الاعلى وأحزاب الدعوة والحزب الاسلامي وبقية الشلة .والاخطر أن هذه الاحزاب تريد الاستفادة من تمرير قانون النفط والغاز لتتقاسم ثروة العراق الوطنية بين اقاليمها ، من أجل أقامة بنية اقتصادية مفتتة ، تسير جنبا الى جنب مع التفتيت السياسي عن طريق المحاصصة والفدرالية ..

يخطيء المجلس الاعلى ، وبقية شلة حكم الاحتلال ، اذا اعتقدوا ، أن مشروعهم التفتيتي ، يمكن ان تكتب له الحياة ، ويخطئون أكثر ، اذا أستمروا بالمراهنة على الحماية الامريكية لنظامهم الجديد ، أو على أمكانية أيران في حمايتهم .. فالشعب العراقي ، أكتشف زيف احزاب الاحتلال جميعها ، وفقد الثقة بها ، بعد ان قدمت له مليون دليل على أنها لا تملك ذرة صدق مما تدعيه في شعاراتها ووعودها .. ورفض الاحتلال ، والفدرالية ،والفتنة الطائفية والعرقية ،وساند المقاومة العراقية البطلة ، والتف حولها ، من أربيل الى البصرة ، وأن كل مكوناته منخرطة في المقاومة ومناهضة الاحتلال ، عربا وأكرادا وتركمانا ، سنة وشيعة ، مسلمين ومسيحيين ،يجمعهم وطن واحد يتسع لهم جميعا من دون تمييز ... وفي هذه اللحظات ، يعيش المحتل أسوأ أيامه ، وغالبية الشعب الامريكي واكثرية الكونكرس تطالب بسحب قوات الاحتلال وتعترف بهزيمتها واستحالة انتصارها . وآخر تصريح لقائد القوات الامريكية في العراق الجنرال ديفيد بيتراوس أعترف فيه (بأن الاجهاد فى الحرب التى تخوضها قواته فى هذا البلد فاق قدرة جنوده على التحمل). وهو أخطر تصريح يصدر حتى الآن من أي مسؤول أمريكي ، فحين تستنفذ طاقة التحمل ، يكون الانهيار العام للقوات في الطريق ، والمقاومة التي اوصلت المحتل الى حافة الانهيار قادرة على كنس  أدواته ومعهم مشاريعهم الخيانية لتفتيت الوطن ..

  

 

                                      شبكة المنصور

                                    13 / 05 / 2007

أنجاز الثورة أم انجاز الفتنة؟