بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

تهديدات أيران لدول الخليج ..قد تربح الكثير أوتخسر كل شيء

 

 

شبكة المنصور

د. محسن خليل

 

يعتبر بعض السياسيين والمثقفين العرب كل أنتقاد لأيران موقف مفتعل  يسيء للمصلحة العربية ويبث الفرقة بين المسلمين ، ويرى أن المستفيد الوحيد منه الولايات المتحدة الامريكية ، متذرعا في  هذا بدعم ايران للمقاومة في لبنان وفلسطين ،و(تعرضها )لأحتمالات ضربة أمريكية توجه لمفاعلاتها النووية  .. وحين يواجه هؤلاء بوقائع تعاون طهران مع واشنطن في أحتلال أفغانستان والعراق وهما دولتان مسلمتان ،وبتفاصيل دورها الاجرامي في العراق ، مثل دعم وتسليح للميليشيات وتصفية ضباط الجيش العراقي ، واغتيال العلماء ،وزرع الفتنة وتغذية النزعة الطائفية ورفدها باحزاب ومنظمات واجهية طائفية ، وتشكيل فرق موت الى جانب الفرق الامريكية والصهيونية للقتل على الهوية ، ودعمها للحكومة العميلة ، اداة المحتل وواجهته المحلية ، وتاييدها للعملية السياسية التي تكرس الاحتلال وسلطة العملاء ،وتشجيعها للفدرالية ، الاسم الحركي لتقسيم العراق .. حين يواجه هؤلاء بوقائع وحقائق من هذا النوع ، يعترفون أن أيران ارتكبت اخطاء في العراق ، وانهم لا يقرونها عليها ، ولكنهم لا يذهبون في نقدهم لها أبعد من هذا الصوت الخافت والموقف الخجول ، ومقابل أعترافهم باخطاء أيران يطالبون منتقديها بأبقاء نقدهم محصور في الحلقات الضيقة وفي الكواليس والاحاديث الثنائية ،وينزعجون منتوجيه النفقد عبر المنابر الاعلامية أو في المؤتمرات والندوات .. أي أنهم يريدون مقابل موافقتهم على نقدها في الغرف المغلقة والكواليس الضيقة ،دعمها في وسائل الاعلام والتجمعات الجماهيرية ضد التهديدات الامريكية .. واذا تولى هؤلاء تنظيم ندوة أو مؤتمر ،تجاهلوا دعوة الاشخاص المعروفين بموقفهم النقدي من أيران ،وأن كانوا معنيين بموضوع الندوة ، ودعوا أصدقاء أيران او حلفاؤها الجدد ليتحول العنوان العربي للندوة الى تظاهرة تأييد لأيران ،وتسفيه لمنتقديها ، وأحتفاءً بمن يمثل أيران فيها من عرب وعجم ،وثمة من يصل في دفاعه عن أيران الى حد المغالاة فيزعم ان أيران غيورة على المصالح العربية أكثر من العرب أنفسهم ،وأن دورها في مقارعة الامبريالية والكيان الصهيوني أكبر من دور الحكام العرب  .. ومنهم من  يستنكر على العربي مطالبة  أيران بأنهاء احتلالها لجزر الامارات العربية المحتلة، ويقول أن بقاء الجزر بيد أيران افضل من  وقوعها بأيدي الامريكان أذا أنسحبت منها أيران .. ورغم أن هذا موقف مرفوض ، ولا يمكن تبريره ،لأن الموقف من الاحتلال واحد ، وكل احتلال يجب جلاؤه  سواءً أكان امريكيا ً ام أيرانياً، ألا ان بعض هؤلاء لايجدون حرجا في التصريح بمواقف مخجلة كهذه.. وفي شرع هؤلاء وقياسا على موقفهم من الجزر العربية الثلاث ،يجوز لأيران  أحتلال جميع دول الخليج العربي والحاقها بايران طالما ان حكامها  حلفاء أو عملاء امريكا ؟وكأن الاوطان في نظرهم ملك الحكام والانظمة .

ما يتغافل عنه هؤلاء أن الاحتلال الايراني لأي أرض عربية هو احتلال أستيطاني ،يباشر على الفور في أستجلاب سكان أيرانيين لتغيير هوية الارض والسكان  وضمها للأبد ، وهذا ما حصل في جزر الامارات الثلاث التي لم يبق من سكانها أحد وتم استيطانها من قبل أيرانيين اضافة الى أحتلالها بقوات عسكرية ، وحال عربستان لايختلف ويخضع هو الاخر لمنهج استيطاني جائر وغير أنساني ، فالسكان العرب لهذا الاقليم  تعرضوا للأجلاء من أرضهم ومساكنهم ، ومنعوا من تلقي التعليم بلغتهم وممارسة تقاليدهم القومية ،وابدلت أسماء مدنهم وقراهم العربية بأسماء فارسية ،وتعرضت وما تزال الحركة الوطنية العربستانية لأبشع أنواع القمع والبطش ، ويندر أن يمر يوم  من دون ان يحكم احد المناضلين العربستانيين  بالاعدام أو يودع في السجون .. فكيف تكون ايران غيورة على العرب في لبنان وطاغية لاترحم العرب في عربستان والعراق وجزر الامارات العربية ؟؟

كل ما في جعبة المدافعين عن ايران ، انها تواجه تهديدا من الولايات المتحدة ، ومن يقف ضدها يكون قد اختار الوقوف مع امريكا ، ولكن هؤلاء لا يقولون شيئا عن تعاطي أيران مع امريكا في العراق ، ودعمها للحكومات العميلة التي أنشأها المحتل ،وأذا سئلوا عن ذلك قالوا ان أيران دولة جارة للعراق ولها مصالح فيه ومن حقها التعاطي مع الوضع العراقي بما يخدم مصالحها ؟ أي انهم تارة يستخدمون مقياس المباديء وأخرى يستخدمون مقياس المصالح !! وأذا كان الحال كذلك ،فما الفرق بين الدور الايراني والدور الامريكي في العراق طالما ان الدولتين تبحثان عن مصالحهما وليس عن المباديء؟ وأذا قيل ان أيران تنظم وتسلح وتدرب ميليشيات الاحزاب العميلة الحاكمة في بغداد والموالية لها ،وضباط مخابراتها وحرسها الثوري يقودون هذه الميليشيات ويوجهونها لضرب المقاومة العراقية الوطنية وسكان المناطق الحاضنة لها في الوسط والشمال والجنوب،أنكروا ذلك ، وقبلوا اكاذيب أيران التي تنفي ضلوعها في أرتكاب هذه الجرائم على أنها حقائق لاياتيها الباطل ، ويطعنون في مصداقية من يتهم أيران .. حتى حوار طهران مع واشنطن واللقاءآت الرسمية بين الجانبين والتي هي دليل على تورط أيران في العراق ،تجد لها عند هؤلاء مايبررها بمصالح أيران وعدم ترك أمريكا تنفرد بالعراق وتجعله قاعدة للعدوان عليها .. أي ان هؤلاء يضحون بكل القيم المقدسة والثوابت المبدئية على مذبح ولائهم لأيران ،ويطعنون بوطنية كل من لا يؤيد أيران أو ينتقدها ،ويصنفوه  على خانة الامريكان .. وأذا قيل لهم أن لأيران اطماع في الوطن العربي وانها تستخدم الورقة الدينية وتصدير الثورة غطاء لمشروعها القومي التوسعي في الوطن العربي ،أنكروا ذلك واعتبروه ضرب من السذاجة او نتيجة تحامل عنصري معادٍ لها ؟فأن قيل لهم لماذا تصر أيران على تسمية الخليج العربي بالفارسي ، ولا تقبل تسميته بالاسلامي ،مع ان ضفتي الخليج العربي بما في ذلك ضفته الشرقية داخل أيران مايزال يسكنها الى اليوم اغلبية عربية هي امتداد لأقليم عربستان ،قالوا هذه أمور ثانوية لا تستحق الوقوف عندها أمام التحديات والمخاطر الامريكية ..

أن أي تصرف يصدر من عربي فردا كان أم حزبا أم دولة ،يستعدي دولة من دول الجوار أو غير دول الجوار ،بدون أسباب وجيهة وحيوية ،يعد تصرفاً غير مسؤول ويلحق ضرراً بالمصالح العربية ويجب التصدي له وفضحه ومنعه بقوة وحزم ، ولكن أذا كان لهذا التصرف ما يبرره ، مثل الاحتلال والتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية ، والتحالف مع قوى خارجية ضد بلد عربي كما هو حال أيران في العراق فالامر مختلف ،ويقتضي الواجب التصدي لسياسة التوسع والعدوان على الارض العربية .. والذين يصرون على نفي وجود اطماع لأيران في الارض العربية ،هاهي أيران تكذبهم وتقدم لهم ما يؤكد اطماعها من خلال تصريحات حسين شريعتمداري مستشار المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي والمشرف العام على مؤسسة كيهان الصحافية والتي نشرها في مقال له في الصحيفة المذكورة قبل عدة أيام وفيها ما يؤكد سياسية أيران التوسعية  في الارض العربية ، وأستثمارها حالة الضعف العربي واحتلال العراق لتهديد العرب وأبتزازهم والاستخفاف بهم والاستهانة بحقوقهم وأوطانهم ،وهي تكفي وحدها دون حاجة للتذكير بكثير من تصريحات وسلوكيات مماثلة سابقة ، لكي تبدد أوهام الذين يعتقدون في أيران خيراً للعرب .

لقد جاءت هذه التصريحات ردا على البيان الذي أصدره وزراء الدفاع والخارجية والأمن في دول الخليج العربي والذي طالب أيران بأعادة الجزر العربية الثلاث الى دولة الامارات العربية ، ولم تكتف تصريحات مداري بالرد على الامارات فقط بل هددت دول الخليج برمتها . والمريب ان الولايات المتحدة تجاهلت هذا التهديد ولم تعلق عليه ،فهل أمتد التنسيق الامريكي الايراني الى منطقة الخليج ؟؟؟ ربما !! يقول شريعتمداري في مقاله : أن (هناك حساب منفصل للبحرين بين دول مجلس التعاون في الخليج الفارسي، لان البحرين جزء من الأراضي الإيرانية وقد انفصلت عن إيران اثر تسوية غير قانونية بين الشاه المعدوم وحكومات الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا).وخوَّل مداري نفسه التحدث بأسم الشعب البحريني فقال مؤكداً: (ان المطلب الأساسي للشعب البحريني حاليا إعادة هذه المحافظة - التي تم فصلها عن إيران - إلى الوطن الأم والأصلي أي إيران الاسلامية ،ومن بديهيات الأمور انه لا يجب ولا يمكن التخلي عن هذا الحق المطلق لإيران والناس في هذه المحافظة التي تم فصلها).

وأضاف مداري : (الآن ووفقا للوثائق التي تؤكد على السيادة القطعية والحاسمة لإيران على الجزر الثلاث يجب ان نعود إلى السؤال التالي، أي ما هوالدافع الأساسي للدول الأعضاء في مجلس التعاون في الخليج الفارسي؟ وألم يكن دافع هذا الادعاء، شيئا غير هلعهم من الزلزال الذي إثارته الثورة الاسلامية ضد حكوماتهم القروسطية وغير المشروعة؟ وقد تم إنشاء جميع هذه الحكومات إثر التدخل المباشر للقوى الاستكبارية، حيث لم يكن للشعوب أي تدخل في تعيين حكوماتها وترسيم سياساتها واتخاذ قراراتها).

ووصل مداري إلى حد القول: (يعلم حكام هذه الدول جيدا انه لايمكن ان تتحكم الأسر الحاكمة بمصائر الناس وتنهب ثرواتهم الوطنية في عصر اليقظة الاسلامية التي تعد الثورة الاسلامية نموذجا لها ،وبما أنهم يعلمون ان الزلزال الناجم عن نموذج الجمهورية الاسلامية سيؤدي إلى انهيار أنظمتهم غير الشرعية، وهم محقون في هذا الأمر، فقد اتخذوا العداء لإيران الاسلامية كهدف استراتيجي وهذا خيار خطير ليس لإيران بل لاستمرار حكوماتهم) .

هل تحتاج هذه التصريحات الصادرة من شخصية  لها موقع مثل شريعتمداري الى توضيح او تعليق ؟أبدا  أنها في غاية الوضوح ، وصاحبها يتحدث بثقة عالية ، وقد نصب نفسه وبلاده ممثلا للشعب العربي في دول الخليج ، وغدا يمد تمثيله ليشمل دولاً عربية اخرى خارج منطقة الخليج .وأدعاء التمثيل أقترن بتصميم أيران على تصدير الثورة وبلغة صريحة وقوية وتنطوي على تهديد واضح للاطاحة بأنظمة الخليج ،حتى أنه لم يجد نفسه بحاجة الى أستخدام لغة تلميح أو اشارات غير المباشرة .. فأن لم تعبر هذه التصريحات عن العدوانية والاطماع الايرانية في الارض العربية فعن ماذا تعبر أذن ؟هل يعقل أن نظاما يتصدى للولايات المتحدة ومهدد بضربة منها في أي لحظة وغيور على المصالح العربية ،يختار هذا الظرف الصعب ليوسع جبهة أعدائه،بدل أن يكسبهم اصدقاءً له؟؟ ومتى كانت البحرين أيرانية ؟؟ ان شريعتمداري أطلق جملة من التهديدات الخطيرة التي تتنافى مع الحقائق التاريخية والقانون الدولي ومباديء حسن الجوار ..فاكد أولاً أيرانية البحرين أرضا وشعباً،واعتبر حق أيران فيها حقاً( مطلقا) وان شعب البحرين هو الذي يطالب بالعودة الى ( الوطن الام – أيران الاسلامية ) ،مع ان عروبة البحرين لاتحتاج الى أثباتها والدفاع عنها لأنها كانت عبر التاريخ مركزا عربيا مهما في الكيان العربي . ولكن ماذا تقول أيران عن عروبة عربستان ، التي ضمتها بالقوة وكالعادة بالتواطؤ مع القوى الدولية الطامعة في البلاد العربية ؟   وأكد ثانياً أيرانية الجزر العربية الثلاث التي أستولى عليها شاه أيران بتواطؤ بريطاني عام 1971 ،وجدد تاكيدات ايران المتكررة والمصممة على الاحتفاظ بالجزر ورفض التفاوض او الاحتكام الى محكمة العدل الدولية بشأنها ، وثالثاً هدد دول الخليج بزلزال الثورة الاسلامية الايرانية الذي سيؤدي الى أنهيار أنظمتهم ،..

ماهي دلالات اطلاق تصريحات مداري والقوية والخالية من الدبلوماسية ،وفي هذا الظرف المعقد والحافل بالتطورات والمفاجئآت ؟ هل تعبر عن رؤيته الشخصية ام تعكس سياسة نظام طهران ؟ طبيعة شخصية مداري وقربه من المرشد الاعلى علي خامنئي تؤكد أن ما يكتبه في صحيفة كيهان يمثل (الوعاء الذي يقدم الأفكار التي تدور في أروقة الحكم في إيران، والقضايا التي تشغل صانعي القرار، والقرارات التي قد يتخذونها في هذه القضية أو تلك) حسب ناهيد توسلي، رئيسة تحرير مجلة «نافيه» الثقافية والناشطة الإصلاحية، في وصفها للافتتاحيات التي يكتبها مداري.وهو نفسه لم ينف ذلك كما قال في لقاء مع صحيفة الشرق الاوسط في 26 آذار الماضي.أول الدلالات التي تعكسها تصريحاته مداري  ،أن أيران بعد احتلال العراق ،تشكل اكبر قوة أقليمية في المنطقة ولديها تفوق على دول الخليج ،وثانيها أعتمادها على تنظيمات سرية وخلايا نائمة في دول الخليج تستطيع حسب التلميحات الايرانية ان تزعزع أنظة الخليج والعديد من انظمة المنطقة في المشرق العربي خصوصا في أطار أستراتيجية تصدير الثورة المنصوص عليها في الدستور الايراني ، وثالثها أن لديها عوامل قوة أضافية حصلت عليها من مشاركتها في الاحتلال الامريكي للعراق ، وأبرزها كما تحدث عنها مداري نفسه ،أن الاحتلال ازاح النظام الوطني في العراق الذي كان جدار صد يحمي البوابة الشرقية للوطن العربي من الاطماع الايرانية ،ووضع عملاء أيران في السلطة الذين جعلوا جنوب العراق محمية أيرانية ، كما أن الاحتلال أشترك معها  في أطلاق حركات وتنظيمات طائفية داخل العراق وفي المنطقة ترتبط بالمشروع التوسعي الايراني وتعمل على نخر الجبهات الداخلية للدول العربية ، وتقسيمها طائفيا وعرقيا  ..

أن من الخطأ التعامل مع تصريحات شريعتمداري على  انها مجرد تخويف لدول الخليج ومنعها من الدخول في تحالف ضد أيران .. قد يكون هذا احد اهدافها  ،انما تظل اهدافها الحقيقية زعزعة استقرار أنظمة دول الخليج ، وفرض الامر الواقع على أحتلال الجزر الاماراتية ، والتمهيد لتحريك الخلايا النائمة والشروع بتصدير الثورة الى دول المنطقة ،معتمدة على جاليات أيرانية كبيرة في هذه الدول لديها سلطة المال وبعضها حاز على جنسية البلد ويشغل مواقع مهمة في اجهزة دول المنطقة .. المشروع الايراني يقترب من مرحلة فاصلة ، قد يربح الكثير وقد يخسر كل شيء . وأذا كانت انظمة الخليج كالنعامة التي لاتريد ان ترى ،فأن العراق لايزال بوابة الوطن العربي الشرقية ، وستكون المقاومة العراقية الباسلة التي عطلت مشروع الاحتلال الامريكي قادرة على سحق المشروع الايراني التوسعي حتى وأن تواطأت بعض دول الخليج مع أيران .. 

 

 

 

 

شبكة المنصور

الثلاثــاء / 17 / تمــوز / 2007