بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

ماذا بعد صمت جحوش الاقليم ؟

 

 

شبكة المنصور

د. محسن خليل

 

منذ أكثر من أسبوع تقوم وحدات من جيش وقوات الباسداران الأيرانية بقصف مكثف لعشرات القرى، على طول الحدود في أقضية راوندوز وبالك وبشدر وبنجوين في محافظتي أربيل والسليمانية من أقليم كُردستان العراق، بحجة محاربة (حزب الحياة الحرّة الكُردستاني الأيراني ) ويسمى أختصارا( بيجاك أو بيزاك). وكان مقاتلوا الحزب المذكور قد خاضوا يوم الاحد قبل الماضي معارك عنيفة ضد قوات الحرس الثوري الايراني ، في التخوم الجبلية الوعرة التابعة لقصبتي خانة وسره دشت بأقليم كردستان ايران، أدت الى مقتل (30) جنديا أيراني، واسقاط مروحية عسكرية ايرانية.

وعلى اثر تلك المعارك قامت طائرات هليوكوبتر ايرانية بتوزيع بيانات تحذيرية صادرة عن جهاز المخابرات الايراني (اطلاعات) وقيادة قوات الحرس الثوري الايراني المعروف بـ (الباسداران)، تطالب سكان القرى الحدودية بترك منازلهم على وجه السرعة، لأن المنطقة ستغدو، ساحة معركة بين القوات الايرانية ومسلحي حزب (بيجاك) حسب ما ورد في تلك البيانات.

وقد تسبب القصف المدفعي الأيراني المتواصل طيلة الأيام الماضية في قتل وجرح عدد من سكان القرى المقصوفة (بيرمه، ميركه مير، سرروكاني ،وشيوه دير) التابعة لناحية سيدكان، وحرق العديد من بساتين ومزارع الفلاحين ،وقتل الكثير من حيواناتهم .. وأدى ذلك أيضا إلى تشريد الآلاف من أهالي تلك القرى من بيوتهم وديارهم. وقد تم تحشيد قوات عسكرية ايرانية ضخمة مع أسلحتها الثقيلة على طول الجانب الأيراني من الحدود مع العراق في تلك المناطق.

طبقا لتقارير قوى الأمن في محافظتى أربيل والسليمانية تقوم الحكومة الأيرانية كذلك بتجديد الطرق العسكرية التي أستخدمتها في الحرب ضد العراق (خلال حرب الأعوام الثمانية) على الحدود بين البلدين .

اللواء (جبار ياور) وكيل وزارة شؤون البيشمركة في اقليم كردستان ،أكد ان القصف الايراني لقرى الحدود مع ايران لم يتوقف وما زال مستمرا وان عناصر حزب (بيجاك )الكردي الايراني المعارض لنظام طهران ، يختبئون في مناطق يصعب على القوات الايرانية الوصول اليها سواء في أقليم كردستان ايران أو في مناطق حدودية مع العراق، ولكن القصف أدى الى الحاق اضرار مادية جسيمة بأرواح ومزارع وحقول القرويين في المنطقة، وتشريد العشرات من العوائل القروية، التي دمرت منازلها تحت القصف الايراني العشوائي. وأوضح اللواء ياور في تصريح لـ«الشرق الاوسط» ان (أي اتفاق بين العراق وايران لم يبرم او يسمح لأيران بأنتهاك حدودنا بحجة مطاردة القوات المعارضة لها)، مشيرا الى ان (إقليم كردستان جزء من العراق الفيدرالي ،وفي حال وقوع أي هجوم عليه فعلى الحكومة العراقية والقوات المتعددة الجنسية التي توجد في العراق بموجب اتفاق عسكري مع الحكومة العراقية أن تتحملا مسؤولياتهما للدفاع عن إقليم كردستان). وأضاف ان(البيشمركة قوات تابعة لوزارة الداخلية العراقية ومهمتها الأساسية هي الدفاع عن حدودنا الدولية ،وان وجود اي تهديد على الحدود يدفع تلك القوات ان تتحرك للدفاع عن البلاد). مؤكداً (ان الموجة الاخيرة من القصف جاءت على خلفية إسقاط مروحية عسكرية إيرانية من جماعة إيرانية معارضة لطهران قرب منطقة حاج عمران).

من جانبه أكد حسين احمد ،قائمقام قضاء قلعة دزة التابعة لمحافظة السليمانية أن المدفعية الايرانية تواصل بلا هوادة قصفها الصاروخي لقرى (بيناو وقندول وتوزان وسرشيو ورازان)، وأن القصف أدى الى مقتل عدد من أبناء تلك القرى ونزوح شبه تام لسكانها،وتوَجَّهَ أكثر من ثلاثمائة عائلة من تلك القرى نحو مدينة قلعة دزة ولجأ نحو (200) عائلة أخرى الى كهوف في الجبال للأحتماء بها من القصف الايراني. وناشد حسين احمد، (قوات التحالف الدولي، والولايات المتحدة والمنظمة الدولية، التدخل العاجل لوقف القصف والحملة العسكرية الايرانية ضد سكان المنطقة )التي وصفها بـالوحشية والهمجية.

وحسب وكالة الأنباء الألمانية،تضمن المنشور الذي وزعته الطائرات الايرانية على سكان تلك المناطق ما يلي :(إن أعداءنا وبالأخص أميركا يحاولون عرقلة الأوضاع الأمنية في بلادنا (أي في إيران) ويستعينون في ذلك بمجموعة من العملاء في منطقة قنديل وخنيرة (داخل إقليم كردستان العراق) وسوف تعمل سلطات الجمهورية الإسلامية الإيرانية على تطهير المنطقة منهم) ، و(لإعادة الأمن والاستقرار إلى المناطق الحدودية سوف تقوم القوات الإيرانية بعمليات عسكرية برية وجوية في المنطقة لملاحقة العملاء، ونطلب منكم الابتعاد عن منطقة العمليات حرصا على سلامتكم) ..

فيما لم تصدر أية اعتراضات من الحكومة العراقية على التدخل الإيراني في شمالي العراق، كما لم يوضح الجانب الإيراني أسباب قصفه المتواصل لقرى شمالي العراق وتدخله في الشأن العراقي سوى انه يحارب (متمردين) اكراداً.

بالرغم من كل ذلك تسكت حكومة الأئتلاف الرباعي عن هذا العدوان السافر للنظام الأيراني بشكل يثير الدهشة والأستغراب ،خاصة وأن الاحزاب الاربعة المهيمنة على القرار السياسي وعلى الحكومة العراقية ، ترتبط مع ايران (الشاه والاسلامية) بأوثق العلاقات وتعتبر بمثابة أدوات ايرانية في العراق ،ورغم ازداواجية ولائها لواشنطن وطهران ، ألا انها لا تستطيع الابتعاد كثيرا عن طهران ، لأسباب عديدة ، منها ، أن لطهران أياد بيضاء على الاحزاب الاربعة ،من حيث الايواء والرعاية والتمويل طيلة العقود التي سبقت غزو العراق وأحتلاله .والسبب الثاني أن الائتلاف الرباعي يدرك أن حاجته لأيران لم تنته بعد ، وأن هزيمة الاحتلال الامريكي في العراق باتت وشيكة ، وأحتمالات الفرار الى أيران أصبحت شبه أكيدة ،مما يجعل قادته في حالة عجز تام عن التصرف تجاه أيران بحسب عناوين المسؤولية التي يحملونها . والسبب الثالث،هوالصمت المريب لأدارة بوش وقيادة قوات الاحتلال في العراق إزاء اعتداء ايران ،بصورة تثير الشكوك والقلق لدى حكومة الائتلاف الرباعي،وتدفعها الى التشوش والارتباك فيما يجب أن تفعله ، فرغم كون قوات الاحتلال مسؤولة عن حماية أمن العراق وفقا للقانون الدولي فأن ثمة علاقة بين صمت واشنطن وصمت جحوش الاقليم ؟؟

أما جحوش الاقليم ،جلال ومسعود ،فموقفهم أكثر حرجا وأستغرابا من موقف حكومة المالكي المنهارة ، فقد أثار صمتهم على الجرائم الايرانية أستياءً ًواسعا وحنقا كبيرا بين اوساط المواطنين في كردستان ولدى الاحزاب السياسية ووسائل الاعلام في الاقليم ،خاصة وأن عمليات القصف وصفت بالهمجية والسافرة والدالة على العنجهية والغطرسة الايرانية، فكيف يلوذ رئيس الاقليم بالصمت والخنوع وهو الذي كان لأتفه الاسباب يهدد ويتوعد حكومة بغداد أو حكومة انقرة !!ولماذا لم تصدر عن جحوش الاقليم الا أشارات خجولة ومرتبكة وتدل على تخبط في التصرف ،وخشية من أدانة العدوان الايراني ؟

ردود فعل جحوش الاقليم على العدوان الايراني تكشف عدة أمور تستحق التأمل والتدبر في عواقبها ، فما حصل من جانب أيران لم يكن مجرد عدوان من غير أسباب ، أو لمجرد رغبة أيران في تفجير الوضع الامني في أقليم كردستان ، فالمعلومات التي تداولتها الوكالات ووسائل الاعلام ، وإن كانت على نطاق محدود ، وأحيانا ، مجرد أشارات عابرة ،ألا أنها تدل على أن الحزب الديمقراطي الكردستاني (الايراني) ، وحزب بيجاك الكردستاني (الايراني) ، وحزب العمال الكردستاني (التركي )قد بدأوا بتنفيذ عمليات مسلحة واسعة وكبيرة في أقليم كردستان ايران ، وبعض المعلومات تشير الى أن حزب بيجاك يتكون من اكراد عراقيين وأيرانيين واتراك ، أي أنه حزب قومي كردي يتحرك بقوة داخل أيران ، والمنشور الايراني الذي وزعته الطائرات الايرانية لأخلاء قرى ومناطق حدودية في كردستان العراق ، ألمح ألى أن هذه الاحزاب الكردية الايرانية تعمل مع الولايات المتحدة الامريكية ضد الجمهورية الاسلامية ، وسواء أكانت هذه المعلومة صحيحة أم ملفقة ، فأن المهم ، أن التنظيمات الكردية المسلحة موجودة فعلا داخل كردستان أيران ، وأن قوى أيرانية معارضة لنظام طهران مثل مجاهدي خلق ، والحزب القومي الاذربيجاني في أذربيجان تشترك معها في حمل السلاح ضد نظام طهران كل من موقع الاقليم الذي ينتسب اليه . ومؤشرات ذلك واضحة في المعارك التي وقعت قبل أسبوعين ضد قوات جيش وحرس الجمهورية الاسلامية ، وأدت الى مقتل 30 جندي أيراني وأسقاط مروحية عسكرية قادها حزب بيجاك ، فجاء رد فعل أيران عنيفا ورادعا ومستهدفا مناطق مدنية ، تعتقد أيران أن عناصر حزب بيجاك والعمال التركي تتحصن فيها وتحرص على أستئصالها من هناك .. طبعا هذا هو طموح أيران ، أما من الناحية العملية ، فلن تتمكن أيران من ضبط الاوضاع في كردستان العراق ، بعد أن نجح حزب العمال الكردستاني التركي ، وحزب بيجاك في الحصول على كميات كبيرة من الاسلحة الحديثة والمتطورة ، وتخزينها في جبال كردستان العراق ، وتهريب بعضها الى جبال كردستان التركية والايرانية .. كما أن الحاضنة الشعبية لهذه الاحزاب في كردستان العراق قد بلغت شأنا كبيرا تستطيع أن توفر الكثير من الدعم والحماية لها ،وأن تفشل أي محاولة يقوم بها جحوش الاقليم لتحجيمها أو أضعافها. ومن هنا يأتي أحد مصادر قلق جحوش الاقليم ،جلال ومسعود ، فوجود حاضنة شعبية كردستانية لحزب بيجاك في كردستان العراق ، قد يدفع أيران الى الاقدام على غزو كردستان العراق ، وتدمير مؤسسات الاقليم ، وتهميش سلطة وهيبة جحوش الاقليم ،وبروز قيادات كردية وطنية وقومية حقيقية تستقطب الشارع الكردي على حساب جحوش الاقليم ، ربما هذا القلق جعل وكيل وزارة شؤون البيشمركه يتحدث عن أن أقليم كردستان جزء من العراق (الفدرالي) وأنه لا يوجد اتفاق بين العراق وأيران يسمح لهذه الاخيرة بدخول الاراضي العراقية أو ملاحقة معارضيها داخل الاراضي العراقية ؟؟ في محاولة منه لتنبيه أيران الى مخاطر توسع القصف الحدودي وتحوله الى غزو للأقليم !!

المعروف أن أيران تقوم بقصف قرى ومناطق حدودية منذ اشهر ، وأن أعمال القصف تصاعدت في الاسابيع الاخيرة وطالت المدنيين ودمرت قرى بأكملها ، وهجَّرت سكان قرى أخرى تهجيرا كاملا .. أن هذا التصرف الايراني غير قانوني وغير شرعي وينتهك القانون الدولي واتفاقية جنيف الرابعة وأتفاقية لاهاي لعام 1907 ، فلا يبرر لجوء بعض المسلحين الى هذه القرى ، تعريضها للقصف والتدمير وأخلائها من سكانها .. ومن المفارقات أن حكومة المالكي تلوذ بالصمت أزاء العدوان الايراني المكشوف والصريح ضد قرى ومناطق حدودية ، ولكنها توجه أتهامات قاسية ضد سوريا بأيواء مسلحين وتهريب السلاح الى العراق ؟؟حتى أن كبير جحوش الاقليم جلال الطالباني أتهم سوريا اكثر من مرة بتهديد أمن العراق ودعم ( المسلحين ) أمتثالا لتعليمات أسياده المحتلين ولكنه لم يوجه كلمة واحدة ضد أعتداءآت أيران في كردستان !!!

بأختصار .. أحدث القصف الايراني لقرى في كردستان ، حالة شديدة من الحرج لحكومة الاقليم الكردي ،وفاقم من ازمة حكومة المالكي الموشكة على الانهيار، ووضع الائتلاف الرباعي ، الذي يحكم في بغداد وفي كردستان في آن، والمعروف بولاء أطرافه الاربعة لأيران ،في وضع مرتبك وضعيف ، أفقده القدرة على التصرف والفعل، وأثار ضده علامات أستفهام كبيرة وأسئلة أكبر محورها ماذا بعد صمت جحوش الاقليم على عدوان ايران ؟؟

 

 

 

 

شبكة المنصور

الخميس / 30 / أب / 2007