بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

ما بعد زيادة القوات

 
شبكة المنصور
محسن خليل
 

اثارت عودة مقتدى الصدر المفاجئة للعراق بعد أختفاء دام خمسة اشهر، العديد من  التكهنات حول توقيت عودته وظهوره العلني والدوافع الكائنة وراء ذلك .ابرز التكهنات ربطت عودته بتغيرات مرتقبة قد تحدث في العراق خلال الايام القادمة . المتحدث باسم البيت الابيض غوردن جوندرو رحب بعودة مقتدى حيث قال(الان وقد عاد بعد اربعة اشهر امضاها في ايران، نأمل ان يؤدي دورا مفيدا وايجابيا في العراق) فيما رجح  الجنرال رايموند اوديرنو، ثاني اعلى مسؤول عسكري اميركي في العراق، ان الصدر (مستعد لإجراء مفاوضات خلف الستار) مع الولايات المتحدة وحلفائها من العراقيين.

وقد توافقت تصريحات مقربين من مقتدى الصدر مع تصريحات المتحدث بأسم البيت الابيض ، اذ اكد هؤلاء (أن المرحلة المقبلة في العراق ستشهد سيطرة مؤيدي الصدر على الحكومة، من خلال تجنب الاشتباك مع القوات الأميركية، واعتماد التصعيد الخطابي المطالب بخروج القوات الأجنبية وتعزيز المكاسب السياسية في بغداد والجنوب وتقوية العلاقات مع إيران).ورأواْ (أن عودة الصدر تمت بعد حصوله علي موافقة من الحكومة تضمن عدم مطاردته، مقابل اصدار توجيهاته  لجيش المهدي وانصاره بعدم الصدام مع الحكومة وقواتها الامنية) .

ونقل تقرير نشرته وكالة الأسوشيتدبرس عن ستة مسؤولين في التيار الصدري ، إلى ان الصدر يخطط لملء الفراغ الذي سيخلفه الانسحاب الاميركي من العراق، ومرض منافسه عبد العزيز الحكيم الذي يعاني من سرطان الرئة. واضاف هؤلاء ( أن استراتيجية الصدر تعتمد جزئيا على الاعتقاد السائد من أن الادارة الاميركية ستسحب قواتها من العراق قريبا أو انها ستخفض عددها هناك مخلفة فراغا امنيا وسياسيا كبيرين).  . وقالوا  بحسب التقرير (أن الصدر يعتقد أن حكومة المالكي لن تصمد في حال خروج القوات الأميركية بسبب فشلها في الملف الأمني والخدمي والاقتصادي، مما سيقود إلى تشكيل تحالفات سياسية جديدة يكون فيها التيار الصدري الرابح الأكبر). وأوضح أحد المسؤولين الصدريين الستة لوكالة اسوشيتدبرس (أن التيار الصدري منح حكومة المالكي فرصة تاريخية، إلا أن رئيس الوزراء لم يستثمرها، لذا فإننا نعد العدة كي نشكل القيادة الجديدة للعراق).

من جانب آخر أكدت كل من كتلة التوافق والقائمة العراقية ، وجود اتصالات بينها وبين كتل وأحزاب أخرى بينها حزب الفضيلة وجبهة الحوار الوطني والتحالف الكردستاني لتشكيل جبهة سياسية جديدة تكون بديلا عن قائمة الائتلاف وحكومة المالكي ،وأشار أحد مساعدي اياد علاوي ان التيار الصدري يمكن ان ينضّم الى الجبهة الجديدة .. ونفى الناطق بأسم كتلة التوافق سليم عبدالله ان يكون هدف الجبهة الجديدة الانقلاب على حكومة المالكي ، وقال أنها عملية  سياسية (ديمقراطية) الغاية منها تشكيل كتلة تمثل أغلبية للشعب العراقي غير مبنية على اساس طائفي.وكان الهاشمي رئيس الحزب الاسلامي ويشغل نائب رئيس الجمهورية عن كتلة التوافق قد صرح (ان امامه ثلاثة خيارات هي الحوار مع الحكومة أو الانسحاب منها او تشكيل جبهة جديدة) ..  ،

وقبل أسابيع أقدم عبدالعزيز الحكيم وعشية زيارته لواشنطن على تغيير أسم حزبه (المجلس الاعلى للثورة الاسلامية) وحذف منه كلمة ( الثورة) ليصبح ( المجلس الاعلى الاسلامي)، كما اعلن تغيير مرجعيته الدينية من خامنئي الى السيستاني، وأكد تمسك المجلس (بحقوق الانسان والديمقراطية والتداول السلمي للسلطة)  في خطوة فسرت على أنها محاولة حثيثة من قبل الحكيم للنأي بنفسه عن ايران والاقتراب من أميركا بشكل أكبر، أستعدادا للتكيف مع التغييرات التي تزمع الادارة الامريكية اتخاذها في العراق.

على الصعيد نفسه بدأت الادارة الامريكية، مناقشة (استراتيجية مرحلة ما بعد زيادة عدد القوات)،وابرز عناصرها التركيزعلى التدريب وتقديم الاستشارات للقوات العراقية، بعد أن توصلت الى ان حكومة المالكي ضعيفة و(ذات صبغة طائفية)...تقويم واشنطن لمالكي بهذه الصيغة ينطوي ضمنا على تهيئة الرأي العام الامريكي والتمهيد لسحب جزئي للقوات من العراق ،وعلى اعتراف صريح بفشل الخطة الامنية، وخطة بناء (جدر العزل الطائفية ) في احياء بغداد الاساسية ،وتدمير جسور العاصمة والجسور التي تربط المحافظات بعضها بالبعض الاخر كوسيلة للحد من حركة مجاهدي  المقاومة الباسلة .. لقد فشلت كل تكتيكات وتعديلات وخطط  قوات  الاحتلال في أضعاف المقاومة او تقليل الخسائر البشرية لجنود الاحتلال . وشهدت الشهور الاخيرة زيادة واضحة في نشاط المقاومة ،وقدرة عناصرها على اقتحام أهداف محصنة للغاية ،كضرب القواعد العسكرية الكبيرة ، واحراق الطائرات في مرابضها ، واختطاف جنود الاحتلال ،وقصف المنطقة الخضراء والتحكم في انتقاء الاهداف داخلها ودقة أصابتها ، الى حد دفع جنود الاحتلال للمطالبة بتزويدهم ببطانيات واقية ،وأسكانهم في مباني بدل الكرافانات ، وبعضهم اعلن التمرد على آمريه .. هذه التطورات اجبرت ادارة بوش على منح المالكي مهلة مدتها شهران غير قابلة للتمديد لضبط الامن .. طبيعي لن ينجح المالكي خلال شهرين في أنجاز ما فشلت في تحقيقه قوات الاحتلال في أربع سنوات. وواشنطن تعرف هذا وعلى يقين منه ،لذلك أعطت أشاراتها لتستعد احزاب الاحتلال للتغييرات المنتظرة في الحكومة ،وأعادة بناء العملية السياسية بطريقة (مُحَسَّنة ) ،بحيث تتشكل كتل جديدة وتحالفات جديدة ، وبالوجوه نفسها .. كل ما في الامر سيعاد تقديم كُتَلْ الحكومة القائمة بخلطة جديدة بعد ان تضاف لها احزاب وشخصيات تشترك في العملية السياسية اول مرة ، دون ان يكون لها وزن لدى الشارع العراقي ، ولكن دخولها سيعطي انطباع بان هناك تغييرا،وهناك نبذ للطائفية ،والميليشيات ،والمحاصصة ، على الصعيد النظري وفي التصريحات لا اكثر .. ويمكن أن تبرم واشنطن اتفاقا مع مقتدى الصدر بهدف تأمين انتقال منظم للسلطة من حكومة المالكي الى حكومة جديدة  .

أما على الصعيدين الدولي والاقليمي ، فالإدارة الأميركية تعتزم منح دور أوسع لمجلس الأمن الدولي واليابان ودول الاتحاد الأوروبي، بالطلب من الأمم المتحدة أن تحل مكان قيادة التحالف الأميركي، وعلى المستوى الإقليمي تهدف إلى حشد جهود دول الجوار وخاصة الدول العربية لدعم التغيير الجديد، والمساعدة على عزل (التكفيريين)، وفصل (السنة) عن (التمرد) ،واحتواء العناصر المتشددة في جيش المهدي ،ووقف عمليات (التسلل) عبر سوريا،والحوار مع ايران ..  

لقد كشفت المواجهات التي وقعت في البصرة وعدد من محافظات الجنوب(العمارة، الناصرية ،الشطرة،الديوانية،النجف،كربلاء،السماوة ، بابل)  خلال الاسابيع الماضية بين «جيش المهدي» وقوات الشرطة المحسوبة معظم عناصرها على المجلس الأعلى» عمق الخلاف بين أحزاب كتلة الائتلاف وصراعها العنيف على مراكز النفوذ والموارد المالية، كنتيجة طبيعية لأسلوب المحاصصة الطائفية في توزيع المناصب والصلاحيات ،وأندفاع كل حزب رغم شعراته الدينية المضللة للأحتفاظ بأكثر من ميليشيا تتغلغل عناصرها في الأجهزة الامنية ، وتدخل في أستفزازات وصراعات متبادلة على مراكز النفوذ والمال ،وللسيطرة على شبكات تهريب النفط ،وموانيء التصدير الرسمية والموانيء غير الشرعية المنتشرة في شط العرب .في البصرة أنفجر صراع عنيف بين حزب الفضيلة المسيطر على مجلس المحافظة ومراكز التجارة وميناء البصرة والانتاج النفطي، وبين المجلس الاعلى الذي ينازعه عليها وعلى المناصب الامنية ، فيما أخترقت ميليشيا جيش مقتدى بعض الاجهزة ،أضافة الى الخلاف الشديد حول فدرالية الجنوب التي يريدها حزب الفضيلة منفصلة عن سطوة رجال الدين التقليديين في النجف .وفي العمارة أنخرط «حزب الله» بزعامة عبدالكريم المحمداوي في صراع حسم عملياً لمصلحة «المجلس الأعلى» الذي أحكم سيطرته على محافظة الناصرية، على حساب أنصار مقتدى.وأنحصر الصراع في السماوة والنجف وكربلاء وبابل بين «المجلس» وجيش مقتدى الذي لا يسيطر رسمياً على أي من تلك المحافظات، فيما تتغلغل ميليشياته في الأجهزة الأمنية.وفي كل تلك الصراعات تمسك أيران بخيوط  احزاب الائتلاف جميعها.وتتضح طبيعة الصراع من خلال التزوير الذي أعتمدته أحزاب الائتلاف فيما بينها للأستحواذ على وحدات الشرطة والاجهزة الامنية ،حيث ألحق كل حزب عناصره في هذه الاجهزة ، ومنحها رتباً عسكرية عالية أستنادا الى شهادات تَخَرُّج مزورة ، وقد أعترف اللواء عبد الكريم خلف مدير مركز القيادة الوطني في وزارة الداخلية إن وزارته تحقق بقضايا(964) من منتسبيها يحملون رتبة ضابط دون وجود ما يشير الي تخرجهم من كليات او معاهد عسكرية، وأن هناك (4) آلاف ضابط زَوّروا الوثائق التي مُنِحوا على اساسها رتبهم العسكرية،حسبما كشفه المؤتمر السنوي الأول للشؤون الإدارية للوزارة .

هروب مقتدى وعودته .. وتكتمه على أماكن اختفائه ،وانتقاله بين أيران وحزب الله في لبنان، ثم ظهوره العلني ،والقائه خطبة في مسجد الكوفة،،مليئة بالتناقضات والنفاق وازدواجية الخطاب،لا يمكن تفسيرها بغير الاتفاق مع واشنطن على دوره الجديد للمرحلة القادمة، وأستعداده كما تفعل أيران،ان يرفع شعارات براقة ويتصرف بنقيضها... ومثلما تتهم أيران بعض خصومها بخدمة التحالف الامريكي الصهيوني والشيطان الاكبر، وتتجاهل انها شاركت هذا التحالف في أحتلال أفغانستان والعراق   كذلك يفعل مقتدى ..يرفع شعارات (كلا كلا امريكا) ولكنه يقبل أن يتعامل مع حكومة تعيّنها وتحميها وتضع دستورها وتشريعاتها امريكا .. يطالب بسحب قوات امريكا ولكن ميليشياته تتجحفل مع الجيش والشرطة العميلة في ملاحقة مجاهدي المقاومة.. يزعم حمايته لكل العراقيين ولكنه يعطي الاوامر للقتل على الهوية الطائفية . يؤيد المصالحة الوطنية ولكنه يتوعد الحكومة والاحزاب التي تريد ارجاع البعثيين الى الحكومة ويتعهد بمنع ذلك .. والبعثيون ليسوا منافقين مثله ،هم لا يريدون اصلا العمل مع حكومة تحت الاحتلال ،وأنما يجاهدون ويقاومون المحتل وحكوماته المستحثة.. حين سحب مقتدى وزراءه من حكومة المالكي زعم أنه لا يريد المشاركة في حكومة قائمة على أساس المحاصصة الطائفية ، لكنه عاد فخول المالكي صلاحية تعيين بدلاء لهم على ان يكونوا تكنوقراط ، فكيف أستقام في عقله أن المالكي الذي يرأس حزبا طائفيا يمكن أن يؤلف حكومة غير طائفية ؟؟وماذا يستطيع ان يعمل ستة وزراء تكنوقراط في حكومة قائمة برمتها على المحاصصة والبناء الطائفي ؟؟..

 أن أحزاب الاحتلال غير جديرة بتمثيل شعب العراق ،ولا يمكن ان تنقلب بين ليلة وضحاها الى احزاب وطنية ، ولا عبرة في أنتخابات وضعتها في السلطة وجرت في ظل الاحتلال وبحماية دباباته .. وأياً تكن الطبخة الجديدة التي تعتزم واشنطن طرحها للعراق على انقاض حكومة المالكي ، فانها لن تخرج عن الصيغة الطائفية لأن جميع الاحزاب المشاركة فيها احزاب طائفية وعرقية .. فمن يزعم انه ضد الاحتلال ، عليه ان يرفع سلاحه لطرد المحتل ، لا ان يكون واجهة للمحتل وعونا له ضد المجاهدين الابطال  الذين يتصدون له بكل شجاعة وبطولة ..ان تيار مقتدى هو أحد أدوات ايران ، ومن احزاب الاحتلال منذ ارتضى أن يكون جزءاً من حكومة الاحتلال ، أما  الشعارات التي يرفعها ضد الاحتلال ، فهي على الطريقة الايرانية ، خطاب مزدوج ، لخلط الاوراق ، وتضليل الناس ولا يمكن ان يكون ضد الاحتلال وهو جزء من مؤسساته ،كما لا يمكن ان يكون ضد الطائفية وتياره قائم على أساس طائفي .. فالذي يريد ان يتبرأ من الطائفية ، عليه أن يفتح حزبه لأبناء شعبه لا ان يقصر أتباعه على عناصر تنتمي الى طائفة واحدة .. وأذا كان يؤمن ان المحتل هو الذي زرع الفتنة بين العراقيين ، فلماذا لا يتخلى عن الخطاب الطائفي ، والتنظيم الطائفي ، والشعارات الطائفية والايديولجية الطائفية ، وأن يكون ممثلا للشعب العراقي من اقصاه الى اقصاه بدل ان يكون ممثلا لفئة من الشعب دون اخرى ، أن كان صادقا فيما يدعيه من رفض للطائفية .. وله في البعث الذي يعمل على أجتثاثه ويناصبه العداء بشدة،القدوة والنموذج ، فهو حزب كل العراقين .. مفتوح لهم جميعا  دون تمييز .

 
 
 
شبكة المنصور
الخميس / الحادي والثلاثون / أيــار / 2007