بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

ثوابت قضيَّتنا الوطنيَّة

 

 

شبكة المنصور

سعد داود قرياقوس

 

شاعت مؤخَّرًا ظاهرة تقديم مشاريع حلٍّ للأزمة العراقيَّة، أو إنهاء الاحتلال. فالأشهر القليلة الماضية، شهدت عرض كمٍّ ملحوظًا من "المبادرات والمقترحات وخرائط الطريق والرؤى الوطنيَّة ومناهج التحرير وآليَّات حلِّ الأزمة" أو ما شابه ذلك من صيغ المشاريع السياسيَّة. وإذا كان بعض ما طُرح قد صدرعن حركات سياسيَّة صادقة في توجُّهاتها، أو مؤثِّرة في معادلة الصراع العراقي – الأمريكي، أو قريبة من فصائل المقاومة الوطنيَّة العراقيَّة بشكل أو بآخر، فإنَّ ما قد صدر عن غيرها من "شخصيَّات وتجمُّعات بعيدة عن  صُناعة القرار الوطني وعن الجهد المقاوم وأعبائه.

الملاحظ في تلك "المشاريع" المطروحة اشتمالها على قواسم مشتركة مع اختلاف مضامينها، وتباين خلفيَّات مطلقيها وأهدافهم. أهمُّ تلك القواسم، الترحيب بفكرة تدويل الاحتلال، ومنح الأمم المتَّحدة دورًا حيويًّا، وتوجيه دعوات للإدارة الأمريكيَّة للتفاوض من أجل إنهاء الأزمة بشكل عام، وإيجاد حلٍّ لمآزقها – (حفظ ماء وجههم) بشكل خاص، بالإضافة إلى تغافلها، لا بل خرقها ثوابت وطنيَّة تشكِّل أسس قضيَّتنا الوطنيَّة ومحور نضال شعبنا خلال هذه المرحلة، مرحلة الصراع  من أجل تحريرالتراب الوطني من التواجد الأمريكي- الإيراني واسترداد السيادة الوطنيَّة للدولة العراقيَّة.

لا جدال على أهميَّة دورالشخصيَّات والقوى السياسيَّة الوطنيَّة في تقديم مقترحات لإنهاء مأساة  شعبنا. ولا اعتراض على طرحهم تصوُّراتهم بالصيغ التي يرتؤنها. لكن هناك بونًا شاسعًا بين طرح أفكارومقترحات يمكن لقيادة المقاومة الاستفادة منها في تعزيز قضيتنا الوطنية ، وطرح برامج سياسيَّة موازية لبرنامج المقاومة ، وتقديم عروض مباشرة لسلطة الاحتلال للتفاوض! إنَّ الاعتراض على مثل هذه المشاريع المتضمنة خرقًا واضحًا لثوابتنا الوطنيَّة، يبقى،في تقديرنا،مسؤوليَّة يُفترض بالحريصين على سلامة قضيَّتنا وحقوق شعبنا ومستقبل أجيالنا القادمة الالتزام بها.

 إنَّ مراجعة متأنِّية لمضمون ما قُدِّم من عروض ومبادرات، توضح خرق العديد منها الثوابت الوطنيَّة الخاصَّة بهذه المرحلة .هدفنا من تقديم هذه المساهمة لا ينصب بأيِّ شكل على استعراض تلك الخروقات ونقدها، بل لتقديم مراجعة سريعة لاهم تلك الثوابت وتذكير مَن يهمُّهم أمرها، لعلَّ التذكير يشجِّع أصحاب المبادرات إلى مراجعة مواقفهم وتصحيح الخاطئ منها، والانتقال من موقع البديل أو المنافس للمقاومة إلى موقع المساند والداعم لها.

ما هي أهم ثوابت قضيَّتنا الوطنيَّة خلال المرحلة الراهنة؟

لكلِّ قضيَّة وطنيَّة لا سيَّما تلك التي تعبِّرعن إرادة الشعوب المحتلَّة لاسترداد حرِّيَّتها ثوابت تحدِّدها طبيعة الصراع والمرحلة التاريخيَّة المُعاشة والجوانب السوقيَّة والتعبويَّة للصراع، بالإضافة إلى الخلفيَّة التاريخيَّة للشعب ومكوِّناته الحضاريَّة. هذه الثوابت، تشكِّل في مجموعها محور القضيَّة الوطنيَّة خلال مرحلة تاريخية محدَّدة. لذا، فإنَّ الالتزام بها أو خرقها يعني بالضرورة التزامًا بالقضيَّة الوطنيَّة أو تخليا عن مبادئها. ولشعب العراق المجاهد في سبيل نيل حرِّيَّته ثوابته الوطنيَّة المُعبَّرعنها في برنامج المقاومة الوطنيَّة العراقيَّة، والتي يجب التقيُّد بها كأساس لأيِّ مشروع سياسي يهدف إلى دحر الاحتلال واسترداد السيادة وتحصيل الاستحقاقات الوطنيَّة. ويمكن إيجاز أهمِّ ثوابتنا الوطنيَّة بالآتي:

أوَّلاً: عدم شرعيَّة الاحتلال

عدم شرعيَّة الاحتلال، ثابت وطنيٌّ جوهريٌّ يشكِّل الأساس السياسي والقانوني لقضيَّتنا الوطنيَّة العادلة. وانتفاء شرعيَّة الاحتلال، مسلَّمة وطنيَّة لا تلغيها قرارات مجلس الأمن، ولا اعتراف المنظَّمات والدول في التغييرالأمريكي التعسَّفي واللاقانوني لأطر الدولة العراقيَّة وحكومتها الوطنيَّة الشرعيَّة. لذا، فإنَّ عدم شرعيَّة الاحتلال ثابت وطني مُلزم لا يمكن التعامل معه بأيَّة درجة من درجات المرونة، لكونه يمثِّل جذر قضيَّتنا الوطنيَّة، ويشكِّل القاعدة القانونيَّة لموقف أبناء شعبنا الرافض والمقاوم للاحتلال وتبعاته، وحقَّهم في رفض كلِّ قرارات مجلس الأمن والمنظَّمات الدوليَّة الأخرى، وحقوقهم العادلة في التعويض المادي والمعنوي الكامل غير المنقوص لكلِّ ما لحق بالعراق من أضرار مادِّيَّة وبشريَّة نتيجة قرار الإدارة الأمريكيَّة في شن الحرب على العراق واحتلال شعبه ، وعن الاضرار الناجمة عن ممارسات قوَّاتها الغازية، وانتهاكات الحكومات العميلة حقوق الإنسان العراقي ونهبها ثرواته الوطنيَّة.

ثانيًا: شرعيَّة المقاومة وأحقِّيَّة فصائلها في تمثيل شعب العراق

انتفاء شرعيَّة سلطة الاحتلال والحكومات الصوريَّة العميلة المفروضه على شعبنا، يقابلها شرعيَّة المقاومة العراقيَّة كمرجعيَّة وطنيَّة وحيدة لشعب العراق خلال هذه المرحلة. المقاومة العراقيَّة، مقاومة وطنيَّة تتوفَّر فيها كلُّ عناصر الشرعيَّة الوطنيَّة والقانونيَّة والأخلاقيَّة، وتستمدُّ مقوِّماتها وحقَّ تمثيلها شعب العراق من مشروعيَّة برنامجها السياسي وفعَّاليَّتة، ومن أهدافها الوطنيَّة المجسِّدة لآمال شعب العراق وتطلُّعاته، وحقَّه المشروع في الحرِّيَّة والاستقرار وامتلاك السيادة الوطنيَّة الكاملة.

إنَّ مشروع المقاومة الوطنيَّة العراقيَّة ليس مجرَّد خيار عسكريٍّ مُتصدٍّ لقوَّة أجنبيَّة محتلَّة، بل  مشروع وطنيٌّ متكامل سياسيًّا وعسكريًّا يستخدم البندقيَّة الوطنيَّة لدحرعدوان أجنبي غازٍ اختار القوَّة المسلَّحة وسيلة لاحتلال شعب العراق. ومن هنا ، فإنَّ الفصل بين الجهد السياسي المقاوم وقيادته، وبين الجهد العسكري المقاوم وقيادته نهج خاطئ. وإنَّ مفهوم "المقاومتين"- (مقاومة مسلَّحة ومقاومة سياسيَّة) المطروح من بعض التجمُّعات السياسيَّة العراقيَّة مفهوم منحرف، ويشكِّل خطورة على مسار دحر الاحتلال، وتحقيق أهدافنا الوطنيَّة.

ثمَّة حقيقة مبدئيَّة لا بدَّ للعناصر المؤمنة بجدوى المقاومة كآليَّة وحيدة لاسترداد الكرامة الوطنيَّة من التمسُّك بها. هذه الحقيقة، تكمن في ان المرجعيَّة الوطنيَّة الوحيدة لشعب العراق خلال مرحلة التحرير، والمراحل الأوَّليَّة التي تلي دحر الاحتلال، ومن ثمَّ إدارة مؤسَّسات الدولة العراقيَّة حتَّى إكمال بناء المؤسَّسات التشريعيَّة والتنفذيَّة،  تتجسد في المقاومة الوطنيَّة العراقية حصرا ، وان فصائل المقاومة هي الممثِّل الشرعي الوحيد لشعب العراق .

إنَّ الالتزام بهذا الثابت الوطني يعكس في تقديرنا مصداقيَّة المشاريع المقدَّمة لإنهاء الاحتلال ، وقوة التزامها في خيار المقاومة، وتقديرها لتضحيات المقاومين وانجازاتهم. إنَّه الثابت الأهم من بين ثوابت قضيَّتنا الوطنيَّة.

ثالثًا: إزدواجيَّة الاحتلال وتعدُّد القوى المحتلَّة 

برهنت تجربة المرحلة المنصرمة من الاحتلال أنَّ شعب العراق يعاني من احتلال أمريكي - إيراني مزدوج. وعلى الرغم من ان الإدارة الأمريكيَّة شكَّلت القوَّة الدافعة للاحتلال بكلِّ جوانبه، من تخطيط وتمويل وتنفيذ، مع مشاركة واضحة للحكومة البريطانيَّة، ومشاركات متفاوته الحجم والأهميَّة لدول حلف شمال الأطلسي، وحكومات الدول الباحثة عن الدولار، الا معالم الاحتلال الايراني لشعب العراق مشخَّصة وموثَّقة ، ولم تتردَّد القيادة الإيرانيَّة من الاعتراف علنا بدورها في تسهيل مشروع احتلال العراق .

إنَّ ازواجيَّة الاحتلال الأمريكي - الإيراني لشعبنا حقيقة ملموسة لا يصحُّ التغافل عنها أو التعامل معها بانتقائيَّة. فالخطر الإيراني على مصالح شعبنا لا يقلُّ حجمًا وتأثيرًا عن مخاطر الاحتلال الأمريكي على الرغم من إدراكنا بأنَّ القوَّة الأساسيَّة المعادية في صراعنا هي القوَّة الأمريكيَّة. لقد حدَّدت فصائل المقاومة الوجود الإيراني بكلِّ أشكاله وصِيَغِه كأهداف مشروعة لعمليَّاتها. وعليه، فإنَّ الواجب الوطني يفرض على جميع الحركات السياسيَّة المناهظة للاحتلال التعامل مع هذا القرار بجدِّيَّة، وتعبئة جماهيرها ضدَّ الدور الإيراني بشكل موازٍ لموقفها المناهض للاحتلال الأمريكي.  

رابعًا: الهدف الأساس للمقاومة "الانتصار الكامل ودحر القوى المحتلَّة"

فكرة احتلال العراق عسكريًّا، لم تكن وليدة إرهاصات سياسيَّة، أو نتيجة لشعور الخوف والقلق  اللذين اجتاحا الولايات المتَّحدة إثر أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر. ولا تشكِّل المرحلة الثانية من مراحل الحرب على "الإرهاب" كما يحلو لأركان الإدارة الأمريكيَّه وصفه. بل إنَّ الحرب على العراق واحتلاله يمثِّلان حلقة متقِّدمة من حلقات بناء "كيان إمبراطوري جديد"، مستند نظريًّا على طروحات توراتيَّة، وعقيدة سياسيَّة ضيَّقه. ويستمدُّ قاعدته الاقتصاديَّه من السيطرة الميدانيَّه على بحيرات النفط العظمى مع استثمار الطاقة التدميريَّه للقوَّات المسلَّحة الأمريكيَّة لتأمين مستلزمات الأمن والتوسُّع.

لذا، فقرار احتلال العراق، لم يكن مجرد قرارًا طائشًا من رئيس أحمق. بل قرارا مدروسا وملبيا لمتطلَّبات تنفيذ مشروع المحافظين الجُدد كوني الأبعاد، وتتجاوز أهدافه الهيمنة على العراق بحدوده الإقليميَّة المعروفة. فأهداف الاحتلال لا تنحصرفي تحقيق هدفي ضمان أمن الكيان الصهيوني والاستحواذ على ثروة شعب العراق النفطيَّة، بل لتحقيق أهداف أكثر أهمِّيَّة للأمن القومي الأمريكي. إحتلال العراق، شكَّل خطوة متقِّدمة في تنفيذ مشروع الهيمنة الأمريكي الكوني، ووفَّر الأرضيَّة الملائمة لتغيير الخارطة السياسيَّة والقوميَّة للمنطقة العربيَّة بشكل يتلائم مع التصوُّرات المطروحة في مشروع "لقرن أمريكي جديد"!

إذا كان احتلال العراق مقدِّمة لتطبيق مشروع الهيمنة الأمريكي الكوني، فإنَّ دحره بالمقابل، يجب أن يكون مقدِّمة لهزيمة هذا المشروع الاستعماري. وعليه ، فإنَّ أيَّ انسحاب أمريكي مريح من العراق، لن يضمن لشعبنا وأمَّتنا الأمن والاستقرار الدائمين ، ولا يمكن التعامل معه كنصر نهائيٍّ للمقاومة العراقيَّة، بل تراجعًا مؤقَّتًا للمشروع الأمريكي في العراق والمنطقة. فالانتصار على القوى المحتلَّة ودحرها، هو الضمانة الوحيدة لأمن شعب العراق ورخائه، والأمَّة العربيَّة.وهذه بالتاكيد مهمَّة شاقَّة وطويلة، تتطلَّب تظافر الجهود القوميَّة، وأهمُّها توحيد فصائل المقاومة العربيَّة.

خامسًا: مقاطعة خونة شعب العراق وباعة الوطن 

لا مكانًا في الخندق مناهض الاحتلال لخونة الوطن وباعته. ولا دورًا لكلِّ مَن سبق وتعامل مع القوى المحتلَّة سواء  قبل الاحتلال وبعده بصرف النظر عن شكل التعاون وحجمه. تحريم التعامل مع خونة الشعب وباعة الوطن قد يراها نفرٌ قضيَّة غير ذات جدوى، وربَّما عائقًا أمام عودة التائبين والنادمين إلى الصف الوطني. إلاَّ أنَّنا نرى في "التحريم" ضابطًا مبدئيًّا مهمًّا لضمان قضيَّتنا الوطنيَّة وكرامتها وسلامتها. فمن غير المنطقي أو المقبول أن يتقدَّم صفوف تجمُّعات تدَّعي مناهضة الاحتلال، وترفع يافطات التحرير ودعم المقاومة عناصرُ سبق لها أن عملت بحماس لتسهيل الاحتلال وتسويق أكاذيب الإدارة الأمريكيَّة وتقديم المشورة لها.  إنَّنا بكلِّ تأكيد لا نطالب بنصب المشانق لهم، وأن كانت القوانين العراقيَّة المرعيَّة تنصُّ على ذلك، لكنَّنا نشدِّد على أهمِّيَّة عدم إعطاء الخونة مكانة وأدوارًا سياسيَّة مهما كان حجمها. التجربة الإنسانيَّة، تؤكِّد أنَّ مَن خان وطنه مرَّة متذرِّعًا بمبرِّرات واهية، لن يعدم المبرِّرات لخيانته مرَّة أخرى. ومَن لعب دورًا في احتلال شعب العراق لن يلعب دورًا في تحريره.

سادسًا: الرفض المطلق لعمليَّة الاحتلال السياسيَّة ولخدعة "المصالحة الوطنيَّة"  

 تشكِّل ما يطلق عليها "العمليَّة السياسية" أحد أهمِّ مرتكزات الاحتلال، ومعيارًا أساسًا لقياس نجاح مشروع الاحتلال وتكريسه. لقد عبَّرت برامج المقاومة بوضوح على أنَّ دحر الاحتلال وإلحاق الهزيمة بمشروع تغيير الهويَّة الوطنيَّة والقوميَّة لشعب العراق يتطلَّب هدم جميع مرتكزات الاحتلال، وأهمُّها عمليَّته السياسيَّة. وقد حدَّدت رموز "العمليَّة السياسيَّة" ومؤسَّساتها أهدافًا مشروعة لها. وعليه، فإنَّ المسؤوليَّة الوطنيَّة تفرض مقاطعة "العمليَّة السياسيَّة" وعدم التعامل مع رموزها والمنخرطين فيها، سواء أولئك الذين قدموا مع الغزاة أو الذين التحقوا بهم بعد استباحة بغداد، ومن ضمنهم أولئك الذين تخلُّوا عن هذه العمليَّة بصرف النظر عن الأعذار المقدَّمة منهم لتبرير ما فعلوا.   

رفض "العمليَّة السياسيَّة" ودحرها يجب أن يصاحبه الرفض القاطع لكلِّ ما يُطلق عليها زيفًا "المصالحة الوطنيَّة". فالمصالحة الوطنيَّة السليمة تكون، كما هو معروف، بين أطراف وطنيَّة، وليس مع خونة الوطن وباعته. إنَّ أيَّ مشروع سياسي يتجاوز هذه المحرَّمات لا يمكن تفسيره إلاَّ بمثابة خرق صارخ  لثابت وطني مهمٍّ، وتعطيل لآليَّة أساسيَّة من آليَّات دحر الاحتلال.

سابعًا: رفض مشاريع التقسيم والجزئة

وِحدة التراب الوطني ووِحدة شعب العراق التاريخيَّة ثابت مهمٌّ إن لم يكن مقدَّسًا من مقَّدسات شعب العراق التي لا يمكن تجاوزها أو تدنسيها. لذا، فإنَّ رفض مشاريع التقسيم والتجزئة والانفصال المغلَّفة بشعارت اللامركزيَّة والفدراليَّات والمناطق الإداريَّة وغيرها من مشاريع تفتيت الوطن، تمثِّل ثابتًا مهمًّا من ثوابت قضيِّتنا الوطنيَّة. فوحدة التراب الوطني ومركزيَّة الدولة العراقيَّة ضمانة مهمَّة لحماية مصالح  شعب العراق ومستقبل أجياله. إنَّ مبدأ "العراق وطن غير قابل للقسمة" ثابت وطني يتوجَّب على جميع القوى السياسيَّة الوطنيَّة الإصرار عليه والقتال من أجل تطبيقة.

ثامنًا: الملكيَّة العامة للثروة النفطيَّة 

لعب النفط دورًا كبيرًا في رسم المسارت السياسيَّة في المنطقة وتحديد أطرها خلال القرن الماضي.  فمقولة: " إنَّ جميع  حروب المنطقة لم تكن إلاَّ حروبًا  نفطيَّة" لا تخلو من صواب. لا شكَّ في أنَّ الاستحواذ على الاحتياطات النفطيَّة العراقيَّة من أجل تعزيز الهيمنة الأمريكيَّة على معادلات الاقتصاد العالمي والتجارة الدوليَّة كان في مقدِّمة أهداف المحافظين الجُدد، وأحد العوامل المحفِّزة لشن إدارة بوش الحرب على شعب العراق واحتلاله. وتتضمَّن أدبيَّات المحافظين الجُدد الكثيرمن الأدلةَّ على هذه الأهداف .

من المؤكَّد أنَّ استرداد السيادة، واستقلاليَّة القرار السياسي العراقي لن تتحقَّق إذا لم يرافقها استقلال القرار الاقتصادي، ورفع الهيمنة التي أفرزها الاحتلال على ثروة العراق النفطيَّة. فمن غير المنطقي أو المعقول أن يُهزم الاحتلال عسكريًّا، أو لنقل: ينسحب مضطرًّا من الأراضي العراقيَّة،  وتستمرُّ استثماراته النفطيَّة في العراق. ومن غير المنطقي أو المقبول وطنيًّا أن يكافئ  شعبنا محتلِّيه على انسحابهم من أرضه  بالمحافظة على استثماراتهم النفطية بعد كلِّ ما ألحقوه به من كوارث . إنَّ تحرير العراق لن يُنجز إلا بإلغاء جميع الاستثمارت النفطيَّة الممنوحة بعد الاحتلال، وإعادة ملكيَّة الثروة النفطيَّة إلى القطاع العام. هذا الثابت لا بدَّ ان يلتزم به أصحاب المبادرات.

تاسعًا: حصر حقِّ التفاوض مع المحتِّلين بالمقاومة الوطنيَّة العراقيَّة

غالبيَّة المبادرات المقدَّمة تحت باب "إيجاد حلٍّ لأزمة العراق"، تضمَّنت فقرات أشارت بشكل أو بآخر إلى التفاوض مع المحتِّلين، واقترحت آليَّاته وشروطه، ومَنَح أصحابها أنفسهم حقوقًا وصلاحياَّت لا يملكونها. ثمَّة حقائق أساسيَّة، أقترح على الذين سبق لهم أن أطلقوا دعوات التفاوض مع المحتلِّين، وعلى الذين يفكِّرون في توجيهها مستقبلاً التوقُّف أمامها ومراجعتها بإمعان.

إنَّ فشل مشروع الاحتلال، وعجز الإدارة الأمريكيَّة في ترويض شعب العراق، والهيمنة على مقدَّراته يعزيان إلى الجهد المقاوم المسلَّح للاحتلال، وإلى استراتيجيَّة فصائل المقاومة السياسيَّة فقط. إنَّ مسيرة اندحار الاحتلال العسكريَّة والسياسيَّة، بدأت منذ اللحظات الأولى لانطلاق المقاومة في الحادي عشر من نيسان/أبريل 2003، وتبلورت ملامحها بشكل أوضح إثر معركة الفلوُّجة الأولى. مشروع الاحتلال لم يفشل نتيجة لتشكيل ذلك الفصيل، أو اثرإعلان فصيل آخر عن برنامجه السياسي الرافض للاحتلال! أو نتيجة للمساهمات الفكريَّة للكتَّاب المناهضين للاحتلال! فللبندقيَّة المقاتلة ووعي المقاومين وتضحياتهم، وللبرنامج السياسي للمقاومة الفضلُّ الاكبر والوحيد في هزيمة مشروع الاحتلال.

إذا قبلنا مسلَّمة الهزيمة الحتميَّة لمشروع الاحتلال، وقبلنا حقَّ المقاومة المطلق في إدارة الصراع مع العدو، فإنَّ دورالقوى والحركات الوطنيَّة يجب ألاَّ يتجاوز دور الداعم لموقف المقاومة والملتزم بشروطها وثوابتها، ومساندة قيادة المقاومة في إيجاد آلاليَّات الكفيلة في تأمين جميع استحقاقات شعب العراق المشروعة دون التنازل عن مطلب واحد أو دينار واحد. وعليه، فإنَّ المفروض، لا بل المطلوب من القوى التي وجَّهت دعوات التفاوض أن تارجع مواقفها وتراعي هذه النقاط وأن تشدَّ من أزر قيادة المقاومة.

ان ما عرض أعلاه،  لا يتعدَّى موجزًا لأهمِّ ثوابتنا الوطنيَّة خلال المرحلة الراهنة، مرحلة الصراع من أجل دحر الاحتلال واسترداد الكرامة الوطنيَّة. هذه الثوابت، ليست نتاجًا فكريًّا لكاتب المساهمة باي شكل من الاشكال ، بل ثوابت مستقاة من برامج المقاومة الوطنيَّة والحركات الوطنيَّة المناهظة للاحتلال، فكَّرنا في تقديمها لأصحاب مبادرات التسوية، ومقترحي حلول الأزمة العراقيَّة منطلقين من حرصنا على سلامة قضيَّتنا الوطنيَّة، وعلى أمن المقاومة وديمومتها.

 

 

 

 

شبكة المنصور

الثلاثاء / 04 / أيلول / 2007