بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

تتنات ... الوالي!!

 
شبكة المنصور

سعد الاوسي رئيس تحرير جريدة الشاهد المستقل

 

 دعك عن هذا...فأنه (إمخلّص تتن)! عبارة طالما سمعتها من والدي منذ رافقته في أول سنين حياتي، فهوحالما يرى شخصا ما.. غير متزن في سلوكه اولايحسب لامره الحساب الصحيح فأنه يقول عنه (هذا إمخلّص تتناته)!! واذا ماصادفه آخر منفعل وهائج يصرخ و(يهّوس)! حتى يطلق عليه والدي نفس العباره … وكنت حينذاك لا افهم مالذي يقصده والدي من ذلك القول لكن بعد سنوات سألته عن المعنى فروى لي القصه كاملة وكيف اصبحت تضرب كمثال على من يفقد صوابه ويتخبط في أمره..فقال لي حينها..

كان (حجي جواد)! صاحب متجر لبيع التبوغ التي تسمى باللهجة العاميه (تتن)! وهو المحل الوحيد في المدينة الذي يستورد اجود انواع التبوغ العالميه في حينها فأصبح يرتاده الزبائن من كل مكان كما ان الرجل يبيع بضاعته باسعار معقولة حيث يقتنع بالربح البسيط ومع تقادم السنوات اصبح محل (الحجي جواد) بمثابة أكبر سوبرماركت  في ذلك الزمن وعلى عكس المتاجر المنتشره في المدينة والتي تبقى فيها البضاعة لعدة شهور فأن (حجي جواد) تتم تصريف بضاعته خلال ساعات مهما كانت كمياتها كبيرة ورغم استعانته بأولاده (كاظم,كريم,حامد) للعمل معه الا انه كان يشعر بالأجهاد والتعب بسبب ارهاق العمل وكثرة الزبائن، وكان (الحجي جواد) ينفعل أشد الانفعال عندما تنتهي كمية (التتن)!! التي جلبها الى المتجر بسسب الشكوك التي يثيرها الزبائن أزاء ادعائه بنفاد البضاعة معتقدين انه يروم زيادة اسعارها مما يدعوه الى القسم باغلظ الايمان على صحة مايقول ثم يصرخ (حجي جواد) بأعلى صوته...(ياجماعة ماكو تتن)!!.. ويضيف (خلصّت تتن ماعندي تتن) ويختمها بعصبيته المعهودة..(أنعل ابو التتن )!! ويستمر في الصياح والعياط حتى يتفرق الناس من حوله وكل واحد يهمس في أذن الآخر قائلا..(يابه الحجي خلصن تتناته)!! وشيئا فشيئا انتقلت العدوى الى المحال الاخرى فالخياط الذي كان والدي يفصل لنا الملابس عنده ما ان نذهب اليه ويرى والدي ان القماش الموجود لايعجبه حتى يقول له (انته هم أمخلصّه تتناتك الظاهر) وكذلك صاحب محل الخضار وبقية السلع فكان اصحاب تلك المحال عندما تشارف بضاعتهم على النفاد تنتابهم نوبة عصبية فيعرف الجميع أن (تتناتهم خلصت )!! ثم اصبحت الحكاية تطلق على كل شخص يختل توازنه ولايحسن التعامل مع غيره بالطريقة الصحيحة ...

واليوم ارى ان العديد من الولاة والحكام والمسؤولين والقادة قد خلصوا مافي جعبتهم من (تتن)! واخذوا يتخبطون في قراراتهم وسياساتهم تجاه الشعوب.. ولكي نكون صريحين اكثر فأن (حكومتنه)!! وكما يبدوا وقد نفد مالديها من (تتنات)!! ولم تعد تدرك عواقب ماتتصرف بل وصل الامر بها الى ان تقف موقف المتفرج على الاحداث بما في ذلك مايتعرض له الشعب من جور وحرمان بسبب تفشي ظاهرة الفساد وانعدام الخدمات وفقدان الوقود وانتشار مافيات كبيرة لسرقة المال العام والتي تغلغلت في معظم مفاصل الدولة...وتطورت في ظل الحكومة الرشيدة ظاهرة الخطف لتشمل المسؤولين الحكوميين الذين تحيطهم عشرات الحراس ومع ذلك يخطفون ويطلق سراحهم مقابل آلاف الدولارات؟؟ فكيف الحال بالمواطن المسكين الذي لاحول له ولاقوة؟؟والحكومة تاركة الحبل على الغارب في الوقت نفسه نراها ساعية في عمليات الاجتثاث والاقصاء وتصفية الحسابات السياسية والخصومات الاقليمية حتى اصبحت الحكومة شبه معزولة من المحيط الخارجي وهي ترى كل يوم مايحدث للعراق وابناءه من قتل وتشريد بعد ان اصبح (القتل للجميع)!! لايستثنى احدا!! ومما يؤكد قولنا بالحال الذي وصلت اليه الحكومة تصريحاتها الاخيرة التي اعلنت انها ستكشف المتآمرين عليها وكأنها ليست حكومة تجلس على مقاليد السلطة؟؟

كل ذلك يجعلها شبيهه بـ(حجي جواد)!! الذي دائما ما يفقد صوابه وتوازنه في نهاية المطاف علما ان (تتنات)!! الحجي جواد لاتختلف عن (تتنات) الحكومة رغم ان بضاعة الاول هي (حلالاً)!! في حين أن بضاعة (الجماعة... تلالاً)!! 

saadalawsi@yahoo.com

 
 
 
شبكة المنصور
الاثنين / الحادي عشر / حزيران / 2007