سعد الاوسي/ رئيس تحرير جريدة الشاهد المستقل

شبكة المنصور

 

                                     

 

 بعد ان طأطأت له العباد رؤوسها تصور السيد (الوالي) ان باستطاعته الخلاص من الموت والافلات من مصيره المحتوم وان ملايين الدولارات التي (لطشها) بين ليلة وضحاها قادرة على ان تجعله خالدا ابد الدهر مثلما (لفطت) حاشيته العقود والمقاولات! وكان (الوالي) في كل يوم يتجول في مدينة ما داخل ولايته لأنه في (ذاك الوكت) لا توجد مفخخات ولا قناصات ولا ميليشيات ولا احزاب ولا فرق اغتيال او موت! كان الهدف من تجواله ليس لتفقد الرعية بل لغرض التمتع بسماع عبارات الاطراء والمديح ومشاهدة فصول (الردح) و(الهوسات) التي يجيدها (الجلاوزة) و(العظامة)! و(اللكامة)! على احسن ما يرام، وبعد ان اشبع الوالي غريزته من هذه المشاهد قرأ رواية كلكامش وظل يبحث في اسرار الخلود طالما ان (خمبابا) لا وجود له في عصره، ولفرط غبائه فأنه اراد ان يستفيد من تجارب الموتى وعلى طريقته الخاصة، وهكذا جمع (الحبربش)! واخبرهم عن نيته لزيارة القبور، فردت عليه (الشلة التعبانة)!.. وهل ضاقت بك الصدور يا سيدي كي تزور القبور؟! وهنا مد الوالي يده الى لحيته المتدلية والتي يحرص على تسريحها كل يوم، ولم ينطق بكلمة سوى الايحاء بضرورة تطبيق الامر.. وعلى (الفور)!

وفي وسط القبور، راح الوالي يضحك على الاموات معتقدا انه اذكى منهم لأنهم لم يستطيعوا مواصلة الحياة واستسلموا للموت دون ان يبتكروا طريقة ما لمقاومة ذلك المارد الذي يتلقف الضعيف والقوي والشجاع والجبان والسيد والعبد دون ان يرحم احد، وقرر (والي المقبرة) ان يطبق مبدأ الوقاية خير من العلاج، واثناء ما كان غارقا في خططه الجهنمية التي حصرها في الابتعاد عن مسببات الموت كي يسلم بريشه ويعيش خالدا لا ينازعه في ملكه احد.. في تلك الاثناء مرت جنازة يحيط بها مجموعة من الشباب والنساء وهم يصرخون ويبكون بعضهم يصيح باعلى صوته.. (يابويه) واخر يقول (يا خوية)! وهكذا.. وقد توشح الجميع بالسواد، وعندما اقترب موكبهم الحزين من الوالي صمتوا خوفا واحتراما و(تقديسا) للوالي فسألهم عن عمر الفقيد واسمه ولقبه ومذهبه ومكان سكنه ومدى استقرار الوضع الامني في منطقتهم! ثم تطرق الى الولايات المجاورة وضرورة ان تتعاون معه لتحقيق الاستقرار واعادة الاعمار والقضاء على الاشرار ومساندة عناصر الشرطة والجيش الجرار، وهنا نهضت عجوز يتجاوز عمرها الثمانين سنة وكان المتوفى زوجها، وقد بانت خصلات من شعرها الابيض من خلف (الشيله)! ورمقت الوالي بنظرة حادة لكنها خاطبته بسخرية وهدوء قائلة (حبوبة احنه بالكبور نريد ندفن لو باجتماع للحكومة)؟! وعند ذلك انتبه الوالي وشعر انه (مصخها)! ولكن كل تلك الاسئلة لم تكن سوى مقدمات لما يريد ان يصل اليه فقال اريد ان اسألكم السؤال الاخير والمهم.. وهو.. كيف توفي (المرحوم)؟! فأخبروه بأنه كان يسبح في النهر نتيجة الحر الشديد بسبب عدم توفر الكهرباء واشتدت امواج ذلك النهر ودفعته الى القاع فغرق، وعندما وصلوا الى المقطع الاخير اذن لهم الوالي بالانصراف والتفت الى الحاشية المحيطين به وطلب ان يكتبوا بأن الوالي قرر ان لا يسبح في النهر بعد اليوم! ومرت دقائق وجاءت جنازة اخرى حولها اطفال يبكون وعرف من خلالهم ان سبب الوفاة كان نتيجة لمرور عربة حصان على (الخط السريع)! ودهست الرجل وفارق على اثرها الحياة، فكتب الوالي.. لا تجوال ولا سير على الخط السريع بعد اليوم! وبدأت الجنائز تتقاطر على المقبرة بعضها بسبب الاحتراق وبعضها الاخر بسبب المشاجرات وليس (الاحتراب الطائفي والمفخخات والخطف والتعذيب)! وعند كل حالة يقرر الوالي ان لا يفعل كما فعل اولئك الاموات لكي يظل خالدا في الحياة الدنيا (يتبوأ منها حيث يشاء)! ويستمتع بملذات السلطة التي تجعل الحاكم يسحق القريب والبعيد بسببها وقبل ان يهم بمغادرة المقبرة مطمئنا على مستقبله (الحياتي) حيث صورت له نفسه الافلات من شبح الموت جاءت جنازة (مال تالي الليل)! وعلى الفور استوقفها وسأل عن سبب الوفاة، وقبل ان يجيبوه قال لهم (اعرف السبب.. لو غركان.. لو محروك.. لو متعارك.. لو.. لو)! وراح يعدد لهم اسباب الوفيات فقالوا له ابدا ليس كل هذا وذاك بل نام الرجل في الليل واصبح في الصباح ميتا! عندها نظر الى المستشارين (اللوكية) وقال (هاي طيحة الحظ! شلون يعني ما انام بعد)؟!

فالى كل مغتر في هذه الدنيا من الولاة والحكام الدكتاتوريين والديمقراطيين والشفافين نقول اعدلوا وتذكروا ان الموت الذي تفرون منه وتحيطون انفسكم بمناطق تعتقدونها آمنة فأنه ملاقيكم سواء كنتم في مناطق خضراء داخل العراق او في مناطق حمراء في امريكا ولندن وباريس وايران فينبئكم ربكم بما كنتم تصنعون وتسرقون و... (تخمطون)! من اموال العباد الذين لا شكوى لهم الا عند الله الواحد القهار.

 saadalawsi@yahoo.com

 

                                      شبكة المنصور

                                    30 / 04 / 2007

مقبرة الوالي!