بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

  عبدالرحمن عارف : أنموذج لوطني كبير وقائد حكيم

 

 

شبكة المنصور

صلاح المختار

 

         واخيرا رحل الرئيس عبدالرحمن عارف ، بعد تاريخ طويل زاخر بالمواقف الوطنية الناضجة التي سجلت له  مأثرة تاريخية لن تنسى على مر الاجيال اثناء وجوده رئيسا للعراق وبعد تركه الرئاسة . لقد كان عبدالرحمن عارف وطنيا عراقيا اصيلا وانسانا طيبا احبه الجميع ، سواء من اتفق معه او اختلف . وسوف لن انسى ابدا احدى اهم مآثره الوطنية حينما شارك في اول استفتاء على رئاسة سيد شهداء العصر صدام حسين ، ، ومارس دوره الوطني كمواطن عراقي شريف واصيل ، وضع العراق فوق أي مصلحة شخصية . واسمحوا لي ان اسجل للتاريخ تلك الحادثة الفريدة في الوطن العربي . حينما كنت رئيسا لتحرير جريدة الجمهورية وقبل يوم من الاستفتاء هاتفني المرحوم مصطفى توفيق المختار ، ابن عمي ، واخبرني بان السيد رئيس الجمهورية الاسبق عبدالرحمن عارف سيحضر للادلاء بصوته في الاستفتاء في مركز الاستفتاء في حي المنصور ، واقترح علي ان ارسل محررا ومصورا لتوثيق تلك الحادثة الفريدة . وبالفعل فقد ارسلت محررة ، يتميز اسلوبها بنكهة قصصية وشعرية ، ومصورا ممتازا ، وانتظرا الرئيس عارف حتى وصل ، محاطا بالاجلال والاحترام ، ومارس حقه الديمقراطي ، بحرية تامة ، بانتخاب صدام حسين ، الذي اسقط حكمه واخرجه من رئاسة الجمهورية ، رئيسا للعراق .

          ولم يكن هذا الموقف غريبا على العراقي الاصيل وابن الكرخ ، وابن سوق حمادة بالذات التي خرجت الكثير من قادة العراق ، عبدالرحمن عارف ، رحمه الله واسكنه فسيح جناته ، فابناء الكرخ ولدوا وهم مشبعون بثقافة الفروسية والايثار والتسامح ، لذلك لم يكن المرحوم عبدالرحمن عارف يحمل أي ضغينة على من اخرجه من الحكم ، لانه بحكمته وايثاره عرف ان المهم هو خدمة العراق وليس من يخدمه . وفي اليوم التالي خرجت الجمهورية وهي تحمل عنوانا بارزا : عبدالرحمن عارف ينتخب صدام حسين رئيسا ، ومع هذا العنوان نشرت صور عديدة للرئيس عارف وهو يدلي بصوته ، محاطا بحب أبناءه العراقيين في مركز الاستفتاء . وفي عصر نفس اليوم تواردت البرقيات والتقارير الصحفية من الغرب تقول بدهشة : في واحدة من اندر الحوادث في ( العالم ) العربي رئيس سابق ينتخب من اطاح بحكمه واخرجه من الرئاسة ، عبدالرحمن عارف يشارك في الاستفتاء على رئاسة الجمهورية ويختار صدام حسين رئيسا .

          وفي اليوم التالي كتبت مقالة علقت فيها على مشاركة الرئيس المرحوم  عارف في الاستفتاء ، وقلت انه العراقي الاصيل الذي اختار العراق ووضعه فوق الاعتبارات الاخرى ، واقترحت تشكيل مجلس شيوخ يضم كل الوطنيين العراقيين من ذوي الخبرة ، ومن كافة الاحزاب والتيارات ، خصوصا قادة الاحزاب وكوادرها والوزراء السابقون وكبار الضباط المتمرسون وكبار الفنانين والادباء ...الخ ، ليكون سلطة تشريعية الى جانب مجلس قيادة الثورة ، في خطوة اساسية نحو تحقيق اوسع مشاركة ديمقراطية في الحكم . وكان في ذهني ان يكون عبدالرحمن عارف رئيسا لمجلس الشيوخ لو اسس ، لانه الوحيد ، من بين كل قادة القوى العراقية المختلفة ، الذي تجنب القوة لحسم موضوع السلطة ، بحكمة نادرة ، ووطنية عالية ، وشعور كامل بالمسئولية ، ووعي عميق لادوار القوى العراقية . وحينما كان الشهيد القائد صدام حسين يردد قسم الرئاسة رأيت ، من شاشة التلفاز ، بفرح غامر عبدالرحمن عارف يجلس متصدرا الخط الاول من قادة العراق الذين حضروا مراسيم القسم ، الى جانب الشهيد طه ياسين رمضان وغيره ، فأحيت تلك الصورة في نفسي الرغبة في رؤية عراق عظيم يشارك كل أبناءه البررة في الحكم والمسئولية الوطنية .

          اليوم نودع القائد الطيب والعم الفاضل عبدالرحمن عارف ( وكان الفقيد ، وشقيقه المرحوم عبدالسلام عارف البطل الفعلي ثورة تموز الوطنية عام 1958 ، صديقان لابناء اعمامي الاكبر سنا مني ، خصوصا للمرحوم هاشم توفيق المختار ، ولاعمامي قبل ان يصبحا رئيسين للعراق ) ، نشعر بأننا بامس الحاجة لروح الايثار التي تميز بها فقيدنا الغالي ، فمن دون وضع العراق فوق المصالح الحزبية والتطلعات الشخصية ، ومن دون التخلص من تأثيرات الماضي السلبي للصراعات القديمة لن يتحرر العراق من الاستعمارين الامريكي والايراني .

          ان مناسبة رحيل القائد الوطني عبدالرحمن عارف فرصة لنا جميعا لاعادة النظر في مواقفنا واساليب عملنا من اجل الارتقاء الى مستوى ايثارية عبدالرحمن عارف .

          الرحمة للفقيد الكبير والقائد الوطني عبدالرحمن عارف ، واخلص تعازينا لعائلة الفقيد فردا فردا ، ودعاء صادق منا ان يسكنه الله جنات الخلد .

Salah_almukhtar@gawab.com

 

 

 

 

شبكة المنصور

السبت / 25 / أب / 2007