بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

انتباه : نعم امريكا ستنسحب ولكن أي انسحاب ؟

 

 

شبكة المنصور

صلاح المختار

 

تتكثف الاحاديث عن الانسحاب الامريكي قريبا من العراق ، بعكس ما يصر عليه في الظاهر الرئيس الامريكي جورج بوش من نفي لاي انسحاب مبكر . ولدينا تقارير سرية ، حصلنا عليها من مصادر موثوقة ، وننشرها لاول مرة ، تقول بان الاستعدادت الامريكية للانسحاب تجري منذ اسابيع على قدم وساق ، وبسرية تامة وعلى عجل وليل نهار عبر مطار صدام الدولي . ومن بين الاستعدادات النقل السريع لوثائق السفارة الامريكية في بغداد ، والتي يبلغ حجمها عشرات الاطنان ، ومعدات عسكرية حساسة جدا ! لنطلع على جزء من هذه التقارير اولا .

التقرير الاول في 12 – 8 - 2007 يقول : (وردتنا معلومات من داخل مطار صدام الدولي بانه ومنذ اكثر من شهر تقريبا يتم نقل أطنان من الورق والسجلات الخاصة بالسفارة الأمريكية ، ويتم نقل هذه الكميات الكبيرة من الورق والسجلات عبر طائرات الخطوط الجوية الأردنية (عالية ) ، حيث تشحن كميات الورق والسجلات بواسطة حاويات كبيرة الى مطار الملكة علياء في عمان ، وبعيدا عن الأنظار ، وبعد ذلك تتم عملية نقلها الى الولايات المتحدة ، من خلال طائرات الخطوط الجوية الأردنية المتجهة الى شيكاغو والى نيويورك مباشرة .

التقرير الثاني في 12 – 8 - 2007 يقول : (وردتنا معلومات من داخل مطار صدام الدولي تقول ان عناصر تعمل في داخل شركات امنية في مطار صدام الدولي باتت تتحدث منذ اكثر من شهر عن انسحاب امريكي مؤكد من العراق ، ومظاهر هذا الأنسحاب تتأكد يوما بعد يوم ، من خلال عملية نقل أطنان من الورق والسجلات التي تنقل يوميا بواسطة حاويات وبعيدا عن الأنظار من مطار صدام الدولي الى عمان ثم الى اميركا . والأمر الثاني وهو المهم جدا ان معلومات وردتنا تفيد بأنه ومنذ اكثر من ثلاثة اسابيع تقريبا بدأت عملية كبيرة جدا لنقل معدات عسكرية ضخمة وكبيرة بواسطة طائرات نقل امريكية ، يقول المصدر عنها انه لم يشاهد مثلها من قبل لضخامتها ، وهي لا تحمل هوية او علم في مؤخرتها ، اي انها طائرات مجهولة الهوية ، كما يؤكد المصدر ، وتقف بعيدا عن مكان الوقوف الطبيعي للطائرات حتى لا يمكن لأي شخص كان ان يراها واضحة . وهناك اشخاص يعملون داخل هذه الطائرات يرتدون حسب مشاهدتهم بدلة زيتونية غامقة اللون ومن قطعة واحدة لأنه غير مسموح حتى لعناصر الأمن الذين يعملون داخل مطار صدام برؤيتهم . وتقوم هذه الطائرات بنقل حاويات كبيرة وضخمة جدا ، حسب وصف المصدر ، تحوي معدات عسكرية مهمة وحساسة يتم نقلها الى الكويت والقسم الآخر الى السعودية والقسم الثالث الى الأردن . ويشير المصدر الى ان هذه العملية تجري بسرية تامة عكس عملية نقل الأوراق والسجلات التي تجري بشكل سري الا انها عادية ، الأمر الذي يؤكد حسب ما يشير اليه المصدر ان ما يتم نقله من معدات هو مهم جدا بل ومهم للغاية .

التقرير الثالث في 13 - 8 – 2007 يقول : ( علمنا من داخل مطار صدام الدولي أنه بدأت قبل نحو اسبوع او اكثر بقليل عملية نقل حقائب تشبه الحقائب الدبلوماسية ألا انها من حديد وخارجها مطلي باللون الفضي تشبه الى حد كبيرالحقيبة التي يستخدمها المصورون الصحفيون. وعلمنا ان في داخل هذه الحقائب حسب تأكيد المصدر سيديات ، اي اقراص سيدي ، تحوي معلومات مهمة للأمريكان ، حيث يتم نقل العشرات من هذه الحقائب يوميا على متن طائرات الخطوط الجوية الأردنية (عالية )الى مطار الملكة علياء في العاصمة الأردنية ، ومن هناك وكالعادة يتم نقلها الى شيكاغو ونيويورك على متن هذه الخطوط وبعيدا عن الأنظار . وحسب تأكيد المصدر فأن هذه العملية التي بدأت قبل نحو اسبوع تجري يوميا الى جانب عملية نقل وشحن أطنان من الورق والسجلات التي تجري على قدم وساق عبر طائرات الخطوط الأردنية عالية ومن هناك الى امريكا ) .

التقرير الرابع في 14 – 8 - 2007 يقول : (علمنا من داخل مطار صدام انه تم قبل عدة ايام نقل حاويات مهمة للغاية على متن طائرات الخطوط الجوية الأردنية عالية ، وتم نقل هذه الحاويات تحت حراسة مشددة جدا تمثلت بعناصر امن اجانب يرتدون ملابس مدنية واستمرت عملية نقل الحاويات ثلاثة ايام ، وافاد المصدر بأن هذه الحاويات مكتوب عليها باللغة الأجنبية very sensitive staff ، وتعني اجهزة حساسة جدا ، ولم يتمكن المصدر من معرفة ماتحويه هذه الحاويات ، ولكن اكد لنا هذا المصدر بان عملية شحن هذه الحاويات تمت تحت حراسة مشددة للغاية لم يشهدها مطار صدام من قبل ، وان هذه الحراسة تمت امام مرأى عناصر الأمن الأعتياديين المتواجدين في المطار بشكل روتيني ، حيث لم تبالي عناصر الأمن الأجانب ان يكون عناصر الحراسة الأخريين قد انتبهوا لعملية شحن الحاويات ومعنى ذلك ان ماتحويه هذه الحاويات موادا مهمة جدا بل وللغاية ) .
ما معنى هذه الخطوة ؟ هل هي مؤشر الى الانسحاب الامريكي من العراق والاقرار الرسمي والتام بالهزيمة ؟ أم انها خطوة تكتيكية محسوبة بدقة لتحقيق التفاف ستراتيجي ، بوسائل تكتيكية ، على المقاومة المسلحة والقوى الوطنية العراقية المناهضة للاحتلال ؟ لنذكّر اولا بما تضمنته التقارير من معلومات :

1 – ان امريكا تنقل وثائق سرية ورقية بالاطنان . من اين ؟ بالتأكيد من سفارتها ومكاتبها وقواعدها في العراق.
2 – ان امريكا تنقل وثائق سرية على شكل اقراص مدمجة أي ( سيديات ) .
3 – ان امريكا تنقل معدات كبيرة الحجم وحساسة جدا على متن طائرات عملاقة ، وهي معدات ربما تكون اسلحة ثقيلة او اجهزة الكترونية متطورة جدا تحرص امريكا بالتاكيد على عدم كشفها او استيلاء العدو عليها .
4 – ان امريكا تقوم باخلاء سفارتها ومعسكراتها من الاسرار والوثائق المهمة جدا تحوطا من حدث جدا كبير وحاسم سيقع قريبا .
5 – ان المهم جدا في هذه المعلومات هو توقيت انتهاء عمليات اجلاء الوثائق والمعدات السرية ، اذ تشير التقارير الى انها يجب ان تنتهي في الخريف المقبل كحد نهائي . وهذا التاريخ قريب جدا من الاعلانات الامريكية المتكررة القائلة بان شهر ايلول – سبتمبر سيشهد تطورات مهمة في العراق ، والضغط على حكومة المالكي الان ، وتصعيد التوتر بين امريكا وايران ، وتكثيف الحملات العسكرية على المقاومة المسلحة ...الخ ربما يكون كل ذلك استعدادا لما سيحدث في الخريف القادم .

ما هي طبيعة الانسحاب ؟

يخطأ من يظن ان امريكا ، وبعد كل ما تعرضت له من خسائر ، مادية او بشرية او في سمعتها ، ستنسحب بسهولة من العراق ، خصوصا وانها عدت غزو العراق والاستقرار فيه مقدمة لابد منها لاعادة رسم خارطة المنطقة والعالم بكامله في أطار الهدف الاعلى : اقامة ديكتاتورية عالمية امريكية . نعم يمكن ان تنسحب امريكا كليا ولكن بعد ان تتأكد من ان المقاومة والحركة الوطنية العراقية غير قابلتين للقسمة او الشرذمة ، اما اذا ادركت ان هناك امل ، ولو بصيص امل ، في تحقيق شرذمتهما فان الانسحاب لن يكون واردا في خيارات امريكا . أذن امريكا الان ستنسحب ولكنه انسحاب تكتيكي ، وليس انسحابا حقيقيا ونهائيا ، لانها وجدت بارقة امل ، منذ احداث نسف مرقد الامام علي الهادي وما اعقبها من قتل شامل ، واعلان ما يسمى ب( الدولة الاسلامية ) في العراق في العام الماضي ، وما نجم عنهما من تطورات ، حيث ظهرت بوادر التشرذم الطائفي من جهة ، وبوادر ( انتبهوا بوادر ) تشرذم داخل المقاومة من جهة ثانية .

ان الانسحاب التكتيكي الامريكي الذي نتوقعه يمكن ان يقوم على نقل القوات الامريكية ، او قوات امريكية ، الى الجوار العراقي ، خصوصا في الكويت والاردن وشمال العراق ، او انه سيكون انسحابا الى مناطق نائية في العراق بعيدة عن المدن ، خصوصا بعيدة عن مرمى نيران المقاومة ، وعدم التدخل فيما سيحدث في العراق من تطورات حربية وسياسية ، وانما مراقبتها عن بعد ، والاستعداد لقطف ثمرات ما سيحدث عندما تنضج الظروف . ما الذي تتوقعه امريكا من وراء هذا النوع من الانسحاب ؟ ان أهم ما تتوقعه ، او تريده ، امريكا هو ما يلي :

1 – التخلص من الخسائر المميتة بشريا وماليا والتي ، اذا استمرت ، ستؤدي حتما ، ومهما طال الزمن ، الى هزيمة ستراتيجية لامريكا تقبر طموحاتها الديكتاتورية العالمية ، وإسكات الراي العام الامريكي والديمقراطيين ، او على الاقل اضعاف النقد الحاد والضغوطات الخطيرة على ادارة بوش .

2 – بانسحاب القوات الامريكية ، والاعلان عن ذلك ، تتوقع امريكا اشتعال حروب السلطة ، وليس الحرب الطائفية ، كما تقول ادارة بوش وجهات اخرى ، لانها خططت لوقوع حروب السلطة بعد فشل الحرب الطائفية . كما انها تريد خلق البيئة المطلوبة لاحتواء عناصر وطنية ترفض حتى الان التعاون مع الاحتلال . من المؤكد ان امريكا قد خططت بالاتفاق مع اطراف معينة ، او بدون ذلك ، لجعل فراغ السلطة في العراق وغياب الامن ، اهم وسيلة لسحق المقاومة والحركة الوطنية العراقية ولكن بيد مقاومين تشرذميين وعدميين او الاجانب العاملين كفرق موت . فكيف تريد امريكا تحقيق ذلك بانسحابها ؟

لقد شهد العام الماضي ( 2006 ) مظاهر تشرذم بدأت بضرب مرقد الامام الهادي ، واعلان دولة القاعدة المسماة ( اسلامية ) ، فرأينا الانشقاقات تشمل اغلب القوى الوطنية والمقاومة : فلقد بدأ جيش المهدي تنفيذ الحلقة الاخطر والاشد سوءا في مخطط التقسيم الطائفي ، مستغلا ضرب المرقد بتوجيه ايراني مباشر . كما ان القاعدة بدأت حربا لا رحمة فيها ضد المقاومين والمجاهدين العروبيين والذين رفضوا مبايعة امير دولتهم النكرة ( نستعمل كلمة النكرة هنا ليس بمعناها التحقيري الشائع بل بمعناها الاصلي لغويا وهي انها تعني غير المعروف او المجهول ) ابو عمر البغدادي ، والذي يمكن ان يكون مجاهدا طهريا عظيما ، كما يمكن ان يكون ماسونيا صهيونيا خطيرا نتيجة مجهوليته .

ورغم ان المبايعة في الاسلام اصلا هي لمعرّف ومعروف وعلم ، من بين القوم ، فان القاعدة اصرت على مبايعة نكرة ! وهذه الخطوة كانت اول شرارة نار للفتنة داخل صفوف المقاومة العراقية ادت الى اراقة دماء مجاهدين وخلق ثغرة في صفوفهم . وبعد هذا بدأت انشقاقات داخل الطائفة الواحدة ، فانشقت التنظيمات الشيعية الصفوية وتقاتلت ، في تعبير واضح عن وجود اصابع امريكية استخدمت ما يليق بهذه التنظيمات وهو المال الحرام وسرقة النفط والخمس ...الخ . واقتتلت التنظيمات السنية الطائفية أيضا . وفي مطلع عام 2007 جرت محاولة خبيثة لشق البعث لانه العمود الفقري للحركة الوطنية العراقية ، عسكريا وسياسيا ، والضمانة الاساسية لوحدة الشعب العراقي من خلال كونه ينفرد ، من بين كافة القوى ، بضم كافة مكونات العراق ( عرب واكراد وتركمان ، وشيعة وسنة ، مسلمين ومسيحيين وصابئة ويزيديين ...الخ ) ، ويشكل شقه ضربة بالغة الخطورة للموقف المقاوم ولوحدة العراق ، فعقد مؤتمر لصوص في سوريا للسطو على اسم الحزب ، بدعم امريكي مباشر ، تجلى بالغاء الجائزة النقدية التي خصصتها قوات الاحتلال ، وهي 5 ملايين دولار لمن يقبض على راس المتأمرين ، الذي كان بصفته بعثيا سابقا مقاوما للاحتلال ، لكنه وقع في فخ المخابرات ، ودعم المتآمرين سياسيا وماليا ومحاولة تسويقهم اعلاميا بوصفهم ب( جناح بعثي ) ، مع ان البعث واحد وليس فيه اجنحة ولا يسمح باطلاق هذا الوصف على لصوص حرفتهم الاساسية الكذب والتزوير ، ومرتدين وانصاف اميين وخونة للشعب والحزب ، وتأمروا على اغتيال القائد الشهيد صدام حسين مع مسعود البارزاني الذي جمعهم مع جنرال امريكي . ولكن هذا الصفات ، التي ميزتهم ، وخيانتهم الصريحة للوطن والحزب وافتقارهم التام للشرعية ، عزلتهم عن الحزب والشعب واصبحوا عبارة عن حفنة من المرتزقة الذين يخدمون من يدفع لهم لا اكثر ولا اقل .

هذه الحالة التشرذمية التي اطلقتها امريكا ، والتي جعلت اغلب القوى تتقاتل مع بعضها ، او زرعت الشكوك فيما بينها ، كانت مقدمة واستعدادا لهذه المرحلة ، حيث تواجه امريكا مأزقا خطيرا لا سابق له ، وهو انها امام هزيمة حتمية مالم تجد وسيلة لقلب الطاولة على المقاومة العراقية المسلحة . ان طاولة امريكا التي يجب ان تقلبها هي اشعال حروب السلطة بين الشراذم والتنظيمات والفصائل الوطنية المناهضة والمقاتلة للاحتلال . فاعلان الانسحاب في اجواء العداء والشكوك المتبادلة سيجبر كل فريق ، كما خططت ، او تتوقع ، امريكا ، السعي منفردا او مع جماعة قريبة منه دون وجود اتفاق عام بين الفصائل الجهادية حول استلام السلطة ، لاستلام السلطة وعزل الاخرين ، فيرد الاخرون بمقاتلته بالسلاح لمنعه من استلام السلطة ، وهكذا تندلع حروب السلطة لان هدفها السلطة وليست تغلب طائفة ما ولا تحرير العراق .

وما يجب ان يعرفه قليلوا الخبرة من بين المقاومين ، قبل وقوعهم في فخ امريكا هذا ، هو ان حروب السلطة هذه صممتها امريكا لجعل انفراد جماعة واحدة بالسلطة مستحيلا وعملا انتحاريا ، ولذلك لجأت سلفا الى تطبيق سياسة الشرذمة ، ومن ثم فان الحروب ستستمر ، بعد الانسحاب ، دون حسم حقيقي ، وستعمل امريكا على دعم اطراف عديدة لكي تتمكن من مواصلة القتال ضد مقاومين اخرين ، ليس لتحقيق النصر بل لضمان انهيار كل القوى الوطنية وكل الفصائل الجهادية وجعلها عاجزة ومستنزفة .

كما ان مهندس ما يصح تسميته متلازمة غزة (Gaza Syndrome) ، وهو المخابرات الامريكية والاسرائيلية ، يريد ان ينقل تجربة غزة الى العراق ، بعد الانسحاب ، فتنجح فئة محدودة القوة في السيطرة على مدينة او حي فقط ، بينما تسيطر القوى الاخرى على مدن او احياء اخرى ، ويعمل كل منها على تكريس سلطته منفردا ! وهذا الوضع يشبه ، بشكل ما ، الذي يحصل الان في غزة والضفة ، بعد سيطرة حماس على غزة وتمسك الطرفين ( فتح وحماس ) بمواقفهما وعدم قدرة أيا منهما على الحسم العسكري ، في إيحاء واضح بوجود بصمات الموساد والمخابرات الامريكية فوق تفاصيل صورة الوضع الفلسطيني المأساوي ! عند ذاك سيفهم ، من لم يفهم بعد ، سر اصرار امريكا على شرذمة الجميع وتقسيمهم بمختلف الطرق ، وعملها الذي لم يكل على عدم السماح ببقاء قوة وطنية مركزية موحدة ، من حيث جماهيرها وتنظيمها وقدرتها على فرض سيطرتها على كل العراق في لحظة انهيار او انسحاب الاحتلال .

ان اصرار امريكا على اجتثاث البعث يعود لحقيقة بارزة اعترف بها الجميع ، وهي ان القوة الوطنية الوحيدة ، ونكرر القوة الوطنية الوحيدة ، التي بقت ، رغم اغتيال عشرات واحيانا مئات البعثيين يوميا وهم يقاتلون الاحتلال ، تملك تنظيما يغطي القطر كله ، ويضم في صفوفه المسلم والمسيحي والصابئي ، والشيعي والسني ، والعربي والكردي والتركماني ، هي البعث فقط ، لذلك فان شرذمة البعث هي النسخة الاحدث والاخطر في سياسة وقانون اجتثاث البعث ، والتي لابد منها لضمان منع وجود عنصر استقطاب وطني عام لحظة انهيار او انسحاب الاحتلال ، من اجل النجاح في تقسيم العراق .

وهنا يجب ان نوضح مسألة بالغة الاهمية ، يجب ان يعرفها الجميع ، خصوصا بعض النخب المقاومة ، وهي ان كافة فصائل المقاومة العراقية المسلحة ، والتي تبلغ اكثر من 60 فصيلا ، هي عبارة عن نخب مقاتلة محلية الوجود ولا تغطي العراق كله ، ويتراوح عدد افرادها بين بضعة افراد ومئات الافراد ، باستثناء المجاهدين البعثيين الذين يشكلون قوة جماهيرية كبيرة تغطي العراق كله ، ولذلك فان امكانية سيطرة فصيل ، او اكثر ، من غير البعثيين على السلطة سيضعه امام سلسلة مآزق انتحارية اهمها :

أ‌- الافتقار الى القاعدة الجماهيرية التي تسند من يكون في السلطة وتحميه . ان مقاتلة الاحتلال والنجاح في ذلك يعود لاعتماد ستراتيجية حرب العصابات ، وهي لا تحتاج الا لمقاتلين اشداء ولا ضرورة لان يكونوا مستندين الى تنظيم جماهيري كبير ، اما عند الوصول للسلطة اذا رحل الاحتلال ، فان القاعدة الجماهيرية تعد الشرط الحاسم والاكثر اهمية في البقاء في السلطة ، فكيف ستحل الفصائل النخبوية هذه المشكلة الخطيرة ؟ وكيف ستفرض سيطرتها على الارض على امتداد االعراق وهي فصائل محلية ؟

ب‌- من المؤكد ان القوى الاخرى ذات الجماهير الكبيرة والتنظيمات المقاتلة لن تسكت على محاولات انفراد فصيل نخبوي او اكثر بالسلطة ، وستحشد كافة قواها لمنع ذلك ، والسؤال المهم هو : ماذا سيحدث عند ذاك ؟ بالتأكيد سيقع قتال ضار سيذهب ضحيته الالاف من الابرياء والمجاهدين ، وبطرق ستجعل الشعب ينفر من المقاومة ، وهذا هو بالضبط ما تريده امريكا من وراء اشعال حروب السلطة .

ج - كيف ستدير النخب السلطة وهي بلا خبرة في ادارة الدولة ، مع ان من يملكون الخبرة في ادارة الدولة موجودون ، وهم كوادر الدولة الوطنية التي دمرها الاحتلال ؟ هل ستبدأ من الصفر في قطر عانى اهله من اشد انواع التعذيب نتيجة للاحتلال ؟ هل سيقبل المواطن تأجيل حل مشاكله الامنية والخدمية لان مجموعة من قليلي الخبرة تريد ان تحكم منفردة ؟ من المؤكد ان وجود هذه النخب في السلطة سوف يعرضها لعزلة جماهيرية قاتلة لعدة اسباب ، من بينها حاجة الناس بعد التحرير للخدمات والامن وحل المشاكل التي خلقها الاحتلال فورا وليس انتظار عشر او عشرين عاما لتكوين الخبرة ، مع ان الكوادر التي تملك الامكانية لاعادة الخدمات والامن خلال ايام موجودة وجاهزة للعمل .

وبوصول حروب السلطة الى حالة انهاك الجميع وعجز الجميع عن الحسم والسيطرة على كل العراق ، وتحوله الى كانتونات متفرقة ومتشرذمة ومتقاتلة ، تزول عمليا العقبة الاساسية التي حرمت الاحتلال من النجاح في استعمار العراق ، وهي وحدة المقاومة المسلحة ، وهكذا تعود امريكا من شباك التشرذم بعد ان طردت من باب الجهاد المعتمد على وحدة كافة الفصائل .

3 – ان الانسحاب الامريكي هو ، في احد اهدافه ، حماية للقوات الامريكية من رد ايراني على قواتها في العراق ، اذا اضطرت لتوجيه ضربات جراحية وانتقائية الى ايران . لقد هددت ايران مرارا بانها اذا تعرضت لهجوم امريكي فانها سترد بضرب القوات الامريكية في العراق ، سواء باسلحتها او بادواتها داخل العراق . لذلك فان انسحاب القوات الامريكية الى محيط العراق الاقليمي ، او الى مناطق داخل العراق معزولة وبعيدة عن اذرع ايران ، هو الرد على تهديدات ايران ، وهي خطوة تحرر امريكا من القلق على قواتها في العراق . ويكمل هذه الخطوة اجراء امريكي اخر وهو حماية قواتها في الخليج العربي من ضربات ايرانية محتملة ، سواء بتحييد قدرات الرد الايرانية او بنصب منظومات دفاعية متقدمة في الخليج العربي ، لتقليل قدرة ايران على الانتقام ومنع تحويل الضربات الانتقائية والجراحية الى حرب شاملة ، برية بالأساس ، وهو ما تريده ايران ، مع ان امريكا تريدها ضربات صاروخية وجوية فقط .

4 – ان توريط ايران في مستنقع العراق هو واحد من اهم اهداف امريكا حاليا ، لانها ترى ان حصول فراغ في العراق ، بعد الانسحاب ، سيغري ايران بدخول العراق مباشرة ، بقواتها المسلحة وكل ثقلها ، الامر الذي سيعرضها للاشتباك المباشر مع المقاومة العراقية بكافة فصائلها ، وهو ما سيؤدي الى استنزاف متبادل للطرفين ، فالمقاومة ستنجح في تحديد مناطق الاحتلال الايراني ومنعها من التقدم ، وايران ستمنع المقاومة من تحرير مناطق معينة . وبخلق هذه الحالة التشرذمية ستضرب امريكا عصفورين بحجر واحد : فمن جهة اولى ستضعف ايران وتتبلور صورتها كدولة تحتل رسميا وفعليا جزء من العراق ، وبذلك يمكن تأليب الراي العام العربي ضدها بقوة ودون تحفظ ، ومن جهة ثانية ستوجه ايران ضربات موجعة للمقاومة العراقية وهو ما سيشجع بروز تيارات وعناصر داخل الصف الوطني تدعو للاعتماد على امريكا في طرد ايران من العراق .

ان ما قاله احمدي نجاد رئيس ايران في مؤتمره الصحفي يوم 28 – 8 – 2007 يؤكد ان ايران تريد التدخل المسلح رسميا في العراق ، اذ قال ان بلاده مستعدة لملأ الفراغ الذي سيترتب على انسحاب القوات الامريكية من العراق ، لكنه اضاف في التفاتة تكتيكية بان بلاده ستنسق مع اطراف اقليمية مثل السعودية لملأ الفراغ في العراق ! وخيار التدخل الاقليمي في العراق بعد الانسحاب هو ما تريده امريكا بالضبط ، لانه سيحررها من كارثتها في العراق وسيجر دول المنطقة جرا الى التعاون معها لاعادة الامن الى العراق دون ان تدفع امريكا حياة جندي واحد !

5 – في فترة الانسحاب الامريكي ، المؤقت والتكتيكي ، ستعد امريكا البديل الجديد : حكومة ائتلافية تضم وجوها وتيارات كانت مع القوى الوطنية ، او ضمن صفوف المقاومة ، لتكون واجهة الاحتلال الجديدة غير المحروقة وتنصبها بعد استنزاف المقاومة والقوى الوطنية ، والتي تتوقع امريكا انها ستكون عاجزة عن الحسم بعد معاركها فيما بينها على السلطة وبعد اشتباكها مع ايران . وبذلك ستتمكن الحكومة الجديدة من كسب اوساط عراقية كانت حتى الان ترفض دعم العملية السياسية في ظل الاحتلال ، لكنها وبعد ان ترى تمزيق واستنزاف المقاومة ، والعشائر ورجال الدين والاحزاب الوطنية ، ستكون مضطرة رغم قناعاتها للانضمام الى العملية السياسية ، وهي تملك بعض التاثير على قطاعات جماهيرية نضب معين صبرها واصبحت تريد الامن بأي ثمن حتى لو كان التعاون مع الاحتلال الامريكي .

بهذه الخطوات تتوقع امريكا انها ستعود ، من شباك التناحر الوطني الشامل والعجز عن التوحد او التحالف ، الى العراق منتصرة ومطلوبة من قطاعات عراقية كانت ضدها ، بعد ان اجبرتها المقاومة على الخروج الذليل من باب وحدة المقاومين .

جرس تنبيه

بعد تأكيد الملاحظات السابقة ، وفي ضوءها ، من الضروري لفت النظر الى ان المرحلة الحالية هي اخطر مراحل نضال الشعب العراقي من اجل التحرير الكامل ، ولذلك فان المستقبل القريب ، والاهم المستقبل البعيد ، يتوقفان الان على الخيار الذي ستتبناه القوى الوطنية وفصائل المقاومة المسلحة الان منفردة او مجتمعة . وفي مقدمة ما يجب ان يتم حسمه ، الان وليس غدا ، هو الموقف من الاخر في الحركة الوطنية العراقية وفي فصائل المقاومة المسلحة ، فما لم يعبّر الوعي الستراتيجي ، لدى كافة الوطنيين لما يجري في العراق والوطن العربي ، عن نفسه بصورة متكاملة وليس انتقائة او ذاتية انانية ، فان كارثة تحويل الاحتلال الامريكي والايراني لهزيمتهما الى نصر وتحويل انتصار المقاومة الباهر الى هزيمة ستقع حتما .

والسؤال الحاسم هو : هل هناك بين فصائل المقاومة المسلحة والحركة الوطنية العراقية الداعمة لها من يريد القضاء على الثورة المسلحة ؟ ان الجواب لن يكون بالقول ( كلا ) فقط ، فهذه ال( كلا ) تقليدية لدى الحمقى ، الذين يقدمون على أيذاء انفسهم وتدمير غيرهم لكنهم يصرون على القول انهم يتصرفون بوعي وحكمة وصواب ! اننا نقرع جرس الانذار الان للجميع ، للانتباه الى ما تخطط له امريكا في العراق ، ونعيد التاكيد على ان امريكا تريد تقسيم العراق ولكن بعد الذبح الكامل لكافة فصائل المقاومة المسلحة ودون استثناء ، ومعها ستذبح الحركة الوطنية العراقية . فهل من بيننا من يريد تقسيم العراق وإنهاءه وتغيير الهوية العربية لما يتبقى منه الى الابد ؟ وهل بيننا من يضع مصلحة الحزب او التنظيم او الفرضيات النظرية فوق مصلحة العراق والامة العربية ؟ من هنا علينا جميعا ان نعيد النظر في اساليب عملنا الكفاحية وان نركز على هدف واحد لاغير وهو كيفية ضمان وحدة فصائل المقاومة ومنع تشرذمها .

ما العمل للرد على هذا المخطط ؟

ان الرد الوحيد القادر على احباط المخطط الامريكي يتلخص في كلمة سر واحدة ، وهي وحدة المقاومة ووحدة درعها الجماهيري : الجبهة الوطنية الشاملة . فمن دون هذه الوحدة وتلك الجبهة ستنجح امريكا في اجهاض الثورة العراقية المسلحة ، لذلك فان معيار الوطنية الحاسم الان هو اقامة الوحدة المقاتلة والجبهة المساندة لها .
وفي هذا الاطار يجب ان يكون واضحا بان من يظن انه قادر لوحده كتنظيم مسلح او سياسي ، او كمجموعة عسكر ، على السيطرة المنفردة على العراق مع اهمال وعزل الاخرين ، هو ضحية وهم قاتل ويعيدنا الى المربع الاول من كارثة العراق ، حينما ظن جنرال عراقي ، بعد ان اكتسب شعبية كبيرة واحترام واسع النطاق في البداية في عامي 1958 و1959 ، انه قادر على الغاء دور القوى الوطنية واقامة نظام ديكتاتوري ، بالاعتماد على حزبين فقط ( الحزب الشيوعي والحزب الديمقراطي الكردي ) ، وباستخدام لغة الدم والتصفيات الدموية للاخرين ، فكان مصيره هو الاعدام ، ولكن بعد ان اطلق شرارة حريق التناحر الدموي العراقي – العراقي . اننا نذكر بان العراق هو نسيج خاص جدا ومهما بلغت شعبية الفرد او التنظيم فانه في النهاية سيصطدم بقوى اخرى ستبقى قادرة على التحشيد ضده ، اذا انفرد او اراد الانفراد بالسلطة .

واذا كان الجنرال المرحوم المشار اليه ، ورغم شعبيته وعسكريته الراقية ، اصطدم بجدار الاخرين الذين تم اقصائهم ، فهل يستطيع ( جنرالات اليوم ) داخل المقاومة ، مثل أبو عمر البغدادي ، او خارجها ، مثل ضباط يحلمون بتكرار تجربة ذلك الجنرال وهم يتعمدون تجاهل مصيره ، واغلبهم نكرات مقارنة بذلك الجنرال ، نقول : هل يستطيع هؤلاء ان يبقوا في السلطة مع ان الحركة الوطنية والمقاومة المسلحة تملك اليوم امكانات هائلة وحاسمة لم تكن موجودة في زمن الجنرال المذكور ؟

ان القانون المطلق لنجاة الجميع الان ، وبالاخص نجاة الوطن ، هو الذي يقول بان العمل المنفرد لتنظيم واحد او لجماعة واحدة ما هو الا انتحار حقيقي له او لها ، لكنه سيسبب للشعب ومقاومته مشاكل كثيرة ومعقدة ، لذلك فان الجبهة المقاتلة والجبهة السياسية الداعمة للمقاتلين هما ضمانة النصر للعراق والاستقرار والامن لشعبه .
ان امريكا وهي تنسحب تكتيكيا تريد استنزاف الجميع ، دون استثناء ، تمهيدا لاخضاع الجميع ، دون استثناء ايضا ، وأقامة نظام استعماري في العراق لا صديق له فيه سوى الدولار ، لذلك فان محاولة الانفراد بالسلطة بعد الانسحاب سيوقع صاحبها في فخ انتحاره هو ، بعد نحره لامل التحرير ، كما فعل المرحوم الجنرال العراقي في عامي 58 - 1959 .

وعلينا جميعا ان نتذكر دائما ، ونأخذ في كل حساباتنا ، حقيقة ان محاولات الشرذمة والانشقاقات التي حدثت او فشلت لم تكن صدفة ولا نزوة فردية بل كانت عملا مدبرا ومدروسا بدقة ، خصوصا منذ تفجير مرقد الامام علي الهادي ، وإشهار التكفيريين موقفهم الحقيقي من كافة القوى الوطنية والفصائل العروبية ، وهو تكفيرها وتحليل دمها وبدء حملة دموية لتحقيق ذلك ، ومن دبر وخطط لذلك العمل هما امريكا وايران ، وكان هدفهما ومازال هو شرذمة المقاومة والقوى الوطنية لاجل تحويل هزيمة امريكا الى نصر ونصر المقاومة المسلحة الى هزيمة .
إن من حقنا ان نتهم من لم يستوعب الدرس حتى الان ، رغم وضوح اللعبتين الامريكية والايرانية ، بانه مطية للاحتلال ، وعندها لن يشفع له ماضيه الجهادي ، مهما كان ، لان المهم ليس ان تجاهد وتضحي بل ان تواصل الجهاد بالمحافظة على وحدة المجاهدين ، بصفتها كلمة سر الانتصار الحاسم . ان مثل المجاهد الذي يجاهد ويضحي لكنه في ذروة الجهاد يدمر اهم مصادر قوته ، وهو وحدة المجاهدين ، كمثل من يحاول انقاذ الناس من الغرق بعد طوفان هائل فيضعهم في زورقه ويأخذ في عبور النهر الى ضفة الامان ، لكنه ما ان يصل منتصف النهر ، وهو اعمق نقطة فيه ، حتى يثقبه وعندها لا يكون من خيار للناس سوى الغرق ! اذن السؤال الذي يطرحه حتى اكثر الناس سذاجة هو : ما قيمه العمل الجيد ، حينما حاول شخص ما الانقاذ ، اذا كانت النتيجة هي انه ثقب الزورق واغرق الناس في منتصف النهر ؟

ان المعيار الحقيقي والوحيد للجهاد والمجاهدين ، الان في العراق ، هو التمسك بعدم اغراق الزورق في منتصف النهر والمحافظة على سلامته ومتانته لكي يوصل الناس الى الضفة الاخرى سالمين . ان الحكم على من يثقب الزورق في منتصف النهر اقسى من الحكم على من حاول اغراق الناس اصلا ، لان الثاني عدو مكشوف ، اما الاول فهو عدو متستر اراد ، بالتظاهر بانقاذ الناس ، احياء الامل في نفوسهم القلقة ، ولكنه وهو يقودهم الى اعمق واخطر نقطة في النهر يثقب الزورق هناك ، لذلك فهو لا يقتل الجميع فقط بل انه يقتل أيضا الامل في نفوس الاخرين ، الذين يقفون ناظرين الى من يعبر ومنتظرين بأمل كبير دورهم في العبور !
ان التكفير والاقصاء هما سرطان الحركة الوطنية العراقية واللغم الملوث الذي دس داخل المقاومة العراقية ، وعلينا ان نركز كل الجهود لازالة الورم السرطاني ونزع فتيل اللغم .

ليكن شعارنا المركزي الاول هو بوحدة البندقية المقاتلة سنهزم الاحتلال وخططه الخبيثة نهائيا ، اما شعارنا المركزي الثاني فيجب ان يكون : بقيام الدرع الجماهيري للمقاومة ، وهو الجبهة الوطنية الشاملة ، نعزز قدرتها على الحسم ونمتن القاعدة التي تستند عليها ونحوّل انسحاب امريكا من انسحاب تكتيكي الى انسحاب نهائي لا رجعة فيه .


عاشت الثورة العراقية المسلحة .
النصر او النصر ولا شيء غير النصر .

Salah_almukhtar@gawab.com

 

 

 

 

شبكة المنصور

الجمعة / 31 / أب / 2007