أبوجعفر

شبكة المنصور

 

 

 الفكر القومي العربي شئ، والحركة السياسية العربية شئ اخر ... الفكر يبدأ فلسفة وعقيدة وتاصل وهوية، ونقاء قيمي ودلالات علمية وينمو ويتقدم، استناداً للمعطيات التاريخية لمسيرة الامة ودورها الحضاري المطلوب، وبالتالي مشروعاً تاريخياً لكل الطموحات العربية المخلصة اما الحركة السياسية فأنها اجراءات واقعية للافراد والجماعات والاحزاب والسلطات والنظم السياسية، وتخوض الحركة السياسية مخاضها الصعب لتحقيق اعلى درجات المصداقية في التطبيقات المثالية للفكر ...
ويفتخر العرب ان فكرهم القومي الاصيل قدم طروحات فلسفية ونظريات ثابته ورصينة ازاء المراحل التاريخية ومنها الصعبة والقاسية التي مرت بها الامة العربية، وابتداءاً بتدمير بغداد من قبل هولاكو ولحد الان.
لم يكن الفكر القومي العربي ملكاً لفرد او مجموعة او حكراً لاحد، ولا اختراعاً او اكتشافاً من احد... انه مخاض تاريخي وصرح فكري انساني ساهمت فيه كل الاجيال والرموز والقيادات والخبرات الفكرية النزيهه، وتواصلت في نقل وحمل الرسالة الفكرية العربية من جيل الى جيل بكل امانة واخلاص، وساهمت في التصدي لاي محاولات خبيثة او مختلفة لتشويهه او لتحريفه او اللانتقاص منه.
لذلك عملت جميع الحركات السياسية العربية بمختلف اتجاهاتها واساليبها للاستعانه بالثوابت والقواعد الفكرية والتكوينية للفكر القومي العربي وارتكزت عليها في منطلقاتها وخطاباتها السياسية لاكساب صحة وشرعية حركاتها، واكتساب الحجة ورضى الجماهير العربية ولاخذ دورها الريادي والمسؤول.
فكان الفكر القومي العربي كريماً وغنياً في المدخلات والمخرجات الفكرية، واعطى كل ما يمكن ان تحتاجه الحركات السياسية من معاني ومفاهيم واسس واغناها ثقافة وخطاباً من الشرق الى الغرب العربي.
وكان حزب البعث العربي الاشتراكي فكراً وحركة ... احد هذه الحركات السياسية العربية التي تبنت مسؤولية تاريخية في قيادة جماهير واسعة من الامة العربية بكل جدية وحرص ومثابرة، واستطاع ان يحقق تجربة واقعية في التطبيقات الحركية، تتوازن الى حد كبير ومستوى الطروحات الفكرية لثوابت الفكر القومي العربي ... ومنذ بدايات تأسيسه.
وواحد من هذه الخصائص النادرة في الحركات السياسية انه استطاع ان يستوعب بعض الاشكاليات الحركية وعمليات الانشقاق والانفراد بالسلطة وتجاوز الثوابت القيمية والنظامية لالتزامات الحركة السياسية لتحقيق اهداف الامة العظيمة، كما حصل في سوريا والعراق في الردة التشرينية والشباطية.
ولتأكيد معايير استيعاب البعث لهذه الردة بتجربته الحزب في العراق، يمكن ان نوجز القارئ وباختصار شديد جانباً من هذه التجرية بعد ثورة (1968) ولحد الاحتتلال العدواني الغاشم، لاننا سنعجز عن اعطاء التجربة حقها في هذه المقالة لسعتها وغناها الكبير، ومحاورها العريضة والعديدة الواسعة لذلك نختصرها في دلالات عربية وانسانية بارزة وعظيمة ومعروفة ونذكر مايلي:-
1- اهمية قيام الثورة انها شكلت الرد الحاسم على نكسة حزيران وبدأت بمسؤولياتها الوطنية والقومية.
2- شنت اكبر معركة اقتصادية وسياسية في عملية تأميم النفط، وحققت اكبر انجاز لحماية الثروات النفطية الوطنية من السرقة والنهب، وشكلت نموذجاً ينظر اليها العرب باعجاب واستطاعت الثورة ان تحقق بنية تحتية متكاملة في القطاع النفطي العراقي قل وجودها في بقية الاقطار العربية انذاك. وتسخيرها لصالح الموقف العربي عموماً، فكانت معركة قومية اكثر مما هي معركة وطنية.
3- وساهم الجيش العراقي، جيش الامة العربية في حرب تشرين (1973) ودافع بكل بطولة وشهامة عن دمشق العربية، ومازالت رفاة الشهداء العراقيين ومن المفقوديين شاخصة في هذه المعركة القومية.
4- واستطاعت الثورة ان تبرم اتفاقية (1975) مع الجانب الايراني، انطلاقاً من رؤيتها المستقبلية للامة والمنطقة، من اجل خلق استقراراً وامناً عربياً ومنع العصابات المسلحة الكردية المرتبطة مع المخابرات الامريكية والبريطانية والاسرائيلية، من ان تكون مصدراً للقلاقل والاضطرابات في الجسم العربي، كي تنطلق الثورة لمسؤولياتها ومساهماتها القومية مع الاشقاء العرب، الامر الذي سارعت القوى الاستعمارية بتسهيل مهمة مجيء خميني واسقاط الشاه، وربما هكذا هو المخطط والمشروع الاستعماري ضد الامة العربية.
5- ولم تتوانى الثورة في الوقوف الى جانب القوى الوطنية اللبنانية لحماية وحدة لبنان، ومواجهة المحاولات الصهيونية لاحتلاله ولتحجيم المقاومة الفلسطينية واخراجها من جنوب لبنان، ويعلم بهذا كل الرفاق في المقاومة الفلسطينة.
6- قدمت الثورة كل المساعدات والاسناد العسكري للقطر السوداني الشقيق في تحرير مدينة جوبه السودانية رغم ان العراق كان يخوض ويتصدى لاكبر هجمة فارسية صفوية ضد العرب في معركة قادسية صدام المجيدة، وتحمل مسؤولية حماية آمن واستقرار الخليج العربي، وفي وقت كانت بعض الدول الخليجية ومنه النظام الكويتي يرتجف خوفاً وهلعاً من العمامة الفارسية.
7- وتصرفت الثورة كعنصراً فاعلاً ومسانداً في ادامة وحماية وحدة جمهورية اليمن العربية.
8- ولم تتوانى الثورة عن دعم الاشقاء من ابناء شعبنا المصري الوفي واستضافتهم بضوابط الكرم العربي، في ظروف الازمة الخيانية للسادات، وتسهيل مهمة التحويلات المالية السخية للاشقاء المصريين في العراق، ولم تسميهم (اللاجئين) او ان تتاجر بمأساتهم، كما يحصل الان في محنة العراقيين الاعزاء اثناء تواجدهم في بعض الدول العربية وبالاخص المجاورة.
9- وتواصلت الثورة في ان تمنح دعمها الى دولة مصر العروبة فرصة لتعديل الاخطاء والسير بالركب العربي، واعادتها الى الصف العربي، والجامعة العربية، بعد ان طردت منها استناداً الى مقررات قمة بغداد عام (1978).
10- وتعتز الثورة بانها عملت على ادامة وتوثيق الصلة العروبية مع المملكة الاردنية الهاشمية الشقيقة في المجال الاقتصادي والسياسي ومدها بالنفط العراقي دون احراج او ابتزاز سياسي بل كان بدوافع المشاعر القومية والتعاون والوفاء لعلم العروبة والاخوة العربية.
11- اما ما قدمته تجربة البعث في العراق للقضية الفلسطينية، فهذا يمكن ان تتحدث عنه الفصائل الفلسطينية وقياداتها، ويتحدث عنها الشعب الفلسطيني المجاهد نفسه.
12- اما المساعدات الانسانية للشعوب والدول الفققيرة فيكفي مراجعة صندوق تنمية المساعدات الخارجية والمراسلات البنكية والمصرفية الدولية الاصولية بذلك.
13- وفتحت الثورة الجامعات العراقية للطلبة العرب وبلدان العالم الثالث، وكانت مجالاً رحباً لتلقي العلم والمعرفة والارتقاء دون اية اجور بل كانت التجربة البعثية تقدم المساعدات المالية لطلبة الوافدين طيلة الفترات الدراسية، وتتكفل باسكانهم ورعايتهم.
14- اما نشاط الثورة في شؤونها الخارجية على الصعيد السياسي والدبلوماسي، فانها كانت تدفع باتجاه اي زخم عربي ومساندة الفعل الايجابي لصالح الامة العربية في كل المحافل والمؤتمرات الاقليمية والدولية.
15-حققت تجربة البعث داخل العراق منجزات هائلة وجبارة يصعب تعدادها وحصرها، ويكفي ان نضع المفارقات والمقارنات بين ماكان يتمتع به المواطن العراقي قبل الاحتلال وبعده .. بما في ذلك فترة العدوان الثلاثيني والحصار الجائر الذي استمر ثلاثة عشر عام.
كما قلنا لانستطيع الا طالة، فالاطالة تجعلنا نكتب ونقرأ مجلدات عديدة لما قدمته تجربة البعث في العراق عبر (35) سنة من النضال والكفاح والعمل الدؤوب لبناء الوطن والدولة والانسان.
بذل العراقيون جهداً شريفاً وصادقاً بكد ومثابرة وعرق الجبين والمال الحلال.
ان الفقرات المختصرة اعلاه، هي بالحقيقة مدخل دلالي لتجربة البعث ومكانتها وقربها من تطبيقات الفكر القومي العربي، والذي كانت قيادة قطر العراق مخلصة وجادة في ان تصونها وتحميها قدر الامكان، ولكن مع هذا لم تكن بمستوى المثالية التي يتناولها الفكر القومي العربي.
مع هذا يحق لكل بعثي عربي ان يفتخر ويعتز ويتحدث عما قام به الرفاق البعثييون في العراق، ويقومون به الان في مسيرة الجهاد والكفاح والمقاومة للمحتل البغيض من اجل التحرير والنصر.
من اجل ذلك نرى تجنب التجربة المريضة في الردة التشرينية والشباطية، لانها تحمل ذكريات مؤسفة ومأثر محزنة، ساهمت في تعريج الحركة السياسية العربية من جهة وتشويه الفكر القومي العربي من جهة اخرى.
فان الخلط والخطأ الذي يقع به الكثير من السياسيين والحزبيين ومنهم البعثيين وسقوطهم في دائرة الاضطراب والانفصام الشخصي، ووعورة الفهم للتجربة الفكرية والسلوكية، وفقدان قدرة التحليل المرحلي والمستقبلي لمسيرة الامة، دفعهم الى اتخاذ اجراءات ومواقف خاطئة وعنيفة في تبرير الخلط والخطأ في التصرفات، ويحاولون بنوايا سيئة ازالة اضطرابهم باللجوء الى التأمر والجريمة والاساءة للتجربة الفكرية وللمسيرة النضالية المقدسة، وتشويه صورتها بمواقف شخصية نابعة من حب السلطة والحلم بالزعامة والمناصب وحب الظهور واخيراً الاقدام على الانشقاق مهما كلف الامر.
والمحزن في الامر ان هؤلاء مهما عارضتهم ضمائرهم ومشاعر ذكرياتهم الفكرية والعقائدية لن يتراجعوا عن هذه النوايا السيئة، فمشاعر الشر قد استوطنت نفوسهم .
وهذا مايجعلنا ان نصف هذه الحالة التي تصيب بعض الحزبيين او السياسيين ومنهم البعثيين بالتفكير المضطرب، والقلق الذي لايفكروا الا في غريزتهم وانانيتهم، ويتجردوا من الذات القيمية والاخلاقية، ويجهلوا السمات والمعاني النبيلة التي احتوتها تجربة البعث في العراق ويتناسوا ذكرياتهم النضالية في بناء هذه التجربة الانسانية الفريدة، حينما عملوا جبناً الى حنب مع رفاقهم لبناءها، والتي يعمل العدوان على تدميرها وانهاءها الى الابد.
وانطلاقاً من ان لكل حركة مخطيئها فما قام به (البعض) المتواجدون في سوريا العروبه، في عقد اجتماع حزبي بعدد قليل من (البعض) المشرد، المغرر بهم، وقادتهم الاوهام وتكويناتهم السلوكية الركيكة، لئن يتأمروا ويأتمروا ببعض من ملامح اواصر السلطة في النظام السوري، ويجاريهم زعيم العصابات المسلحة الكردية الطلباني، وان يقوموا باختراقهم بسهولة، املاً في تمزيق وحدة الحزب القومية، فوقف (الرفاق الاعداء) جنباً الى جنب مع (الاعداء).
فان ما حدث وحصل لايشوه ولاينال من جوهرة فكر الحزب وتجربته النضالية، ولايسيئ الى العقيدة القومية، بل العكس ازدادت نقاوه الفكر واصالته بخروج هذا العدد القليل من المخطئين.
وقد نجد مثل هذه الاحداث سابقاً وحالياً وربما لاحقاً، مخالف للسياقات المبدئية والقيمية والنظامية، ولكن الحزب يبقى نفسه وتبقى قوميته العربية وشرعيته الفكرية... فمن اجل توعية (العدد) الذين وقعوا في فخ هذا اللقاء الاصطناعي، والانشقاقي الفاشل والذي ساندته اجهزة النظام السوري بتوفير وترتيب الاتصالات والتحضيرات منذ ان اسر الشهيد صدام حسين رحمه الله ولحين يوم انعقاده. نؤشر بعض الملاحظات الموجهه الى الاشقاء في القيادة السياسية السورية، (ونحن لانقصد في هذا الكلام سيادة الرئيس بشار الاسد) بل تحديداً القوى القرارية واذا صح التعبير (الاجهزة المخابراتية والامنية) التي مازالت تحرج المنهج الجديد في سياسة سوريا العربية، والذي يتطلع له الرئيس بشار الاسد.
وتحاول هذه القوى المؤثرة في النظام السوري وسياسته ان تتحرك كجسر لصالح الاستراتيجية الفارسية الصفوية بدلاً من ان تتحرك كجزء حيوي في الجسد العربي، وبالتالي تعمل هذه العلاقة الجسرية على زيادة زخم الستراتجية الفارسية الصفوية واعطاءها فرصة اوسع لعرقلة الدور التاريخي للامة العربية الحضارية.
ان الدور السلبي الذي يمارس سابقاً وحالياً من الاشقاء في سوريا هي احدى الحقائق الحركية التي تتناقض والفكر القومي العربي.
واصبح واضحاً للعيان وازيل الغموض عنه، رغم براعة هذه الاجهزة في فن التلاعب بالموقف السياسي، والقدرة على ايجاد التوازنات الداخلية والاقليمية والدولية، في كل مرحلة، وفي كل ازمة تمر بها الامة العربية (ونحن لانشكك ابداً بهذه المهارات البهلوانية واساليب التحرك الهادئ واستغلال الموقف المتأزم ابداً)، فهل هي عقدة الانتماء وتدوين الاسماء في سجل الاحداث والتاريخ ام عشق السلطة السياسية، وممارسة الزعامة الاسرية، ومصادرة التقاليد والقيم القومية التي تخص وتليق بسوريا العربية، ام ان هناك مشروع مشترك لتحطيم الخصائص القومية استناداً لتوجيهات الطائفة العلوية، والتي جعلها تتبنى افشال الوحدة العربية بين مصر وسوريا، كبداية لاعداد نظام الاسرة الطائفية منذ تاريخ (18 يوليو 1963) بعد المؤتمر الذي عقد في حمص ووضع ستراتيجية تاسيس الدولة العلوية.
واذا كانت تجربة البعث الشرعي في العراق الغنية بقيمتها وكما اسلفنا ووضعت مبدأ ممكن للانسان ان يتحطم ويدمر ولكن من الصعب عليه الاستسلام، فلماذا تمت خيانة الفلسطنيين عام (1970) وسحبت الدبابات التي تقدمت لنصرة المقاومة الفلسطينية في الاردن؟؟؟ ولماذا كانت سياسة التخلي عن الجولان رغم المساندة العراقية والعربية وفسح المجال لاسرائيل لاحتلال الجولان؟ ولماذا تم احباط الهجوم العراقي على اسرائيل عام (1973) والدفع باتجاه وقف اطلاق النار؟؟ وماهي مبررات الاستغاثة بالجيش المصري في حرب (1973) وسحب قطعات مصرية وارباك خطة الجيش المصري، وحصول فتحة الدفرسوار؟؟ وماهي الاسباب التي سمحت بمذابح تل الزعتر عام (1976)؟؟ ولماذا اصبح التواجد السوري داخل لبنان يختصر على تمزيق الحركة الوطنية اللبنانية؟؟
وماهي حدود العلاقة والتنسيق مع اسرائيل لتجزئة واقتسام لبنان؟؟
وهل من الشهامة والنخوة العربية ان يطعن العراق العربي الذي كان يقاتل الصفوية التوسعية في معركة قادسية صدام المجيدة، وان يصار الى خنقه اقتصادياً ومساندة ايران الفارسية والوقوف ضد جميع محاولات وقف اطلاق النار واستخدام كل الامكانيات في ذلك؟؟
ولماذا كان العمل الدؤوب في تدعيم عمليات الانشقاق بين فصائل الثورة الفلسطينية، ومواجهة المقاومة الفلسطينية بكل وحشية اثناء حصار طرابلس واجراء تنسيق تام مع البحرية الاسرائيلية لا ستئصال الوجود الفلسطيني في لبنان والذي تكلل بالنجاح؟؟
لماذا هذا المنهج الداعم لاي حركة انشقاقية واي نشاط انشقاقي للحركات السياسية والجهادية وخلق الاضطراب والتفكك في جميع الدول المحيطية باسرائيل وتشجيع الاقليات للمطالبة باستقلال ذاتي يقود الى تشكيل دويلات وكيانات مستقلة وصغيرة ومتميزة حتى تقودها اسرائيل بالنهاية؟؟
والان من يستطيع ان ينكر فسح المجال للتواجد الايراني في لبنان والعراق بطريقة مباشرة او غير مباشرة، وازدادت حدته وقسوته ودمويته بعد احتلال العراق. وتزامنت مع نحو ملموس للشعوبية الوحشية المجرمة.
ونحن ندون هذه الوقائع والحوادث نزداد قلقاً وشك لما سيحصل لشعبنا السوري العربي، فاللعبة الخاطئة لايمكن ان تستمر، وان السياسة مهما بلغت حنكتها ودهاءها، لايمكن ان تتجاوز وتعالج خطأ الافتراق عن المبادئ والثوابت الفكرية والانزلاق عنها.
كما ان الاعداء لايستخدموا ولا يستعملوا الاخطاء والانزلاقات لصالحهم دائماً، ففي اغلب الاحيان يدفعون خصومهم للتورط اكثر.
كي تكون مبررات الاجهاز عليهم سهله ولايوجد من يساندهم، لذلك لم تعد التوازنات الطائفية والاسرية وسيلة لصالح انظمة السياسة الحاكمة مع بدايات القرن الحادي والعشرين، فالبشرية قد اتسعت وافترشت الارض التي خلقها الله سبحانه وتعالى، واصبحت القدرات المعرفية للانسان حالة موجودة في التعامل مع الحياة وستتجاوز بما يسمى بالطائفية والعشائرية والاسرية واصبح مفهوم الامة معياراً في التوازنات السياسية والانسانية معاً.
والمؤسف والمحرج معاً في التجربة السورية ان الادعاء بتبني فكر البعث القومي داخل سوريا، لم يأخذ اطاره النضالي والكفاحي والقيمي الذي يعزز الثوابت الفكرية ويديم الرسالة الفكرية ويديم حمل الرسالة الخالدة للاجيال المتعاقبة، وافتقادها لاي تشكيل جماهيري وتنظيمي ميداني في اطاره القومي العربي على عكس تجربة البعث الشرعي في العراق التي نجحت رغم كل التحديات والعدوان الاستعماري وخيانة بعض النظم العربية، نعم نجحت رغم الاحتلال، ونجحت تجربة البعث في العراق لانها امتلكت كماً ونوعاً جماهيرياً عربياً وقدرة متميزة ونموذجية في التحدي والصمود والبطولة وامتلاك ارادة المقاومة والقتال العفوي من اجل حقوق ومصالح ومستقبل الامة العربية، واكثر من ذلك ارادة الاستعداد للشهادة وايقاظ جذوة النضال المتجدد في الساحة السياسية للوطن العربي، حتى اصبح الاجماع الشعبي سراً او علنياً يتحدث عن التجربة النموذج رغم ماصاحبها بعضاً من الاخطاء.
حقاً ان قلقنا على سوريا وشعبها المناضل يزداد حينما نجد السياسة السورية المقيده والاسيرة للنفوذ الفارسي الصفوي، والمسيطر عليها من قبل مجموعة من مراكز القوى المخابراتية والامنية، وبطابعاً اسرياً تتدحرج الى الهاوية.
وتندفع القوى الاستعمارية من جديد لاحكام السيطرة على سوريا العربية، عبر التواجد الضخم للقوات الدولية المشتركة في جنوب لبنان والتلويح باستخدام الاجراءات الرادعة ضدها.
في وقت قد اكتملت الصورة الكريهة للفرس الصفويين امام التصور العربي، وستتوفر للولايات المتحدة وحلفاءها،الضمانات الاقليمية في الموقف العربي كوحدة اقليمية تمتلك مؤهلات الاسناد المالي (الخليجي) والعمق الستراتيجي لمساندة استمرار تدخلهم المباشر في المنطقة لحماية مصالحهم الستراتيجية فقط، وليس حماية مصالح العرب، فمهمة بعض النظم السياسية العربية للاسف تسهيل مهمة المحتل والعدوان، ليس الا.
والعرب الان امام خيارات مرة ومواقف صعبة وازمات خانقة، صنعتها الانانية السياسية، وشهوة السلطات وغرور الزعامات وغباء القرارات.
فهل العدد (البعض) المفكك الذي ينقصه النضوج والحكمة والذي عقد اجتماعه البائس لتشكيل بما يسمى (قيادة) تستظل باسم البعث الذي منهم البعث براء قادر على فهم واداراك حجم المسؤوليات الملقاة على عاتق الحركات السياسية القومية العربية ازاء ستراتيجية المشاريع الاستعمارية والتوسعية لبلورة ستراتيجية مشروع الشرق الاوسط الجديد، كقاعدة لهيمنة وسيطرة الامبراطورية الامريكية الجديدة والسيطرة على مواردها.
وهل هم بمستوى هذه المسؤولية؟؟ وهل من الصواب ان يكونوا جزءاً منعزلاً خائباً؟؟ او يكونوا جزءاً من الجسد النضالي لحزب البعث العربي الاشتراكي الكبير الممتد من الشرق الى المغرب العربي؟؟ وهل من مصلحة النظام السوري العربي الاستمرار في تكرار منهج دعم عمليات الانشقاق في بنية حزب البعث العربي الاشتراكي القومية رغم فشلها واضمحلالها عدة مرات.
لذا يخطئ من يتصور ان الاحداث السياسية تبرز فجأة، او انها تأتي نتيجة خطأ واحد، او اثنان، فكل متغير ايجابي او سلبي، يرتبط مع اسباب وعوامل عديدة.
فمهما كانت دكتاتورية صانع القرار الا انه قرار يرتكز على مجموعة عديدة من الاولويات، ويخضع لتأثيرات الجماعة المحيطه به وتعمل معاه، وتدفعه نحو القرارات السياسية التي ربما تقود الى الخطأ او الى الصواب.
فالقرار السياسي السوري الذي سيطرت عليه مراكز القوى المخابراتية والامنية عبر اربعة عقود، قادت سوريا العربية في هذه المرحلة بالذات الى عزلة عربية دولية، وغامرت بتاريخ ومكانة ومؤهلات سوريا الوطن والدولة والشعب، ودفعتها الى محرقة ومذبحة القرار الدولي الصعب في استهداف سوريا العربية.
فحتى الشريك الايراني الصفوي السترتيجي بدأ ينتبه للعبة وحجم الضغوط الدولية، فسارع الى فتح قنوات جديدة في الحوار الاقليمي، متجاوزاً ماسيحصل لسوريا وجنوب لبنان، فبدأ بمد جسور الحوار مع السعودية والامارات وان يبقي الحوار مستمر في قضية الملف النووي كورقة يساوم بها، رغم ضعفها وتورطه بها.
وبدأ يعيد النظر في مسألة التوغل المخابراتي والعملياتي داخل العراق، وتخفيف حجم التواجد والداعم لجنوب لبنان فقد بدأت (سياسة النجاة بالنفس والتخلي عن الحليف)، فالواقع الفعلي قد اطبق على المنطقة فالقوات الدولية العسكرية للاتحاد الاوربي استمكنت في جنوب لبنان، والدور السعودي بدأ يتحرك بناء على توصيات القرار الدولي، ونجح في اتفاق مكة بين حماس وفتح، وبدأ الصفويون يدركون درجة تسخين قضية اغتيال الحريري في المحكمة الخاصة وماسيلحق بسوريا جراء ذلك.
اذن هناك العديد من المؤشرات التي تقلقنا عن عزلة سوريا واقامة الحصار غير المعلن عليها، وسوف لاتكون اللاعب الاساسي في استقرار العراق ولا اللاعب الخاسر، ان القرار الدولي الصعب يريدها (اللاعب المطرود) وتحجيم دورها، ونقول ان المحاولات العاجلة في اجراء بعض الترميمات وتحقيق مكاسب سياسية عرجاء لاتكفي ولاتنفع ولاتسند دور سوريا المطلوب والحقيقي.
ونحن نصلي من اجل شعبنا السوري العربي الاصيل وان يتجاوز ازمة النتائج القادمة، وندعوا العزيز القدير ان يحمي ارض سوريا الطاهرة وشعبها العربي الاصيل.
وان تتقدم الحكمة على الدهاء والحنكة والتخلي عن المنهج الميكافيلي في احكام التسلط والسيطرة السياسية وان تمارس العدالة والعمل بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاربة الفساد ومن منافذ الحدود حتى مخافر الشرطة وان يتحقق الاندماج الحقيقي والصادق مع جسد الامة العربية، فالاحتماء والانتماء للامة العربية وفكرها القومي وثوابتها وقيمها الانسانية هي الضمان الحقيقي لسلامة اي نظام سياسي عربي.
اللهم احفظ وحدة العرب والمسلمين.
اللهم احفظ ارضنا العربية من كيد المعتدين.
اللهم انصر رسالتك السمحاء واهدي الظالمين ... امين يارب العلمين.
 

                         

                                     شبكة المنصور

                                    18 / 03 / 2007

الحاضنة القومية للبعث ونبذ السلوك الانشقاقي