بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

وحدة فصائل المقاومة العراقية مهمة لا تحتمل التاجيل

 

 

شبكة المنصور

عــوني القلمجي

 

لو اصغى العراقيون قبل شروعهم في مقاومة الاحتلال الامريكي ، لما رددته العقول السياسية التقليدية ، من صيغ جاهزة حول عدم ملائمة الظروف الذاتية والموضوعية ومساوئ النظام العربي والاقليمي وسقوط التوازن في المعادلة الدولية وتضخيم قوة وجبروت الالة العسكرية الامريكية ، ، لما اندلعت المقاومة العراقية لا في يومها الاول ولا بعد سنة او عشرة او عشرين. ففي حين نالت المقاومة في كل بلد تعرض للاحتلال ، نصيبها من الدعم والاسناد من سلاح ومال ومؤن وحظيت بوضع اقليمي ودولي ملائم واعتراف واسع بشرعيتها من قبل العديد من دول العالم ، فان المقاومة العراقية حرمت من كل هذه الميزات ، بل انها تتعرض للتامر من جهات الارض الاربعة وفي المقدمة منها ابناء جلدتنا من الحكام العرب وجارتنا "المسلمة" ايران . ومع كل ذلك قبل الشعب العراقي التحدي والدخول في هذه المنازلة الكبرى ضد قوات الاحتلال ، وحققت مقاومته الباسلة انتصارات كبيرة ، حطت من هيبة امريكا ونالت من مكانتها بين دول العالم وشعوبه. وهذا هو الدرس الاول الذي قدمته المقاومة العراقية للبشرية واضافت تجربة فريدة من نوعها ، اثبتت بان حب الوطن والارادة الفولاذية ، اقوى من كل الظروف وامضى من اي سلاح مدمر.

على الرغم من فرادة هذه التجربة ، فلازالت امام المقاومة العراقية مهمات تاخر انجازها لاستكمال شروط الانتصار وتحريرالعراق واستعادة حريته واستقلاله وسيادته الوطنية كاملة غير منقوصة. وما نرمي اليه انما ينحصر ، بـ توحيد فصائل المقاومة وتشكيل قيادة عسكرية مشتركة واقامة الجبهة الوطنية الشاملة وفق برنامج سياسي يلبي طموحات كافة اطرافها ، اذ لا يكفي ان يكون البديل عن انجاز هذه المهمات ، مجرد وحدة موقف فصائل المقاومة تجاه المحتل وايمانها بشعار التحرير والاعتماد على رابطة الدم بين المقاتلين. فكل ذلك رغم اهميته لن يصل بالمقاومة الى مرحلة الانتقال بحرب التحرير ، من المعارك المحدودة الى المعارك ذات البعد الاستراتيجي لتحقيق الانتصار النهائي ضد قوات الاحتلال.

للوهلة الاولى يوحي واقع الحال بصعوبة انجاز هذه المهام على وجه السرعة ، جراء وجود عقبات بسب اختلاف المرجعيات والعقائد والموروث السيء الذي حكم العلاقة بين الاحزاب والقوى الوطنية على مدى عقود من الزمن. لكن اذا نظرنا الى هذا الواقع بعمق اكثر ، سنكتشف بان اسباب هذه الخلافات وما نتج عنها من اضرار ، قد رافقت مرحلة ما قبل الاحتلال ، حين كان الصراع يقوم بين الاحزاب والقوى السياسية على استلام السلطة ، اذا بدونها لا يمكن لهذا الحزب او ذاك من تحقيق برنامجه السياسي ، ظنا منه بانه الافضل والاصلح من بين البرنامج الاخرى. وهذه تحكي قصة جميع الاحزاب والقوى في البلدان التي تنعدم فيها التعددية وتداولية السلطة عبر اللعبة الديمقراطية. لكن عراق ما بعد الاحتلال قد ازال الخلافات الى حد كبير واختزل برامج هذه الاحزاب والقوى المختلفة ببرنامج سياسي ، اصبح القاسم المشترك الاعظم فيه تحرير العراق واعادة بنائه واقامة النظام الديمقراطي التعددي. ومما يعزز هذا الراي ، ما لمسناه من توجه جميع فصائل المقاومة لقتال المحتلين على الرغم من اختلاف مرجعياتها الحزبية او الفكرية ، بل ان مجموعات الشباب والرجال التي تشكلت مناطقيا ، والتي لا ترتبط برؤية سياسية محددة ولا تمتلك خبرة نضالية كبيرة ، قد شاركت في قتال المحتلين جراء شعورهم بواجب الدفاع عن الهوية والانتماء.

وفق هذه الحقيقة البارزة للعيان ، كان من المفترض انجاز هذه المهمات قبل سنة او سنتين وان تتكلل الجهود المبذولة في هذا الاتجاه بالنجاح . وحين نركز على هذه المسالة فلان النتائج الايجابية التي تتمخض عنها ، تعد بمثابة العتلة لتغير مجرى الصراع لصالح المقاومة العراقية وتمنحها المقومات الاساسية لتحقيق الانتصار وتحرير البلاد. وهذا يسمح لنا بملامسة هذه المسالة الهامة بشيء من التفصيل.

فعلى المستوى العسكري يوفر توحيد فصائل المقاومة المسلحة تحت قيادة مشتركة ، الشروط اللازمة لنقل المعارك التي تخوضها المقاومة ، من معارك متنقلة وتكتيكية الى معارك هجومية وسريعة ، ورسم علاقة صحيحة بين الدفاع والهجوم وبين طول امد الحرب وسرعة حسم العمليات العسكرية والاخذ بزمام المبادرة والتحرك بمرونة والتخطيط السليم للعمليات العسكرية ذات البعد الاستراتيجي ومنها طرد قوات الاحتلال من المدن والبلدات التي فقدت السيطرة عليها ، والتي حددها البنتاغون ، قبيل اخر استراتيجيات بوش الخائبة ، بثلاثين مدينة وبلدة بما فيها العاصمة العراقية بغداد ، وهذا التحول من شانه تسهيل بناء قواعد عسكرية ثابته في اي مدينة يتخلى عنها المحتل ، وكذلك يمهد هذا التحول ، الطريق لتحريرها واقامة السلطة الوطنية عليها وتوفير الامكانات للدفاع عنها وتحصينها وتحسين القدرات القتالية للمقاومين داخل المدن للتصدي لاي هجوم او اختراق وفي نفس الوقت تدريب مجموعات قتالية متمرسة تعمل خلف القوات المهاجمة لقطع الامدادات عنها وعزلها او تطويقها وتكبيدها خسائر كبيرة.

صحيح ان المقاومة العراقية لم تصل بعد لهذه المرحلة بسبب غياب وحدة فصائل المقاومة والتعثر باقامة الجبهة الوطنية الشاملة ، لكننا في نفس الوقت نلمس حرص قوات الاحتلال على تجنب معارك ضارية من هذا النوع . وهذا ما يفسر تحذير قيادات الجيش الأمريكي لجورج بوش في اجتماعها معه في البنتاجون يوم الجمعة الماضي ، " من تركيز القوات على خوض حرب عصابات في المدن التي يصعب استمرار السيطرة عليها ومن تأثيرها السلبي على استعدادات وقدرات الجيش القتالية عموما" . وكان قبلها قد اعترف مئة خبير عسكري امريكي بصعوبة السيطرة على جميع مدن العراق. ولا يغير من هذه الحقيقة اقتحام بعض المدن مثل ديالى وتكريت والموصل. فلقد فشلت قوات الاحتلال وبعد معارك ضارية من فرض سيطرتها الكاملة على هذه المدن. فبعد كل معركة ضارية تنسحب قوات الاحتلال بسبب خسائرها الجسيمة ليعود المقاومون لاستعادة السيطرة عليها.

اما على المستوى السياسي فان ولادة الجبهة الوطنية الشاملة ، ستحقق انجازات تعادل او تفوق الانجازات العسكرية ، منها تطوير دور الجماهير العراقية في تامين مستلزمات المقاومة المسلحة من مال وسلاح وابناء بررة ، الى المشاركة الفعلية في حرب التحرير في وجهها السياسي الفعلي ، من خلال تشجيعها على القيام بالتظاهر ضد الاحتلال وتنظيم الاضرابات والاعتصام والعصيان المدني ، ومنها مد الجسور مع فئات الشعب المختلفة في المدن المركزية والمحافظات والبلدات ، في الريف ، في المعامل والمصانع ، في المدارس والجامعات ، في المساجد والكنائس ، بهدف التحضير للانتفاضة الشعبية في عموم البلاد بحيث تتزامن مع التحضير للهجوم الاستراتيجي الشامل ضد قوات الاحتلال. ونعتقد بان ليس من الصعب على الجبهة المنشودة تحقيق هذه المهام جراء الخبرة والممارسة التي اكتسبتها اطراف الجبهة في هذا المجال على مدى عقود من الزمن. خاصة وان شخصيات عربية مستقلة ، وفي ظل ظروف احتلال مشابهة ، قد تمكنت من انجاز انتفاضات شعبية في بلدانها وان لم تصل بها الى النهاية امثال الشهداء عز الدين القسام وفخري عبد الهادي وعبد الرحيم الحاج في فلسطين واحمد زبانة وسي الحواس والعربي بن مهيدي في الجزائر وعمر المختار ورفاقه في ليبيا.

ولكن ليس هذا كل شيء فوجود جبهة وطنية شاملة ، وهي تمارس مهامها خلال عملية تحرير العراق ، يعزز العمل المشترك وفق البرنامج السياسي المتفق عليه بحيث يكون بمثابة تدريب عالي المستوى ، لترسيخ مبادئ الديمقراطية بين احزاب الجبهة ويقوي اواصر التعاون والتنسيق ويشيع روح التضحية من اجل العراق قبل التضحية من اجل المبادئ الخاصة. ويكتسب هذا التمرين اهميته في التعود على ادارة الحكم في البلاد على اساس هذه المبادئ بعد التحرير ، خاصة اذا مارست الجبهة سلطتها الوطنية على المدن المحررة حيث ستكون بمثابة ممارسة السلطة في عراق مصغر.

ان توحيد فصائل المقاومة العراقية العسكرية منها والسياسية ، بات مطلبا ملحا لقطع الطريق على العديد من المؤامرات الغادرة التي تحاك ضد المقاومة العراقية ، حيث لازالت بعض القوى والاحزاب العراقية المحسوبة على معسكر المقاومة ، سادرة في غيها وتحاول نزع شرعية تمثيل المقاومة للشعب العراقي وتسهيل مهمة الالتفاف عليها ، من خلال الاشتراك بالعملية السياسية ، لتحقيق مكاسب فئوية ضيقة واعتبار هذه المحاولات هي جزء من المقاومة السياسية ، او عبر تعريب الصراع مع المحتل ووضع مصيره بيد المنظمات العربية والدولية كالجامعة العربية والامم المتحدة ، وظلم ذوي القربى اشد وقعا من نصل السهام. بالمقابل وعلى جبهة الاحتلال ، فان بوش وادارته يبذلون الجهود ويعقدون الاجتماع تلو الاخر ، تارة مع دول الجوار واخرى مع الدول الاقليمية والدولية وثالثة ادخال الامم المتحدة كنعصر جديد في الصراع لصالح مشروع الاحتلال. ونجد نموذجا عنها في اجتماعات بغداد وشرم الشيخ ودمشق وكلها تهدف الى القضاء على المقاومة العراقية.

حين تتعرض الاوطان للخطر ، والعراق يتعرض الى اشد انواعه ، فان المسؤولية لا تنحصر في شخص او جهة مها علا شانها او مكانتها ، او تكون حكرا على من هم في الميدان نتيجة تضحاياتهم المتميزة ، وانما تصبح المسؤولية جماعية. واذا كان ذلك صحيحا وهو صحيح قطعا ، فاننا نعتبر تاخير انجاز هذه المهمات ، يدخل اما في باب التقصير غير المبرر ، واما بسبب اصرار بعض القوى على التمسك بعقلية التفرد والاقصاء بعد ان عفى عليها الزمن وتجاوزتها الاحداث. وبصرف النظر عن الاسباب ، فان ما يترتب على هذا التقصير من نتائج ضارة ستعرقل لا محال مسيرة التحرير وربما تحول حرب التحرير الى حرب عصابات محدودة ، يقتصر تاثيرها على انهاك قوات الاحتلال لامد معين طال ام قصر ، خاصة في عصرنا الذي تقدمت فيه وسائل المواصلات والمعلومات والاجهزة الاستخباراتية والاسلحة المتطورة والتكنيك.

المعنيون بحروب التحرير يشيرون بناءا على تجارب الشعوب في هذا المضمار ، بان اللحظة التاريخية لانجاز المهمات الصعبة ، تفقد قيمتها اذا جاءت متاخرة. ترى الا يستحق العراق وشعبه الجريح الوفاء بهذا الاستحقاق ليصحو في يوم قريب على سماع مثل هذه البشارة؟

 

 

 

 

شبكة المنصور

الخميس / 06 / أيلول / 2007