بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

توسيع دور الامم المتحدة في العراق محاولة غادرة تستدعي الحذر والشدة

 

 

شبكة المنصور

عوني القلمجي

 

لا شك بان قوات بوش المحتلة تقهقرت امام المقاومة العراقية وان مشاريعه السياسية سقطت. وحكومة المالكي تفككت وانقسم البرلمان الى شلل والاعضاء يبحثون عن وسيلة للنجاة بجلدوهم. ودعك من المكابرة وكذبة النصرالتي يرددها بوش ، فانها شبيهة بسكرات الموت . فليس غريبا والحالة هذه اللجوء الى الامم المتحدة والحصول على قرارمن مجلس الامن رقم 1770 ، يقضي بتوسيع دورها في العراق لجهة اجراء مصالحة بين اطراف الحكومة وبين القوى المناهضة للاحتلال وممارسة ضغوط على دول الجوار لتقديم مزيد من الدعم لمشروع الاحتلال واخيرا وليس اخرا رسم حدود داخل العراق بين الاطراف والجهات التابعة للاحتلال ، اي تقسيم العراق باسم الامم المتحدة. ترى هل ستنقذ الامم المتحدة مشروع بوش من السقوط ؟ ام انها ستمد من عمره فحسب ؟ او انها ستدخل ضمن قائمة المحاولات الفاشلة التي سبقت.؟


دعونا اذن نقترب من القرار المذكور والمهمات التي حددها وخطورتها على المقاومة العراقية في حال تحقيقها. ففيما يتعلق باجراء مصالحة بين الاطراف المتنازعة ، فان المقصود منها لا ينحصر باطراف السلطة العميلة ، وانما المقصود اجراء مصالحة بين حكومة المحتل ، وبين القوى المناهضة للاحتلال. فاطراف السلطة لا تحتاج الى جهد من اجل اجراء مصالحة فيما بينها ، وانما تكفي اشارة واحدة من بوش لانهاء صراعاتها كما كان يحدث في كل مرة . وفي هذا الصدد ، فان احتمال انجاز هذه المهمة يبقى قائما لاعتبارات عديدة ، فمن جهة تخلي بوش عن عنجهيته وغطرسته واستعداده لتقديم التنازلات المطلوبة ، ومن جهة اخرى اصبحت القوى المعنية بالمصالحة ، اكثر استعداد للدخول في العملية السياسية. ومثل هذا الاستنتاج لم يأت من فراغ . فعلى الرغم من مناهضة هذه القوى للاحتلال ، الا ان سياستها والية تحركها ضد المحتل ، قد تم تصميمها بما ينسجم مع فهمها المحدود لطبيعة الصراع الدموي الذي تدور رحاه بين المقاومة والمحتل ، وقصورها الواضح في ادراكها لاهداف امريكا القريبة والبعيدة من احتلال العراق ، اضافة الى كونها لا تؤمن بالمقاومة المسلحة كطريق اساسي لتحرير العراق ، ولا تدرك ايضا معنى المقاومة السياسية بثوابتها الاصيلة واقلها تحريم التعامل مع المحتل وما ينتج عنه من صيغ سياسية.

ولكن ليس هذا كل شيئ ، وهنا تكمن المصيبة ، فلقد اثبتت الوقائع عدم استقلالية هذه القوى في رسم سياساتها ، جراء ارتباطاتها مع الانظمة العربية وعلى وجه الخصوص امارات الخليج العربي التي تتقاطع مصالحها مع بقاء الاحتلال والتعامل معه ، الامر الذي يدفعها الى تشجيع هذه القوى على الدخول في العملية السياسية ، اعتقادا منها بان هذا الفعل سيعدل من الموازنة الطائفية في السلطة والبرلمان ، بما لا يسمح للاحزاب < الشيعية > ذات الغلبة ، بتوسيع نفوذها في جنوب العراق ، تحسبا من امتداده باتجاه انظمتها المتهاوية. يضاف الى ذلك حرص هذه الانظمة على وضع العراقيل في طريق انتصار المقاومة ، كونه سيؤدي حتما الى قلب اوضاعها واوضاع المنطقة برمتها . ولا يغير من هذه الحقيقة ما تشعيه هذه القوى من تبريرات مفادها ، ان التعامل مع المحتل وفق شروطها الوهمية ، يدخل في صميم المقاومة السياسية لتحرير العراق. في حين ان مقاومة المحتل هي واحدة مهما تعددت اشكالها ، وان شعار مقاومتان واحدة مسلحة والاخرى سياسية ، هي ذريعة واهية لا تستند الى واقعة او دليل. وهذا ما يفسر رفض هذه القوى الاعتراف بالمقاومة كممثل شرعي ووحيد للشعب العراقي.

وفق هذه المنظور، فان احتمال قبول هذه القوى للدخول في مصالحة مع حكومة الاحتلال تحت عباءة الامم المتحدة ينطوي على قدر كبير من الواقعية. ألم تفعل ذلك تحت عباءة الجامعة العربية المهلهلة ودخلت في مصالحة مع احزاب الحكومة العميلة في القاهرة في تشرين الثاني عام 2005 ؟. الم تبدي استعداها للتفاوض مع المحتل على اساس اكذوبة وضع جدول زمني للانسحاب ؟ ثم ماذا يعني تزامن تصريحات الشيخ حارث الضاري ، وهو رئيس اكبر جهة في هذا المعسكر لوكالة رويترز يوم الثلاثاء الماضي في الثالث عشر من الشهر الجاري مع صدور قرار مجلس الامن 1770؟ الا تعني تلك التصريحات استعداده لقبول التعاطي مع هذا القرار السيئ الذكر قبل ان تمارس الامم المتحدة دورها الجديد.؟

لقد طالب الضاري في تصريحاته المؤسفة تلك الادارة الامريكية وبصريح العبارة ، بقطع علاقتها مع نوري المالكي، وانهاء العملية السياسية لانها ادت الى فشلها وان عليها ، وهنا المصيبة الكبرى ، ان تصحح وضعها في العراق وان لا تستمر في اعتمادها على هذه الحكومة ، ليصل الى بيت القصيد ويطالب الادارة الامريكية بان ترعى حكومة وطنية غير حزبية ، تضمن للامريكيين خروجا امنا يحفظ لهم ماء الوجه ؟ الا تعد مثل هذه التصريحات رسالة واضحة للامريكيين مفادها نحن اول الجهات المستعدة للتعامل معكم؟ واذا كان الشيخ الضاري بجلاله وقدره ومكانته بهذا الحال ، ترى ماذا سيكون موقف الاحزاب والقوى الاخرى التي من نفس الطراز والاقل شانا منه؟

اما فيما يتعلق بالبند الثاني من هذه المهمة القذرة ، حول دول الجوار التي قامت بتقديم كل الخدمات لمحاصرة المقاومة العراقية وتقديم المساعدة للاحتلال والاعتراف بحكوماته المتعاقبة واقامة العلاقات السياسية والدبلوماسية معها. فانها ستجد فرصة ذهبية في استغلال مازق بوش واستعداده لتقديم التنازلات المرضية ، وتطالب مقابل زج كل ما لديها من امكانات لمساعدته في اجتياز محنته ولكن بثمن اغلى هذه المرة . فعلى سبيل المثال ناخذ اهم هذه الدول. فايران ستطلب اعتراف امريكي بدورها في العراق كلاعب اساسي وزيادة حصتها في الغنائم وصولا الى حد المطالبة بفصل الجنوب ووضعه تحت هيمنة احزابها الطائفية وبالتالي هيمنتها ، وكذلك الاقرار بدورها الاقليمي وعدم تجاوزه والسكوت عن برنامجها النووي والكف عن التهديدات لها حتى اذا كانت تدخل في اطار الضخب الاعلامي . اما سوريا وما ادراك ما سوريا وخبرة نظامها في استخدام اوراق الابتزاز ، فهي لديها قائمة طويلة من المطالب. اولها واهمها رفع الحظر الامريكي لعودتها الى المحور السعودي المصري ، خاصة وان محاولات بشار الاسد العودة الى هذا المحور قد فشلت وكان اخرها رفض حسني مبارك الانضمام الى الاجتماع الذي عقده مع الملك عبد الله في السعودية ، مثلما فشل مؤخرا في جر السعودية لحضور الاجتماع الامني حول العراق والذي عقد في دمشق قبل عدة ايام.

ولهذا المطلب بالذات اهمية قصوى بالنسبة للنظام السوري . فعن طريقه يسترجع بشار فردوس سوريا المفقود في المشاركة في قيادة المنطقة ضمن هذا المحور ، وعن طريقه يؤمن حماية نظامه من اي مكروه وعن طريقه يساعد حليفه الاستراتيجي والعضوي ايران في تخفيف الضغط عليها من قبل ما يسمى بالدول العربية المعتدلة تجاه برنامجها النووي او تجاه سياساتها التوسعية في الخليج والمنطقة العربية عموما وعن طريقه يرفع الضغط عن النظام حول لبنان واتهامه بالتدخل في شؤونه الداخلية ووقف الملاحقات القانونية حول اغتيال رفيق الحريري وعن طريقه يمكن تحسين موقعه في المؤتمر الدولي القادم للسلام في المنطقة وايجاد حل لقضية الجولان. اما في العراق فهو يسعى الى اعتراف امريكي بدورسوري في العراق ، خاصة وانه قدم العديد من الرسائل بهذا الشان ، ومنها اظهارعلاقاته الوطيدة مع القوى المناهضة للاحتلال وقدرته على التحكم بها. ونجد نموذجا عنها في رعاية المخابرات السورية لمؤتمر يونس الاحمد الذي اعلن عن تمرده على حزب البعث وفصل امينه العام عزت الدوري ، وتنظيمها لمؤتر دمشق الذي كان مقررا عقده في 23 من الشهر الماضي ثم تاجيله.

اما البند الثالث فهو بمثابة ما يطلق عليه الخطة البديلة فاذا فشلت الامم المتحدة في تحقيق اهدافها ، فان العمل على رسم الحدود داخل العراق بين الاطراف العميلة للاحتلال ، لا يعني سوى تقسيم العراق وفق مقترحات لجنة بيكر – هاملتون السيئة الصيت والسمعة ، ولكن ليس باسم امريكا ، وانما باسم الامم المتحدة ليكتسب مشروع تقسيم العراق صفة الشرعية الدولية.
 

ان دورالامم المتحدة الجديد يمثل امتدادا لدورها السابق ، سواءا فى تبرير غزو العراق بتهيأتها الراي العام الدولي حول كذبة اسلحة الدمار الشامل او شرعنتها للاحتلال أو دور ممثيلها في انتاج صيغ سياسية من صنع الغزاة كمجلس الحكم المقبور واعتبارتشكيل حكومات عميلة وانتخابات مزورة يمثل عودة السيادة للعراقيين. ناهيك عن سجلها الاسود في العدوان على العراق عام 1991 واصدار قرارالحصار الجائر الذي راح ضحيته مليوني عراقي. ترى هل يحق لنا الاستهانة والاستخفاف بهذا الدور الجديد والحكم عليه بالفشل مسبقا ؟ ان التقليل او الاستهانة بالمخاطر الجسيمة التي يشكلها القرار 1770 على قضية شعبنا ومقاومته الوطنية الباسلة ، يعبر عن سذاجة سياسية في احسن الاحوال ، ، في حين يستدعي ذلك فضح وتعرية الامم المتحدة ودورها المشين والجرائم التي ارتكبتها بحق العراق واهله وتحذير كل القوى مهما كانت صفتها الوطنية او مكانتها ، من مغبة السير في هذا الطريق كونه موجه ضد المقاومة العراقية بكافة فصائلها المسلحة منها والسياسية وعدم التساهل معها.؟

ان طريق تحرير العراق ، لا يمر عبر الامم المتحدة او الجامعة العربية او اطلاق المبادرات للتفاوض مع المحتل الامريكي مهما كانت الذرائع ، وانما يمر عبر طريق واحد لا غير : المقاومة المستمرة ضد المحتل بكل اشكالها وعلى راسها المقاومة المسلحة ، فالعراق احتل بالقوة ولا يتحرر الا بالمقاومة.

وكل يحطب بحبله.

 

 

 

 

شبكة المنصور

السبت / 18 / أب / 2007