بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

لكي لا يتشوه شعار المقاومة العراقية حول الجبهة الوطنية المنشودة

 

 

شبكة المنصور

عوني القلمجي

 

يبدو اننا نعيش موسم انبثاق الجبهات العراقية ، وكلما انبثقت جبهة هنا او هناك ، فانها سرعان ما تعلن بانها الوحيدة التي تمثل الشعب العراقي ، وانها الاقوى من بين الجبهات الاخرى . ففي خلال الشهرين الماضيين عقدت من اجل هذا الغرض ، اجتماعات عديدة في الاردن وبيروت ومصر وغيرها. فعلى سبيل المثال لا الحصر التقى نوري المرسومي الذي وصف نفسه بانه يمثل المالكي طورا والطالباني تارة ، في الاردن وبيروت مع اوساط تدعي القومية واليسارية قدمت من لندن وعدة بلدان اخرى . كما التقى في القاهرة اياد علاوي وشخصيات كردية معادية لجلال الطالباني وبحضور مسؤولين من المخابرات السعودية والمصرية ، ثم عقدت اجتماعات اخرى في الاردن حضرها عملاء للاحتلال امثال حازم الشعلان وفلاح النقيب الى جانب قوى تدعي قربها من المقاومة العراقية. كما عقد مؤتمر في بيروت لنفس الغرض، في حين سمع القاصي والداني عن اجتماعات اخرى تمت في دمشق وفي ظل النظام السوري وبتوجيه منه ، هذا النظام الذي لم يترك وسيلة لايذاء العراق واهله الا واستخدمها.

لكن ما الذي دعا هذه الاطراف او هذه القوى والاحزاب المجهولة الهوية في معظمها وبعض الافاقين والانتهازين والعملاء الى الدخول في سباق محموم بهذا الاتجاه وفي هذا الوقت بالذات؟

ليس ذلك التزامن بين تعدد المؤتمرات والتجمعات وتقديم المبادرات للامريكيين وبين انتشار الاشاعات حول قرب انسحاب قوات الاحتلال من العراق، مجرد مصادفة سيئة . اذ كلما لاحت في الافق بادرة للانسحاب، تجمعت القوى ذات الافق الضيق والمصالح الفئوية والمرتبطة باجندات عربية ، خاصة اجندات الممولين الخليجيين ، وتبارت في عرض بضاعتها على الامريكيين تحت ذريعة اخراجهم من المأزق بماء الوجه . حدث ذلك في منتصف عام 2005 عندما راجت اشاعة استراتيجية الخروج من العراق ، حيث عقدت العديد من القوى مؤتمرا في بيروت وقدمت مبادرتها بهذا الخصوص. واليوم يتكرر نفس المشهد مع اقتراب تقديم القادة الميدانيين لقوات الاحتلال التقرير النهائي في نهاية ايلول القادم حول مستقبل استراتيجية بوش الجديدة واحتمال ان يتضمن التقرير الاعتراف بفشل هذه الاستراتيجية ، الامر الذي سيعزز ، حسب راي هذه القوى ، موقف الحزب الديمقراطي الداعي للانسحاب في نهاية عام 2008. فليس غريبا والحالة هذه ان تنعكس هذه الاراء الخاطئة على برامج وتصريحات تلك التجمعات التي ظهرت خلال الشهرين الماضيين، حيث نجد في اول تصريح لاي جبهة تم الاعلان عنها خلال هذه الفترة الوجيزة ، ابداء الاستعداد لاجراء حوار او مفاوضات مع قوات الاحتلال تحت ذات الذريعة الواهية. فامريكا من وجهة نظر القادة الاشاوس لهذه الجبهات دولة عظمى تخجل لعلو قدرها وسمو جلالتها من طلب الانسحاب بلسانها.!!!!

صحيح ان بوش يتعرض الى ضربة تلو الاخرى وان خصومه من الحزب الديمقراطي قد حققوا انتصارات باهرة وخاصة بعد ان انضم اليهم قادة كبار من حزبه ، اخرهم رتشارد لوجار، وهو جمهوري بارز في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ والسناتور جورج فوينوفيتش ، ودعوا الى تبني خطة متدرجة للانسحاب من العراق ، وصحيح ايضا ان تصريحات كبار الضباط الامريكيين في العراق قد شككت في نجاح استراتيجية بوش الجديدة ، لكن الصحيح اكثر بان ما يطرحه الحزب الديمقراطي من خطة حول انسحاب القوات الامريكية في مدة اقصاها نهاية عام 2008 ، ليس سوى خدعة لاقناع الراي العام الامريكي الذي يضغط باتجاه عودة ابنائه الى وطنهم سالمين وليس في اكياس سوداء ، بغاية كسب اصوات الناخبين في معركة الرئاسة. فالديمقراطيون في نهاية الامر لا يسعون الى هزيمة امريكا في العراق ، وانما يسعون فقط لهزيمة بوش في انتخابات الرئاسة. وكما اكدنا في مقالات سابقة وبالادلة والوقائع العنيدة ، فان الحزبين الجمهوري والديمقراطي هما وجهان لعملة واحدة وان قرارات قيادة الحزبين تخضع في نهاية المطاف لمتطلبات الشركات النفطية العملاقة والمجمعات الصناعية والعسكرية والبيوتات المالية والاهم من ذلك كله لمتطلبات اللوبي الصهيوني صاحب الكلمة العليا في صنع القرار في الولايات المتحدة الامريكية ، وهؤلاء جميعا يقاتلون باسنانهم واظافرهم من اجل بقاء العراق تحت الاحتلال الامريكي الى ما لا نهاية ، ناهيك عن ان قادة الحزب الديمقراطي انفسهم لم يذكروا الانسحاب بمعنى خروج قوات الاحتلال من العراق ، وانما يذكرونه على اساس اعادة انتشار القوات الامريكية داخل المدن وخارجها وسحب بعضها الى قواعد عسكرية ثابتة وزج قوات الحكومة العميلة ومليشياتها المسلحة لتكون دروعا بشريا للقوات الامريكية للتقليل من خسائرها المادية والبشرية.

ان ينكر البعض هذه الحقائق ويريد ان يعيش اوهام الانسحاب السريع او الانتصار السهل ويتخيل ان بوش او الحزب الديمقراطي لا هم لهم سوى العثور على صيغة مشرفة للانسحاب ، فهذا شانه وله الحق في النوم المبكر ومشاهدة هذه الاحلام الخاوية ، لكن ان تتصرف قوى تدعي الوطنية والايمان بالمقاومة المسلحة على هذا الاساس وتسارع الى تقديم نفسها كمنقذ للاحتلال واخراجه بطريقة مشرفة دون اي طلب امريكي بهذا الخصوص حتى وان كان ينطوي على الخديعة ، فهذا يقتضي فضحها وادانتها لما سيترتب على سلوكها من نتائج ضارة اولها المساس بوحدة فصائل المقاومة . بل ان عملا كهذا يضع هذه القوة او تلك، ومهما علا شانها، في موقع المعرقل لمسيرة المقاومة العراقية باتجاه تحرير العراق.

نزعم بان المقاومة العراقية بفصائلها الرئيسية المقاتلة غير معنية بما تقوم به هذه القوى خارج الوطن ، فهي على ارض الميدان تقود قتالا شرسا ضد قوات الاحتلال واتباعها من الحكومة العميلة وهي على قناعة بان المعركة مع قوات الاحتلال الامريكي صعبة ومعقدة رغم ايمانها بتحقيق الانتصار. ولذلك نراها تحث الخطى من اجل اكمال مهمات الانتصار وفي المقدمة منها العمل الدؤوب على تهيئة الارضية الصلبة من اجل وحدة فصائلها تحت قيادة مشتركة واحدة . وتعمل في الجانب الاخر على توسيع الاتصالات مع القوى السياسية الفاعلة في صفوف الجماهير من اجل بناء الجبهة الوطنية العريضة التي تضم فعلا كل مكونات واطياف الشعب العراقي وتحت راية برنامج سياسي يحظى بتاييد عموم العراقيين وتحت قيادة موحدة على ارض العراق وليس خارجه. كما نزعم ايضا بان المقاومة العراقية على ارض الميدان ترفض في الوقت الراهن التفاوض او الجلوس مع الامريكيين الا في حال اعلان قوات الاحتلال عن استعدادها الكامل للانسحاب دون قيد او شرط وتحمل كافة النتائج الضارة التي ترتبت على جريمة الاحتلال . فالمفاوضات من وجهة نظر المقاومة العراقية هي جزء من عملية الصراع الدائرة بين المقاومة والمحتل ، وتوقيتاتها مرهونة بمرحلة محددة تصبح فيها قوات الاحتلال غير قادرة على الدفاع عن نفسها وتضطر هي ، لا المقاومة ، الى طلب التفاوض من اجل الانسحاب بشروطها هي وليس بشروط المحتل والتي هي حصرا تحرير الوطن ، واستعادة استقلاله وسيادته كاملة وغير منقوصة . ومهما اتخذت المفاوضات اشكالا متعددة وطال بها الزمن ، فان المقاومة لن تتخلى ، لا عن سلاحها ، ولا عن مواصلة عملياتها العسكرية . بالضبط كما فعلت المقاومة الفيتنامية التي شنت 245 هجوما ، ضد القوات الامريكية اثناء حفل التوقيع على الاتفاق. مسجلة بذلك اعلى رقم في تاريخ صراعها مع المحتل .

الثابت لحد الان ، وهذا ما يجب ان يدركه الجميع ، بان الامريكيين حين يتحدثون عن الانسحاب المشرف فهم يريدون اقناع المقاومة ، بان تلقي سلاحها وتنخرط في العملية السياسية مقابل اشتراكها بالسلطة كي يتسنى لهم تكريس احتلالهم لهذا البلد الذين جاءوا اليه اصلا لكي يبقوا لا ان يرحلو طواعية. واذا وضعنا جانبا هذه المناقشات ، واقتربنا من لغة الوقائع ، فان ما نسمعه ونراه من السياسة الامريكية تجاه العراق ، فانها تسير بالاتجاه المعاكس ، فمن جهة تقوم القوات الامريكية ، في ظل الحديث عن الانسحاب ، بشن اعنف عمليات عسكرية في اكثر من مدينة عراقية ، مستخدمة فيها اشد انواع الاسلحة فتكا ودمارا ، بما فيها الاسلحة المحرمة . ومن جهة اخرى يقول بوش بانه لا يوجد بين الخيارات الامريكية خيار اسمه الفشل ، وانه مصمم على قصم ظهر المقاومة العراقية. وقد اكد في خطاباته الاخيرة على رفضه ليس الانسحاب من العراق فحسب وانما رفضه لاي جدول زمني لهذا الانسحاب ، بل واكد ايضا بانه على استعداد لارسال مزيد من القوات الامريكية الى العراق كلما تطلب الامر ذلك. والاكثر من ذلك فان بوش اعتبر في في نفس الخطاب بان اي جدولة للانسحاب سيعد بمثابة مكافئة للارهابيين . وهذا الموقف ليس فيه ما يدعو الى الاستغراب ، فهو ينسجم كليا مع الاهداف الامريكية التي احتل العراق من اجلها ، وابرزها البقاء في العراق لاعتبارات اقتصادية وعسكرية ، وارتباط ذلك بالمخطط الكوني للسيطرة على العالم ، ناهيك عن ان بقاء العراق ضعيفا ومجزا وتحت الاحتلال هو مطلب صهيوني ملح.

ولكي لا نطيل الحديث اكثر ، فان اية جبهة تعلن من دون ان يكون للمقاومة العراقية السياسية منها والمسلحة اليد الطولى في تشكيلها من الالف الى الياء ، تعد خروجا على الخط الوطني التحرري ، بل وتعتبر باطلة في نظر الشعب العراقي ، ناهيك عن ان كل هذه الجبهات الشبيهة بالوجبات السريعة قد قامت بدفع من الانظمة العربية المعادية للمقاومة العراقية وتبنت برامج سياسية تتناغم مع اجندتها ان لم يكن بعضها قد تناغم مع العملية السياسية التي يقودها المحتل نفسه. وهذا ما يفسر اختيار بعض عواصم هذه الانظمة مقرات لقيادتها بدل ان تكون قيادتها داخل العراق. يضاف الى ذلك ، فان قيادات هذه الجبهات المفتعلة قد تضمنت اسماء انتهازية معروفة او شاركت في العملية السياسية او لها علاقات مع مخابرات عربية او متهمة بالسرقة والاحتيال.

المقاومة العراقية التي قررت القتال حتى التحرير الكامل ، ليست قلقة من هذه الجبهات المفتعلة مادام قرار السلم والحرب بيدها ، وهذه حقيقة لا تحوم حولها الشكوك اوالشبهات.

 

 

 

 

شبكة المنصور

الخميس / 19 / تمــوز / 2007