بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

تشويه مغرض لمفهوم المقاومة السياسية

 

 

شبكة المنصور

عوني القلمجي

 

حين طرق سمع بعض القوى والاحزاب العراقية ، اقاويل واحاديث عن مهمة الامم المتحدة ومن ضمنها اجراء مصالحة وطنية بين الاطراف المتنازعة ، سارعت هذه الاحزاب والقوى ، الى استحضار شعار مقاومتين واحدة مسلحة والاخرى سياسية ، وتناست ان المقاومة واحدة وتظهر كنقيض للاحتلال وان تعددت اشكالها ومسمياتها وعناوينها ، وعادة ما تكون المقاومة المسلحة في مقدمتها. وفي هذا الصدد ومن دون الدخول في تفاصيل مملة ، فان المقاومة السياسية التي هي شكل من اشكال المقاومة وجزأ منها ، هي التعبير السياسي للمقاومة المسلحة وليست وسيلة للكسب والارتزاق . ولكي تكون المقاومة السياسية جديرة بهذا اللقب ، يقضي بان تصب كل جهودها ونشاطاتها ضد الاحتلال في خدمة العمل المسلح ، كونه ارقى شكل من اشكال المقاومة وليس مجرد رد فعل عسكري تقوم به مجموعة من المقاتلين ضد المحتل مهما علا شانها او حجمها او قوتها وبالتالي لا يجدي نفعا اذا لم يتماهى الفعل السياسي مع الفعل العسكري.

وعلى هذا الاساس ، فان اولى مهمات المقاومة السياسية ، هو تمسكها الكامل بالاسس والثوابت التي تسترشد بها المقاومة المسلحة ، وان لا تساوم عليها تحت اي ظرف مهما كان صعبا. ولكي نكون اكثر وضوحا وتحديدا فان شعار المقاومة المسلحة ان لا صلح ولا هدنة ولا مفاوضات مع المحتل قبل اعلان استعداده للرحيل دون قيد او شرط وتحمل كافة النتائج الضارة التي ترتبت على جريمة الاحتلال ، هو بالضرورة شعار المقاومة السياسية ويقع على عاتقها الدفاع عن هذا الشعار وشرح اسبابه وتوضيح اهدافه وتفسير مراميه. وتاكيد مشروعيته . فالمحتل لن يتخلى عن محاولاته لاحداث شرخ في صفوف المقاومة ، عبر الاتصال مع بعض قواها واحزابها السياسية وفصائلها المسلحة ، بهدف اقناعها بالقاء السلاح والتخلي عن المقاومة والدخول في العملية السياسية. واذا كان برنامج المقاومة الاقتصادية ينحصر على سبيل المثال لا الحصر في مقاطعة بضائع المحتل ومنتجاته واذ كان برنامج المقاومة الثقافية ينحصر في مواجهة ثقافة الهزيمة ومنع اشاعة روح الياس والاستسلام مقابل اشاعة ثقافة المقاومة والجهاد ، ترى ما هي مهام المقاومة السياسية في هذه الحالة؟

لا نريد ان نكرر مثل هذه الدروس والتي يكاد المرء يذهل كلما وجد نفسه مضطرا للعودة اليها او لتكرارها. فلقد اعتادت المقاومة السياسية لدى كل الشعوب التي تعرضت للاحتلال ، على انتهاج سياسة واضحة لا لبس فيها ترابط عند ثوابتها ولا تتخلى عنها ولا تساوم عليها تحت أيّ ظرف ، وتتمثل اولها في مقاطعة المحتل وعملائه في الحكومة وتحريم التعامل معه ومع كل ما ينتج عنه من صيغ سياسية واقتصادية وقانونية وغيرها وتعبئة الشعب بكل طبقاته وفئاته واطيافه حولها لتكون المقاطعة واسعة وشاملة. عند هذه النقطة التي تخص موضوع الحديث سنغض الطرف عن المهام الاخرى على الرغم من انها تشكل العمود الفقري للمقاومة السياسية والمقصود بالطبع القيام بالاحتجاجات والاستنكار وتنظيم المظاهرات والمسيرات في الشوارع العامة والساحات الكبيرة واقامة المهرجانات الخطابية والندوات الثقافية والمهرجانات الشعرية وفي كل مكان يمكن الوصول اليه وتعبئة الجماهير بهذا الاتجاه وصولا الى العصيانات المدنية بهدف واحد وحيد هو اسناد ودعم العمل المسلح. ترى هل سمعتم يوما ان قامت هذه القوى والاحزاب التي صدعت رؤوسنا حول المقاومة السياسية والاستشهاد بتجربة غاندي في الهند بمهمة واحدة من هذه المهمات؟ . ومن الطريف هنا ان غاندي وهو يمارس هذه الاشكال ضد الاحتلال البريطاني وصل بالمقاطعة الى حد ان احد انصاره عثر على رسالة لضابط بريطاني ، لكن غاندي رفض استلامها كي لا يلوث يده بدنس المحتل. ناهيك عن ان غاندي هو اول من ابتكر العمليات الاستشهادية حين كان يامر اتباعه بالقاء اجسادهم العارية فوق سكك الحديد لمنع وصول الامداد لقوات الاحتلال.

حين ركزنا على مقاطعة المحتل وتحريم التعامل معه ومع عملائه ، فانما قصدنا تطهير المقاومة السياسية الاصيلة من الشوائب التي لحقت بها ومن المفاهيم الغريبة التي اعتادت هذه القوى على ممارستها والاصرار على التمسك بها باسم المقاومة. الامر الذي جعل منها معسكرا مستقلا له اتباع ومريدين في الوسطين العراقي والعربي. ولازلنا بحاجة الى تفنيدها ، خاصة وان الصراع بلغ اشده بين المقاومة وقوات الاحتلال وان توسيع دور الامم المتحدة في العراق يدخل كعنصر جديد في هذا الصراع لصالح المحتل ، فليس غريبا ان نحسبه مؤامرة خطيرة ضد المقاومة العراقية مادامت مهام الامم المتحدة تتضمن اجراء مصالحة بين اطراف الحكومة وبين القوى المناهضة للاحتلال والتي لها استعداد للدخول فيها. وربما نشهد في المستقبل القريب مؤتمرا اخر شبيه بمؤتمر المصالحة الذي عقد في القاهرة في منتصف اكتوبر / تشرين الثاني 2005. او دخولها في مفاوضات مع المحتل فهي قد سبق لها وان قدمت مبادرات بهذا اشان.

ولكي لا نطيل سنسعى في هذا الحيز الضيق الى فك الاشتباك مع الصيغ المبتكرة والغريبة على مسامع المقاومين في جهات الارض الاربعة. فقد فسرت هذه القوى والاحزاب المقاومة السياسية بانها الدخول في العملية السياسية لتعديل الموازنة الطائفية داخل الحكومة والبرلمان لكي لا ينفرد الشيعة بالسلطة ، وهذا الفعل يعد ، الى جانب الاعتراف بالاحتلال وحكومته ، امرا خطيرا وخدمة جليلة للاحتلال. ففي الوقت الذي كرس فيه الحاكم المدني السابق بول بريمر بالقوة ، مبدا المحاصصة الطائفية ف في الدولة واجهزتها المختلفة وعجز عن توسيع اطاره ليشمل المجتمع ، فان الدعوة للاشتراك في الحكومة والبرلمان وفق هذا المعيار ، يحقق ما عجز بريمر عن تحقيقه سلميا وبايادي عراقية . كما فسرت المقاومة السياسية على انها مصالحة مع الحكومة وفق شروط معينة ، ونجد نموذجا عنه في البيان الذي اصدره المؤتمر التاسيسي الوطني في 7/5/200 الذي يضم هيئة علماء المسلمين والتيار الخالصي والتيار القومي والعديد من المنظمات والاحزاب الدخيلة. وجاء فيه " رفض الاحتلال الاجنبي للعراق والعمل على انهاءه بكل الوسائل الممكنة واعلان جدول زمني لانسحاب القوات الاجنبية من العراق وعلى الحكومة الحالية المطالبة بتحقيق هذا الهدف وهذا ما يعتبر الحد الادنى الذي يؤدي للمشاركة في وضع الدستور او الانتخابات القادمة او اي عملية سياسية." ترى ما المقصود بالوسائل الممكنة وكيف يمكن لحكومة عميلة ان تطلب من المحتل الرحيل وهي المتمسكة ببقائه لحاميتها من المقاومة الباسلة ؟ اما الشيخ حارث الضاري زعيم هذا المؤتمر ، فقد ذهب ابعد من ذلك واعلن بالصوت والصورة من على منبر هذا المؤتمر في جلسته الافتتاحية : "نحن نطالب الحكومة الحالية التي يدعي رموزها انهم اسلاميون بجدولة انسحاب قوات الاحتلال فاذا فعلوا ذلك فعندها سنذهب اليهم في مكاتبهم ونصافحهم."

ولكن ليس هذا كل شيء فهم يحصرون مهمة المقاومة السياسية في التعاون والتنسيق مع المنظمات العربية والدولية مثل الجامعة العربية ، او من خلال تحويل الملف العراقي الى الامم المتحدة ، لاعادة انتاج عملية سياسية تحت اشرافها ، وبذلك يبرأ هؤلاء جرائم هذه المنظمات ومساهماتها الفعالة في احتلال العراق وشرعنته ويتغاضون عن جهودها الحثيثة في تكريس الاحتلال وحماية مشروعه من السقوط . بل ان البعض منها يختزل العملية السياسية ، بتقديم مبادرات كاساس للتفاوض مع المحتل وتامين انسحاب يحفظ لامريكا ماء الوجه ، وفق جدول زمني قد يطول امده الى سنين طويلة او ربما عشرات السنين. ويتغاضون عن تاكيدات بوش على رفض الانسحاب مادام رئيسا للولايات المتحدة الامريكية ، ويتجاهلون بناء اكبر سفارة في العالم وسط المنطقة الخضراء وتشييد 14 قاعدة عسكرية عملاقة يربط بينها 145 موقع عسكري موزعة على مناطق شمال الوطن العزيز ومحافظة الانبار ومطار صدام الدولي والمناطق الجنوبية.

ان المقاومة السياسية براء من كل هذه التوجهات ، التي تعد بكل المقاييس السياسية البدائية، تشويه مغرض للمقاومة السياسية ، كون اصحابها قد تجاهلوا عمدا طبيعة الصراع واهدافه وابعاده وكيفية ادارته مع عدو يمتلك كل الامكانيات للوصول الى اهدافه ، ولجاوا لغاية في نفس يعقوب الى اعتبار ما يفعلون على انه يدخل في صميم المقاومة السياسية ، متناسين العقبات التي لازالت تعترض معركة التحرير التي تخوضها المقاومة الوطنية العراقية الباسلة ضد اعتى قوة امبريالية في العالم كونها معركة معقدة وصعبة وتحتاج الى مزيد من الجهد والتضحيات. والمصيبة ان مسيرة هذه القوى سواءا في المبادررات التي اطلقتها او دخولها في مؤتمرات مصالحة مع الحكومة اوتعاملها مع منظمات عربية ودولية كالجامعة العربية والامم المتحدة عبر ممثيلها الاخضر الابراهيمي وغسان سلامة وعقدها الندوات الموسعة لم تجن منها سوى الفشل.

حين اندلعت ثورة العشرين المجيدة في 30 حزيران عام 1920 ضد الاحتلال البريطاني ، كان شعار الشعب العراقي طيلة عمر الثورة التي استمرت حوالي الشهرين هو الطوب احسن لو مكواري. ولم يلجأ الشعب العراقي وقواه الوطنية الى المقاومة السياسية الا بعد انكسارالثورة عسكريا . وعلى الرغم من التاريخ المجيد لنضالات شعبنا لدحر الاحتلال البريطاني ، الا انه ظل جاثما على صدورنا اربعين عاما الى ان جاءت ثورة تموز المجيدة لتحرر العراق من رجس الاحتلال.

نحن اليوم امام ثورة العشرين بلباس جديد ومن نمط فريد ، ارادة فولاذية ، مقاومة مسلحة منظمة ومتصاعدة ، لن تنكسر ولن تتضعضع قواها او تتراجع عملياتها العسكرية ، بل على العكس من ذلك فهي تسير بخطى ثابتة على طريق التحرير، وهذا ما يدعونا الى التفائل على الدوام. وكل امنيات العراقيين هي ان تحقق المقاومة توقعات مجلس الاستخبارات القومي الامريكي ، عن قيام المقاومة العراقية بشن هجمات مؤثرة قبيل التقرير الذي سيقدمه الجنرال ديفيد بترايوس قائد القوات الأمريكية في العراق للكونغرس في منتصف الشهر القادم ، ووصفوها بانها ستكون على غرار “هجوم تيت” الذي قام به مقاتلو “فييتكونج” ضد القوات الأمريكية في فيتنام في ربيع 1968 والذي أسفر عن انتصار معنوي كبير ل “جبهة التحرير الوطنية الفيتنامية. واذا كان هذا المجلس يعتبر مثل هذا الهجوم المتوقع سيحقق انتصار معنوي فشعبنا العراقي يتطلع لان يحقق هجوم المقاومة القادم الانتصارالمؤزر ودحر الاحتلال.

 

 

 

 

شبكة المنصور

السبت / 25 / أب / 2007