بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

كذبة الانسحاب وخدعة المفاوضات

 

 

شبكة المنصور

عوني القلمجي

 

كثرت في الاونة الاخيرة الاحاديث عن المصالحة الوطنية وقرب انسحاب القوات المحتلة وعن اتصالات ومفاوضات تجري مع المقاومة او بعض من فصائلها بهذا الشان ، الامر الذي شجع القوى والاحزاب ، ذات المصالح الفئوية الضيقة والمحسوبة على معسكر المقاومة ، على تقدم الصفوف وابداء استعدادها للتفاوض واظهار كرمها الحاتمي بتامين انسحاب آمن لقوات الاحتلال!!! . وفي ظل هذه الاجواء ، ازداد عدد الاحزاب والتجمعات والشخصيات الانتهازية بمتوالية هندسية ، عساها ان تنال حصة من هذا المولد . وهذا المشهد الغريب يعيد للاذهان تكاثر الاحزاب ، في كل فترة تلوح فيها امكانية اسقاط النظام العراقي انذاك ، فارتفع عددها ، اثناء الحرب العراقية الايرانية ، من عشرة احزاب الى اكثر من سبعين حزبا ، ثم الى 160 حزبا بعد صدور قانون تحرير العراق في عهد الرئيس السابق بيل كلنتون عام 1998 ، ليبلغ رقما قياسيا بعد احتلال العراق بواقع 280 حزبا.

ولم تكتف هذه القوى والاحزاب ، بقضها وقضيضها ، في ترويج هذه المفردات ضمن حدودها، وانما اخذت تشيعها بين الناس وتظهر محاسنها وفوائدها بطرق ملتوية ، مستغلة في ذلك معاناة العراقيين الذين يبحثون عن اي سبيل ينهي الاحتلال ، باعتباره السبب الرئيسي فيما هم عليه. فليس غريبا ان يجري تضخيم الجدل الدائر داخل الادارة الامريكية حولها وعلى وجه التحديد في الكونغرس الامريكي ، حيث يقود الحزب الديمقراطي حملة ضد بوش من اجل وضع جدول زمني للانسحاب. هذه الافعال المشينة لا تفسر سوى انها تقديم خدمة مجانية للاحتلال ، خاصة اذا ادت الى عزوف العراقيين او قطاعات منهم عن الالتفاف حول المقاومة العراقية. وهذا بدوره ، قد يجبر المقاومة المسلحة او بعض فصائلها على الانزلاق في هذا المستنقع الاسن وهنا تكمن الخطورة.

وهذا يدعونا الى مزيد من النقاش لدحض هذه التوجهات الخطيرة وتفنيد كذبة الانسحاب ، سواء دفعة واحدة او على مراحل ، ثم كشف ما تنطوي عليه دعوات التفاوض من خداع وتضليل ، كمساهمة متواضعة لتحصين خط المقاومة والتمسك اكثر بثوابتها الوطنية وتعزيز مسيرتها القتالية والجهادية حتى اجبار قوات الاحتلال على الرحيل دون قيد او شرط واستعادة حرية العراق واستقلاله وسيادته الوطنية كاملة غير منقوصة.

ان ما يشاع عن انسحاب امريكي أو وضع جدول زمني له ، ليس سوى كذبة مفضوحة يراد منها توريط الاحزاب الوطنية المناهضة للاحتلال والدخول فيما يسمى بالعملية السياسية والاشتراك في الحكومة والبرلمان ، كخطوة تمهيدية لاقناع المقاومة العراقية بالتخلي عن سلاحها واعتماد طريق التفاوض مع المحتل. ليحقق بوش وادارته ، نجاحا محدودا واهمه تقليل الخسائر البشرية والمادية في صفوف قوات الاحتلال ، حيث باتت هذه الخسائر تعيد الى اذهان الشعب الامريكي شبح فيتنام المرعب. ولا تعوزنا الادلة لاثبات كذبة الانسحاب ، فيكفي العودة الى خطابات بوش وتاكيداته المستمرة على مواصلة العدوان وعلى زيادة عدد القوات وطلباته المتكررة باعتماد دعم مالي اضافي لقوات الاحتلال ، وكان اخرها الطلب الذي تقدم به للكونغرس قبل عدة ايام بتخصيص 50 مليار دولار. ناهيك عن ان الحزب الديمقراطي حين يطالب بالانسحاب ، فانه لا يعني سوى اعادة انتشار قوات الاحتلال وتموضعها خارج المدن الاكثر تماسا مع المقاومة العراقية ، وفي قواعد عسكرية امنة وابدالها بقوات الحكومة لتكون كبش الفداء ، والاكتفاء بتقديم الدعم الجوي والصاروخي لها ، على امل ان تتحول المعركة من معركة بين المقاومة وقوات الاحتلال الى معركة بين المقاومة وقوات الحكومة العميلة.

اما مايقال بصدد المفاوضات واستغلال هذا المبدا وفق مقولة كلمة حق يراد بها باطل ، فان الحديث عنها يتطلب شيء من التفصيل.. وفي هذا الصدد فانه ليس هناك سياسي ربع عاقل يرفض مبدأ التفاوض مع المحتل ، فالمفاوضات هي جزءا من الية الصراع الدائر على ارض العراق بين المقاومة والمحتل ، والمفاوضات بمفهومها العام والقبول بها في ظرفها المناسب ، ليس ابتكارا عراقيا او وليدة اليوم ، فكما يقول الدكتور الاستاذ ميلود المهذبي المتخصص بالعلاقات الدولية في اكثر من جامعة عربية ، ان البشرية عرفت عملية التفاوض بين طرفين او اكثر منذ قديم الزمان ، بقصد تحقيق الأهداف السياسية ، والمنافع الاقتصادية ، وأحياناً ، الغايات العقائدية ،. لكن المهذبي وقبله باكثر من قرن ، العالم بشؤون ومبادئ الحروب والصراعات المسلحة النمساوي كلاوز فيتز وغيرهما ، اكدوا بان من الخطا الجسيم ان تبدي المقاومة استعدادها للتفاوض في خضم الصراع ، لان ذلك يعد بمثابة رسالة توحي بنفاذ صبرها وعدم قدرتها على مواصلة القتال والجهاد ، الامر الذي يزيد من معنويات العدو ويدفع جنوده للقتال بحماس اكبر. ليس هذا فحسب وانما ستكون الاضرار اشمل ، اذا استخدم العدو طريق التفاوض لكسب الوقت واعادة ترتيب صفوف قواته العسكرية وحساباته السياسية والحصول على دعم اكبر لقواته ، حينئذ ستفقد المقاومة مكانتها وهيبتها بين الناس وربما يصعب عليها العودة للقتال جراء استرخاء مقاتيليها خاصة اذا طال امد المفاوضات.

لا نريد الدخول في عموم القوانين العامة التي تحكم المفاوضات والشروط الموضوعية والشكلية التي تحيط بها والالمام الكامل بموضع المتفاوض والدراية بالسوابق التاريخية والوقوف على ابعادها السياسية والقدرة على ادارتها من خلال اشخاص تميزوا بصفات وقدرات تفاوضية عالية بما يؤهلهم لفهم الطرف الآخر ودراسة واقعه السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والإلمام بمعتقداته وعاداته ، وتقاليده والخبرة بأساليب عمله ومعرفة ردود أفعاله وتصرفاته . كما لا نسعى الى التطرق للمسائل الاخرى التي تتطلبها طبيعة التفاوض ، ومنها التعمق في دراسة الآثار السياسية والقانونية ، والاقتصادية والاجتماعية لنتائج المفاوضات وتحليل ظروف المكان وأبعاد الزمان الذي تجري فيه المفاوضات ، وانما يكفي هنا التركيز على اهم هذه القوانين التي نحصرها في قانون موازين القوى العسكرية التي تحكم الاطراف المتفاوضة ، حيث كل طرف يستمد قوته من الجهة التي يستند اليها او يمثلها فالقوي ينتزع ما يريد من مكاسب والضعيف يقدم التنازلات دون مقابل يستحق الذكر.

وفق هذا المعيار نسال: ترى هل وصلت قوات الاحتلال الى حالة من الضعف اصبحت فيها مجبرة على اجراء مفاوضات مع المقاومة ، والانسحاب دون قيد او شرط ، والذي تعتبره المقاومة شرطا لا يقبل التنازل او المساومة؟

لا نجادل اطلاقا في مازق قوات الاحتلال في العراق ولا في حيرة الادارة الامريكية في ايجاد سبيل للخروج منه ولا في الضغوط المتزايدة التي يتعرض لها بوش من قبل خصومه الديمقراطيين ، بوضع جدول زمني لانسحاب القوات المحتلة من العراق ، ولا نجادل اخيرا بهزيمة قوات الاحتلال في نهاية المطاف طال الزمن او قصر مادام الشعب العراقي ومقاومته العملاقة ملتزمون بمهمة تحرير العراق مهما بلغت التضحيات ، وانما نجادل حول حقيقة هذا المازق ومخاطر تضخيمه في هذه المرحلة من الصراع والاستهانة بقدرات المحتل واستعداده للقتال للتجنب الهزيمة التي من شانها تحطيم مشروع الامبراطورية الكونية ، التي يسعى بوش ومن يخلفه لبناءها ليتسنى لها التحكم بالعالم وبمقدرات شعوبه. يضاف الى ذلك اصرار الصهيونية العالمية وكيانها في فلسطين المحتلة وكذلك المجمعات العسكرية والمالية في الولايات المتحدة والذين يتحكمون بقرار الادارة الامريكية على مواصلة احتلال العراق الى ملا نهاية.

اذا كان ذلك صحيحا وهو صحيح ، هل يحق للمقاومة العراقية او اي فصيل منها الدخول في مفاوضات مع المحتل في هذا الوقت بالذات؟ ام ان المطلوب تصعيد العمليات وتشديد الخناق لاجبار المحتل على الدخول في مفاوضات بشروط المقاومة وليس بشروطه؟ واذا كان هذا التقدير خاطئا وسلمنا بوجود نية عند بوش ، جراء الضغوط التي يتعرض لها ، سواءا من الحزب الديمقراطي او عدد من قادة حزبه او حتى لتحسين وضع حزبه بانتخابات الرئاسة المقبلة ، وفتح باب المفاوضات مع المقاومة على اساس وضع جدول محدد وواضح يتم بموجبه سحب القوات على دفعات ، ترى ما هي الفترة الزمنية التي تتطلبها سحب 160 الف جندي و150 الف مرتزق اضافة الى المعدات والاسلحة والعتاد وغيرها ؟ واذا جرى الاتفاق على كل هذه الامور ، ترى من هي الجهة الضامنة للاتفاق ولها القدرة على معاقبة امريكا اذا تخلت عن الاتفاق بعد شهر او شهرين ، واعادت الى العراق ما تم سحبه من قوات والتي ستكون قريبة حتما من الحدود العراقية في امارة الكويت مثلا؟ هل هي الامم المتحدة ام الجامعة العربية ام الاتحاد الاوربي او المؤتمر الاسلامي؟ ان جميع هذه المنظمات العربية والاسلامية والدولية لا هم لها سوى تقديم الخدمات الجليلة لمشروع الاحتلال وتكريسه.

ان ما تسعى اليه الادارة الامريكية وعلى راسها بوش عبر جهودها او عبر دول الجوار او من خلال دور الامم المتحدة الجديد او حتى التعاون مع الشيطان ، هو انهاء المقاومة العراقية باعتبارها العقبة الكاداء في طريق تحقيق الحلم الامريكي. وان ما يشاع حول نية الحزب الديمقراطي بسحب قوات الاحتلال من العراق ، ليست سوى اكاذيب الهدف منها الفوز في الانتخابات الرئاسية القادمة عبر مغازلة الشعب الامريكي الذي لم يعد يتحمل عودة ابنائه باكياس سوداء ولا بمقدوره تحمل نفقاتها الهائلة. يضاف الى ذلك فان كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي لن يقبلا بهزيمة امريكا وخروجها منكسرة وهي القوة الاعظم في العالم.

حين قررت الشعوب من قبلنا خوض معركة تحرير بلدانها من نير الاحتلال والتخلص من نتائجه الضارة ، وضعت في حسابها طول امد المعركة وحجم التضحيات الجسام التي ستقدمها واعتمدت الصبر والتحمل عنوانا لمعركتها والتزمت بثوابتها الوطنية وتمسكت بها ورفضت المساومة. فليس العيب ان يحتل العدو بلدنا ، وانما العيب ان يبقى فيه. وكمواطن عراقي اتمنى ان لاتقع المقاومة او اي طرف منها في فخاخ المحتل وان يكون شعارها في حال قبول المحتل مرغما على التفاوض : ارحلوا عن بلادنا ايها الغزاة. ولندع جميعا المساومين والمتخاذلين وشانهم ، فالانسحاب كذبة والمفاوضات خديعة والمصالحة مع العملاء اهانة.

 

 

 

 

شبكة المنصور

الجمعة / 31 / أب / 2007