بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

هذه مسودتي وشخابيط ضميري
وعليها أوقّع ...

 

 

شبكة المنصور

علي الصراف

 

قد لا يملك العُزّل إلا صوتهم، او صراخهم، او غضبهم على جريمة لا تني تكبر، وتكشف كل يوم عن وحشيات إضافية، وعن ضحايا جدد، وعن ضمير يموت بين الكثيرين ممن يتحلقون حول مرتكبيها. ولكن العُزّل لن يظلوا عزّلا الى الأبد. شرفهم هو الحائط الأخير. ومنه يعودون ليحملوا سلاح المقاومة. وهم يفعلون.

وأعداد الضحايا تخطت حواجز الأرقام، حاجزا بعد آخر، لتبلغ الملايين: مليون قتيل، خمسة ملايين مشرد، ثمانية ملايين جائع ومحروم (حسب اوكسفام)، واخيرا ما بين 375 الف ومليون مفقود (حسب الصليب الأحمر الدولي) وعشرات الآلاف من القتلى الذين يدفنون من دون ان تُعرف هوياتهم.

هذه هي "الجريمة المليونية" التي يرتكبها الغزاة وعملاؤهم في العراق. هذا ما يفعله الامريكيون والايرانيون، يدا بيد، وضحية بضحية. وهذا هو "الفراغ" الذي يملأونه بالجثث، ويريدون ان يملأونه بالمزيد. وهذه هي ديمقراطية البرابرة في جمهورية الطائفيين.

وها نحن هنا، لا نملك إلا الصراخ، والبكاء، والدفاع عن سلاح المقاومة.
مثقف اليوم لم يعد أعزل، ولا يجب ان يكون.
اذا كان يملك ضميره، فانه سيصرخ ويستصرخ.
وإذا كان يملك شرفه فانه سيتعهد به حفظا لحقوق الضحايا، ليس لليوم فحسب، بل وللغد ولما بعد الغد أيضا.
ليس للبيانات معنى، ولا للخطابات أثر، ولكن تعهد شرفاء من أبناء هذا الوطن الجريح قد يفتح أفقا للضحايا بان مأساتهم لن تكون حادثا عابرا في التاريخ، ولن تمر من دون عقاب، ولن تطوى من دون تعويض.
هنا الجريمة، وهنا مسودة عهد لمقاومتها حتى الرمق الأخير. أضعها بين يديّ كل حر ليفعل بها ما يراه، لينظر اليها كشخابيط، كتعبير عن حيرة تتحول الى مربعات وخطوط وشبابيك على الورق، ليعيد كتابتها، ليضع شروطا، ليضيف او يحذف، ليختار موقفا، او عملا واحدا يؤديه، وليسجل حوادثَ او اسماءً، او ليحولها الى ورقة من أوراق ذكرى ليوم غد سيأتي، او لتكون مخدة لراحة الضمير.

فيا أحرار، ويا حرائر،
ويا كل المظلومين والمحرومين،
بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وبمشاركة عملاء وأفّاكين ومأجورين، تعرض وطننا العراق، منذ عام 2003 وحتى يومنا هذا، الى واحدة من أبشع المآسي الإنسانية في التاريخ.
لقد خيضت الحرب ضد هذا الوطن بناء على مبالغات وأكاذيب، شاركت في صنعها وفي التغطية عليها هيئات دولية وبرلمانات وأجهزة مخابرات ومؤسسات إعلامية وأفراد وذلك بناء على أحقاد وكراهيات عنصرية، ولخدمة أطماع دنيئة، ولتمرير إستراتيجيات امبريالية منحطة.

والى حد بعيد، فقد كانت تلك الكراهيات والأطماع والاستراتيجيات تعبيرا عن نزوع فاشيستي في السياسات الدولية للدول الاستعمارية، توحدت فيه قوى "اليمين" و"اليسار" معا من اجل الحفاظ على مستوى الرخاء والرفاهية في تلك البلدان على حساب دماء ملايين الأبرياء من أبناء شعبنا.

فاشيست مثل "المحافظين الجدد" في الولايات المتحدة وقادة حزب العمال في بريطانيا، وانتهازيون دوليون آخرون، بالتحالف الوثيق مع الصهيونية العالمية، اتخذوا من مزاعم البحث عن أسلحة الدمار الشامل، ومن ثم مزاعم إقامة نظام ديمقراطي، وسيلة، اتسمت بكل نوع من أنواع الخسة والانحطاط الأخلاقي، لإقامة نظام عصابات ومليشيات طائفية ولصوص، لتمزيق وحدة العراق والتمهيد للاستيلاء على ثرواته والتحكم بمصيره وبمستقبل المنطقة بأسرها.

ولم تترك العصابات الطائفية التي استولت على حكم العراق تحت ظلال دبابات الاحتلال جريمة إلا وارتكبتها ضد ملايين الأبرياء. فمن القتل على الهوية، الى نصب الحواجز الكونكريتية (استلهاما للأساليب الصهيونية) بين الأحياء والمدن، الى الاعتقالات العشوائية، الى أعمال التعذيب والاغتصاب، فقد بلغ سجل الضحايا ما لا يقل عن مليون قتيل وخمسة ملايين مهجر، ومئات الآلاف من المعتقلين والمفقودين. وهذا سجل يؤكد ان ما لا يقل عن ثلث اجمالي الشعب العراقي قد تعرض، بصفة مباشرة، لأعمال الإبادة والتطهير العرقي. وهو امر لم يسبق حتى للنازيين الألمان أن فعلوه في أي بلد بمفرده تمكنوا من اجتياحه خلال الحرب العالمية الثانية.

ونحن نقول ان الفاشيست الجدد (الغزاة وحلفاءهم وعملاءهم والمتواطئين معهم) قد تجاوزوا في جرائمهم ضد الانسانية كل ما فعله رفاقهم القدامى، وإن أوان الحساب سيأتي ليلاحقهم بما ارتكبوه من أعمال وحشية وانتهاكات.

لقد اجرى الغزاة انتخابات مزيفة، في بلد ليس فيه قانون، من اجل ان ينصبوا سلسلة حكومات عميلة أثبتت كل واحدة منها، بالجرائم الكثيرة التي ارتكبتها، أنها أسوأ من حكومة الجنرال فيشي التي نصبها النازيون في فرنسا. وهناك الآلاف من الشواهد التي تدل على ان العصابات الحاكمة ومليشياتها ترتكب جرائم حرب ضد ملايين الأبرياء، وذلك تحت سمع وبصر قوات الاحتلال التي تعد، حسب القانون الدولي، مسؤولة عن كل ما يجري. بل أن هذه القوات تتستر على جرائم وانتهاكات عملائها لكي تجعل من الجرائم التي ترتكبها هي ضد المدنيين تبدو وكأنها شيء عادي من شوؤن عمليات يوم. وهي زعمت "تسليم السيادة" زورا، من دون ان تسلمها فعلا، فقط لكي تتحاشى المسؤولية القانونية عما ترتكبه من فظائع.

وبعد ان سطرت قوات الاحتلال لنفسها سجلا مخزيا من الانتهاكات ضد عشرات الآلاف من المعتقلين الذين مورست ضدهم أكثر الأعمال وحشية في التاريخ، فقد سمحت هذه القوات لحكومة العصابات الطائفية بمتابعة هذه الجرائم، حتى صار لديها سجون سرية ومعتقلات عشوائية تمارس فيها أعمال التعذيب والقتل والتمثيل بالجثث.
وحيثما تعمد الغزاة تدمير البنية التحتية لبلد كان مستقرا ومزدهرا، فقد استكمل اللصوص نهب ثروات البلد وحولوا الأموال الى الخارج لينعموا بها تاركين ملايين الضحايا (ممن بقوا على قيد الحياة) يعانون شتى المرارات والعذابات، من فقدان الأمن الى انهيار أنظمة الخدمات الحيوية. وعلى مدى عدة سنوات من الغزو وحكم العصابات الطائفية، فقد تداعى واحد من أفضل أنظمة التعليم في العالم النامي، وتحولت المستشفيات الى مراكز طائفية، يُقتل فيها المرضى إذا كانوا من طائفة أخرى. وإذ لم يبق من سبل العيش إلا الانتساب لإحدى المليشيات الطائفية، فقد اضطر عشرات الآلاف من الجياع والمحرومين الى البحث عن لقمة عيشهم باستمراء الأعمال الطائفية بل والانخراط فيها، لتتحول المأساة الى تراجيديا مروعة لم يسبق لشعب ان وقع ضحية لها من قبل.

وكل ذلك، لخدمة مشروع امبريالي منحط يقصد الاستيلاء على ثروة بلد وتحويله الى قاعدة من قواعد الهيمنة الدولية، ولو عبر تدمير مقومات حياة ومستقبل عشرات الملايين من أبنائه.
وليس هذا المشروع، بكل المنخرطين فيه، سوى تعبير عن وحشية كونية صارت تستخف بكل القيم والاعراف الإنسانية، وبكل قواعد القانون وأعراف العلاقات الدولية، وتمثل مستوى من الانحطاط الأخلاقي لم يسبق للتاريخ المعاصر ان عرف مثيلا له قط... سوى عبر نموذج الجرائم التي ارتكبها النازيون.

ولكن مثلما حوكم النازيون ولوحقوا حتى آخرهم،..
وحفاظا على القيم الانسانية النبيلة،..
ودفاعا عن حق كل العراقيين في العيش في دولة حرة مستقلة وموحدة وذات سيادة،..
ودفاعا عن حقهم في العيش بحرية وكرامة في ظل دولة قانون،..
ودفاعا عن حقوق كل الضحايا الذين تعرضوا للقتل او التعذيب او الاغتصاب او الاعتقال العشوائي او التهجير او العزل العنصري،..
ودفاعا عن ثروات العراق الوطنية، وعن حق كل مواطن فرد فيها بصفة متساوية،..
نعلن، أعلن، (ونسأل هيئاتنا الوطنية ان تعلن) عهد شرف وضمير، (للضحايا ولنفسي) على الآتي:

× لن نتعامل مع أي عميل عمل في ظل الاحتلال واستظل بظله واستنفع من وجوده. ولن نسمح لأي حكومة عراقية في المستقبل بان تعامله كانسان سوي، إلا إذا ثبتت براءته من إرتكاب جرائم ضد الشعب العراقي، وإلا إذا قدم تعويضا عما ما استنفع به، وإلا إذا قدم اعتذارا علنيا عن عمالته.

× نحرم الانتساب الى كل حزب او مليشيا او جماعة او عصابة طائفية او عرقية عملت في ظل ادارة الاحتلال.
× نطالب بتقديم كل المسؤولين عن هذه الاحزاب والجماعات والمليشيات والعصابات الى محاكمة عادلة لمعاقبتهم، وفقا لأرقى قيم العدالة والقانون، على ما ارتكبوه من جرائم بحق العراق والشعب العراقي.

× ندعو لانشاء محكمة دولية خاصة لمحاكمة المتهمين بجرائم الحرب التي ارتكبت في العراق على امتداد سنوات الغزو.

× نطالب بملاحقة جميع قادة الدول التي شاركت في غزو العراق، وأعضاء حكوماتها، وبرلماناتها، بتهمة ارتكاب جرائم حرب ضد الانسانية، او المشاركة فيها او التواطؤ معها.

× نطالب هذه الدول بتقديم تعويضات عن جميع الخسائر والآلام التي تعرض لها الشعب العراقي.

× لن نسمح لأي حكومة عراقية في المستقبل بأن تتعامل مع أي من هذه الدول او شركاتها قبل تقديم المتهمين بارتكاب جرائم حرب الى المحاكمة وقبل تقديم التعويضات وقبل تقديم الاعتذار لضحايا الحرب.

× لن نسمح لأي حكومة عراقية في المستقبل بان تتعاقد مع أي شركة (محلية او اجنبية) عملت مع الاحتلال واستفادت من عقوده.

× لن نسمح لأي حكومة عراقية في المستقبل، ولأي حزب او مجموعة سياسية او دينية بان تمارس أي أعمال عنف او انتقام ضد المدنيين.

× لن ندعم، ولن نشارك في أي حكومة لا تتعهد سلفا باحترام استقلالية القضاء وعدم التدخل في شؤونه، أو لا تتعهد باحترام حرية التعبير والرأي، واحترام الخصوصيات الدينية والقومية لكل الطوائف والأقليات العراقية، ومعاملة أفرادها كعراقيين متساويين من دون أدنى تمييز.

× لن ندعم، ولن نشارك في أي حكومة تمارس أي نوع من أعمال الاعتقالات العشوائية او التعذيب او الإكراه، او القسوة ضد مواطنين عراقيين.

× لن ندعم ولن نشارك في اي حكومة لا تقدم أدلة تثبت فيها احترام تعدديتنا السياسية والثقافية والاجتماعية وحقنا في الاختلاف.

وبالمعنى الفردي، فلسنا سوى بشر، لا حزبا سياسيا، ولا جبهة تخدم تحالفات فرعية، وليست لدينا نوايا للمشاركة في أي سلطة ولا خوض أي انتخابات ولا تولي أي مناصب، ولا تلقي أي أموال. نحن، فقط جبهة ضمائر. حلفنا هو حلف شرف. وتوقيعاتنا المكشوفة هي أفضل رقيب على اننا سنصون شرف كلمتنا فيه.

ونسأل هيئاتنا الوطنية؛ فصائل المقاومة؛ احزابنا الحرة؛ جمعياتنا وروابطنا؛ ومناضلينا الشرفاء؛ رموزنا وقادتنا ومثقفينا، على العمل من اجل تكليف هيئة عامة، تتولى القيام بما يلي:

× المشاركة في إعداد أرشيف وطني لكل الجرائم التي ارتكبت في ظل الاحتلال وفي ظل حكومات مليشياته وعصاباته الطائفية، وتشخيص المتورطين فيها.

× إعداد قائمة باسماء وعناوين احزاب وجماعات ومليشيات الاحتلال وحكومته، وكذلك أسماء وعناوين قادتها وأتباعهم وكل عملاء الاحتلال الآخرين والمتهمين المحتملين بارتكاب جرائم حرب، وذلك لتقديمها الى القضاء سعيا لملاحقتهم قانونيا جراء ما إقترفوه من جرائم وانتهاكات.

× إعداد لائحة اتهام ضد مجرمي الحرب الدوليين الذين دبروا جريمة الغزو والذين تواطأوا معها والذين صوتوا لصالح شن الحرب ضد العراق ودافعوا عن الجرائم التي ارتكبت خلال سنوات الغزو، وذلك لتقديمها الى محكمة دولية يتم انشاؤها لهذا بغرض محاكمتهم.

× إعداد قائمة سوداء بأسماء الشركات التي تواطأت مع الاحتلال واستفادت من مشروعاته، بهدف مقاطعتها وحرمانها من العمل في العراق لمدة تحددها حكومة وبرلمان ما بعد التحرير.

× انشاء موقع على شبكة الانترنت يكشف عن جميع سجلات الجريمة وأسماء مرتكبيها، وأية حقائق تتاح عنها وعنهم، لنلاحقهم بها الى أبد الآبدين.

نحن- أنا، نعرف- أعرف، اننا بهذا العمل نناهض قوة شر وحشية تمتلك قدرات هائلة على سحق معارضيها، بل وقتلهم والتمثيل بجثثهم أيضا. ولكن إذا كانت إرادة الحرية هي الصخرة التي تحطمت فوقها كل قوى الشر من قبل، فستتحطم هذه القوة أيضا على صخرة أحرار لا يسألون لأنفسهم إلا شرف الوقوف الى جانب الأبرياء، إلا شرف الوقوف الى جانب قيم الخير والعدالة والحرية، وإلا شرف العيش بنزاهة اليد، وإلا شرف الزهد بالسلطة والمال والنفوذ، وإلا شرف الشهادة، وإلا شرف الموت مرتاحي الضمير.

الجريمة لن تمر، لن تمر. والعقاب سيأتي، سيأتي. وهذا عهد شرف لكل ذي ضمير حي.
وقد يكتب كل منا مسودته وبيانه.
وعلى الأقل،..
فهذه مسودتي وشخابيط ضميري. وعليها أوقّع.


alialsarraf@hotmail.com

 

 

 

 

شبكة المنصور

السبت / 01 / أيلول / 2007