بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

تعالوا الى كلمة سواء بيننا ، حرام عليكم ألا تفعلوا

 

 

شبكة المنصور

علي الصراف

 

لأسباب لا أعرفها، وليس من المهم أن يعرفها أحد، فقد فشل المسعى لعقد مؤتمر تتشكل بموجبه "الجبهة القومية والاسلامية". ولئن كانت هناك "جبهة الإصلاح والجهاد" التي تضم ثلاثة من اكبر فصائل المقاومة الإسلامية في العراق، فقد كان من شأن "الجبهة القومية والإسلامية" العتيدة ان تضم بين جنباتها حشدا من فصائل "التيار الآخر" (الذي يمثل احزابا ومجموعات فيها من "العلماني" ما فيها من "الاسلامي")، فتكون لنا جبهتان، تضم ثلاثة أرباع جهد المقاومة، فلا يعود صعبا ان يتخاطبا، وأن ينسقا، وأن (إذا جازت أحلام اليقظة) يتوحدا.
ولكن نصف الحلم وقع.
على صخرة "الخلافات" وقع.
والخلافات صغائر. بعضها أقاويل، وبعضها شكوك، وبعضها اتهامات، ولكنها صغائر لأناس نخشى ان تكون صغائر بعضهم كبائر، وكبائرنا، فيهم، صغائر.
وإذ نأتي من طرف الجهل بالكبائر والصغائر في آن معا، فلعل من حق الساذج والجاهل من أمثالنا، أن يتساءل، إن كانت هناك، امام المذبحة التي يتعرض لها هذا الوطن، أية "كبائر" أكبر من كبائر الاحتلال وجرائم عملائه؟
فعلام أختلفنا؟

أعلى إمتيازات ومناصب، في بلد يئن وينزف ويُنحر؟
أعلى مواقع، في وطن لا يعرض أكثر من القبور مواقع؟
أعلى أدوار وتفاصيل، أزاء شعب يُقتل كل يوم في مستقبله وفي كل ما يفترض انه ينطوي على قيمة استراتيجية؟
أم على "قيادة" ومنافع، بينما الإحتلال يعيد رسم الخرائط والحواجز وإتجاهات المذابح؟
فعلى أي شيء اختلفتم؟ إن لم يكن على الحياء إزاء هذا الواقع؟
فمنكم من يستحي، ربما، ومنكم من يراهن على شيء غير الشهادة من اجل هذا البلد. ولكن أبهذا الموت تكون لنا، أو لبعضنا، جرأة على وضع شروط وتشخيص مطالب.

من كان مطلبه غير العراق، فانه لا يسأل إلا عن بخس المطالب. الذين يسألون عن حصتهم في العراق، قبل ان يعود العراق حراً، لا يفعلون سوى ان يكرروا وجه العمالة الذي يطل على شعبهم كل يوم بالمليشيات الطائفية وبفرق الموت وبدبابات الاحتلال.

عراق العملاء هو عراق الحصص والصغائر. وعراقنا هو عراق التضحيات والإيثار. ذلك هو الفارق الوحيد الذي يعطي لمهرجان الدم هذا مبرره. ولنا في ذلك ما لا يقل عن مليون دليل- شهيد. ولسوف يكون جريئا على الشهداء من يحرص على صغائره، بينما الملايين من أبناء شعبه يموتون من القهر، ويموتون من التشرد، ويموتون من عسف الاحتلال.

ولا أدري إن كان لنا أن نخجل من أنفسنا او من بعضكم، عندما تمنحون خلافاتكم من القيمة ما يكفي لإتاحة المزيد من الوقت للاحتلال.

ولكن ربما كان يجب ان نخجل، عندما تكون التفاصيل هي شاغلكم، لا عراق الموت الذي من اجله تقاتلون وتجتمعون.

لا أحد يجرؤ أن يبخس حق أي منكم، فكل أولئك الذين رفعوا سلاحا بوجه الإحتلال مقدسون. وكلهم أبطال. وكلهم يستحق ان يكون له في الصدارة موقع. ولكن، إذا كان الاحتلال هو القضية رقم واحد، فإن التحرر منه ومن عملائه هو ما يجب ان يكون القضية رقم واحد بالنسبة للمقاومين، وكل الباقي تفاصيل وثانويات وصغائر.

وكنا لا نريد سوى أسس ومعايير وقيم.
قبل كل خلاف، كان يجب ان توضع هذه أولا. وان يجري التداول بشأنها أولا. فتكون ميثاقا، وتكون دستور شرف.

من هناك كان يجب ان تكون البداية. من القول: أي عراق نريد. وأية معايير شرف سنلتزم فيما بيننا. وكيف نتوثق من حمايتها؟

وبعدها تأتي التفاصيل، لا العكس.
والعراقيون (لمن يعرفهم) لا يختلفون على قيم. وإذا بدأوا بها، انتهوا إخوةً ما بعدهم إخوة.
ولأنهم بشر (ولو ليس كغيرهم) فانهم يختلفون، ولكنهم إذا بدأوا بالاختلاف تنازعوا، وإذا تنازعوا تناحروا، وقد يسفك دم بعضهم بعضا، هم أنفسهم الذين، لو اتخذت الأشياء مجراها الصحيح، لكانوا وقعوا في أحضان بعضهم البعض.

من هذه الطينة العصيبة نحن. نحب بعنف. ونتنازع بعنف. ومن أقصى الأشياء نأتي. والى أقصاها نذهب... الى "اللوْحة" (مصطبة الميت)، وعليها نقف.

والى "اللوحة" يذهب شهداؤنا. لأن القيم التي تغمر ضمائرهم تعميهم عن رؤية أي شئء دونها، فيذهبون سعداء بما يجنونه من شرف رفيع، ويذهبون كملائكة. والى "اللوحة" يذهب العراق كل يوم. ومن اجل هذا يحارب حتى الأطفال، وفيهم من الغيرة ما يجعل كل شيء آخر بخسا. كل شيء. حتى الموت نفسه. حتى "اللوْحة".
الامريكيون لم يعرفوا أي جحيم دخلوا، لأنهم لم يعرفوا هذا الوجه من طبيعة العراقيين. ربما لأنهم أوباش، وربما لأنهم يؤمنون بالقوة، وربما لأنهم متغطرسون، ولكن بالتأكيد لأنهم حمير.

(وكم سيكون من اللطيف ان يقول رئيس ما بعد التحرير في أول خطبة له أمام الكونغرس: أيها السادة، لقد جئتم لإحتلال بلد وانتم لا تعرفون طباع أهله. سقطتم في التضارب بين طيبتهم وعنفهم، مثلما سقطتم في التضارب بين أفعالكم وأقوالكم. أيها السادة، الله ونحن فقط، نعلم كم انتم حمير. وإذ نشكر شهداءنا على الحرية، فنشكركم انتم أيضا، لأنكم كنتم، على الضفة الأخرى، مجرد حمير).

نقول هذا، ونحن نعرف انهم لم يعودوا قادرين على الاستفادة من الدرس. فقد فات الأوان. وبالجرائم التي يرتكبونها كل يوم، لم يعد أمامهم من "مخرج" سوى مواصلة الجرائم. فقد تزحلقوا بالدم الذي سفحوه، ولم يعد لهم منفذ سوى مجرى الدم نفسه. ومنه سيذهبون الى مزبلة التاريخ. الى آخر ما يمكن ان يتصوره المرء من انحطاط القوة وتراجع الثروة وانهيار النفوذ.

وفي العراق، فان الذين يتزحلقون بالدم... يتزحلقون.
ولكن أترانا لا نعرف أنفسنا نحن أيضا؟
هل يجوز ألا نفهم من نحن، لكي ندخل (تحالفا) من المدخل الغلط، ونبدأ من الشأن الغلط و"القضية" الغلط والتفاصيل الغلط؟

وهل كان من العبقرية أن يعرف المرء ان مداخل كهذه لا توصل الى شيء، وبدلا من أن تقارب المتباعدين فانها تباعدهم، وتضع جدارا بينهم، بل وقد يكون دماً أيضا.
قيم الشراكة، كان يجب ان توضع قبل الخوض في تفاصيل المنافع و"المواقف" والمواقع.
إذا كان من الضروري ان يكون هناك مسبقٌ، فالعراق هو المسبق. هو الأصل. هو القضية. وكل ما عداه بخس وهزيل وعابر.

هل كان يصعب أن تقولوا، نحن من أجل هذا البلد نموت، لا من اجل موقع ودور ومنصب؟
هل كان يصعب ان تقولوا، ان الموت الذي انتهينا إليه لم يعد يُبقي لكل خلاف قيمة.
ونحن لسنا تجار موت لكي نجعل من موت هذا البلد ما يبرر أي خلاف حول تفاصيل و"قضايا" و"كبائر".
هل كان يصعب أن تقولوا انه، ما بعد الموت شيء يستحق التنازع حوله، وان خط الشهادة الذي عبرناه، صعودا، يكفي شرفا ومنزلة، فتنعمي أبصارنا عن كل ما دون ذلك الخط، نزولا.
تواضع الأحرار كان ينبغي ان يكون تواضعكم، حيال كل الذين يضحون بحياتهم من اجل العراق.
وأمام الشهداء، فكل تفصيل يصغر ويتواضع.

وقد لا يعلم المرء متى، بين أطراف المناضلين من اجل الحرية والسيادة والاستقلال، يكون العمل الملموس، من أجل الحرية والسيادة والاستقلال، هو "الخطة" التي تنحني على خرائطها الرؤوس. قبل أي شيء آخر.
ولكن هذا ما كان يجب أن يكون. لا يهم من تكون أنت، كما لا يهم من أكون أنا... ما يهم هو ماذا يكون بوسعنا ان نفعل. ونذهب لفعله فعلا؟

هذه هي "الاستراتيجية" الوحيدة الصالحة لكل تحالف بين أطراف مقاتلين.
ولم يكن من الصعب ان تكون تلك الرؤوس المنحنيات مجلس أخوة متساوين، طالما انهم متساوون بالفعل أمام الموت.

إذا كان التحرير هو القضية. فخطط العمل من اجل التحرير يجب ان تكون هي الموضوع: السيطرة على هذا الموقع او ذاك، ضرب هذه القوة او تلك، احتلال هذا المكان او ذاك. نقل السلاح الى هذا الرفيق. شراؤه من ذاك.
هكذا يكون التحالف بين مقاتلين. لا هراء "التحليل" لهذا الموقف من الامبريالية او ذاك.
المقاومة المجيدة تمْجُد بما يجعل كل عمل من أعمالها قصة وأسطورة ومبعث فخر ومصنع رموز. وهكذا تصغر دونها التفاصيل.

نريد لهذه المقاومة، ان تكون هي الأخرى، ملهما لروايات وأفلام ولوحات وقصائد.
وهذا هو "الموقع" الذي لا موقع أعلى منه.
في موقع كهذا، لم يكن الجنرال "جياب"، لينقص شعره عن هوشي منه. ومن أجله ترك جيفارا الحكومة ليعود الى الأدغال فصار رمزا يبدو اليوم أكبر من "الرئيس" كاسترو نفسه.
فالمقاومة، فوق كل الدم والآلام، رومانسيات أيضا.
وللأمانة، فهذا ما.....
وإذ لا سبيل للاستغناء عن أي جهد، فكل جهد في هذه المعركة مطلوب، وكله ثمين.
وقد يختلف المختلفون على كل شيء، إلا ان العمل من اجل التحرير ليس مما يمكن أن يُختلف عليه. ومن شاء ان يأخذ حصة أكبر منه فليأخذها. ذلك هو التحدي النضالي الوحيد الجدير بالاعتبار. ولعل من حق كل واحد منا ان يقول "أبو كروة يبين بالعبرة". و"الرّجّال، اللي يعبّي بالسكّلة ركي". (فالنتائج هي كل ما يهم).
والعمل ليس كمثل "الحكي" عنه.
فعلام إختلفتم؟
أعلى العمل، أم على الحكي عنه؟
وعلام إختلفتم؟
أعلى العراق، أم على منافع ومواقع فيه؟
وعلام إختلفتم؟
أعلى الدم المسفوح، أم على "مواقف" و"قضايا" لا تمت بصلة الى الجرح الذي نحن فيه؟
الذين يحاربون من اجل العراق، إذ يطلبون الشهادة، لن يسألوا عن الكثير.
فتعالوا الى كلمة سواء بيننا، وضعوا العراق فوق كل ما تختلفون عليه.
حرامٌ عليكم ألا تفعلوا.

alialsarraf@hotmail.com

 

 

 

 

شبكة المنصور

السبت / 28 / تمــوز / 2007