بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

أزمات العرب بين إستسلامية سليم الحص وإنبطاحية د. فيصل القاسم

 
شبكة المنصور
دجلة وحيد
 

 إطلعت اليوم على مقالين مختلفين غريبي المحتوى يصبان في مجرى واحد أدعوه التقية السياسية والديالكتيك الخرق الذي يدعوا وبصورة مبطنة الى الإستسلام لواقع  مفترض لم يحقق أغراضه  لحد الأن وتعريفات طوباوية لواقع متهرء مرتبك ومشوه ناتج عن جهل فكري وعقائدي. كلا المقالين منشورين في موقع الكادر.  

سليم الحص في مقاله الوصفي المنشور تحت عنوان "نجحت أمريكا في العراق!" يروج لفكرة إنهزامية محتواها يعني أن أمريكا نجحت في تحقيق إستراتيجياتها المشتركة مع إسرائيل في منطقتنا العربية بغض النظر عن حجم الدمار الهائل الذي يعاني منه العراق المغتصب أو الأحداث التي تمر بها الساحتين الفلسطينية واللبنانية من خلال وصفه عدديا لواقع معقد ومتداخل سياسيا وعسكريا وإقتصاديا رغم أن الأحداث تسير على نحو عكس ما يدعو أو يروم إليه. إكتشاف سليم الحص الجديد لنجاح أمريكا وإسرائيل في خططهما الإستراتيجية بني على، أولا، أن العراق كان في الماضي يكون قوة عربية خلفية ضاربة تهدد أمن إسرائيل والأن بعد إحتلاله تشرذم فئويا وتبخرت قوته وحلت إيران محله كقوة مضادة لأمن إسرئيل في المنطقة. ثانيا، خلق وفرض واقع ومفهوم جديد سمي بالفوضى البناءة أو الخلاقة التي تؤدي في النهاية الى تفتيت وإضعاف دول ومجتمعات المنطقة عدا المجتمع الصهيوني في فلسطين المحتلة الذي في آخر المطاف سيفرض هيمنته على شعوب المنطقة العربية ومواردها النفطية والمالية والإقتصادية بصورة خاصة و"الشرق الأوسط الجديد" بصورة عامة.  

تحليل سليم الحص الوصفي إفتقر الى سرد وذكر الحقائق التي يمر بها الإحتلال الصهيوأمريكي الفارسي للعراق حيث أن القاصي والداني وحتى صقور البيت الأبيض والكونجرس الأمريكي الصهاينة أخذوا يعترفون بفشل وهزيمة الإحتلال ويطالبون الأن إدارة المجرم بوش برسم خطط إنسحاب القوات الأمريكية من المستنقع العراقي قبل فوات الأوان وخير دليل على ذلك ما جاء في إفتتاحية نيويورك تايمز قبل يومين "ذة رود هوم/ طريق الإنسحاب الى الوطن" والتي فيها يدعوا المحرر أيضا وبصورة واضحة ومفضوحة الى سحب قوات الإحتلال بأسرع وقت ممكن. الشيئ الآخر الذي إفتقر في مقال سليم الحص عمدا أم سهوا هو غياب وصفه للتدخل الإيراني السافر في العراق رغم إعتراف حاخامات قم وطهران بتحالفهم مع أمريكا في عملية إحتلال وتدمير العراق. الشيئ الثالث الذي تجنب سليم الحص ذكره في مقاله هو تعاظم قوة المقاومة المسلحة العراقية الباسلة التي هزمت أقوى وأعتى وأشرس قوة طاغية في التاريخ البشري في أرض عراقنا الحبيب.  

العراق والمقاومة العراقية المسلحة الباسلة التي أفشلت المشروع الصهيوأمريكي الكوني مازالت في حرب ضروس مستمرة مع القوات المعتدية المحتلة وأن هدم المدن ونشر الإرهاب والنهب والسلب والبطش والإجرام بحق  المدنيين الأبرياء تقع ضمن خطط الإحتلال الإرهابي وعملائه المجرمين وهذا لا يعني أن أمريكا وإسرائيل نجحتا في تحقيق خططهما الإستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط، على العكس أنهما هزمتا وفشلتا في تحقيق مآربهما رغم البطش والإرهاب الصهيوأمريكي الفارسي الصفوي وأن فجر التحرير والإنعتاق وبزوع أشعة شمس الحرية على ربوع أرض الرافدين ليس بعيد المنال مادام هناك قوى حرة وشريفة في العراق تقارع الإحتلال وعملائه من عراقيين ومستعرقيين ومرتزقة أجانب. نتفق تمهيديا مع سليم الحص في نقطة واحدة فقط ذكرت في مقاله مع بعض التحفظ ألا وهي "إحياء الوحدة الوطنية في الأقطار العربية الثلاثة (العراق ولبنان وفلسطين) وبعث مشروع إقامة إتحاد عربي على غرار الإتحاد الأوربي ولو كره الحكام العرب". تحفطنا هو أننا ننتمي الى أمة عربية واحدة ووطن عربي واحد مجزء رغم أنفنا، ولسنا أمم وأقوام مختلفة التواريخ ومتعددة اللغات والأثنيات والأديان والجغرافية. لذا نؤمن بالوحدة الإندماجية على خطوات بعد تكييف وتأهيل إقتصاديات الوطن العربي وتوحيد قوانين وسياسات الأقطار العربية الداخلية والخارجية وبناء جيش عربي واحد وحكومة عربية واحدة وبرلمان عربي واحد ومحاسبة الحكام الخونة وتسريح جامعة الأحذية والدعارة العربية ومحاسبة رئيسها المتسول عمرو موسى على خيانته العظمى لأمانة منصبه والخنوع لإملاءات أعداء الأمة العربية المجيدة.  

الدكتور فيصل القاسم من ناحية أخرى أفسد بقصد ملوث وتهريجي تعريف الوطنية في مقاله المنشور تحت عنوان "الوطنية العربية الساقطة!" وأفرغها من محتواها الأصيل وجعلها عاهرة تباع وتشترى كما يراد وكما يروج لها ضمن فكره العلماني المسطح الجديد العاشق لفكر التقية الصفوية والمعجب بها الى حد النخاع. بدا فيصل القاسم مقاله بسؤال "لماذا اصبحت كلمة وطني أو وطنية مفردة مقيتة وأحيانا بذيئة في الغرب" دون تعريف مفهوم الوطنية ضمن الفكر والمنطق العلمي للعقلية الغربية وتجاربها السياسية التاريخية السابقة خصوصا بعدما سيطر الحزب النازي على الحكم في ألمانيا والفاشست في كل من أيطاليا وإسبانيا والبرتغال. هذا السؤال سؤال طوباوي ليست له حقيقة واقعية دون الرجوع الى فهم الوطنية ومضمونها في الفكر والشعور الإنساني لدى المواطن الغربي. المواطن الغربي لم يفتقد حبه وشعوره الإنساني لوطنه كمجتمع وتربة والدفاع عنهما وحمايتهما من الهجوم الخارجي أو التفسخ الداخلي ولا يبخل وسعا في تطوير ذلك الشعور والإنتماء من خلال العمل على تطويره علميا وصناعيا وإقتصاديا وصحيا ........الخ. فيصل القاسم يتطرق لمفهوم الوطنية السياسية وليس وطنية الإنتماء في مجتمعاتنا العربية وبهذا يقع في خطأ الفهم والمفهوم والمقارنة بين مفهوم الوطنية في المجتمع الغربي ومجتمعاتنا العربية. الوطنية والإنتماء لها يتشرف بها المواطن الغربي كما يتشرف بها المواطن العربي الأصيل المحب لشعبه ولتربة وطنه بغض النظر عن الإنتماءات السياسية والدينية والإتجاهات الفكرية. الوطنية ليست شعارات جوفاء ولم تحول الى شعارات جوفاء في المجتمعات الغربية أو المجتمعات العربية كما يدعي فيصل القاسم لأنها تقصد الإنتماء الى أرض وكنية إجتماعية إنسانية وليست الميول السياسية في كلا الحالتين. فيصل القاسم من خلال مقاله المسموم وكلمة الوطنية التي يحاول أن يزيفها عمدا وبقصد غير محدود من خلال عكس سلوكية وتصرفات الأنظمة العربية القمعية  أن يروج لفكرة الإنسلاخ عن إنتمائنا القومي كعرب والخنوع لما تمليه علينا العولمة الصهيوماسونية العالمية. سلوكية الحاكم القمعي أو الحكومات القمعية العميلة لا تجرد الإنسان العربي من وطنيته كعربي ينتمي الى مجتمع عربي وأرض عربية كما بالمقارنة أن سلوكية الأب القاسي في عائلة اصيلة لا تجرد الأبناء من الإنتماء الى العائلة التي كونها ذلك الأب القاسي المتسلط على رقاب ابناءه وزوجته. سلوكية الحاكم القمعي أو الحكومات القمعية لا تدعوا المواطنين في الجوهر الى خيانة الوطن والإنتماء الوطني ولا تشجع على التعاون مع أعداء الوطن على تدمير الوطن، كما لا تدعوا سلوكية الأب القاسي أبناءه أو زوجته الى الخيانة والتأمر عليه. لكن وحسب المنطق العلمي لكل قاعدة شواذ والشواذ في الوطن هم الخونة والعملاء المتاجرين بأرواح شعبهم الذين يفتقدون الكرامة والشعور الإنساني للولاء والإنتماء، وهؤلاء الشواذ اقلية ومن الخطورة بمكان تعميم هذه الحالة الشاذة على مجمل مكونات المجتمع. فساد النظام السياسي وفساد الموظفين في الدوائر الحكومية لا يجرد الإنسان من إنتمائه الوطني ولا يجعل الوطنية والإنتماء إليها شيئ مسخ يجب نبذه والإبتعاد عنه.

بعد معانات طويلة وشرح مؤرق ومتخبط ما بين الحقيقة والخيال يسترجع فيصل القاسم وعيه ويستدرك سائلا "وإذا كان الثلم الأعوج دائما من الثور الكبير، فكيف للإنسان العادي أن يدافع عن وطن ليس له فيه ناقة ولا جمل؟ كيف يحب الوطن بعدما أصبح فيه صفرا على الشمال؟" وهنا يفضل فيصل القاسم خيانة الوطن بدلا من محاولة تصحيح أخطاء السياسة والفساد الإداري والإجتماعي. فيصل القاسم يوقع نفسه في مطب أخر حينما يصف الوطنية بمكتسب دون تعريف ذلك المكتسب حينما يقول "الوطنية، ياجماعة الخير، ليست فكرة رومانسية مجردة بل هي حقوق ومكتسبات"  ولا نعرف هل هو مكتسب تجاري أم وراثي أم ظاهرة ناتجة عن سلوكية محيط وبيئة معينة. فيصل القاسم يتهجم على الحكام العرب وحكوماتهم الديكتاتورية وهذا لا ضير فيه ولكنه يرجع ويوقع نفسه في فخ سياسي أخر حينما يقول "لم نعد بحاجة لما يسمى بالحاكم الوطني الذي يزعم أنه يقطر مشاعر وطنية ويهيج الجماهير بشعاراته الجياشة، ويدعي أنه حريص على الوطن والمواطنين ومصالحهم، خاصة بعد أن عاث هذا الحاكم فسادا وخرابا ودمارا في الكثير من الدول" دون أن تكون له الشجاعة الأدبية والسياسية والأخلاقية لتعيين ذلك الحاكم وتسميته بإسمه دون اللجوء الى الإيماء والإشارات والتأشيرات الغير موضوعية. نريد أن نعرف من هو ذلك الحاكم الذي يقصده فيصل القاسم ومن أين اتى ومن أي النسيب وأي الفصيل وفي أي دولة عربية حكم ويحكم وما هو طبيعة حكمه الديكتاتوري وكيف قاس وقيم فيصل القاسم مقدار وطنية ذلك الحاكم وتطلعاته الحينية والمستقبلية.  

فيصل القاسم فقد توازنه الفكري ودخل في هوس تحريف التعريفات والمعرفات المعروفة حينما حرف جوهر الوطنية ومعناها الإنساني والإنتمائي الى فكرة ونظام سياسي سماه الديموقراطية أو رديف لها حينما قال "لم يعد ممكناً أن تحكم المجتمعات على أساس المشاعر الوطنية، فقد تغير الزمان، وتغير معه تعريف الوطنية، فالوطنية الحقيقية لا تعني فقط أن تحب الوطن إلى أقصى حد، وتنظم الشعر في تمجيده، بل غدت الوطنية الصحيحة صنواً للديموقراطية. لقد أصبحت الديموقراطية في هذا العصر هي قمة الوطنية، لا بل مرادفاً لها. فما الفائدة أن تصدّع رؤوسنا بالتفاخر بحب الوطن، وتدّعي الوطنية، ومن ثم تقمع الشعوب وتحاربها بلقمة عيشها، وتشردها في المنافي، وتدوس كرامتها ليل نهار، وتبدد ثروات الأمة، وتقوم بعملية خصخصة لموارد الوطن لصالح الطبقة الحاكمة، ثم تتشدق في نهاية النهار بأنك وطني؟"  

في الحقيقة لم نسمع في يوم من الأيام من داخل المجتمعات الغربية الديموقراطية وخارجها أن الديموقراطية كفكر ونظام أصبحت تعوض عن معنى الإنتماء الوطني وحب الوطن أرضا وشعبا والدفاع عنهما. هذه الأفكار المنحرفة لم يطرحها حتى المجرم بوش الذي يترأس عصابة نشر ما يسمى "بالديموقرطية" الصهيونية بواسطة القتل  والإرهاب والإحتلالات العسكرية بل أنها اصبحت جزء لا يتجزء من الفكر العولمي الصهيوماسوني المسطح الذي يهدف من خلال هذه التعريفات المنحرفة الى تمزيق الشعوب والمجتمعات ومن ثم إحتوائها وضمها ومحو هويتها وإستغلال مواردها الطبيعية. 

فيصل القاسم يصف جورا وبشكل خاطئ الشعور الوطني لدى المواطن العربي على أنه غدا شعورا رخيصا ورديئ النوعية ولكنه نسى أن ما يكتبه هو يمثل إنعكاس مباشر لما يشعره هو وليس غيره من مواطني الوطن العربي الكبير إن كان هو عربي قح.

للإطلاع على إفتتاحية صحيفة النيويورك تايمز ومقالي سليم الحص وفيصل القاسم أرجوا الرجوع الى الروابط التالية: 

رابط إفتتاحية النيويورك تايمز: 

http://www.informationclearinghouse.info/article17987.htm 

رابط مقال سليم الحص: 

http://www.alkader.net/juli/elhassalem_070710.htm 

رابط مقال فيصل القاسم:

http://www.alkader.net/juli/feselelqassem_070708.htm 

 
 
 
شـبكـة الـمنصـور
الاربعــاء / 11 / تمـــوز / 2007