بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

المشهد الفلسطيني: الازدواجيٌة تتعمٌق و "رؤية" بوش تسقُط ، واضاءات أخرى

 
شبكة المنصور
نقولا ناصر / كاتب عربي من فلسطين
 

يبدو أخيرا أن الحصار الخانق المفروض على الشعب الفلسطيني سياسيا واقتصاديا ، تحت الاحتلال وخارجه ، على وشك أن ينجح في تحقيق أهدافه حيث بدأ قادة البرنامجين السياسيٌين المتصارعين يهربون إلى الأمام لحسم التناقض بينهما في محاولات "عسكريٌة" محكوم عليها بالفشل لاستئصال أحدهما الآخر ، "لاحسين" كل ما سبق لهم التعهٌد به لشعبهم بعدم تجاوز "الخط الأحمر" لحرمة الدم الفلسطيني ، ليدفعوا الحركة الوطنية إلى حالة استقطاب دموية تُنذر بالانتحار الذاتي ، وبسقوط "رؤية" بوش لحل الدولتين بأيد فلسطينية هذه المرٌة ، وليضعوا حاضنتهم العربية والإسلامية أمام الاختيار بين "شرعيٌتين" ما زالت كلتاهما أسيرة الاحتلال دون أي سلطة أو سيادة تسوٌغ لأيٌ منهما إدٌعاء أيٌ شرعيٌة تبرٌر لهما "شرعنة" المصيدة التي يطالبان الشعب بالمزيد من التضحيات  "للدفاع" عنها .

 إن المصيدة السياسية المُحكمة التي تجد القيادات السياسية الفلسطينية نفسها فيها قد خلقت بيئة صراع دموي انتقل إلى الشارع سلوكا خرج على كل القيم الإنسانيُة وأعراف الصراع السياسي ، والاتهامات المُتبادلة بالمسؤولية عنه واستخدام مُفرداته اللاانسانية أدوات في صراع كل من الطرفين ضدٌ الآخر لا يُعفي هذه القيادات ولا مُمارسي هذا السلوك من المُساءلة . 

إن تحميل الرئيس محمود عبٌاس لكل من يحمل السلاح من الطرفين المسؤولية عن هذا السلوك قبيل إعلانه حالة الطوارئ انطوى على جرأة أدبيٌة وحياد رئاسي لم يُتح له تطوٌر الأحداث أن يُعمٌر طويلا . إن تنصٌل الطرفين من المسؤولية وتحميلها حصرا للطرف الآخر لم يقنع مثلا " هيومان رايتس ووتش" التي قالت في تقرير لها إنٌ: "القوات العسكرية لفتح وحماس كلتيهما قد أعدمت الأسرى بسرعة وقتلت أناسا ليسوا مشاركين في المعارك وخاضت معارك مُسلٌحة ... داخل أو قرب المستشفيات الفلسطينية" . وفي شهادات فلسطينية على مسؤولية الطرفين تحدٌثت مجلة الحريٌة الناطقة باسم الجبهة الديموقراطية في 18 الجاري عن "الإعدامات والإعدامات المُضادٌة" وعن "مدى تدهور القيم لدى الطرفين ... بحيث بات هدف كل طرف إلغاء وجود الطرف الآخر" ، في "بشاعات" وصفها الكاتب الفلسطيني عبد القادر ياسين: "الأخ يقتل أخاه ، وثالث يُبشٌر والدته بمقتل أخيه ، طالبا إليها أن تقرأ الفاتحة على روح ابنها ، وكل طرف يقتل الرهائن بدم بارد" ، ليختلط السياسي بالعائلي والفصائلي بالعشائري فينفتح باب "الثأر والثأر المُضادٌ" فرديا وقبليا على مصراعيه  كما أضافت "الحريٌة" . 

كارثة إنسانية تُهدٌد غزٌة 

بعد أداء حكومته القسم يوم الأحد خاطب رئيس وزراء حكومة الطوارئ سلام فيٌاض أهل غزٌة بقوله: "إنٌكم في قلوبنا وفي رأس جدول أعمالنا" ، غير أنٌ اختبار الحدٌ الأدنى لذلك سيحين مع موعد تحويل رواتب موظفي السلطة إلى البنوك : فهل سيحوٌل فياض رواتب أكثر من 60 ألف موظف في غزٌة بغضٌ النظر عن تعاونهم أو عدم تعاونهم مع حكومة إسماعيل هنيٌة المُنافسة والمُقالة ، وإذا قرر ذلك هل تسمح القوى التى تفرض الحصار بتحويلها ؟ 

قالت وكالة الأنباء الألمانيٌة (د ب أ) نقلا عن القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي إن رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت قرٌر بالتنسيق مع المجلس الأمني المُصغٌر إبلاغ حماس عن طريق وسطاء بقطع التيٌار الكهربائي ومياه الشرب والري عن قطاع غزٌة خلال الأيام القليلة المقبلة وبأن حكومته ستُبلٌغ المجتمع الدولي عدم مسؤوليٌتها عن الكارثة الإنسانيٌة المقبلة هناك لأنها غير مسؤولة عن القطاع بعد انسحابها منه عام 2005 . وكانت إسرائيل قد قرٌرت إغلاق المعابر كافٌة مع القطاع . وقال كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات إنٌه ، بناء على تعليمات الرئيس ، ناشد إسرائيل والأسرة الدوليٌة عدم معاقبة أهالي غزٌة "على انقلاب حماس الدموي" بقطع الإمدادات عنهم . غير أن شركة "دور ألون" أعلنت الأحد قطع الإمدادات فورا عن محطٌات الوقود في غزٌة . 

إن حديث حماس عن "المُبالغة" والتهويل من نذر الكارثة يستهدف "الابتزاز" وعن قدرة الشعب على التضحية إن وقعت المحنة المرتقبة لأنها ليست ألأولى وحديثها عن أنها تملك أوراق ضغط ربما تمنع الكارثة ، كل ذلك لن يُخفٌف منها أو يمنع الناس من محاولة الهروب منها  وهي ، إلى جانب المنظمة وحكومة إنفاذ الطوارئ التي شكٌلتها ، سوف لن تستطيعا التهرٌب من المسؤولية عنها .  

هجرة مُضادٌة 

لقد حوٌل الصراع حتٌى قبل أن ينفجر اقتتالا في قطاع غزٌة إلى طارد لأهله لا جاذبا لهم ، والحال ليس أفضل في الضفة الغربيٌة ، ممٌا دفع مفتي القدس الشيخ محمد أحمد حسين إلى إصدار فتوى تُحرٌم الهجرة من الأراضي الفلسطينيٌة . يقول مراقبو الإتٌحاد الأوروبي على معبر رفح بين القطاع وبين مصر إن أكثر من 14.000 فلسطيني قد هاجروا منذ آب / أغسطس 2005 . ويبدو أن القرار الإسرائيلي بإحكام إغلاق القطاع ربٌما يُهدٌئ من مخاوف المفتي حيث لم يعد أمام أهله أيٌ مهرب ! 

وكان مكتب الإحصاء الفلسطيني في رام الله قد رصد هذه الظاهرة وقدٌر عدد الكفاءات والأدمغة ورجال الأعمال الذين هاجروا بأكثر من 45 ألفا . 

وخطر انتقال الاقتتال إلى الضفة الغربية يهدٌد بخلق بيئة مُواتية لتفاقم هذه الظاهرة . إن ما قالت حماس إنه أكثر من 500 حادث "اعتداء" وقع على مكاتب ومقرٌات وهيئات تابعة لها و"قتل" أحد مقاوميها بالإضافة إلى حملة اعتقالات مستمرٌة قامت بها أجهزة السلطة الرسمية لكوادرها هي من العوامل التي تهيئ لبيئة كهذه . وتضاربت السلطة في تفسير ذلك ، إذ قالت إنها إجراءات وقائية لمنع انتقال الاقتتال إلى الضفة ، بينما قال أمين عام اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ياسر عبد ربه إنها ردود فعل "فرديٌة" على فظائع حماس في غزة . 

ميليشيات "ملثٌمة" 

ومن مفارقات مسرح العبث الفلسطيني أن "الشرعيتين" المتصارعتين كلٌ في منطقة نفوذها تحتفظ بمليشيا خاصة بها جُلٌها أو معظمها من خيرة مقاومي الاحتلال الذين أعفتهم قياداتهم من مهمة المقاومة أو أجٌلت هذه المهمٌة لكنها احتفظت بهم كجيوش خاصٌة للصراع الداخلي يُناط بها الأعمال غير القانونيٌة أو يجري تحميل مسؤولية هذه الأعمال لها ، مثل انتهاك حُرمات بيوت قادة تاريخيين كياسر عرفات وخليل الوزير أو انتهاك مقرٌات "الشرعية" مثل مقرٌ الرئيس عبٌاس أو مجلس الوزراء أو المجلس التشريعي بعد سيطرة حماس على المجلسين ، وغير ذلك مما يعتبر انتهاكات فردية لحقوق الإنسان كالتي تحدث حاليا في القطاع والضفٌة ، إلخ . 

لذلك كان يجب أن تكون هذه المليشيات مُلثٌمة ، لا لحمايتها من تعرٌف الاحتلال عليها ، كما كان الهدف أصلا من اللثام ، بل لعدم تعرف الشعب عليها . والمُفارقة أن "الشرعيتين" قد أدركتا معا مدى الرفض الشعبي لهذه الظاهرة فلجأتا في التوقيت نفسه تقريبا إلى حظرها . فقد حظرت القوة التنفيذية "المحظورة" في قطاع غزٌة على أي مواطن ارتداء اللثام وحمل السلاح في الشوارع اعتبارا من يوم السبت الماضي . وأعلن الرئيس عبٌاس حظرا مُماثلا في اليوم التالي . 

المصيدة: النار تأكل بعضها 

قال وزير الخارجية في حكومة الوحدة الوطنية المُقالة زياد أبو عمرو للمُراسلين في طوكيو الأسبوع الماضي تعليقا على الاقتتال في غزٌة: "إذا كان لديك أخوان ووضعتهما في قفص وحرمتهما من الاحتياجات الأساسيٌة اللازمة للحياة فإنهما سيتقاتلان" . وفسٌر السفير الفلسطيني لدى واشنطن عفيف صافية ذلك سياسيا بقوله إنٌ الحصار والطريق السياسي المسدود دفعا "المشهد السياسي في فلسطين إلى الانكفاء داخليٌا . فالفلسطينيون معزولون ومخنوقون وتحت الضغط ونتيجة لذلك فإنهم ينكفئون إلى الداخل" . 

لكن ما لم يقله الوزير والسفير هو أن شعار إنهاء "عسكرة الانتفاضة" الذي  رشٌح محمود عبٌاس نفسه للرئاسة على أساسه وبناء عليه دعا حماس بعد انتخابه أوائل عام 2005 إلى "التهدئة" والانضمام إلى مؤسٌسات أوسلو ثمٌ استجابة حماس له أوائل العام التالي إنٌما ترك المئات إن لم يكن الآلاف من "المُقاومين" الذين هبٌوا مُستجيبين لشعار "شهداء بالملايين ، عالقدس رايحين" دون مقاومة ، وأيضا دون حماية من الاغتيالات الإسرائيلية ، ودون استيعابهم في أجهزة سلطة الحكم الذاتي لتأمين حياتهم ، وإذا تم استيعاب بعضهم من الأجنحة المُقاومة لفتح فإن العصبية التنظيمية من ناحية وخشية الاتهام بتجنيد "إرهابيين" من ناحية ثانية حالت دون استيعاب مقاومي حماس حتٌى بعد أن حاولت الحركة استيعابهم في "القوة التنفيذية" وتحويل هذه القوٌة إلى أحد أجهزة السلطة الأمنية وهو الأمر الذي ما زالت فتح ترفضه حتى الآن . 

وفي بيئة الأفقُ السياسي فيها مسدود والمقاومة مُؤجٌلة وشكلها السلمي أُمنية غير جادٌة لقيادات "خيار السلام الاستراتيجي" والحصار الاقتصادي خانق ، تحوٌل المقاومون الذين لم تُسحب منهم أسلحتهم إلى مليشيات مُسلٌحة عاطلة عن المقاومة لم يرغب أيٌ من طرفي ألازدواجية السياسيٌة حلٌها بل عزٌزوها عددا وعدٌة كجيوش فصائليٌة ليوم حسم "عسكريٌ" بين الفصائل المتصارعة على السلطة . وكان لا بدٌ أن تأكل النار بعضها إن لم تجد ما تأكله . إن" فتح" التي قررت إنهاء عسكرة الانتفاضة دون أن تُحقٌق سلاما و"حماس" التي قرٌرت تأجيل المقاومة دون أن تُحقٌق تهدئة مُتبادلة لا مع الاحتلال ولا في الداخل لا يمكن لهما معا التنصٌل من المسؤولية عمٌا آل إليه الوضع . 

 "الشرعيٌة" أداة صراع 

يوم الأحد الماضي أصدر الرئيس عبٌاس مرسوما علٌق بموجبه ثلاث موادٌ أهمٌها المادٌة (67) من القانون الأساسي  (الدستور) تشترط مُصادقة المجلس التشريعي على الحكومة الجديدة وبذلك أكمل طوق الحماية القانونية للإجراءات التي رفضتها حماس وحكومة إسماعيل هنية المُقالة قائلة إنها غير قانونية وغير شرعية وأنها تُمثٌل انقلابا سياسيا لأنٌها تتجاوز المجلس التشريعي ودوره ، وربٌما لم يكن الرئيس بحاجة إلى إجراء يضعه في موضع اتهام كهذا لأن الاحتلال يعتقل أكثر من 53 مُشرٌعا فلسطينيا من حماس لكنه على الأرجح لجأ إلى إجرائه لهذا السبب بالذات حتٌى لا يتحوٌل اعتقالهم إلى ذريعة لعدم المُصادقة على حكومة "إنفاذ" الطوارئ بحجة عدم توفر ثُلثي الأعضاء طبقا للمادة (67) التي عُلٌقت . وكان قد قرٌر قبل ذلك وفي اليوم نفسه اعتبار القوٌة التنفيذيٌة لحماس وميليشاتها "خارجة على القانون" لقيامها "بالعصيان المُسلٌح على الشرعيٌة الفلسطينية ومؤسٌساتها" . 

غير أن الدخول في جدل حول شرعيٌة أو عدم شرعيٌة ما أقدم عليه كل من طرفي الصراع مضيعة للوقت لأن كلا منهما حوٌل الشرعيٌة نفسها إلى أحد أدوات الصراع . فالمراسيم الرئاسيٌة الثلاثة التي أصدرها عبٌاس لإعلان حالة الطوارئ وتجريد حركة حماس من "شرعية الحكم" واستبدال حكومة الوحدة الوطنية التي تقودها بحكومة طوارئ من المُستقلٌين التكنوقراط  تُنظٌم الذهاب إلى انتخابات مُبكٌرٌة تمثٌل استجابة لمقترحات أميركية تبنٌاها التيار المنافس لحماس وضغط بها على الرئيس عبٌاس الذي هدٌد باللجوء إليها لكنه رفضها حتى قدٌمت له الحركة الإسلامية المسوٌغ القويٌ لقبولها على طبق من الدمٌ . 

ويبقى هناك بعض الأمل في تجاوز "الطلاق البائن" بين طرفي الصراع في استثناء الجناح السياسي لحماس من الحظر القانوني لجناحها العسكري وفي استمرار اعتراف الحركة ب"شرعية" الرئيس المنتخب محمود عبٌاس كأرضية مشتركة لمواصلة الحوار الوطني . 

 حماس تُخطئ مرٌتين سياسيٌا وعسكريٌا 

إن الفخٌ الذي نُصب لحرك المقاومة الإسلامية "حماس" لاستيعابها ضمن "عملية أوسلو" كثمن لضمان "التهدئة" مع الاحتلال الإسرائيلي مُقابل وعد لها لم يتحقٌق بعد عام ونصف العام من دخولها تلك العمليٌة والتزامها بتلك التهدئة بإشراكها في منظمة التحرير بحصة موازية للحصة التي تمنحها لها أصوات الناخبين في المجلس التشريعي – إن هذا الفخٌ لا يتحوٌل الآن إلى مثال حديث لانقلاب السحر على الساحر فحسب بل يتحوٌل أيضا إلى مصيدة للحركة الوطنية الفلسطينية ذات الرأسين اللتين وجدت كل رأس منهما نفسها "حاكما بأمره" كما تتوهٌم في منطقتين لا تواصل إقليميا بينهما إحداهما مُحاصرة بالاحتلال في قطاع غزٌة والثانية تحت الاحتلال مباشرة في الضفة الغربية ، أو في "المحافظات الجنوبية" و"المحافظات الشمالية" على التوالي كما اختار أسرى مصيدة أوسلو تسميتهما . 

لقد لُدغت حماس من الجُحر ذاته مرٌتين: الأولى عندما جُرٌت سياسيٌا إلى فخٌ مؤسٌسات أوسلو والثانية عندما دُفعت عسكريا إلى فخٌ الحسم بالقوٌة للدفاع عن حقٌ منحه الناخبون لها في الحكم مانحة بذلك من نصبوا الفخ الأوٌل المسوٌغ للتنصٌل من وعودهم باحترام استحقاقات دعوتهم للحركة الإسلامية للانضمام إلى تلك المؤسٌسات .

المنظٌمة وفتح: تهرٌب مُتكرٌر 

تعترف قيادات منظٌمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح الآن بوضع العربة أمام الحصان بمبادرتهما إلى فتح أبواب العملية السياسيٌة طبقا لاتفاقيات أوسلو أمام حركة المقاومة الإسلامية المُعارضة لها ، للهروب من الضغوط التي تقودها إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية لاستئصال الحركة بالقوٌة بادٌعاء أنٌها منظمة إرهابية (طبقا للمرحلة الأولى من خريطة الطريق التي ضيٌعت كل أطرافها الطريق إليها)  قبل التوصٌل إلى اتٌفاق على برنامج سياسي وإستراتيجية مُوحٌدة ، وعندما توصٌل الطرفان "بعد ذلك" إلى ما يمكن أن يكون أساسا لهكذا إستراتيجيٌة في ما أصبح يُعرف ب"وثيقة الأسرى" المُعدٌلة بالحوارات التي أعقبت صدور نسختها الأصلية ، كرٌر الطرفان عملية الهروب من الضغوط نفسها التي رفضت "الشراكة الوطنية" المُنبثقة عنها بالمناورات التي استهدفت عدم "تمكين" حماس أو تأجيل تمكينها من مؤسٌسات سلطة الحكم الذاتي التي تُمكٌنها من الشراكة في "الحُكم" ، المُعوٌم فقط بالمعونات المشروطة بالموافقة الإسرائيليٌة عليها ، ممٌا قاد إلى "الازدواجية" التي تفاقمت حتى انفجرت صراعا مُسلٌحا . 

وها هما الآن تُكرٌران عملية الهروب من مسؤولية الاحتواء السياسي للعواقب الوخيمة المترتٌبة على نتائج الاحتكام إلى الإستقواء "بالسلاح" بدل الحوار وأصوات الناخبين برفض الحوار مع حماس ورفض التدخٌل العربي لإحياء الحوار على أساس "تقصٌي حقائق" ما حدث في قطاع غزٌة وبإجراءات عارضتها الفصائل التي تُمثٌل القوٌة الثالثة في الساحة الفلسطينية (الجبهتان الشعبية والديموقراطية و"المُبادرة - فلسطين المستقلٌة" التي يقودها الدكتور مصطفى البرغوثي) لأنها "تُقوٌض الديموقراطية" و"تُعمٌق الانقسام" الناجم عن اللجوء إلى "الحسم العسكري" الذي رفضته هذه المنظمات كما رفضت النتائج التي ترتٌبت عليه أيضا في القطاع . 

 مُفارقات فصائلية 

إن دعوة هذه الفصائل الثلاث إلى العودة للحلول الوطنية على أساس وثيقة الوفاق الوطني (الأسرى) كحل "وحيد" ودعوة البرغوثي المُتكررة إلى قيادة وطنية مُوحٌدة على أسس مُماثلة قد لا تجد لها آذانا صاغية وسط لعلعة الرصاص لكن "جرأتها"  في "رفض وإدانة الحسم العسكري ومُمارسات" حماس في القطاع كانت مُفتقدة سابقا من حيث تحميل  المسؤوليٌة لأصحاب الممارسات المُماثلة بالاسم . ويُلاحظ أن هذه الجرأة هي الأولى من نوعها كما أنها تأتي في أعقاب انتقادات من فتح ل"صمتها" رغم أن انتقادات مُماثلة سابقة من حماس لم تُخرجها عن صمتها عن بناء المؤسٌسات الوطنية على أساس احتكار فصيل واحد لها وعلى أساس الولاء التنظيمي والسياسي ، الذي كان أحد العوامل الرئيسيٌة   في الازدواجية التي أعقبت فوز حماس الانتخابي وفي تفاقم هذه الازدواجيٌة حدٌ الحسم المُسلٌح بعد فوزها . والمفارقة أن حماس تُكرر المُمارسة نفسها التي طالما انتقدتها لدى فتح ، ومن هنا نشأت النسخة الفصائلية الفلسطينية "للمُحاصصة" الطائفية العراقيٌة . 

وإذا كان صمت أو شبه صمت "الجهاد الاسلامي" عن تسمية الناس بأسمائهم في المحنة الحاليٌة مفارقة أخرى فإن المُفارقة الأبرز كانت سقوط "الطريق الثالث" سياسيا باعتباره خيارا ثالثا بين فتح وحماس بانحيازه إلى أحد طرفي الأزمة المُتفاقمة بعد تعيين الدكتور سلام فيٌاض رئيسا لحكومة "إنفاذ" الطوارئ ، بينما شريكته في قيادة "الطريق" د. حنان عشراوي تقول للكريستيان ساينس مونيتور: " بصراحة ، هذه هي نهاية الدولة الفلسطينية . إذا كان لديك نظامان منفصلان فإنٌه لا توجد أي طريقة يمكنك بها الحصول على دولة مُتٌصلة إقليميٌا" .

 الازدواجيٌة تتعمٌق مُنهية حياد الرئيس 

إنٌ المراسيم الرئاسيٌة الثلاثة التي حلٌت الحكومة وأعلنت حالة الطوارئ وقرٌرت تأليف حكومة "إنفاذ" طوارئ وإجراء انتخابات مُبكٌرة كانت مطالب مُتكرٌرة مُلحٌة يدعو لها تيٌار في فتح وخارجها كحلٌ للازدواجية التي فاجأت هذا التيٌار بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة . إن تبنٌي الرئيس لهذه المطالب أخيرا يضعه في أحد الخندقين المُتصارعين اللذين جهد في السابق كي لا ينزلق إلى أحدهما ، ويُضعف إلى حدٌ كبير من قدرته على لعب دور الوسيط أحيانا ودور المُهدٌئ أحيانا أخرى بعد أن تحوٌل إلى طرف في الأزمة . 

إن لجوء عبٌاس إلى هذه الخيارات المُرٌة قبل يوم واحد فقط من انعقاد الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجيٌة العرب في القاهرة الجمعة الماضي كان هروبا حاسما إلى الأمام ستُثبت الأشهر بل الأيٌام القليلة المُقبلة أنه يُعمٌق الأزمة الفلسطينية فحسب ولم يكن ضروريا لتجنيب الوزراء العرب الاختيار بين الشرعيٌتين لأن هؤلاء الوزراء أصلا منحازون بالإجماع لشرعيٌة "خيار السلام الاستراتيجي" الذي تتبنٌاه منظمة التحرير وهم في الأصل أيضا منحازون لمنظمة التحرير الفلسطينية التي يعتمدونها ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني . وكان وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط واضحا تماما عندما أعلن مُسبقا أن اجتماعهم الطارئ كان بهدف بحث كيفية "دعم الشرعيٌة الفلسطينية" مؤكٌدا ضرورة احترام سلطتها الوطنية ورئيسها . 

ولا يُمثٌل أيٌ إضافة جديدة "الدعم" للشرعية الفلسطينية الذي قدٌمه وزراء الخارجية العرب ، الذين اجتمعوا بدعوة من مصر التي سحبت وفدها الأمني من قطاع غزٌة بعد التطوٌرات الأخيرة هناك وأعلنت رفضها الاعتراف بالواقع الناجم عن هذه التطوٌرات ، ولا الدعم المُماثل من "رُباعية" الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وروسيا ، لأنٌ هذا الدعم الصريح من "الرباعية" والأكثر دبلوماسية في التعامل مع طرفي الأزمة الفلسطينية عربيٌا كان موجودا في الأصل وكان في الحقيقة مُساهما في الأزمة لا مُساهما في احتوائها ، لأن دعم الخيارات التي لجأت إليها أخيرا الشرعيٌة الفلسطينية لحلٌ الأزمة هي نفسها الخيارات التي سبق طرحها للالتفاف على شرعيٌة فلسطينية أخرى لاحقة وأحدث منها أفرزتها آليٌة ديموقراطية هندسها وموٌلها وراقبها وطبٌقها أصحاب هذه الخيارات أنفسهم ، ولأنٌ هذه الخيارات ذاتها أيضا هي التي أنتجت الازدواجيٌة التي فجٌرت الأزمة صراعا دمويا في القطاع المُحاصر . 

لقد سعت قيادة المنظٌمة منذ الانتخابات التشريعية الأخيرة إلى احتواء الازدواجية التي تمخٌضت عن النتائج "المُفاجئة" لها ب"حوار وطني" حرصت على استمراره دون أن تنجح هي أو الوسطاء العرب في وقف كونه مُجرٌد "حوار طرشان" حتى تدخٌلت القيادة العربية السعودية بثقلها الأدبي والمادي لتُتوٌج الوساطات العربية باتٌفاق مكٌة الذي ابتلعه طرفا الحوار على مضض ليحُول اصطراعهما دونه والتحوٌل إلى شراكة فعلية على الأرض ممٌا وفٌٌر الوقت الكافي لكي تتطوٌر الازدواجية السياسية إلى ازدواجية في المؤسسات الأمنيٌة لم يكن الصدام بينها إلا مسألة وقت .   

وكانت حماس بدورها قد لجأت إلى هروب حاسم مُماثل إلى الأمام عندما قرٌرت أن تحسم عسكريا ازدواجية في سلطة الحكم الذاتي حوٌلتها إلى حكومة لا تحكُم في مُحيط غابت فيه عمليا كل سلطة وفي بيئة حصار خانق ساعدت في إطلاق كل العفاريت العفوية وغير العفوية للانفلات الأمني الذي لم يُفوٌت خصمها السياسي فرصة دون أن يُحمٌلها المسؤولية عنه . إن ضغط هذا الوضع وكذلك الضغط الناجم عن إحساس الحركة الإسلامية بأنها في سباق مع الزمن لتحسم الازدواجية لصالحها قبل أن يتمكن "التأهيل" الأجنبي من "تمكين" خصمها السياسي من حسم الازدواجية لصالحه هي ضغوط مفهومة تماما لكنها لا تسوٌغ للحركة اللجوء إلى الحسم العسكري لأن النتائج ستكون عكسية أيضا على الوفاق الوطني كما على الوضع الشعبي تحت الحصار والاحتلال . 

وأي مراقب مُحايد سيرى بوضوح أن حماس سوف تتفرٌغ الآن لحفظ الأمن والنظام بحيث تستنزف هذه المهمٌة كل إمكاناتها  ولا تُبقي لها وقتا لأي "مقاومة" حقيقيٌة ما زالت تعد بها وترفع شعار حمايتها كمُسوٌغ لهروبها العسكري الأخير إلى الأمام  ، خصوصا وأن فتح مُصرٌة على إشغالها كما تدلٌ تصريحات قادتها التي تعد بدورها بإعادة التجمٌع والتنظيم في القطاع لاسترداد "الشرعيٌة من الانقلابيين" . على سبيل المثال وعد العقيد بهاء بلوشة ب"مقاومة" مثيلة للمقاومة البعثية التي أعقبت الاحتلال الأميركي للعراق (غلوب أند ميل في 16 الجاري) . في الوقت نفسه تتفرٌغ فتح لمواصلة تأهيل قيادتها للسلطة والمنظمة في الضفٌة لإثبات أن هذه القيادة "شريكة" في السلام أمام الرفض الإسرائيلي للدخول في مفاوضات جادٌة معها بحجٌة أنها غير مؤهٌلة لذلك ، خصوصا بعد فشلها في إثبات قدرتها على الحسم في غزٌة ، بحيث تستنزف مهمٌة إثبات الذات في الضفٌة على الأقلٌ كل طاقاتها أيضا . إنها وصفة لاستنزاف وطني انتحاري سيكون وقوده أفضل مقاومي الاحتلال الإسرائيلي . وربما يوفٌر ذلك الوقت للشاباك والموساد كي يأخذا إجازة ! 

والنتيجة الأهمٌ التي لا يختلف حولها اثنان الآن للتوجٌه نحو الحسم العسكري الذي مارسته حماس وكانت فتح تُؤهٌل نفسها لممارسته للتخلص من الازدواجية هي أن الازدواجية لم تُحسم بل تعمٌقت ليس في سلطة الحكم الذاتي فقط بل في الحركة الوطنية برمٌتها ممٌا يجعل أيٌ حديث كان محتملا أو ربما ممكنا عن تفعيل منظمة التحرير مجرٌد كلام لم يعد مُقنعا لأحد . فبعد تكليف سلام فيٌاض بتأليف حكومة "الطوارئ" الجديدة ، ورفض اسماعيل هنيٌة للقرار الذي اتخذه الرئيس  بحلٌ حكومته ، أصبح هناك الآن رئيسان للوزراء أحدهما في القطاع والثاني في الضفٌة حيث لا سلطة لأي منهما في منطقة الآخر ، وإذا ما استمرٌ هروب القيادات الفلسطينية المُتناحرة والمُحاصرة إلى الأمام باتجاه المُواجهة بدل الحوار ربما لا يكون بعيدا اليوم الذي يسمع فيه الفلسطينيون أن لهم رئيسين أيضا ، فمسرح العبث بمصير الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال أصبح مهيٌأ لمفاجأة النظٌارة من ضحاياه بكل عجيب لا يخطر على البال إلاٌ في أضغاث الأحلام . 

إن" الدعم" الذي أعلنته الرُباعية والولايات المتحدٌة للطوارئ وحكومتها خصوصا ما هو إلاٌ تأكيد للدور الذي مارسته هذه اللجنة الدوليٌة في إيصال الوضع الفلسطيني إلى ما وصل إليه بانحيازها للشروط الإسرائيلية للاعتراف بنتائج الانتخابات الفلسطينية و"فشلها غالبا" في إلزام إسرائيل بتعهٌداتها وبالحصار الذي فرضته على نتائج هذه الانتخابات ، كما قال الفارو ديسوتو مبعوث الأمم المتحدة للشرق الأوسط الذي استقال الشهر الماضي في تقرير عن انتهاء مهمٌته لمجلس الأمن الدولي نشرت الغارديان البريطانية مُقتطفات منه في 13 الجاري . 

لقد وفٌر لجوء حماس إلى الحسم العسكري حجٌة قويٌة لهذا التيٌار لزيادة الضغوط على الرئيس لتبنٌي مطالبه ويبدو أن     استسهال هذا التيٌار تحت ضغط ردود الفعل على تطوٌرات قطاع غزٌة للضغط على الرئيس بمطالبه ودفع الرئيس إلى وضع لم يعد فيه قادرا على رفضها أو في الأقل تأجيلها ستكون له نتائج عكسية لأن إعلان حالة الطوارئ بعد اجتياح حماس للمؤسسات الأمنيٌة التي تأتمر بأمر الرئيس ، وهي أدوات تطبيقها في قطاع غزٌة تحديدا حيث ينبغي تطبيقها ، والذهاب إلى انتخابات من الواضح الآن أنٌ من المستحيل إجراؤها إلا بتوافق وطني في القطاع يجعل من مرسوم إعلانها مجرٌد حبر على ورق يهزٌ مصداقية الرئيس ويُعزٌز اتهامات الاحتلال الإسرائيلي له بالعجز عن الوفاء بما يمكن الاتٌفاق عليه معه .

أميركا: نجاح يُقارب الفشل 

إنه نجاح للإدارة الأميركية ولإسرائيل اللتين لم تتوقٌفا لحظة واحدة عن إذكاء الصراع الفلسطيني الداخلي منذ أسست الانتخابات التشريعية أوائل عام 2006 لشراكة وطنية بين الفصائل الوطنية الأعضاء في منظمة التحرير الفلسطينية وبين الفصائل غير الأعضاء فيها ، لكن بصفة خاصة بعد أن نجحت الوساطة العربية السعودية في تعزيز هذا التوجٌه باتفاق مكٌة ، الذي رفضت واشنطن وتل أبيب الاعتراف به وبحكومة الوحدة الوطنية التي تمخٌضت عنه . وتكفي كأمثلة لإظهار الدورين الأميركي والإسرائيلي وتدخلهما الفظٌ في الشأن الداخلي الفلسطيني وإحباطهما المُبرمج للجهود العربية افتتاحية النيويورك تايمز في 15 الجاري وتعليق المُحلل الإسرائيلي أم. جيه. روزنبيرغ في اسرائيل إينسايدر في اليوم نفسه بعنوان "حماس تُدير غزٌة: نستطيع أن نُهنٌئ أنفسنا" . 

وتستطيع واشنطن حقا أن تُهنئ نفسها أيضا أوٌلا لأن حكومة الطوارئ الفلسطينية الجديدة قد لبٌت شروط "الرُباعية كافٌة ، لا بل زادت عليها تلبية شرط إسرائيلي - أميركي بحظر "قانوني" للجناح العسكري لحماس وقوٌتها "التنفيذيٌة" كمنظمة إرهابية وهو ما كان الحليفان يطالبان به منظمة التحرير حتٌى قبل دخول حماس عملية أوسلو . وثانيا لأن الانقسام السياسي الفلسطيني الذي كان الحليفان يسعيان إليه قد تحقٌق بل يكاد يتحوٌل إلى انفصال جغرافي بين الجناحين الجنوبي والشمالي للمناطق الفلسطينيٌة المُحتلة عام 1967 التي أوهما أهلهما بإقامة دولة متواصلة جغرافيا فيهما تعيش بجانب إسرائيل في أمان وسلام حسب "رؤية" رئيسها جورج بوش ، وهي الرؤية التي شقٌ عدم تحقٌقها الفلسطينيين حدٌ الاقتتال ، الذي يريح الاحتلال الإسرائيلي الآن من "تهمة" الفصل الإقليمي بالحصار والمستعمرات الاستيطانيٌة لذلك التواصل الجغرافي ويريح إسرائيل وحليفها الأميركي معا من المسؤوليٌة عن تأجيل قيام هذه الدولة الموعودة ويُحمٌلها للانقسام الفلسطيني نفسه . 

لكنه نجاح أميركي إسرائيلي باهر يُقارب الفشل الذريع ، ليس فقط لأن أموال دافع الضرائب الأميركي قد ضاعت هدرا في غزٌة مع معونات المانحين الآخرين . ولن تُخفٌف من هذا الفشل مُسارعة واشنطن وتل أبيب إلى الاعتراف بحكومة الطوارئ الفلسطينيٌة وإعلان الأولى نيٌتها في رفع الحصار عنها وإعلان الثانية أن هذه الحكومة هي شريكة لإسرائيل في مفاوضات السلام ، لأن أي مفاوضات كهذه حتٌى وإن بدأت فإنها لن تزيد على كونها إطارا موسٌعا للقاءات القمٌة الثنائية التي تعثٌرت مؤخٌرا، طالما هناك حكومتان فلسطينيٌتان وطالما الشريك الفلسطيني الذي تأهٌل أخيرا للشراكة مع إسرائيل وتخلٌى عن الشراكة الوطنية لم يُنه هذه الازدواجية القاتلة لما يسمٌيه "المشروع الوطني" ، ولأن إنهاء هذه الازدواجية لن يكون نزهة بل معركة طويلة سواء كانت هذه المعركة سياسيٌة – اقتصاديٌة أم عسكريٌة أم كلاهما معا فإن حسمها لصالحه لن يكون إلا بثمن بشري وإنسانيٌ وسياسي ووطني فادح ، مع أن الإمكانيٌات الواقعية لهذا الحسم ليست مؤكٌدة ، ممٌا يعد بانكفاء وطني على الذات لفترة طويلة مُقبلة تمنح الاحتلال الوقت الكافي لاستكمال خلق الحقائق على الأرض التي تجعل من أي حديث عن الدولة المُستقلٌة نوعا من العبث ، وإذا لم يكن هذا فشلا لرؤية بوش  والمُراهنين عليها من الفلسطينيين فماذا يكون ؟ 

لقد سبق ل"المشروع الأميركي للشرق الأوسط" الذي يضم مجموعة من مُخضرمي السياسة الخارجية الأميركية من أمثال برنت سكاوكروفت وجيمس وولفنسون وزبنيو بريزنسكي وهنري سيغمان تحذير الإدارة الأميركية من مغبٌة سياساتها وحثٌوها على الاعتراف بحكومة الوحدة الوطنية وحذٌروها من إثارة "مواجهة عنيفة" بين الرئيس عبٌاس وقيادة حماس لكن وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس مُصرٌة على "أن تجعل من الواضح جدٌا أننا سنواصل دعم قوى الاعتدال تلك" ، كما قال المتحدث باسم وزارتها الأسبوع الماضي . والنتيجة هي أن قيادة "الاعتدال" الفلسطيني قد فازت الآن بهذا الدعم لكنها خسرت غزٌة وخسرت معها إمكانيٌة قيادة وحدة وطنية فلسطينية ، ولو إلى حين . 

انفصال جغرافي بحكم الأمر الواقع   

إن تفاقم الاستقطاب من حالة انقسام سياسي ومؤسساتي إلى حالة انفصال جغرافي بحكم الأمر الواقع بين قطاع غزٌة وبين الضفة الغربيٌة أمر سوف يحرص الاحتلال على إطالة أمده ، وما موافقة إسرائيل بعد مُعارضة طويلة لفكرة بحث أمكانية استقدام قوات دولية إلى القطاع إلاٌ مؤشر له دلالات على الجميع التوقٌف عندها ، فتل أبيب توافق عليها الآن كأداة حصار على الفلسطينيٌين وكانت تعارضها كأداة حماية لهم من إسرائيل نفسها ، وهي فكرة سارعت حماس إلى رفضها وإعلان أنٌها ستتعامل مع أي قوات كهذه كقوات احتلال مثل القوات الإسرائيلية ، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت أعلن أنه سوف يبحثها مع الرئيس الأميركي جورج دبليو. بوش خلال زيارته الأخيرة لواشنطن . 

أما اضٌطرار الرئيس عبٌاس لطلب بحث هذه الفكرة ، كما قال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي-مون ، فإنه بقدر ما سوف يُستخدم ضد ٌالرئيس وفتح كدليل على عجزهما عن الفعل في القطاع فإنه أيضا يُهدٌد بتشديد الحصار على غزٌة بإدخال إضافة عسكرية جديدة تزيد القيود على الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال وتمنح الدول التي تفرض الحصار السياسي والاقتصادي على هذا الشعب سلاحا عسكريا على الأرض يعزٌز حصارها من جهة ويُعفي الاحتلال الإسرائيلي من أعباء فرض الحصار العسكري على القطاع من جهة أخرى . والاستنتاج هنا بأن هذه الدول هي المُرشٌحة لإرسال قوات كهذه تتٌضح من مسارعة أمين عام منظمة المؤتمر الإسلامي اكمل الدين احسان أوغلو إلى رفض الفكرة ومُعارضة حماس لها ممٌا يستبعد أي مُشاركة إسلامية أو عربية غير رمزية فيها . 

إنٌ المُفارقة الأعجب في هذا المشهد الفلسطيني الذي يبلغ فيه العبث حدٌ المُكابرة في الإثم الوطني هو محاولة كل من الطرفين حجب الحقائق عن الناس بتغييب وسائل إعلام الطرف الآخر بغلقها أو حرقها أو نهب معدٌاتها أو إرهاب كوادرها ، وبتحويل الإعلام الخاص به إلى أجهزة "بروباغندا" تنطق بلسان أصحابها  وترى بعيونهم وتسمع بآذانهم فقط ، في إهانة لجيش كبير من الكفاءات الإعلاميٌة الفلسطينيٌة ، وفي عصر باتت فيه الحروب بين الدول تدور ببثٌ حيٌ على الأثير وشاشات التلفاز .   

nicolanasser@yahoo.com

 
 
 
شبكة المنصور
الاثنين / الثامن عشر / حزيران / 2007