بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

افتتاحية عدد تموز 2007
لقد قصَّرت حركة التحرر العربية في دعم تجربة المقاومة الوطنية العراقية
فهل هي مستعدة لاستثمار النصر القادم؟

 

 

شبكة المنصور

طليعة لبنان الواحد

 

بعد أن تأكدت نوايا العدوان الكبير على العراق، قال الرئيس صدام حسين لوفود عربية جاءت لتطمئن على استعداد العراق في مواجهة أكبر حشد عسكري يتم تجميعه لغزوه، فأجابهم قائلاً: إننا سنخوض معركة المواجهة، وعلى العرب أن يستفيدوا منها.

كانت التجربة ماثلة في فكر الرئيس، وكانت واضحة المعالم في وعيه وعقله الاستراتيجي، معبِّراً بتلك الرؤية الاستراتيجية عن خيار الحزب في مواجهة الاستعمار والصهيونية، وعن قرارات قيادتيْ الحزب والثورة. لقد كان هذا الخط الاستراتيجي، شبيهاً بأضغاث الأحلام عند من لم ينظروا إلى الأمور بالمنظار الاستراتيجي فلم يعدُّوا أنفسهم للاستفادة منه، أما بعد أن تأكَّدت صوابيته في العراق، فقد أصبح الجميع أمام استحقاق داهم يجب أن يدفع بهم للاستفادة من التجربة. أما الاستفادة فلها وجهان أساسيان:

-الأول أن يدعموا استراتيجية البعث في مواجهة العدوان، وفي منع الاحتلال من الاستقرار على أرض العراق.
-أما الثاني، فهو أن يستفيدوا من نتائج النصر الأكيد الذي ستحرزه استراتيجية الكفاح الشعبي المسلح في العراق، تلك الاستراتيجية التي لم تُخيّب أمل الشعوب التي سلكت طريقها.

لقد حصل العدوان، وتحرَّك الشارع العربي، وبشكل أكثر منه لفتاً للنظر الشارع العالمي المناهض للاستعمار بشكل عام، ولمشروع أمركة العالم بشكل خاص.

كان مشروع أمركة العالم من أكثر المخاطر التي جمَّعت من حولها القوى الدولية، أنظمة وشعوباً، ولم يكن من المستغرب أن تقف دول من منظومة الرأسمالية العالمية ضد مشروع الأمركة لأنه كان يمثِّل خطراً حتى على أطراف المذهب الرأسمالي الواحد.

لأن أهدافه كانت تتجاوز حدود العراق، وأطماعه تصل إلى حدود الهيمنة على حلفاء الجنس الرأسمالي، فقد جمع مشروع احتلال العراق، عداوات متعددة الجنسيات، من أنظمة وشعوب، ومن بينها أنظمة تنتسب إلى النادي الرأسمالي العالمي. وعلى الرغم من أن أصوات الدول الرأسمالية التي مانعت الحرب على العراق، قد خفتت لسبب أو لآخر، فإن أصوات شعوبها استمرت في التصاعد المستمر، وبشكل أخص أصوات الأكثرية لشعبيْ أميركا وبريطانيا. أما الحركات العالمية المناهضة للاستعمار فإنها ابتدأت من زخم ملحوظ، وهي لا تزال تتصاعد، مستفيدة من تصاعد تأثيرات المقاومة الوطنية العراقية.

أما الحركات العربية المناهضة للاستعمار، فقد ابتدأت بزخم ملحوظ كانت تفرضه عواطف الشعب العربي وتأثيراته، إلاَّ أنها بدلاً من أن تتصاعد فإنها أخذت تنحدر إلى مستويات من الضعف الملحوظ أيضاً.
لا شك بأن تلك المظاهر، مظاهر الاستفادة من لا شرعية العدوان، وبالتالي لا شرعية الاحتلال، في صعودها وهبوطها، تثير التساؤل وتستأهل التوقف عند أسبابها. وتقضي منا التساؤل الأهم:

في الوقت الذي أخذت مظاهر فشل الاحتلال تؤرق مضاجع الشعبين الأميركي والبريطاني، وبحيث ترتفع أصوات أكثرية الشعبين من أجل إرغام الإدارة السياسية في كل منهما على الانسحاب من العراق، وأقله إعلان جدولة زمنية لمثل ذلك الانسحاب، أي بمعنى أوضح: لما أخذت تباشير النصر ترتفع في أفق المستقبل المنظور، وإن المقاومة الوطنية العراقية بدأت تحرز النصر الفعلي، هل أخذ العرب، وبالأخص منهم الحركات والقوى الحزبية المناهضة للاستعمار، أو المؤسسات الأهلية غير المرتبطة بالأنظمة، هل أخذت تُعدُّ الخطط من أجل الاستفادة من تداعيات النصر القادم؟

استباقاً للمقدمات التي من خلالها سيمكننا أن نستخلص الأجوبة، نرى أنه من البديهي أن نتساءل: هل من الطبيعي أن يستفيد من نصر كل من تخلَّف أو تقاعس عن معركة صنعه؟

نحن لسنا من المتشائمين، بل نحن من الواقعيين، لذلك نستند إلى المقولة التي تنص على أنه على قدر أهل العزم تأتي العزائم، فهل من لم تبدر منه عزيمة في مواجهة الاستعمار يمكن لساحر ما أن يأتيهم بها؟
وهل من لم تبدر منه عزيمة لمقاومة الاحتلال في العراق، سيستلهمها بقدرة ذلك الساحر ليستفيد من وهج النصر وتداعياته؟
وهل من كان عاجزاً عن تحريك الشارع العربي في أحرج الأوقات وأصعبها يمكنه أن يمتلك مخططاً لتحريكه في أسهل الأوقات؟

تلك مسألة تطرح الإشكالية الكبرى التي تواجه أحزاب حركة التحرر العربي وقواه وشخصياته.
قد يبرر البعض تخلف الحركات والأحزاب العربية عن الوصول إلى نسبة الحد الأدنى من قامة المقاومة العربية، ويعيدها إلى قلة إمكانياتها وضعفها. ونحن لا نستطيع إلاَّ أن نعترف بأهمية الإمكانيات إذا ما قمنا بموازنتها مع الإمكانيات الهائلة التي توفِّرها مصانع القوى المعادية ومطابعها وعدد كتابها وكثرة وسائلها المقروءة والمسموعة والمرئية، بالإضافة إلى ترسانتها العسكرية الكبرى. ولكن هذا الجانب ليس الوحيد الذي تشكو حركة التحرر العربي من غيابه. أي أن حركة التحرر العربي ليست سليمة معافاة، بهياكلها التنظيمية، ومواقفها الفكرية والسياسية، ولا تنقصها الإمكانيات المادية فقط. فالأسباب هي أعمق من ذلك بكثير، إنها أزمة تلك الأحزاب التي تشكو من غياب تلك العوامل مجتمعة. أي أن سبل المعالجة لا يمكن أن تكون إلاَّ عبر سلة واحدة تستعيد فيها تلك الأحزاب حيوية نقد تجاربها الفكرية والسياسية، التي لولا العور الذي يعتريها لكانت الحاجة إلى الإمكانيات المادية سبباً كافياً ومقنعاً.

إن ما نراه مُلِحاً في القادم من الأيام، القادم من النصر الذي سيُحدِث تأثيرات ملحوظة في النظام الدولي، ولن يستثني النظام العربي، ونرى أنه على أحزاب حركة التحرر العربي أن تلتقط الفرصة المؤاتية لتفتخر بأنها أسهمت في تحرير قطر عربي من الاستعمار والصهيونية، ومن مشاريع التفتيت والتجزئة الطائفية التي يعمل النظام الإيراني على تطبيقه مستعيناً بوحدة الأهداف التي تجمعه مع الاستعمار والصهيونية.
على تلك الأحزاب أن تلتقط هذه الفرصة لتدخل إلى بوابة حركة التحرر العالمي، خاصة وأنها أصبحت صاحبة الحق في أن تقود موجة التغيير في مستقبل حركة التحرر تلك، بل أصبح من حقها أن تكون من رواد قيادتها في العصر الذي حققت فيه المقاومة الوطنية العراقية نصراً عالمياً، لا يقل شأناً عن نصر فييتنام إذا لم يفقه درجات بحسابات ظروف الزمان والمكان.

من أهم عناوين التغيير المطلوب، هو كبح جماح العصبيات الأممية، خاصة تلك التي لا تزال تعشش فيها أفكار الشيوعية التقليدية التي هزمتها عاديات المتغيرات في العالم عامة، والمتغيرات التي عصفت بالأمة العربية على الأخص. تلك المتغيرات لامست استراتيجية بعض أطراف حركة التحرر العالمية، ومنها بعض الحركات الشيوعية العالمية، إلاَّ أنها لم تلامس مُسلَّمات الحركة الشيوعية العربية وكأن لا متغيرات حصلت ولا من يحزنون.. وتأتي حركة الأممية الدينية السياسية داخل دائرة المتغيرات المطلوب أن تحصل لتستقبل متغيرات النصر الذي تصنعه حركة قومية يسير في طليعتها حزب البث العربي الاشتراكي.

إننا بدعوتنا هذه، نؤكد للحركة الأممية بشقيها الشيوعي والديني، أنه لا خوف من انتصار حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق أو في غيره، لأنه يستأنف اليوم مشروع التغيير في النظر إلى إشكالية التعددية في العمل النضالي وإدارة النظام السياسي، ذلك المشروع الذي كانت قد بدأت مناقشته في أوائل العام 1992.
كما لن تفوتنا دعوة الأحزاب والحركات القومية، وفي المقدمة منها فصائل الحركة الناصرية، من أجل التحضير، وفي أقرب وقت ممكن إلى عقد طاولات من الحوار لتخرج بقرارات جبهوية تسبق نقطة البداية في احتفالات النصر القادم. ومن تلك القرارات الانخراط في ورشة جبهوية مع منظمات حزب البعث العربي الاشتراكي، تكون مقدمة لنواة يلتف حولها وبها كل أحزاب حركة التحرر العربي.

أما كل الأخوة من العراقيين، من فصائل مقاتلة، أو تنظيمات مساندة، في الداخل والخارج، أن لا يولوا مسألة تشكيل السلطة الوطنية التي ستدير العراق بعد الانسحاب الأميركي والبريطاني من العراق، أكثر مما تستحق، وعليهم الخروج من متاهات الخلاف حول السلطة قبل الاطمئنان تماماً من أن خروج الاحتلال أصبح مؤكداً، لأنه من غير الجائز على الإطلاق أن نفسح أملاً للاحتلال يتسلل منه من زاوية استثنائية يمكن تأجيلها الى وقتها المناسب.

 

 

 

 

شبكة المنصور

الاربعاء / 01 / أب / 2007