بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

طليعة لبنان الواحد
عدد شهر آب 2007
الافتتاحية
بين مطرقة الاستعمار وسندان القوى الإقليمية
قضايا الأمة في العراق وفلسطين ولبنان سلعة للمساومة

 

 

شبكة المنصور

طليعة لبنان الواحد

 

من العراق، مربط خيل الأطماع الأميركية الرئيسة في هذه المرحلة،
إلى فلسطين، قضية العرب المركزية، مربط خيل تحالف أنظمة الرأسمالية العالمية،
إلى لبنان، قضية العرب المرتهنة للمساومات والضغوط،
لا تزال أنظمة الدول الرأسمالية تطرق الحديد فيها وهو حامٍ، بينما النظام الإيراني يحتل موقع السندان من أجل ابتزاز تلك الأنظمة لتعترف له بموقع قوة بطريقة غير مشروعة، ضاربة عرض الحائط مصالح العرب وسيادتهم على أراضيهم.

وعلى الرغم من أن ما يُقال بأنه (لا يلام الذئب في عدوانه إن يك الراعي عدو الغنم) إلاَّ أن ذلك لا يسبغ مشروعية على عدوان الذئب على الغنم.

لقد صدر تقرير بيكر – هاملتون في الربع الأخير من العام الماضي، ومن أجل نصح إدارة جورج بوش بسلوك طرق سياسية تساعده على إنقاذ أميركا من المأزق العراقي، فقد أوصى بمرونة الحوار مع إيران وسورية في قضايا الأمة الساخنة، وهو تكتيك مرن يُراد منه كسر حدة التعقيد الذي ميَّز استراتيجية المحافظين الأميركيين الجديد، أولئك الذين ركبهم الغرور والوهم في بناء إمبراطورية أميركية تمتد حدودها من المحيط إلى المحيط. ومشروع المحافظين قائم على أساس الوهم بانتصار ديموقراطية الأمركة التي من أهم أهدافها أن تسطر نهاية التاريخ في الفكر والاقتصاد والاجتماع من أجل أن تسود العالم وتسوسه. وكان تصرفهم ذاك قد جاء على جثة صهوة الجواد السوفياتي الذي كبا، وبها سُجِّلت نهاية مرحلة ثنائية حكم العالم برأسين. وابتدأت مرحلة حكمه برأس واحد.

كان الغرور الأميركي المتطرف، في ذروة وهمه بالنصر في العراق، قد أهمل عوامل عديدة لها تأثير في تيسير نجاح مشروعه، ومنها العامل الإيراني، الذي برز أكثر حدة بعد أن كبا الجواد الأميركي في العراق تحت ضربات المقاومة الوطنية العراقية. وبفعل التداعيات التي أفرزتها المقاومة راح أكثر من سبب مستور في التحالف الأميركي – الإيراني، يطفو على السطح، وتبيَّن بوضوح أن التحالف على احتلال العراق كان تكتيكاً يضمر كلٌّ من الطرفين الشر لصاحبه، بينما كان يجمعهما هدف واحد وأساسي هو إسقاط تجربة النظام الوطني في العراق لحزب البعث العربي الاشتراكي، والقضاء نهائياً على أية أهداف وحدوية قومية عربية.

كان من أهم مخاطر النظام الوطني على طرفيْ التحالف هو أنه كان يعمل من أجل نظام وحدوي عربي يشكل سداً منيعاً في وجه كل الطامعين بالأمة، والعاملين على تمزيقها، وقد أثبتت كل الوقائع الاستراتيجية صحة اتفاق الطرفين على الوصول إلى هذا الهدف المركزي. ولما بلغا الغاية المنشودة، ابتدأ الخلاف بينهما يظهر على توزيع الحصص.

بإسقاط النظام الوطني في العراق فقدت الأمة مناعتها، بحيث أُسقِط السد الذي كان يمثِّل آخر حصونها، ومن بعده أصبح ميسوراً أمر انقسام الأمة وتقسيمها، فامتدَّت ساعتذاك الأيادي من العراق إلى لبنان وفلسطين. وتلك هي الصورة التي رست عليها مشاهد الوقت الراهن.

ولأن أمراض الهوان في الأمة أصبحت أكثر استعصاءً بعد إسقاط النظام الوطني في العراق،ولما حالت المقاومة الوطنية في العراق دون استفراد الاحتلال الأميركي فيه، وحوَّلته من قاهر إلى مقهور، نبتت للآخرين، وبالأخص منهم النظام الإيراني، أرجلاً بعد أن كانوا عجزة ومقعدين أمام الجبروت الأميركي، وتكاثرت مساوماتهم ومراهناتهم، وتحوَّل الكثيرون منهم إلى ضفة عقد الصفقات لتبادل المصالح، على حساب مصالح الأمة العربية، وكأن زوال الحاجز العراقي، وإصابة الاحتلال الأميركي بالوهن، قد أغريا كل من ليس لديه خصيتان بادِّعاء الرجولة.

وبالضعف والوهن الأميركي، وبحاجته إلى كل ما يسعفه ويضمِّد جراحه، أُرغِم على إطلاق صفارات النجدة في كل اتِّجاه، فتكاثر المبتزون بعد أن استقووا، وراحوا يعرضون خدماتهم لقاء مصالح محددة.

وأخيراً، تجرَّع اليمين الأميركي السم، وأقدم على الحوار مع النظام الإيراني، بعد أكثر من مؤتمر تمهيدي، كان أولها في آذار الماضي، وتمَّ تتويجها في مؤتمرين عقدتهما قيادتا الحليفين اللدودين في شهريْ تموز وآب.
وعلى أثرهما شكَّلا لجاناً أمنية ليست أهدافها بأي حال من الأحوال أقل من اجتثاث المقاومة وتكريس التقسيم الفعلي للعراق. وقد وضعا ثقلهما إلى جانب دعم كل حكومة عميلة، سواءٌ أكانت حكومة المالكي أم غيرها، كواجهة ينفِّذان من خلالها خططهما.

نتيجة لكل ذلك، ستشهد الشهور القادمة، خاصة منها المرحلة التي ستسبق التقرير الذي ستعدِّه المؤسسات العسكرية والسياسية التابعة لإدارة جورج بوش، المزيد من أعمال الوحشية والإجرام، إذ سيضع النظام الإيراني كل ثقله إلى جانب الاحتلال الأميركي وحكومة المالكي العميلة، وقد تستمر إلى ما قبل الانتخابات التمهيدية للرئاسة الأميركية في تشرين الثاني القادم. أما أكثر الأعمال إجرامية فستكون من نصيب البعثيين بشكل خاص لأنهم يشكلون بما لا يدع مجالاً للشك قاعدة المقاومة الصلبة وعمودها الفقري. أما الواجهة الإعلامية التي سيرفعها التحالف المذكور، فهي عناوين هشَّة تقوم بتحميل المسؤولية لتنظيم القاعدة تارة، والحركات الدينية التكفيرية تارة أخرى. وإذا كان الاحتلال الأميركي قد موَّه كل إعلامه بملاحقة تنظيم القاعدة واجتثاثه علماً أنه الرئيس المؤسس له، فإن النظام الإيراني قد موَّهها بالحركات التكفيرية وهو من الرؤساء المؤسسين لها.

انعكاسات الاتفاق الأميركي – الإيراني في العراق على مجمل الوضع العربي فهل الاتفاق الأم، الذي توصَّل إليه الخصمان الحميمان حول العراق، سيكون جزيرة منعزلة التأثيرات عن مجمل الوضع العربي؟

يتأكد، يوماً بعد يوم، أن النظام الأميركي الذي قاتل بشراسة من أجل ضمان حكم العالم من دون منافس، أُرغِم على أن يكون شريكاً للنظام الإيراني، أحد أطراف (ثلاثية الشر) التي ابتكرها منذ سنوات سبقت احتلاله للعراق.
ويتأكَّد، يوماً بعد يوم، أن النظام الإيراني يُمهِّد لتأسيس دولة إسلامية مذهبية الهوى والاستراتيجية، ومن أجل ذلك كان لا بد له من أن يؤسس لمرتكزات يستند إليها في احتلال المقعد الأول القوي في المنطقة. وقد فعلها في كل من لبنان وفلسطين، هذا بالإضافة طبعاً لمرتكزاته في العراق.

ولما كان العراق يشكل ممرَّه الاستراتيجي نحو الوطن العربي، فقد راح النظام الإيراني، يساوم الخصم الأميركي الحميم، مستغلاً مأزق أميركا في العراق. وهذا هو الحال في كل من لبنان وفلسطين، خاصة وأن صراعهما قد أخذ فيهما شكل تقسيم سياسي فعلي.

ومن أسوأ الأمور وأكثرها إثارة، مما يستدعي الحنق والغضب، هو الغياب العربي الكامل، وهل هناك أسوأ من أن أمين عام جامعة الدول العربية لا يمكنه دخول لبنان عبر مطاره، أو نقاط عبوره البرية والبحرية، من دون أذن مسبق تتم عليها الموافقة من نظام (رعاة البقر)، ومن نظام (رعاة المذهبية).


في لبنان محطة المساومات
لقد قُسِّم الوضع السياسي في لبنان إلى شقين عاموديين: موالاة، لكن مع من؟ ومعارضة، ولكن ضد من؟ وأما الإثنان فيمارسان لعبة الكبار، ويعملان على تقطيع الوقت الضائع.

ومن أمرِّ ما نتجرعه هو أنه علينا أن نصدِّق خطاب التخوين الذي يمارسانه ضد بعضهما في مباريات خطابية ماراتونية طويلة استهلكت من عمر اللبنانيين أكثر من سنتين من رعب انتظار فلتان فتنة طائفية، نرى أن الأهداف المعلنة للطرفين لا يتجاوز الخلاف على تقسيم الحصص السياسية بينهما. ومن هنا تبدأ الأمور العجاب:
-إذ أن من قاموا بتخوين بعضهم البعض الآخر، سيلتقون على مقاعد حكومة وطنية، فكيف يمكن لمن يخوِّنون بعضهم باللقاء تحت سقف وطني؟ وهل للوطنية، في ظل الخطاب السياسي السائب في لبنان، مفاهيم أخرى لا يستطيع عقلنا المحدود أن يفقهها؟ وهل ستذرو الرياح كل اتهامات التخوين والخيانة إذا جمعتهما حكومة واحدة؟ وهل هذا المظهر أكثر من فعل استغباء لعقولنا؟

-إنها مسرحية يتم تمثيلها، وتقطيع الوقت الضائع فيها، بانتظار صعود الدخان الأبيض من مداخن الخارج. فهل سيكون الاتفاق الأميركي – الإيراني على العراق، وحول العراق، مدخلاً لاتفاق يلتئم فيه الجناحان الموالي والمعارض في لبنان، فيتفقون على إعادة تركيب المؤسسات الدستورية، ومن أكثرها قرباً انتخاب رئيس للجمهورية؟

إنه وبالمقدار الذي لا نرى فيه أملاً في الوصول إلى اتفاق يُنهي آلام اللبنانيين، ويضع الحلول السليمة لكتلة كبيرة من المشاكل، بدءاً بإنقاذ الاقتصاد من أخطبوط الأمركة، مروراً بضمان أمن لبنان والأمة العربية، واستعادة سيادتهما على القرار المستقل، وصولاً إلى معالجة سلة كبيرة من المشاكل الاجتماعية والمعيشية للمواطن اللبناني، فإننا نرحب بأي اتفاق يخرج لبنان من النفق المظلم بمنع انهيار المؤسسات الدستورية، التي هي وإن كانت تعني بالشكل ضمان وحدة لبنان، لعلَّ تلك المؤسسات تعيد الاعتبار لهموم الشعب اللبناني الذي أثقلته السهام المسمومة فتآكلته الهموم المعيشية والاجتماعية والاقتصادية. بحيث يكون هذا الاتفاق حائلاً دون وقوع الأسوأ من الفتن والهزات الأمنية. وإذا كنا لا نرى فيما سيحصل حلاً ناجعاً، فإنما نرى فيه أملاً على قاعدة المفاضلة بين السيئ والأسوأ، لأنه قد يفتح البوابة أمام الرافضين لكل ما يجري، وبالكيفية التي يحصل بها، خاصة أن من يتلاعب بمصير لبنان هم أصحاب المال السياسي. وهي فرصة إن حصلت فإنها قد تدفع بالوطنيين، ممن هم خارج نادي التأثير بالمال السياسي، لتكثيف الجهد الوطني الصادق بعد توفير مستلزماته الجبهوية، من أجل فتح الملفات الاقتصادية الخطيرة التي يتم تمريرها بذكاء وسرعة، كما من أجل استعادة الملفات السياسية والأمنية لتصب في مصلحة لبنان واللبنانيين، ومن أجل استعادة القرار الوطني والسيادة الوطنية.

قد تكون الملفات السياسية والأمنية من أهم ما يتم العمل على ترتيبه، ولهذا نرى أن أي ترتيبات لا تأخذ بعين الاعتبار المصلحة الوطنية اللبنانية، كما مصلحة الأمن القومي العربي، فإنها ستكون بمثابة الضربة المؤلمة على طريق سلخ لبنان عن أمته العربية، وفي المقابل سيستأثر أمن العدو الصهيوني، وأمن الآخرين، بكل الاهتمام والرعاية، وبهما سيصبح أمن لبنان، كما الأمن القومي العربي، في خدمة أمن الآخرين.


وفلسطين من وحدوية منظمة التحرير إلى سلطات منقسمة ومتناحرة
أما الحديث عن التقسيم الأهلي في فلسطين، فهو يمثل الخطورة القصوى، بخاصة بعد تقسيم السلطة الفلسطينية، التي هي بالكاد تلبي حاجة مرحلية تتفرغ فيه لتوفير الغذاء والدواء للشعب الفلسطيني، إلى سلطتين: غزة، والضفة الغربية. وليس من المستحيل أن تجد توقيعاً غير عربي على كل ما يجري هناك. فهل تجد تلك المشكلة الخطيرة حلاً بعد الاتفاق الأميركي – الإيراني في العراق؟

بالأصل كانت الولايات المتحدة الأميركية هي صاحبة القرار الأوحد في تفصيل الثوب الفلسطيني بما يتناسب مع الجسم الصهيوني. أما اليوم، فالمشهد مختلف، لقد أعطى الأميركيون الضوء الأخضر للأوربيين من أجل القيام بدور في فلسطين لا يثير الخوف في نفس الإدارة الأميركية. وقد اقتطع النظام الإيراني حصة له في التأثير، ومن البارز أنه يستغلها الآن على طاولة المساومات مع الأميركيين. فأين تقف الحالة الفلسطينية الراهنة بعد الاتفاق الأخير حول العراق وعليه؟

أياً تكن الحلول المصطنعة التي سينتجها الاتفاق الأميركي – الإيراني، فإنها إذا ما استمر التأثير الخارجي على وتيرته، وإذا ما ظل التأثير الخارجي، وهو سيبقى، أنموذجاً ينقسم الفلسطينيون على أساسه، ستتفجر الأوضاع من جديد كلما أصيبت مصالح هذا الطرف الخارجي بأضرار.

ونحن نرى أن المقياس الذي لا يجوز لأي طرف فلسطيني أن ينزل تحت سقفه، يتحدد بما يلي:
-الخروج من أسطورة قيام دولتين: فلسطينية وصهيونية، وهذا ما تخدعنا به إدارة جورج بوش، لأنه شعار تكتيكي تستخدمها إدارته للتخفيف من مآزقها الكثيرة.
-تثبيت خطاب المقاومة، والمحافظة على السلاح الفلسطيني المقاوم، والحرص على استمرارية المقاومة، بكل أشكالها، وأكثرها أهمية المقاومة المسلحة.

الاتفاق الأميركي – الإيراني مقامرة خاسرة في العراق
وأخيراً، وليس آخراً، فإذا كانت فرضيتنا قائمة على أن الاتفاق الأميركي – الإيراني حول العراق وعليه، ستنجح، فإننا متأكدين من أن ما أعطته الإدارة الأميركية من مكاسب وهمية للعرب والجوار العربي، ستكون بحكم الملغاة بعد أن تتمكَّن من الاستيلاء على العراق. وعلى الجميع أن لا يكونوا في غفلة من أمرهم.

ولكن، ومن منطلق التأكيد أيضاً، نرى أن الاتفاق المذكور ليس إلاَّ محاولة أخرى ستكون محكومة بالفشل، لأن المقاومة الوطنية العراقية التي جرَّعت السم للإدارتين الأميركية والإيرانية وهما في عز قوتهما في بداية الاحتلال، فإن سمها سيكون أكثر إيذاءً لهما، وهما في مرحلة الدفاع الضعيف في هذه المرحلة.

فهل في النظام الإيراني من يدرك، قبل فوات الأوان، من يراعي شروط حسن الجوار مع العراق والأمة العربية؟
وهل في النظام العربي الرسمي من سيلتقط لحظة العجز الخارجي في الاستيلاء على سلطة القرار الوطني العراقي المقاوم ومصادرته، ليصنع لنفسه أرجلاً أو ما يشبهها، ويبادر إلى تقديم الدعم إلى أبطال العراق، أو أقله كفَّ الأذى عنهم؟

فهل تفعلها حركة التحرر العربية قبل أن تداهمها هزيمة أميركا وشركائها في العراق؟ فهل تفعلها قبل أن تدركها احتمالات حصول فراغ ثوري على الساحة العربية؟ وهل لبعض فصائلها أن يعوا حقيقة الدور الإيراني، وينصحوا أركان نظامه بالعودة إلى رشدهم والإقلاع عن أوهامهم في تقسيم العراق، ومنع الفتنة الطائفية التي يُسهمون في تأجيجها؟

إنه النداء الأكثر إلحاحاً في مرحلة فاصلة تعيد فيه المقاومة العراقية صياغة تاريخ عربي ناصع.

 

 

 

 

شبكة المنصور

الاربعاء / 29 / أب / 2007