بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

قضية فلسطين على طريق الاجتثاث في ظل احتلال العراق
في ظل التواطؤ الأميركي – الإقليمي
الرد هو اعتبار الوحدة الفلسطينية ضرورة تاريخية

 

 

شبكة المنصور

طليعة لبنان الواحد

 

يبدو أن أيلول القادم هو شهر الاستحقاقات المؤجلة والمؤلمة في عقد الأزمات في أكثر من ساحة على امتداد الوطن العربي سواء في العراق أم لبنان أو في الساحة الفلسطينية، ففي هذا الشهر على الرئيس الأميركي جورج بوش أن يواجه حقيقة هزيمته في العراق من خلال مواجهة سياسية مع الكونغرس، وهو الباحث حتى اللحظة عن حلول على قاعدة سياسة الهروب إلى أمام، والغرق أكثر في المستنقع العراقي، أما في لبنان فإن الأطراف المحلية عاجزة أمام الحسابات الإقليمية والدولية عن إنجاز حل توافقي في معركة انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وبالنسبة للساحة الفلسطينية فإن المؤتمر الدولي الذي دعت إليه الإدارة الأميركية ليس إلا محاولة باهتة لتحسين صورة الأميركي المهزوم، وتطبيق مبدأ «في الحركة بركة» وإن كانت من دون جدوى في ظل أوضاع داخلية تجاوزت حدود الأضرار بالوحدة الوطنية الفلسطينية إلى حد بات يهدد مستقبل القضية الفلسطينية والمشروع الوطني الفلسطيني.

ومثلما يدفع الصراع الإقليمي والدولي إلى التأزيم في العراق ولبنان يعمق حالة الانقسام في الساحة الفلسطينية ويكرس وجود أكثر من مرجعية فلسطينية على قاعدة «سلطة في الضفة» و«إمارة في غزة»، في حين أن دعوات الحوار وإعادة تأكيد الوحدة الوطنية الفلسطينية على أسس جديدة مجرد شعار عند البعض يرفضه البعض الآخر.
إن تفاقم الأزمات يشير إلى حقيقة تناقض الاستراتيجيات الدولية أو تقاطعها على أرض الوطن العربي الذي يعتبر بنظر القوى الدولية منطقة مصالح حيوية، وبنظر القوى الاقليمية منطقة نفوذ وتأثر يتم من خلاله وعلى أرضه تسجيل النقاط وتحسين المواقع التفاوضية والتكيف مع السياسات الدولية، خاصة أن القوى المحلية في هذه الساحة العربية أو تلك مشدودة إلى فعل وفعل مضاد، مما يجعلها عاجزة عن إنجاز حلول وطنية بعيداً عن سياسة الهيمنة والاستقطاب والخضوع لمنطق أقوياء الخارج مما يتناقض مع المصالح العليا للجماهير وطموحاتها وأهدافها: ويستثنى من تصنيف هذه القوى المحلية السالفة الذكر المقاومة الوطنية العراقية لأنها صاحبة مشروع وطني وقومي يستند إلى خيار الكفاح المسلح كطريق لإنجاز مهام التحرير والوحدة وبناء مجتمع جديد.

لقد وضعت اتفاقيات سايكس –بيكو الحجر الأساس للسياسات الدولية في إخضاع الوطن العربي والسيطرة على مقدراته، كما جاء وعد بلفور ومن ثم قيام الكيان الصهيوني تعزيزاً لهذه السياسات وتكريساً لها، لذلك احتلت القضية الفلسطينية موقعها المركزي في النضال العربي، وتلخص على أرضها الصراع بين الأمة وأعدائها، وظلت الأحداث والأزمات والحروب التي تقع في قلب الوطن العربي أو على تخومه ترتبط ارتباطاً وثيقاً بهذا الصراع وتساهم في رسم حدوده واتجاهاته ومدياته.

وإذا كانت الانعطافة الكبرى والحادة في مسيرة هذا الصراع تمثلت بقبول النظام الرسمي العربي بـ«التسوية» بديلاً لخيار التحرير ونجاحه – أي النظام الرسمي العربي – بتعميم نظرية صراع الحدود بديلاً لصراع الوجود مع الكيان الصهيوني ومن يقف خلفه، فإن الانعطافة الحادة الأخرى كانت في الانجرار الفلسطيني إلى مستنقع التسوية، وما أعقب ذلك من تنازل عن الحق التاريخي للفلسطينيين والعرب بكامل فلسطينهم، بموجب اتفاق أوسلو، وما تلاه من اتفاقات وترتيبات.

ولأن التسوية وفق المفهوم الأميركي الصهيوني ليست مجرد اتفاقات توقع وتنفذ، وإنما هي إحكام نهج السيطرة الأميركية الصهيونية على الوطن العربي، فإن هناك هوة لا يمكن أن تردم بين حلم إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وبين حقائق الواقع وما آلت إليه الأوضاع بعد كل هذه السنوات الطويلة على اتفاق أوسلو.

لقد شهدت الساحة الفلسطينية، خلال كل تلك السنوات نهجين: نهج السلطة الفلسطينية التي تشكلت في أعقاب أوسلو، ورأت في التفاوض السبيل لتحقيق أهدافها، ونهج خيار المقاومة الذي شدد على ضرورة استمرار الكفاح كسبيل لانتزاع الحقوق وإبقاء الحيوية المطلوبة لحركة النضال الوطني الفلسطيني.

دون الدخول في تفاصيل كثيرة، نستطيع القول إن انتفاضة الأقصى المبارك عام 2000، كانت نقطة التحول الحاسمة بالنسبة للنهجين وأطرافه. فالعدو الصهيوني، رد على الانتفاضة، بتركيز هجومه على السلطة الفلسطينية ومؤسساتها وأجهزتها، وكذلك على البنى الاقتصادية والتحتية للمجتمع الفلسطيني، ونجح إلى حد بعيد في تدمير السلطة وشل قدرتها على الحركة والتأثير لتتعزز مقولة أطلقها قادته بعدم وجود شريك فلسطيني مناسب في معادلة تثير التساؤل عن طرف يدمر الشريك بطريقة منهجية ثم يتحدث عن غيابه أو عدم وجوده. وبالمقابل نجحت إستراتيجية المقاومة في مواجهة الاحتلال رغم عدم تكافؤ ميزان القوى، فكانت العمليات الاستشهادية عنوان مرحلة جهادية فلسطينية نقلت الصراع إلى مستوى جديد وضعت الجيش الصهيوني في مأزق عدم القدرة على الحسم، رغم العنف والوحشية الذي كان يمارسهما، ولقي الفعل الاستشهادي الفلسطيني تأييداً شعبياً باعتباره خيار مرحلة كاملة، إلا أن هذا الفعل واجه مسألتين هما:

-عدم الانتقال إلى آفاق مرحلة نضالية جديدة تؤسس لمواجهة شعبية شاملة مع الاحتلال من خلال صيغ نضالية تتماشى ومستجدات صفحات الصراع وتطوراته.

-وغياب الاحتضان القومي الداعم لهذه الانتفاضة وفعلها النضالي الذي شكله العراق ومواقف قيادته الحاضنة لأبناء فلسطين، وذلك بفعل الاحتلال الأميركي للعراق.

في هذه الأجواء جرت انتخابات عام 2005 في الأراضي الفلسطينية في تجربة ديمقراطية قل نظيرها، وهي الانتخابات التي فازت فيها حركة حماس، إذ أكَّدت هذه الانتخابات أن أبناء الشعب العربي الفلسطيني اختاروا الانحياز إلى خيار المقاومة بعد أن قادهم خيار التسوية إلى حمام الدم وأجواء الإحباط واليأس، إلا أن المحصلة الأخرى للانتخابات كانت انتقال التوتر من مرحلة تقرير بين سلطة ومعارضة إلى مرحلة التصادم داخل السلطة نفسها، أما النتيجة الثالثة فهي اعتبار بعض الأطراف العربية والإقليمية أنها سجلت نقاطاً حاسمة في المرمى الأميركي في عملية الصراع الإقليمي والدولي القائمة.

الأطراف الدولية والإقليمية بدأت تصب الزيت على نار الخلاف والانقسام مستخدمة كل ما تملك من وسائل وأوراق فاختلط الخاص بالعام والذاتي بالموضوعي في عملية تداخل صعبة ومعقدة، فتجاوز الخلاف المواقف السياسية ليشمل كل شيء من المرجعية وصولاً إلى السعي لإلغاء الآخر، بحيث غابت الثوابت وانتهكت المحرمات، وأصبحت الاتفاقات بين "فتح" و"حماس" نوعاً من المحاصصة، وهدنة لانقضاض جديد. ومع أن اتفاق مكه لم يحمل جديداً، ولم يتضمن حلولاً للقضايا الشائكة والعالقة، فقد رحبنا به لأنه قد يحقن الدم الفلسطيني ويقطع الطريق على الوصول إلى نقطة اللاعودة في العلاقات الفلسطينية –الفلسطينية، وقد ثبت لاحقاً أنه لم يكن أكثر من هدنة مدفوعة الثمن انهارت أمام أحداث غزة الأخيرة التي يظهر الاحتفال بالنصر فيها مثيراً للاشمئزاز.

مرة أخرى كانت الأحداث الأليمة في غزة منطلقاً لتطورات أكثر خطورة في مجرى العلاقات الفلسطينية –الفلسطينية، إذ تعددت المرجعيات، وأصبح هناك حكومتان: واحدة في الضفة، والثانية مُقالة في غزة تمارس صلاحياتها بحكم الأمر الواقع، وليصبح الوضع الفلسطيني الراهن أكثر إغراءً لتدخل الآخرين، وأكثر تبريراً لكل طرف في استخدام غير المعقول، في حين يدفع الشعب العربي الفلسطيني من قضيته وأهدافه ودمه ورغيف خبزه... الخ. ففي هذا الصراع في هذه الأجواء تعطلت سبل الحوار، وانقطعت أواصر التواصل، فالسلطة ترفض أي حوار مع حركة "حماس" قبل عودة الأوضاع في قطاع غزة إلى ما كانت عليه قبل الأحداث الأخيرة، بالمقابل ترفع "حماس" شعار الحوار خالياً من أي مضمون، أي من حيث وصلت إليه الأمور، بينما تذهب في إجراءاتها لإحكام قضبتها على القطاع من خلال الملاحقات والمداهمات ومنع التظاهرات، ووضع ضوابط لتقييد بعض الحريات العامة بدعوى ضبط الأوضاع وإنهاء الفلتان الأمني، بينما شبح الجوع يخيِّم على أبناء قطاع غزة بفعل إجراءات غير مبررة مهما كانت الذرائع والأسباب، في ظل الكرم الأميركي والدولي الذي يغذي حالة الانقسام ويشجع عليها.

إن تداعيات الحالة الفلسطينية الراهنة قد تطيح بما حققه الشعب العربي الفلسطيني من منجزات عبر مسيرة كفاحه الطويل، كما تهدد بإلحاق أفدح الأضرار بمستقبل المشروع الوطني الفلسطيني، لذلك فإن على القوى والفصائل الفلسطينية خاصة "فتح" و"حماس" الانطلاق من حقيقة أن أحداً لا يستطيع أن يلغي الآخر. ولا بد من البحث عن عوامل التعايش على قاعدة الاحتكام للثابت الوطني العام، وهو المصلحة العليا للشعب العربي الفلسطيني، لأن القضية الفلسطينية بحاجة إلى جهود الجميع وقدراتهم في المواجهة المفتوحة مع أعداء القضية الفلسطينية في المشروع الوطني الفلسطيني، وأن التمترس وراء ما يعتقد البعض أنه مكاسب، أو من خلال جمود المواقف لا يفيد.

إن الخروج من المأزق الراهن إلى أجواء العلاقات الطبيعية، واستعادة وحدة أطراف الصف الفلسطيني، على قاعدة الخلاف والتنوع، يرتقي إلى مستوى الضرورة التاريخية في هذا الظرف العصيب، كما يتطلب عدة خطوات أولية لإعادة بناء جسور الثقة، وخلق أجواء مناسبة لحوار جدي وفاعل يفضي إلى نتائج وطنية عملية وملموسة منها:

-الالتزام بمرجعية منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب العربي الفلسطيني في الداخل والخارج باعتبارها أعلى سلطة فلسطينية، والالتزام بما يصدر عنها من قرارات، مع العمل الجاد للبحث في هيكلتها وتركيبها وسبل إعادة تفعيلها.

-تشكيل لجنة من الفصائل والقوى الوطنية والقومية والإسلامية الفلسطينية تتولى وضع وتنفيذ خطة لإعادة تطبيع العلاقات بين "فتح" و"حماس" انطلاقاً من قطاع غزة إلى كل مناطق التواجد الفلسطيني الأخرى، ولا سيما الضفة الغربية.

-رفض سياسة الحصار والتجويع المفروضة على القطاع واتخاذ كل الإجراءات الكفيلة والمناسبة لوضع حد لمعاناة أبناء الشعب العربي الفلسطيني هناك، وإزالة كل الأسباب التي ساهمت في ذلك.

-السعي للاتفاق على برنامج عمل وطني فلسطيني يحفظ للفصائل والقوى الفلسطينية حقها في مواصلة مشروعها الجهادي المقاوم في مواجهة عدوان الاحتلال وإرهابه وجرائمه وممارساته.

-الذهاب إلى انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة على قاعدة الاحتكام لإرادة الشعب وقراره، فلا يجوز تحت أي ظروف أو مبررات أن يتنكر من يستند إلى ثقة الشعب ورأيه من خلال الانتخابات، من العودة إلى هذا الشعب في هذه الظروف المصيرية، وقبول كل الأطراف بالنتائج مهما كانت.

-إن كل أبناء فلسطين أمام مسؤولية تاريخية في اللحظة الراهنة تتطلب الارتقاء إلى مستوى التحديات والمخاطر لأن الركون إلى حسابات دولية أو اقليمية لن يكون إلا على حساب المشروع الوطني الفلسطيني، وهي الحسابات التي تتغذى من أجواء الانقسام، وتستفيد من الفئوية والتعصب، فالمصلحة الوطنية الفلسطينية تقتضي من كل الأطراف ألا سبيل إلا الاتفاق.

 

 

 

 

شبكة المنصور

الاربعاء / 29 / أب / 2007