حسن المطروشي

شبكة المنصور

 

                                     

 

حوار صحفي مع الشاعر العراقي رعد بندر:
مزهو بلقب شاعر صدام حسين
الشاعر رعد بندر : قيمتي التأريخية فيما كتبته للعراق
لا وجود لأدب المقاومة داخل العراق ولكنه لن يسترخي على وسائد الشوك
شبكة البصرة
حوار حسن المطروشي


نشرت صحيفة الوطن العُمانية لقاء مع الشاعر رعد بندر في 3/5/2007 في صفحة أشرعة التي تعنى بشؤون الأدب مع إشارة للحوار في الصحفة الأولى للوطن بعد أن أحيا أمسية شعرية بدعوة من جامعة السلطان قابوس في مسقط يوم 10/4/2007 وسيتم نشر قصائد الأمسية لاحقا

بعد أربع سنوات من رحيله عن العراق، زار الشاعر العراقي رعد بندر السلطنة بدعوة تلقاها من جامعة السلطان قابوس للمشاركة في مهرجان الخليل للأدب، حيث خصصت له أمسية احتفائية كان فيها فارس الشعر كعادته، ينزف حبا وألما وأملا للعراق.. ذلك الوطن المتعب الذي حمله رعد بين جوانحه وردة مقدسة تلهمه الصمود والشعر والحزن والحنين.. كانت هذه أول فعالية يشارك فيها بعد خروجه من بلده، رغم الدعوات التي تلقاها من أقطار عربية شقيقة مختلفة وقد صادفت أمسيته في اليوم الأول من السنة الرابعة لإحتلال العراق الشقيق.
أشرعة التقت الشاعر رعد بندر في مسقط، حيث تحدث عن الكثير من الهموم، فسرد قصة خروجه من العراق وتحدث عن مواقفه تجاه قضايا الوطن والأدب وعلاقته بالرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وغير ذلك من الأشياء التي أباح بها عبر هذا الحوار...
وداعاً عراق
سؤال : بعد أربع سنوات من تجربة الخروج من العراق، لأول مرة تقبل دعوة للوقوف على منصة شعرية في السلطنة، وددنا لوتحدثنا عن سبب قبولك لهذه الدعوة دون سواها؟
الشاعر العراقي رعد بندر : في البدء لابد لي أن أشكر السلطنة على استضافتها لي في مهرجان الخليل للأدب، بجامعة السلطان قابوس، ولما استقبلت به من حفاوة وتقدير وكرم عُماني معروف.
أنا خرجت من العراق بعد الاحتلال مباشرة وآليت على نفسي أن أنزوي لأنني تعرضت لصدمة كبيرة جراء ما حدث للعراق فقررت عدم المشاركة في أي مهرجان ولا استجيب لأية دعوة بالرغم من أنني تلقيت عدة دعوات من بلدان عربية أخرى. ولكن بمجرد ما تلقيت الدعوة للمشاركة في السلطنة لبيتها مباشرة، أحببت عمان التي أكن لها كل التقدير لمواقفها المشرفة تجاه قضايا العراق منذ بدء الحصار عام 1990 حتى احتلاله في 9/4/2003 الأسود. لقد تشرفت بالوقوف على منصة جامعة السلطان قابوس، وقلت بأن وقفتي هذه سأذكرها ما حييت.

سؤال : أياما معدودة قضيتها في السلطنة.. ما الذي سيبقى في ذاكرتك بعد رحيلك عنها؟
الشاعر العراقي رعد بندر : الانطباع القديم الجديد وهوأن عمان تبنَّت صناعة الأجيال، وهذا هوأهم منعطف تاريخي في حياة العمانيين. فعندما زرت جامعة السلطان قابوس وجدت الجميع يعمل على نحومنظم،
ويؤدي دوره بشكل دؤوب ومتقن.
الشعر في عمان له حضوره الكبير، والفن في عمان له خصوصيته ونكهته الفريدة، والمدن التي زرتها جميعها ما تزال محتفظة بتراثها وروحها الجميلة، فأنت تشم رائحة التأريخ أينما خطوت فيها وهوما تتميز به وستبقى هذه الميزة مشعة ومضيئة بامتياز.

سؤال : قصة خروجك من العراق لا تخلومن المأساة، كما هي قصص كل العراقيين الذين خرجوا من بلادهم قسرا، كيف تروي لنا قصة الخروج هذه؟
الشاعر العراقي رعد بندر : قبل الاحتلال كنت مديرا عاما لدار الكتب والوثائق العراقية بوزارة الثقافة وكما قلت في بداية الحوار كنت مصدوما بالوطن الذي تسرب من بين أصابعي ومصدوما بما أراه في الشارع العراقي وما تتناقله الفضائيات، العبث في كل مكان وسرف الدبابات تدوس بكل نتانتها على أجساد العراقيين.. إنه مشهد مرعب لا يمكن للذاكرة أن تتجاوزه، كنت مطرقا طوال الوقت.. هي غيبوبة إذن.. غيبوبة الشاعر الذي أشعلت فيه الحرب كل حرائق الدهشة. ولكني رغم هذا الرماد كنت مراهنا شرسا على أن العراق الذي مرت على خلاياه حراب وسرف وحوافر المستعمرين لا يمكن أن يسترخي على وسائد الشوك الجاهزة، ولا يمكن إلا أن يكون بحجم توغله التأريخي وسطوته الإسطورية، هذا العراق الذي يتأمل موته دائما وهوينقل مسبحته بين يديه.. هي دهوره العتيقة يهزأ بكل من داس ترابه في غفلة عن كبريائه هكذا عرفناه وهكذا سيكون... أمرّ ما صادفته بعد الإحتلال تغييب ذاكرة الوطن وكأن يدا ليست خفية طبعا كانت مهيأة لهذا التغييب كانت مهمتها سحب الدهور من مسبحته وطمرها وإزالتها تماما.. المتحف العراقي ودار صدام للمخطوطات ودار الكتب والوثائق العراقية. أليس من الغرابة أن تقف الدبابات الأميركية أمام مبنى وزارة النفط ووزارة المالية مانعة من يتصدى لإحراقهما في حين تتيح العبث والسرقة والحرق لكل ما هواسطوري وجميل في بغداد؟ هل هناك غرابة فعلا؟؟ لا أعتقد. في ليلة 14 إبريل عام 2003 كنت واقفا في شرفة شقتي وشاهدت النيران تلتهم دار الكتب والوثائق العراقية، وفي تلك اللحظة قلَّدتُ صوت سيارة الاطفاء! كانت هذه الدار تحتوي على أكثر من مليوني كتاب، وثلاثمائة ألف مخطوطة، وكنوزا من الكتب التراثية التي لا تقدر بثمن، اعتذرت للفارابي والجاحظ والمتنبي وابن رشد واخوان الصفا واصدقائي الآخرين.. إنه اعتذار المرعوب الذي لا يملك سوى تقليد صوت سيارة الإطفاء، لحظتها أحسست أنْ لا مكان لي بين أيدي (الديمقراطية والعراق الجديد) وقررت مغادرت العراق إلى دمشق.

سؤال : أنت خرجت من العراق، ولكننا نود أن نظل معك في العراق.. كان يطلق عليك شاعر صدام حسين.. كيف تستقبل هذا اللقب وما موقفك منه الآن؟
الشاعر العراقي رعد بندر : منذ أن كتبت الشعر استقبل هذا اللقب بزهوكبير والآن في هذا اليوم وفي هذه الساعة وفي هذه اللحظة استقبله منك ومن غيرك بنفس القامة المرتفعة وبنفس الزهو. وإذا كان هناك زهوفي حياتي هوأنني عشت زمن صدام حسين، وبالمناسبة لم أكن الوحيد الذي بقي على ما هوعليه ولم يساوم على تأريخه ومن هنا أحيي الشعراء ساجدة الموسوي وأديب ناصر وعبد الرزاق عبد الواحد وآخرين كثرا ممن أبقوا على الموج في عيونهم رافضين الزبد الذي ارتضاه من ارتضاه ظنا منه أنه سينال احترام العراقيين يا للبؤس.

سؤال : كيف تصور علاقتك بصدام حسين ؟
الشاعر العراقي رعد بندر : علاقتي بالرئيس الراحل صدام حسين لم تكن علاقة مواطن عادي برئيس دولة، كانت علاقة ذات نكهة خاصة تمتد لأكثر من عشرين عاما كان بها الرئيس والوالد معا وفقدانه ليس لي فقط وانما للعراقيين بجميع أطيافهم خسارة لن تعوض وقد بدأوا باسترجاع الذاكرة لما قبل الإحتلال وبدأوا يقارنون بين عصرين لا يمكن مقارنتهما على الاطلاق باستثناء من تم استيراده على الطريقة الأميركية.

شاعر مهدور الدم
سؤال : خرجت من العراق مهدور الدم.. من الذي يهددك؟
الشاعر العراقي رعد بندر : يشرفني أن أكون ضمن قوائم الاغتيالات التي وضعت على جدران بعض الجوامع باعتبار أنني شاعر كنت أكتب لصدام حسين.. وبالمناسبة هذه القوائم لم تختص بالشعراء بل بكل شرائح المجتمع العراقي (الأطباء والطيارين والعسكريين والعلماء وأساتذة الجامعات والمبدعين) ومنهم من تمت تصفيته فعلا تحت يافطة العراق الجديد، بل صار من السهل قتل من يقع عليه الإختيار الديمقراطي في الشارع وأمام المارة أوفي مسكنه أمام عائلته إنه زمن الديمقراطية بامتياز. لقد كنت أسمع الاتهامات ضدي وأنا في دمشق من أناس جلهم ممن كان ابنا بارا للمؤسسة الرسمية وممن كانوا طوال الوقت يتأبطون طلباتهم للرئيس الراحل. أما الآن فقد صاروا أبطالا يحملون بيرق النضال إلى المنطقة الخضراء.. كنت أقرأ ما يكتبونه وأشفق عليهم.

سؤال : أنت شاهدت أول دبابة أميركية تحترق بفعل المقاومة في بغداد.. كيف تروي لنا هذا المشهد؟
الشاعر العراقي رعد بندر : كان ذلك في شارع حيفا، أي في قلب بغداد، حيث كانت هناك دبابات وعربات عسكرية أميركية تملأ الشارع، فحدث إنفجار مدوٍ، وشاهد الناس كيف انفجرت إحدى الدبابات، كان ذلك في11 أبريل عام 2003، أي بعد احتلال بغداد بيومين. يا صديقي المقاومة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي بدأت بعد أكثر من ثمانين عاما الفيتناميون بدأوا مقاومتهم بعد سبع سنوات، أما في العراق فقد بدأت المقاومة بعد يومين من الاحتلال.. تخيل ذلك.

سؤال : وأين هوأدب المقاومة في العراق ؟
الشاعر العراقي رعد بندر : كانوا سابقا يقولون بأن النظام العراقي يقمع الأدباء عن التعبير عن رأيهم. والحقيقة أن الذي يحدث الآن هوالقمع بعينه، فكل أديب أوفنان أوكاتب يكتب ضد المحتل أوينتقد مروجيه يتم اعتقاله ويجده من يجده في مجاري الصرف الصحي.. بالتالي لا وجود لأدب مقاوم داخل العراق، هناك نصوص خجلة تنشر هنا وهناك داخل العراق وغالبا ما تنشرها الصحف الممولة من الاحتلال نفسه.. يا صديقي لقد أحببنا محمود درويش لأن مايكرفون المقاومة الفلسطينية على فمه.. هل وصلك نص أدبي يمجد المحتل عبر التأريخ في حين وصلتك النصوص المقاومة للمحتل ؟ هل وصلك نص محايد يقبع كاتبه تحت خوذة المحتل ؟ الحياد أبشع مواقف المواجهة.. يقولون هوواقع حال وعلى الأديب والشاعر تحديدا أن يستمر بالكتابة !! تأمل الهروب للهرب.. إنهم يفلسفون خنوعهم بطريقة مشينة يفلسفون ضياعهم بين الوطن واللاوطن أية ثقافة تفقس بيوضها تحت أحذية المحتلين ؟ يقولون أنهم كانوا يكتبون للراحل صدام حسين والسيوف على رقابهم !! بعد حين سيقولون نحن كتبنا للمحتل ومن جاء معه والسيوف على رقابنا !! سمهما ما شئت إلا أن تكون ثقافة عراقية حقيقية.. هذا هوالزبد الذي تحدثت عنه.

سؤال : تحدثت عن أدباء غيروا جلودهم، فقد كانوا يهتفون للنظام السابق، ويكتبون له، ولكن بمجرد دخول المحتل بدلوا مواقفهم، وأخذوا يصفقون له.. كيف تصف هؤلاء؟
الشاعر العراقي رعد بندر : كما قلت أن مصداقية الإنسان في ثباته على مبدئه.. فإما أن تكون مع الوطن، وإما أن تكون ضده، هذا كل شيء، العراقيون الآن يميزون بين من بقي على موقفه وقبض على جمر وطنيته وبين من قبض على شيء آخر!

سؤال : رأينا بعض الأدباء العراقيين الذين وصفتهم بـ(المناضلين) يشاركون في الانتخابات في الحكومة الحالية.. كيف تفسر ذلك؟
الشاعر العراقي رعد بندر : هي قناعات قابلة للتغيير والمواربة، قيمتي التاريخية فيما كتبت ولن أتنازل عن حرف واحد مما كتبته لصدام حسين وللعراق طيلة حياتي. المضحك المبكي هناك من كان طيلة حياته يرفع شعارات الوطنية ويهاجم الإمبرياليات بكل حجومها، وفجأة رأيناه من على شاشة التلفاز وهويضع (الورقة الإنتخابية في صندوق الإقتراع) أرجوأن تضع هذه الجملة بين قوسين راميا تأريخه النضالي خلفه كيف يمكن أن نوالي الحكومات الإحتلالية في الوقت الذي نشتم فيه حاضناتهم؟

رسائل المناضلين
سؤال : تعكف حاليا على إعداد كتاب بعنوان (قيامة الضحك) تكشف فيه عن الكثير من الحقائق التي تخص الإدباء الذين عاصروك.. هل تحدثنا عن هذا المشروع؟
الشاعر العراقي رعد بندر : الشئ الوحيد الذي أخذته معي عندما خرجت من العراق هوالرسائل التي كان يكتبها الأدباء (المناضلون) منذ عام 1991 حتى 2003 لي وإهداءات كتبهم ومجاميعهم.. هذا ما سيتضمنه الكتاب من الوثائق، سوف أنتهي منه قريبا وهوفضيحة لكل من ادعى البطولة والنضال ضد الديكتاتورية كما يسمونها الآن.

سؤال : تقيم حاليا في الإمارات.. ما هوفضاء الحراك الثقافي الذي تمارسه الآن؟
الشاعر العراقي رعد بندر : بعد خروجي من العراق تلقيت دعوات عدة للإقامة في أكثر من بلد عربي ولكنني اخترت دولة الإمارات التي لم أشعر منذ جئتها بأني في غير وطني وبالمناسبة هي فرصة طيبة من على صفحات الوطن العُمانية أن أشكر الإمارات حكومة وشعبا على ما قدمته لي ولكل العراقيين الذين يعيشون على أرضها من محبة وهوشكر لن يرقى إلى مواقفها العربية الأصيلة.

سؤال : وأين أنت من الشعر والكتابة الآن؟
الشاعر العراقي رعد بندر : أنا لا يمكنني أن أعيش دون الكتابة.. إنني أتنفس الشعر، وأكتب للعراق بشكل يومي، ولوأردت لأصدرت أكثر من عشر مجاميع شعرية الآن هي ما كتبته في السنوات الأربع الماضية.

سؤال : ومتى تتوقع العودة للعراق؟
الشاعر العراقي رعد بندر : ليس وحدي من سيعود كل من هاجر بعد الإحتلال من العراقيين سيعود إلى العراق وأنا على يقين بأنني سألتقيك قريبا في بغداد.

 


 

                                      شبكة المنصور

                                    08 / 05 / 2007

                                                    مقابلة صحفية