بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

وسام والنخلة العراقية

 
شبكة المنصور
د. سعد العراقي
 

رقة وسام لا تعرفها مع زوجته ، وحنانه الغامر لا يبدو واضحاً مع أبناءه حنين ورهيف وسرمد ، أو هو لا يريد أن يظهره مع زوجته وابناءه، لكنه لا يستطيع أن يخفي حنانه على نخلته .
وإذا عرف عن العراقيين ومنهم وسام الخشونة وعدم الرقة غير انه مع النخلة شيء آخر .. انه رقيق التعامل معها رقة الفرنسي مع زوجته ورقة الموسيقار مع عوده .
والنخلة عشقه وحاضره ومستقبله . وإذا لم يعرف عن العربي انه يشارك الزوجة في تدبير شؤون المنزل فانه مع النخلة شيء آخر . انه ينهض بتدبير أمورها المعيشية فتراه مشغولاً بشؤونها الخاصة ويقوم بعمليات التجميل والحلاقة حسب مواعيدها . ولا يترك سعفة يابسة ولا كرباً يحوط بقامتها فلا تبدو رشيقة . ولعله يتعامل معها كما يتعامل مع شرفه ، فيذود عنها ويحميها ويدفع عنها غائلة الحر والبرد حتى تكبر . ويطلق الصفات الإنسانية عليها ، فهي لا تثمر وانما (تحمل) كما تحمل المرأة ، وقطع النخلة عنده من المحرمات التي نهى الله تعالى عنها ، وكيف يقتل الإنسان عمته والنخلة عمة الإنسان . وكيف يقتل ابنته والنخلة ابنته .
كانت والدتي رحمها الله تقول لنا إنها مسؤولة أربعة أبناء ونخلتان وما انفكت توصينا بهما الى يوم وفاتها حتى اعتقدنا انهما أعلى منزلة منا . وكما تعتبر الإنجاب حلالاً ومنع الإنجاب حراماً، كانت والدتي تعتبر نفسها مسؤولة عن إنجاب النخلة ، وحرام أن يخلو البيت من نخلة مع أن العراق بلد النخيل الأول في العالم . نتمنى اليوم ونحن نرى عمتنا النخلة التي اقتلعت من شارع المطار ومن بعض شوارع بغداد أن تصدر الحكومة العراقية قانوناً يقضي بان يزرع المواطن في داره نخلة وبعكسه فان غرامة شهرية تفرض عليه حتى إذا غرس النخلة توقفت هذه الغرامة .
في بيت وسام لم يكن يحتاج الى زراعة النخلة بأمر القانون فهي مغروسة في تاريخهم في هذا الوطن قبل أن تغرس بالقانون . ومنذ أكثر من عشرين عاماً غرس وسام وزوجته نخلة عراقية أصيلة في بيتهما في الاعظمية حملت منذ أكثر من عشر أعوام ثلاثة عثوق ، واليوم وقد غادر البيت الى خارج العراق بعد أن استأجرته إحدى الشركات الأجنبية ، بقيت أنا مشدود الأعصاب الى النخلة التي زرعها وسام وزوجته فقد انقضى موسم تلقيح النخيل لعامين متتاليين وهذه الشركة والعاملين فيها لم تلقح النخلة أو تعتني بها، فهي لا تعرف من النخلة سوى إنها خشبة وأبر وحطب لا يحتاجه من يعمل في الشركة، حيث إنها ليست عمتهم . ومازلت كلما مررت على بيت وسام في الاعظمية ورأيت النخلة أغضضت عيني الى الأرض ولفني القلق الى أزمة لا ترحم فنخلة بيت وسام غير مستعدة ان تتجنس بالجنسية الأجنبية ، لان الأجنبي خشن ، لا يصلح أن يكون صاحب نخلة

 
 
 
شبكة المنصور
الخميس / الحادي والثلاثون / أيــار / 2007