افتتاحية طليعة لبنان الواحد (عدد نيسان 2007)

شبكة المنصور

 

                                     

 

لقد التقطت معظم دول العالم وشعوبها الرسالة التي بثَّتها نتاجات أعمال المقاومة الوطنية العراقية بعد وقت قليل من انطلاقتها، مباشرة بعد انتهاء مرحلة المواجهة العسكرية النظامية. وعرفت أنها واصلة إلى خواتيم تثلج قلب الأحرار في الأمة العربية والعالم، وإلى كل ما يغيظ قلوب «قُوّاد» الاستعمار والصهيونية، وبخاصة قلوب زمرة الشر في إدارة جورج بوش.

بعد أن زحف الكثيرون من قادة العالم أمام الامبراطور الأميركي يباركون النصر، ويستجدون العطاءات بعد أن شُبِّه لهم أنه حقَّق نصراً، أخذوا بعد أقل من شهرين ينفضون الغبار عن «رُكبٍهٍم»، وراحوا يدعون بـ«الكسر» على اليد الأميركية بواسطة المقاومة الوطنية العراقية لأنهم كانوا أكثر عجزاً عن كسرها بأنفسهم.

ارتفعت بداية أصوات التمرد من بعض قادة دول أميركا اللاتينية، وهي مؤهلة بالفعل للانخراط في أية مواجهة مع النظام الرأسمالي.

وأرسلت بعض دول أوروبا إشارات إلى إمبراطور أميركا تدل على أنها تأكدت من أن بدايات مأزقه في العراق، تسير به باتجاه الضعف.

ولم يكن الشارع الأميركي ببعيد عن التقاط ملامح القوة عند المقاومة العراقية، وأيقنوا أنها سترغم إدارة جورج بوش على إعلان الهزيمة، طالما ظلَّ يدفع دماً ومالاً تستنزفهما المعارك العبثية التي يأمر بها، والتي تُدمِّر العراق حجراً حجراً، وتعمل على تمزيق نسيجه الاجتماعي قطبة إثر قطبة.

ولم يمض العام الرابع، على الاحتلال، والعام الرابع على انطلاقة المقاومة، إلاَّ وأخذت آثار ما كانت تخطط له المقاومة العراقية ترتسم في الشارع الأميركي، لتنتقل متغيرات واضحة المعالم والأهداف في مؤسسات أميركا الدستورية والتشريعية، التي بدورها تضغط الآن على إدارة جورج بوش، وتستنزفها، وترفع أصواتها مطالبة بـ«عزله» و«عزلها».

لقد أصبحت نهاية سقوط الاحتلال مرتبطة بعامل الزمن، أما القرار فقد اتخذه الشعب الأميركي. وأما المقاومة الوطنية العراقية، فسوف لن تترك لأحد فرصة للتراجع عن قرار الانسحاب، لأن قرار التحرير مستمر، وقرار استنزاف أميركا بالدم والمال مستمر أيضاً.

لقد بدأت المتغيرات في الشارع الأميركي ضد احتلال العراق تتوالى وتواصل، وهذا الأمر لن تحول دونه خطة جورج بوش الجديدة التي راحت تتآكل بعد أقل من شهرين من بداية تطبيقها، تلك الخطة التي يعمل على تنفيذ جانبها العسكري عملاؤه وحلفاؤه، في ظل تآمر الجوار الجغرافي، وتحت صمت العرب وسكوتهم، اللهم إلاَّ ما يصدر من تصريحات لا تسمن الشعب العراقي ولا تغنيه من جوع، ولا تحميه من قتل أو تشريد.

إن المتغيرات اجتاحت الشارع الأميركي ومؤسساته التشريعية، وهي تعد العدة لعزل استراتيجية جورج بوش وإدارته في الهيمنة على العالم بسياسة «الصدمة والرعب»، وتصدير الديموقراطية بـ«القوة المسلحة»، هذا إذا كانت ديموقراطية فعلاً، و«الفوضى البنَّاءة»، هذا إذا كانت بنَّاء فعلاً.

لقد قرَّر الشعب الأميركي أن يعود إلى سياسة «الاحتواء»، وضرب كل ما له علاقة بسياسة التصدير الحربي المباشر، وهذا يعني التراجع عن احتلال العراق.

هذا إن دلَّ على شيء فإنما يدل على أن مرحلة الاحتلال تسير إلى نهايتها المؤكَّدَة، وأن العراق عائد إلى رحاب الحرية على قطار التحرير. وإنه على الرغم من أن هذه النتيجة لا تعني أن العالم، وفي المقدمة منه أمتنا العربية، وعراقها الأشم، سيتخلص من براثن النظام الرأسمالي العالمي، إلاَّ أنه بديلاً من أن يقاتل الاحتلال العسكري فسوف يتفرَّغ للمواجهة على أسس نضالية تحررية سياسية واجتماعية واقتصادية، بما توجبه من آليات مناسبة. وفيها سيوظِّف الشعب العربي، باستثناء مهمة تحرير فلسطين على قواعد المقاومة العسكرية، كل إمكانياته للقضاء على مواقع الاستعمار المتغلغل في البنى الاقتصادية والسياسية والأمنية العربية.

إن المتغيرات التي فرضتها المقاومة العراقية على الاحتلال الأميركي والشارع الأميركي سوف تنعكس بشكل إيجابي على دول العالم قاطبة، لذا راح الجميع يعدُّون أنفسهم للاستفادة منها باستثناء الأمة العربية، أنظمة رسمية وحركات تحرر باستثناءات قليلة، السبب الذي يدفعنا إلى رفع الصوت عالياً: أفيقوا أيها العرب، فقد مهَّدت لكم المقاومة العربية، وخاصة المقاومة في العراق، طريقاً تستعيدون فيه حريتكم من نير الاستعمار والصهيونية، وهي فرصة تاريخية للحصول على نصر طالما عجزت الأنظمة الرسمية عن توفيره.

إن الأنظمة الرسمية العربية، بدلاً من الاستفادة من هذه الفرصة، فإنها تعمل بطريقة عبثية على إنقاذ إدارة جورج بوش من مآزقه. أوَ ليس من المثير للاستغراب أن تعمل الأنظمة الرسمية من أجل إنقاذ إدارة أميركية، يعمل الأميركيون أنفسهم من أجل عزلها؟

إن مظاهر الحركة السياسية العربية، بدءاً من مؤتمر القمة العربية في الرياض، وليس انتهاءً بمؤتمر شرم الشيخ في مصر، تحمل الكثير من العزم على الارتهان لإدارة أميركية يمينية تسير نحو الموت السريع. وتبدو مظاهر «الإنقاذ العربي» لإدارة جورج بوش أكثر وضوحاً من خلال الوسائل التي تبذل كل جهودها وإمكانياتها لاستكمال خطة الإدارة العسكرية في الإطباق على العراقيين قتلاً وعزلاً وسحلاً، في جانبين:

-الأول: بيان قمة الرياض، من أجل تركيب أرجل لـ«عملية سياسية» تحتضر، باستدراج البعثيين للانخراط فيها تحت دخان «إعادة النظر في قانون اجتثاث البعث».

-الثاني: استحضار عملائها المزروعين في بعض فصائل المقاومة العراقية، وقد فتحت لهم أذرع بعض وسائل الإعلام العربي وقلوبها، للتشهير بحزب البعث، والزعم بضعف تأثيره في الفصائل المقاومة. والأكثر غرابة هو استحضار العامل الإسلامي، لحساسيته ومدى تأثيره، لوضعه في مواجهة مع العمق القومي والوطني الذي يمثله حزب البعث العربي الاشتراكي، وكافة التيارات القومية والوطنية،  في المجتمع العراقي.

على الرغم من هذا الدور الذيلي الذي تلعبه معظم الأنظمة الرسمية العربية، فإنه أصبح من المؤكَّد أنه لن ينال من قوة المقاومة العراقية وشدة تأثيرها، كما لن تستطيع تلك الأنظمة أن تعمل على تفتيت المقاومة وجرها إلى اقتتال داخلي من خلال حفر بؤر تستهدف إضعاف قيادة الحزب لها، فهي أكبر وأوعى من أن تنزلق إلى متاهات الصراع الداخلي، فقيادة المقاومة والتحرير التقطت أهداف ما تخطط له تلك الأنظمة بتحريض من قبل الإدارة الأميركية، وهي أكَّدت أنها لن تتلهى بالانزلاق إلى ردود الفعل، وعملت على تفويت كل الفرص بحكمة ودراية وصبر وهدوء لافت للنظر.

فإذا كانت الأنظمة الرسمية العربية واهمة بأنها ستفلح بمساعدة جورج بوش، فإن الدعوة الصادقة تبقى برسم أحزاب حركة التحرر العربي من أجل الاستفادة من نضال المقاومة العربية والارتقاء إلى مستوى المسؤولية التاريخية في نسج وصياغة استراتيجية جديدة يلعب فيها كل طرف دوراً داعماً ومساعداً للمقاومة العراقية والاستفادة من فرصة ما وفَّرته من متغيرات على صعيد العالم، لعلَّ وعسى أن تتعاون على كتابة تاريخ جديد للعمل الجبهوي القومي العربي.

أما الأنظمة العربية الرسمية فعليها أن تؤهل نفسها للعب دور قادم، لمرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي، من أجل المساعدة على إعادة توحيد العراق من جديد، في ظل نظام سيقوده كل العراقيين الذين أسهموا في تحريره، وفي المقدمة منهم كل فصيل مقاتل.

وأما بعض فصائل المقاومة العراقية، التي تحاول تطييف المقاومة العراقية، فعليها ألاَّ تتناسى أن كل دعوة إلى بناء دولة عراقية على قواعد عرقية وطائفية، لن تصب نتائجها إلاَّ في مصلحة «فدرلة» العراق وتقسيمه، وستصب في مصلحة المشروع الأميركي والإيراني، صاحبا المصلحة الوحيدة في تقسيم العراق على أساس تلك القاعدة.

وعلى وقع المتغيرات القادمة، التي فرضتها المقاومة الوطنية العراقية، نضع السؤال الملح: هل تستفيد الأنظمة العربية، وأحزاب حركة التحرر العربي وتياراته وقواه، من زخم الفرصة المؤاتية لها لتصيغ خيارات الأمة في التحرر من الاستعمار والصهيونية، ويأتي في طليعتها مقاومة تحويل أقطار الأمة إلى مقرات للاستعمار ومستقرات لكل طامع أجنبي؟

 

 

                                      شبكة المنصور

                                    01 / 05 / 2007

العالم يضبط ساعة المتغيرات الراهنة على إيقاع المقاومة الوطنية العراقية
فهل تلتقط الأمة العربية هذه الفرصة؟