بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

ويسألونك .. عن الجيش المهني ... والجيش العقائدي

الحلقة الثالثة

 

 

شبكة المنصور

اللواء الركن الأمين العسكري

 

 وبعد أن أوضحنا في مقالتينا السابقتين عن أفكار السياسيون الجدد وانتقاداتهم لجيش العراق السابق وماذا فعلوه في جيش العراق الذي أسموه (الجديد ) وتناولنا في مقالنا الثاني كيف إن بعض إخواننا من العسكريون قد تخلى عن شرف مهنته النبيلة ألمقدسه في الاستمرار بالدفاع عن الوطن وراح يعمل مفاوضا غير مخول أو يتردد على الصالونات السياسية العقيمة عله يحصل أو يستأثر بمنصب دنيوي زائف أو ينال العطف أو الرعاية من بعض السياسيون المزيفون من اللذين لا يمتلكون نفس الثوار الأحرار ولا يمثلون أي جزء من إرادة شعب العراق الثائر الجبار ،، راح بعض منهم لا يكتفي بالتخلي وكما قلنا عن مهمة الجهاد ألمقدسه بل اخذ بعضهم يستغل ارثه العسكري ومكانته السابقة وجهل الآخرين من السياسيين والعسكريين المبتدئين واخذ يطرح بعض الأفكار والآراء التي لا تمت الى تاريخ جيش العراق الباسل المغوار الجسور ولا الى قواته المسلحة المجيدة التي نالت مكانتها العالية وسمعتها بفضل صبر وجهاد رجالها الأبطال الذين عرفوا وفهموا دورها الريادي في توحيد الشعب أولا ومن ثم حمايته تجاه الأطماع الخارجية ...

1. راح بعض هؤلاء يطرحون فكرة(الجيش المهني) بديلا ( للجيش العقائدي) الذي اتصف به جيشنا العراقي دائما ويقولون إن الجيش المهني البعيد عن الأحزاب أو الجبهات أو التيارات هو الذي يلاءم العراق وان يكون ولاء الجيش للعراق أولا ،، وهم بذلك يتهمون جيش العراق البطل ويمسون وطنيته بل يخونون كل مسيرتهم السابقة عندما يذكرون ذلك وأنهم بذلك يتهمون الجيش العراقي سابقا بان ولائه ليس للوطن... بل لاتجاهات أخرى ؟؟؟

2. ولأننا نرغب أن نناقش هذا الموضوع بعلمية العسكري المحترف المهني الأمين على تأريخ وتراث جيش العراق والعروبة ذي السفر المجيد والمآثر الخالدة وبروحية أبناءه البررة الذين عاشوا معه كل أفراحه وأتراحه وتزينت أجسادهم بكل أوسمة الفخار والمجد من إصابات معارك المجد والعز دفاعا عن العراق وعروبته وبروحية أبناءه ممن لا زال غبار المعارك يتعلق بشعيرات أنوفهم ومازالت أجسادهم تتعطر برائحة بارود المعارك التي خاضوها ولا زالوا دفاعا عن بلادهم واستقلالها وعروبتها ...

3. فنقول لأدعياء الجيش المهني ونحن نستذكر تأريخ جيشنا القريب في معارك القادسية المجيدة حيث الجميع يعلم أن حرب القادسية المجيدة بدأت في أيلول من عام 1980 وحينها كان جيش العراق لا يزيد تأليفه عن ( 12 ) فرقه وقد اكتسحت معظم المدن الايرانيه الحدودية واندفعت في العمق الإيراني ما يزيد عن 80 كم بالرغم من أن إحدى الفرق كانت قيد التشكيل ولم تشترك والأخرى كانت قيد التدريب وكان اشتراكها في البدء محدودا وان فرقة أخرى كانت مكلفه بواجب في شمال الوطن وهي فرقة المشاة السابعة ، ورغم ذلك حققت هذه الفرق نصرا ناجزا واضحا وجليا يعرفه الجميع ..

4. ولكن وبعد فترة محدودة ظهرت الحاجة ماسه جدا الى مسك الجبهات الواسعة الجديدة والى حماية طرق الإمداد الطويلة في العمق الإيراني وحماية عقد المواصلات والمناطق الاداريه وكذلك الحاجة لحماية الأهداف الحيوية في داخل البلاد،،،ولم يكن هنالك من خيار أمام القيادة إلا اللجوء الى(الجيش الشعبي) للقيام بهذه المهام المتعددة والذي نظم على شكل قواطع منظمه في ترتيب أشبه بالوحدات العسكرية ولكنها لا تتخذ كل تنظيمات وترتيبات الجيش الأخرى ،، وبذلك برز هنا الدور المساند العظيم للشعب العراقي في دعم الجيش والقوات المسلحة وهب بكل أطيافه وفئاته ليؤدي هذه المهمة النبيلة حيث تعرض الوطن الى تهديد خـطير متمثلا في العدوان الإيراني ومحـاولات تصــدير الثورة الايرانيه الى العراق ...

5. وبعد سنة واحده أو أكثر وبعد إن توسعت الجبهات الجديدة وازدادت المهام وبعد إن أصبح الجيش الشعبي يتكبد بعض الخسائر غير المبررة بسبب عدم تيسر منظومة الإسناد الإداري ومنظومة القيادة المجربة وكون التنظيم لا يتلاءم مع تنظيم الجيش وكذلك صعوبة التجانس مع التشكيلات العسكرية الأخرى برزت الحاجة الى تحويل (الجيش الشعبي ) الى تشكيلات سميت ( ألوية المهمات الخاصة ) والتي يتذكرها أبناء جيشنا وشعبنا لتقف الى جانب ألوية الجيش الأخرى في مسك الجبهات في المواضع الاماميه وفي العمق ويشارك بعضها في صد الاختراقات أو في الهجمات ألمقابله التي فرضتها إدارة الحرب الدفاعية ألمعروفه ،، وقد أدت ادوار ومهمات جيده معروفه لكل أبناء الوحدات والتشكيلات التي قاتلت في القاطعين الأوسط والجنوبي بشكل أساسي ،، وان ألوية المهمات الخاصة شكلت بالأساس من أبناء الشعب ومن التنظيمات الحزبية حينها ومن كل مناطق العراق ...

6. إلا إن الحرب وكما يعلم الجميع وبعد منتصف عام 1981 أخذت منعطفا أخر فبعد أن توقف الجيش العراقي عن التعرض وتمكنت القوات الايرانيه من استعادة بعض توازنها ومحاولتها انتزاع المباداه مجددا بشنها عدد من الهجمات والتعرضات ألمقابله في قواطع العمليات المختلفة وتحقيقها لبعض النجاحات وخاصة في قواطع عبادان والبسيتين وكذلك في معارك الشوش ـ ديزفول ومعارك ألطاهري ـ جسر حالوب ثم المحمرة برزت الحاجة مجددا الى زيادة عدد الفرق العاملة والتقليل من دور (ألوية المهمات الخاصة) والتي تكبدت بعض الخسائر ووقع البعض الأخر من مقاتليها في الأسر بسبب صمودها وعدم خبرتها الكافية في خوض المعارك وان هذا تم بعد سنتين من بدء الحرب الطويلة ،،

7. وعلى كل حال وكما يعلم الجميع فقد خرج الجيش العراقي من معارك القادسية وهو يزيد عن (70 ) فرقه وذلك بعد إن بدأ باستيعاب أبناء الشعب من مواليد الاحتياط وكذلك من الضباط أصحاب الخبرة الموجودين في الخدمة أو الذين التحقوا حديثا من الكليات العسكرية بعد تطويرها وزيادة أعداد المقبولين فيها كي يتمكن من تحقيق النصر العظيم في يوم 8/8/1988 ويمنع إيران من تصدير ثورتها ويجعل الخميني يتجرع كاس السم وهو يوافق على قرار وقف الحرب ...

8. ونقول في ذلك انه لولا الفكر العقائدي لجيشنا وقواتنا المسلحة في جهاده للدفاع عن ثوابت الشعب والامه ولولا إيمانه العميق كجيش عقائدي يمثل كل الشعب والامه وثقته العالية إن الشعب سيهب مسرعا لتلبية وسد نقصه من الموارد البشرية وهو من يتولى تعبئة هذه الموارد لخدمته وإسناده فانه سوف لا يتمكن من سد النقص بهذه المرونة والسرعة ألمعروفه سواء بواجبات الجيش الشعبي أو تشكيل ألوية المهمات الخاصة أو حتى بتشكيل الفرق الإضافية الأخرى ،،

9. كما إن الشعب لو لم يكن على خط واحد وفهم مشترك مع قواته المسلحة التي تدافع أيضا عن ثوابته وكيانه لم يقف معها بهذه القوة والسرعة والمرونة ولكنه فهم دورها وعرف مهمتها الاساسيه في الذود عن حماها وكان الحاضنة الاساسيه لذلك ولذلك هب مسرعا لسد نقصها من الموارد البشرية على الرغم من التضحيات الجسيمة التي قدمها في حرب ضروس يعرف مداها الجميع وخاصة من اكتوى بلهيبها وعاش لياليها وأيامها المجيدة الطويلة...

10. وأننا في مقالنا القصير هذا ولزيادة التوضيح لابد لنا إن نعالج بعض مما يعنيه الجيش المهني حيث أن يكون الجيش من المتطوعين أو من المشمولين بالخدمة الالزاميه وان تنظم خدمتهم العسكرية وفق عقود الخدمة القصيرة التي لا تتجاوز 7 سنوات أو الطويلة والتي لا تزيد عن 15 سنه وان يضمن لهم رواتب مجزيه تكفيهم لسد احتياجاتهم واحتياجات عوائلهم بما في ذلك الصحة والتعليم والنقل والترفيه واحتياط مناسب من المال لحالات الطوارئ التي تتعرض لها العائلة وكذلك تامين معسكرات ملائمة للسكن والمعيشة والتدريب والإعداد وغيرها ثم التسليح الملائم...وباختصار إن الجيش لا يعني تشكيله كلاما سهلا يطلقه أي من يريد بل إن الجيش يعني الإعداد والتجهيز والتسليح والتدريب ومن ثم تحديد عقيدة القتال التي يستخدمها وفق التهديدات المحتملة للبلاد وان هذا كله يتطلب نهجا واضحا محددا لا يقبل اللبس والتأويل وخطط واضحة وفلسفه خاصة ومن ثم الى أموال كثيرة ...

11. ويعلم معظم كبار ضباطنا إن خبرة بلادنا الطويلة في الحروب التي خاضتها دفاعا عن استقلالها وكرامتها فان بلادنا تحتاج حاليا وفق البيئة المحيطة بها إلى مــا لا يــقل عــــــن (18 ــ 20 ) فرقه وقد تصل الى (22) فرقه لتامين قوة عسكريه ملائمة تكفي لها التصدي والدفاع تجاه أي تهديد مفاجئ متوقع أو حرب محدودة متوقعه وان ذلك يتلاءم نسبيا مع موارد البلاد المادية والبشرية لحين تهيئة وإعداد فرق أخرى لخوض أي حرب أو تهديد قد تأخذ وقت أطول أو تتسم بتهديد أكثر خطورة،،، ونقول إن ذلك هو ما توصلت إليه العديد من الدراسات العلمية العسكرية العراقية في أرقى معهد دراسي عراقي يعنى بالدراسات الستراتيجيه وفي إعداد الجيش والدولة وهي جامعة البكر للدراسات العسكرية العليا حيث إن الجيش وكما هو معروف مؤسسه استهلاكية وهو بكل تأكيد يأكل الكثير من موارد ألدوله المادية والبشرية وان أي زيادة لحجم الفرق عما اشرنا إليه سوف يستنزف من موارد البلاد المادية ويحول كل الموارد المادية المخصصة في ميزانية ألدوله للاستثمار الى أموال للخدمات الجارية التي تتمثل في الرواتب والصيانة والخدمات وغيرها وبالتالي يجعل الشعب يعمل ليأكل ويعيش فقط ولا يتطور ولا ينموا ...

12. وبناء على ذلك فإننا نرى إن بلادنا المعرضة دوما الى التهديدات الخارجية بسبب موقعها الجغرافي المميز كونها ارض خصبه أو ارض السواد أو بلاد الرافدين نسبة الى النهرين الخالدين أو غزارة نفطها معرضه الى الصراعات الداخلية المتنوعة بسبب تكوينها البشري المعروف والذي يجعلها مهدا لصراع الإرادات أو صراع المخابرات أو صراع السياسات للدول المحيطة بنا والبعيدة عنا ولذلك فنعتقد جازمين انه لا حل لكل تلك التهديدات إلا بجيش وطني عقائدي قوي يسنده الشعب بكل إمكاناته المادية والبشرية وبكل عوامل النجاح الأخرى يحترمه الشعب وتهابه دول الجوار ويكون عنوانا لوحدة البلاد وليس عامل فرقة وتناحر يفتخر به أبناءه ومنتسبيه ويتغنى ببطولاته كل الشعب ويزداد به فخرا واعتزازا...نقول ذلك ونحن نعرف على وجه ألدقه إن بلادنا العزيزة الكريمة وامتنا المجيدة ناضلت طويلا وجربت كثيرا وخاضت صراعات فكريه هائلة كي تتوصل الى فكرة الجيش العقائدي والتي نجحت بشكل كبير ونال من خلالها جيشنا سمعته العالية كواحد من أهم الجيوش في منطقتنا والمناطق المحيطة بنا واستحق كل الهالة التي تمتع بها ...

13. ولذلك فأن فكرة الجيش المهني التي بدأت تطرح حاليا وبدعوات مزيفه ومخادعه لا ولن تخدم بلادنا وجيشنا في الوقت الحاضر أبدا بل تهدف الى شق صف الجهاد والمقاومة الباسلة وهي بذلك تناسب مخططات العدو المحتل في شق صف المجاهدين البواسل خاصة بعد أن تمكنوا من إفشال مشروعه الخبيث على ارض العراق العظيم وان الفرنسيون الذين طبقوا فكرة الجيش المهني منذ سنوات قليله بدءوا وكما تناقلت وسائل الإعلام يعانون من بعض المشاكل التي بدأت تظهر في صفوف الجيش ،، كما إن اقرب تجربه لنا حاليا هي تجربة الجيش الأمريكي حيث بعد أول مواجهه حقيقية وطويلة في العراق وأفغانستان بدأت تظهر معاضل التجنيد والتطوع الى الجيش وكذلك معاضل الإسناد الطبي وأيضا فقدان الثقة والكثير غيرها ،،،

14. إننا في مقالنا هذا أردنا تثبيت رؤوس نقط للحوار والتداول والمناقشة رغم أننا مقتنعين تماما إن فكرة الجيش المهني لا تلاءم بلادنا أبدا وان الجيش العقائدي هو الأكثر فاعليه وحيوية ومرونة لحماية بلادنا في ظل ظروف دوليه وإقليميه معروفه وتهديدات خطيرة مستمرة يتعرض لها وطننا من قبل الأعداء المحيطين بها وان الذين يتمنون وكما أكدنا سابقا أن تكون بلادنا حمامة وديعة بين اسود كاسره واهمون جدا لان ذلك سيعرضها للعدوان المستمر وللتدخل في شؤونها باستمرار وتبقى معرضه دوما للتقسيم والشرذمة ..وفي الوقت نفسه نرى لزاما علينا أن لا نغلق باب الحوار والنقاش أمام الذين يريدون ويرغبون أن تتطور صفة جيشنا في المستقبل والى أي اتجاه يرونه مناسبا ولكن ليس ألان في ظل ظروف غير مستقره وسياسة يسيطر عليها الفاسدون والمفسدون ممن باعوا دينهم ودنياهم للمحتل الغازي ومن الذين يسوقون الى مشاريع الاحتلال من الغرباء عن بلادنا ممن لم يقدموا قطرة دم واحده ولم تنضح جباهم بقطرة عرق واحده دفاعا عن بلادنا واستقلالها وصراعها الطويل على مدى السنوات الماضية ضد الطامعون والغزاة ،، على الرغم إننا نفهم وبعمق إن هناك قوى حقيقية كثيرة وطنيه وقوميه وإسلاميه على بلادنا ،، ولكن كل ذلك سيكون بعد التحرير بإذن الله الواحد الأحد وبعد ا ن تمارس قوى الشعب الحقيقية وليس المزيفة دورها في تطوير هذه الفكرة والأفكار الأخرى التي تتعلق بمستقبل بلادنا

عاش رجاله الأحرار المجاهدين الثابتين على العهد الذين يواصلون كفاحهم حتى التحرير والاستقلال
عاش جيشنا العقائدي العظيم جيش الشعب
المجد كل المجد لشهدائه الميامين الذين روت دمائهم الزكية تراب أرضنا وامتنا المجيدة

 

اللواء الركن
الأمين العسكري
تشرين ثاني 2007

 

 

 

 

شبكة المنصور

الاربعاء /  18  ذو القعدة 1428 هـ  الموافق  28 / تشــريــن الثاني / 2007 م