بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

دعوة الشيطان إلى تعزيزحقوق الإنسان

 

 

شبكة المنصور

علي الكاش / كاتب ومفكر عراقي

 

الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان هو الثالوث الذي إثارته الولايات المتحدة الأمريكية في تبرير غزوها العراق بعد فشلها في العثور على أسلحة الدمار الفاشل الضالة باعتراف الكونغرس الأمريكي, والفشل الثاني في أثبتا علاقة النظام العراقي السابق بالإرهاب الدولي بعد أن أثبتت التحقيقات أن علاقة الرئيس صدام حسين بزعيم تنظيم القاعدة كانت أوهى من خيوط العنكبوت نفسها وهو ما أعترف به الكونغرس الأمريكي لاحقاً, وحقوق الإنسان كما هو معروف في العالم ضعيفة وفي العالم العربي بشكل عام تكاد أن تكون مفقودة ولم يخرج العراق عن هذا السياق رغم انه منذ التسعينيات من القرن الماضي تشكلت دائرة حقوق الإنسان في وزارة الخارجية العراقية بعد أن كانت شعبة صغيرة تضم بضعة موظفين ملحقة بالدائرة القانونية.

وهنا لابد من أخذ موجز مبسط عن حقوق الإنسان بشكل عام ليسهل إجراء مقارنة في طبيعة هذه الحقوق قبل وبعد الغزو, فقد صادقت المنظمة الدولية على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 واعتبرت هذه الحقوق معيارا رئيسيا في تحديد مدى تطور الأنظمة السياسية والنظم الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية والحريات الأساسية, ومن المعروف أن الإعلان تمتم الموافقة عليه ب(48) صوت وامتنعت ثمان دول عن التصويت من بينها الاتحاد السوفيتي السابق والمملكة العربية السعودية, وبالرغم من أن هذه المؤشرات لا تخرج عن النطاق الوصفي فقد ظهرت الحاجة إلى تعريف حقوق الإنسان ومن أسبق التعاريف كان لواحد من المساهمين في وضع ديباجة الإعلان وهو رينية كاسان الحائز على جائزة نوبل للسلام عام 1968 " هو احد فروع العلوم الاجتماعية ويختص بدراسة العلاقات القائمة بين أفراد المجتمع وفق الكرامة الإنسانية" وكما يلاحظ أنه مفهوم بسيط أختص بمعيار واحد هو الكرامة الإنسانية التي تغافل عن تحديد ماهيتها, وكانت المحاولة الأخرى لكارل فاساك وهو من المختصين في مجال حقوق الإنسان وعرفه" بأنه علم يخص البشر جميعا وخاصة العاملين الذي يعيشون في دولة ما وأن يكونون متساوين في الحقوق وفق النظام العام" ويبدو أن المفهوم يتسم بالسطحية لتأكيده على الإنسان العامل من جهة والاهتمام بموضوع المساواة فقط. وعرفت هذه الحقوق بأنها" الحقوق التي يمتلكها الإنسان لمجرد كونه إنسان" بمعنى أنها تعني المساواة, وفي هذا التعريف خلط بين هذه الحقوق والحريات وهما مفهومان منفصلان رغم العلاقة الوثيقة بينهما, وربما تعريف الخبيرة (ليا ليفين) هو الأقرب من البقية حيث حددت له معنيين الأول يتعلق بالحقوق المعنوية وهي الحقوق الثابتة والطبيعية, والثاني الحقوق القانونية التي تتحدد وفق السقف القانوني الذي ترسمه الدولة وفق دستورها, ومهما يكن فأن هذه التعاريف ليست وليدة اللحظة أو جهد فردي محدد فهي خلاصة للمبادئ السامية التي جاءت بها الأديان السماوية والوضعية والجهود التي بدأها الفلاسفة والمفكرين والحكام على ممر السنين.

وفي عام 1976 أقر العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وبد شهرين منه أقر العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية مع البروتوكول الاختياري الملحق به وتلته بقية الاتفاقيات والصكوك الدولية, ومن أهم المنظمات العاملة في هذا المجال هي لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية واللجنة الأوربية لحقوق الإنسان, والمنتديات الإقليمية ومنها الاتحاد الآسيوي لحقوق الإنسان الجامعة العربية واتحاد الحقوقيين العرب والمنظمة العربية لحقوق الإنسان والعشرات غيرها.

تضمن الدستور العراقي لعام 1970 المواد من (19-23) التي تتعلق بحقوق الانسان والتي أكدت بان المواطنين متساوين في الحقوق أمام القانون دون تفريق بسبب الجنس والدين أو العرق أو اللغة,, وأن تكافؤ الفرص حق متاح للجميع, ولا جريمة وعقاب خارج خيمة القانون والمتهم برئ حتى تثبت أدانته, وأن كرامة العراقي مصونة, وتحريم ممارسة التعذيب بكل أنواعه, إضافة إلى حرمة المنازل وسرية الاتصالات البريدية والبرقية والهاتفية وحرية المواطن في اختيار السكن والانتقال والسفر.

كما أنضم العراق وصادق على معظم الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الانسان ومنها العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وكذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والاتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز العنصري والاتفاقية الدولية لمنع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها, واتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية( الجنوسايد) والمعاقبة عليها واتفاقية القضاء على جميع أشكال التميز ضد المرأة واتفاقية حقوق الطفل, أما الاتفاقيات التي لم يوقع عليها العراق فمنها الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب والبروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والاتفاقية الدولية بشأن الحقوق السياسية للمرأة والاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين والبروتوكول الخاص بوضع اللاجئين.

ولاشك أن توقيع العراق على هذه الاتفاقيات جاء لظروف دولية ومحلية ومنها التغييرات أثر الزلزال السوفيتي وانهيار المنظومة الاشتراكية وتداعيات ذلك على شعوبها وشعوب العالم, إضافة إلى اعتبار هذه الحقوق معيارا لالتزام الدولة بقوانينها وأخلاقياتها, علاوة على استخدام الولايات المتحدة وأوربا كورقة ضغط ضد دول العالم لمنعها من الحصول على المساعدات, يضاف إلى ذلك انفراد الولايات المتحدة كقطب وحيد في سياسات العالم واتخاذها من حقوق الانسان ذريعة للتدخل في شؤون بقية الدول, وعولمة هذه الحقوق على اعتبار أن سيادة الدولة وعدم التدخل في شئونها الداخلية لا يبرر لها انتهاك حقوق مواطنيها. ومن حق دول العالم أن تتدخل لمنع هذه الانتهاكات.

أما العوامل الداخلية فمن بينها تشدد الإعلام الغربي ضد العراق في مجال انتهاكات حقوق الانسان, وفتح ملف حلبجة من جديد بعد صمت طويل, كذلك عدم وجود فروع لهيئات حقوق الانسان العالمية والعربية في العراق( وتعتبر جمعية حقوق الانسان في العراق التي تأسست عام 1961 واجهة للحكومة العراقية), ورفضه التعاون والتعامل مع المقرر الذي نصبته لجنة حقوق الانسان لمتابعة الأوضاع في العراق بسبب عدم حياده, ورفض العراق التوقيع على اتفاقية مناهضة التعذيب وحقوق المرأة السياسية, علاوة على الغزو العراقي للكويت وما أضاف إليه من انتهاكات أضافية سوى كانت حقيقية أو مبلغ فيها, رفض العراق شأنه شأن الكثير من دول العالم إشراف المنظمات الدولية على أوضاع حقوق الانسان فيه واعتبار الأمر يتعلق بسيادته خاصة البنود الواردة في البروتوكول الاختياري, عدم وجود وزارة لحقوق الانسان في العراق تأخذ على عاتقها النهوض بهذا الموضوع الحيوي, وتداخل موضوع حقوق الانسان بالدوائر الأمنية التي ترفض أن تزود وزارة الخارجية بحقيقة حالات الاختفاء والتعذيب, وتذرع العراق بالحروب الماضية التي عاقت تطوير المؤسسات المعنية بحقوق الانسان, وردة الفعل التي سببتها تجاهل المنظمات الدولية بحقوق الانسان العراقي بالحصار الاقتصادي الظالم الذي كلفه أرواح نصف مليون مواطن, ورفض العراق تسييس موضوع حقوق الانسان سيما أن من يقف ورائها هي الولايات المتحدة الأمريكية, إضافة إلى الحاجة لقلب التشريعات التي سنتها الحكومة رأسا على عقب من خلال فرض الرقابة السياسية والفكرية على الأفراد واحتكار وسائل الإعلام بكل إشكالها, كما أن حقوق الانسان ستفتح على الحكومة باب جهنم و هي بغنى عنها ومنها المسائل المتعلقة بالتعددية الحزبية وطريقة الانتخابات واحتكار السلطة وضوابط السفر وتحديد الانتقال من محافظة لأخرى, كما أن من شأن حقوق الانسان أن تجمد عمل الأجهزة الأمنية وهي التي تعول عليها الحكومة لحفظ أمنها الداخلي والخارجي. إضافة إلى الافتقار لمؤسسات المجتمع المدني التي جعلت الحكومة تعزز من تعبئتها الفكرية والسياسية للمواطنين.

وبالرغم من الخطوات التي اتخذتها الحكومة العراقية في مجال حقوق الانسان فأنها كانت غير كافية ومدرعة تجاه السهام التي وجهها الغرب إليها والتي اخترقت مفاصله الرئيسية, فقد شكلت في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي بناءا على توجيهات من رئاسة الجمهورية لجنة خاصة سميت بلجنة الردود و الغرض منها التشاور في سبيل إعداد الردود على أسئلة لجنة حقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية التي غالباً ما تستفسر من الحكومة العراقية عن حالات الاختفاء ألقسري التعذيب والتمييز ضد الأقليات والحقوق المدنية والسياسية والثقافية والاجتماعية والتمييز ضد المرأة وحقوق الطفل, حيث كانت الحكومة العراقية تتجاهل هذه المنظمات مما شكل ضغطاً قوياً عليهاً, ووفر الفرصة الذهبية لمساعدة الأطراف العراقية التي كانت تحاربه على هذا المنبر ولاسيما الأكراد وبعض الفصائل الشيعية التي تمكنت من تحقيق نجاحات كبيرة بسبب لامبالاة الحكومة, ومع هذا فقد فشلت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في استصدار قرار يدين العراق في مجال انتهاكات حقوق الإنسان لغاية عام 1990 وكان موقف العراق متأرجحاً آنذاك وجرت مفاوضات حاسمة بين الإطراف الأعضاء في اللجنة لكنها فشلت في تحقيق الأغلبية عند التصويت, فقد كان للعراق مقامه وهيبته لدى دول العالم, وكان هذا آخر نصر للعراق في مجال حقوق الإنسان, فبعد غزو الكويت وما صاحبها من انتهاكات جعلت العراق يترنح كالملاكم المهزوم الذي يستند على حبال الحلبة قبل أن يعلن حكم المباراة خسارته.

ترأس لجنة الردود العراقية المرحوم نزار حمدون وكيل وزارة الخارجية وضمت مدير عام الدائرة القانونية في جهاز المخابرات ومدير الإعلام الخارجي ورئيس الدائرة القانونية في وزارة الخارجية إضافة إلى ممثلين من وزارة الداخلية ومديرية الأمن العام والاستخبارات العسكرية, وبدأت اللجنة تتفاعل مع لجنة حقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية بشكل خاص من خلال الاجابه على استفساراتهم, وكان هذا أول تحرك إيجابي للعراق في مجال حقوق الإنسان على الصعيد الدولي, وبعد تشكيل دائرة حقوق الإنسان أنيطت المهمة بهذه الدائرة وألغيت لجنة الردود, ومن الجدير بالإشارة أن التساؤلات الواردة من المنظمات الدولية كانت غالباً دقيقة وتضم معلومات مؤكدة عن حالات الاختفاء وكان من العسير مراوغتها, كما أن تقرير منظمة العفو الدولية وهو تقرير سنوي يتناول حالات انتهاكات حقوق الإنسان في مختلف إنحاء العالم لا يتنازل بسهولة عن إغفال الحكومة العراقية لتساؤلاته الماضية وغالباً ما يعيد تكرارها لحين تسلمه جواب الحكومة سواء كان مقنعاً أم لا؟

لا يمكن الادعاء بأن حقوق الانسان العراقي خلال النظام السابق كانت موضع افتخار أو اعتزاز من قبل الشعب العراقي أو المنظمات الدولية المعنية بحقوق الانسان, وفي نفس الوقت لا يمكن الادعاء بأن هذه الانتهاكات مقصورة على العراق فقط, بل نكاد أن نجزم بأن الانتهاكات تجري على قدم وساق في دول العالم المتطور وفي العالم الثالث مع تباين شدتها من بلد لآخر, كما إن الدول العربية قاطبة تعلني من صعوبة إسعاف هذه الحقوق الغريقة لعدة أسباب وقد أشرنا لبعضها, ويمكن أن نقول بصراحة وليس تبريراً لأنتهاكات النظام السابق, أن العراق وشعبه كانا أكبر ضحية لهذه الحقوق بسبب الحصار الظالم الذي فرضته الشرعية الدولية بلا وجه حق ضده, مع علمها بأن الشعب العراقي وليس الحكومة هو من قام بتسديد فواتير هذا الحصار. كما لا يمكن تغافل العوامل السياسية التي تفرضها نفسها على إصدار قرارات ضد الدول, والدور الذي تلعبه الولايات المتحدة الأمريكية في تسيير الأمم المتحدة وهيئاتها لتنفيذ إرادتها, وهناك عدة أدلة تثبت ذلك, ومع الاعتراف بهذه الحقيقة يبقى وجود هذه الهيئة الدولية أفضل من عدم وجودها.

كانت حقوق الانسان والحريات الأساسية والديمقراطية آخر ما في جعبة الولايات المتحدة الأمريكية في غزو العراق, فقد أظهر الرئيس بوش حرصاً إلهيا وشخصيا على حقوق العراقيين بحيث بدأ الشك يساورنا حول حقيقة أصوله فقد يكون من أصول عراقية لم يفصح عنها بسبب منصبه الحالي, وهذا هو التفسير المعقول والمقبول لتباكيه على ضياع حقوق المواطن العراقي وتجيشه الجيوش لاستردادها وإرجاعها لأهلها مصونة. فأن تلقيه أمراً سماويا بالقضاء على الدكتاتورية في العراق ونشر رسالته السماوية على الشعب العراقي لتلقينهم مبادئ العولمة الجديدة لا يمكن أن يخرج عن هذه الحقيقة, وإلا فكيف نفسر تلقيه هذه المسئولية الجسيمة بالذات دون غيره من الزعماء وقبوله بنشرها بطيب خاطر؟ كما أن الذي يعزز هذه الرسالة السماوية هو أن أول من صدق نبوته هو خليفته الكردي الرئيس الطالباني عندما ذكر" إن الله أرسل لنا بوش لإسقاط صدام وترك العراق لمن يحكمه عن طريق الانتخابات" ولأن الرسالة بدت ناقصة وتتعلق بالانتخابات فقط! أضاف الطالباني مستنداً إلى الآية الكريمة " قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا" بقوله " الله أدخل في قلب بوش أن يذهب للعراق لتحريره ونشر الديمقراطية فذهب محققاً هذه الإرادة السماوية"؟ وتذكرني دعوة الطالباني بقصة احد الدجالين ممن أدعى النبوة وقد مثل بين يدي الخليفة فقال له حدثنا عن نبوتك وقدراتك؟ فقال الدجال أن بإمكانه أن يقطع رأس الوزير الجالس بقرب الخليفة وأن يعيده مرة أخرى إلى جسده, فقفز الوزير من مكانه وصاح" أنا أول من يؤمن بك أيها النبي المبشر؟

وكان تشكيل أول وزارة لحقوق الإنسان في العراق هو أول اختبار ميداني لصدق رسالة الرئيس الأمريكي, فقد أعلن بول بريمر في 17/2/ 2004عن تشكيل أول وزارة لحقوق الإنسان في العراق الجديد بهدف" الخروج من ظلمة الاستبداد والدخول إلى نور العالم المعاصر" كما دعاها وذكر بأن الوزارة ستأخذ على عاتقها " تصحيح عقود من الزمن المنحرف, وستساعد في توجيه الحكومة إلى هدفها الحقيقي وهو خدمة الشعب العراقي وحمايته"؟

مع أن الوزارة والحق يقال نافست الحوزة العلمية بصمتها الرهيب؟ فجميع الانتهاكات التي جرت منذ الغزو لحد الآن لم تحرك أطرافها المشلولة؟ ولا ريب في ذلك! أليست هي صنيعة الاحتلال نفسه, لذلك مرت الانتهاكات الجسيمة في سجن أبو غريب على براثن قوات الاحتلال وجرائم سجن الجادرية على أيدي قوات الشرطة العراقية والمئات غيرها مرور السحاب على الوزارة لا ريث ولا عجل, كما أن جرائم الميليشيات وفرق الموت وقوى الظلام والإرهاب لم تعني لها شيئا, وعمليات القتل والتهجير ألقسري وحرق دور العبادة وسرقة ممتلكات الناس ومصادرة أملاكهم المنقولة وغير المنقولة وعبث رجال الشرطة بأمن المواطن ووجود عدد من المعتقلات أمريكي وبريطاني وحكومي وميليشياوي, علاوة على مليء السجون بمعتقلين معظمهم غير مسجلين في سجلات الحكومة وبدون تهم أو محاكمات, واغتصاب رجال الدين والنساء والأطفال في السجون لم يحرك شفاهها اليابسة, وعندما خرق وزير حقوق الانسان جدار الصمت فأنه نطق كفراً, فقد جاء في حديث للوزير سعيد الجلبي بأن " ما حقق لعراق في مجال حقوق الانسان يعد انجازاً كبيراً وخاصة في مجال تحرير العراق والديمقراطية والانتخابات" ولا شك أن أهم هذه الانجازات كما ذكرت زميلته وجدان ميخائيل بأن عدد المعتقلين لدى وزارات العدل والداخلية والدفاع (20) ألف ولدى قوات الاحتلال(21) ألف معتقل ولدى البريطانيين عدد غير معروف, وتعترف الوزيرة بأنه يوجد ثلاثة أنواع من السجون احدهما بأشراف الأمريكان مثل سجن بوكا والآخر بأشراف البريطانيين كسجن مطار البصرة إضافة إلى السجون الوطنية ومن الغريب أن اسم احدهما " العراق الجديد"! وكل سجن يعمل بقانون الدولة التي تديره؟ ولا حق للسلطة القضائية العراقية أن تدخل في سجون قوات الاحتلال وفقاً لمفهوم السيادة الجديد؟ وفي الوقت الذي يتفاخر فيه الوزير الجلبي بانجازات وزارته في مجال حقوق الانسان فأن زميله اليهودي نوح فيلدمان الذي كتب الدستور العراقي الجديد يصرخ بشدة" بموجب أي قانون نعتقل الناس الذين لا يعرضون على المحاكم العراقية"؟

كانت حصيلة تطبيق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العراق ضياع العراق وطناً وشعباً, ومصادرة حقوقه السياسية والمدنية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية التي وردت في صكوك حقوق الإنسان والعهدين الدوليين؟
فالبنود الواردة في اتفاقية منع التميز العنصري طبقت بصورة معكوسة فقد تحولنا من عراقيين إلى عرب سنة وعرب شيعة وأكراد سنة وأكراد فيليين وتركمان وآشوريين وفرس وكلدان وصابئة وايزيدية وشبك وهنود وأرمن وصدريين وبدريين وفضيليين ومروانيين وغيرهم , بل تحول المسيحيون الذين سكنوا العراق قبل الفتح الإسلامي بآلاف السنين إلى جالية تعيش في العراق حب تفسير المالكي؟ وبدلا من أن نعمل للعراق سوية أمسى كل يعمل لطائفته وقوميته وحزبه, بل أنحرف البعض إلى تنفيذ أجندات خارجية معادية ؟

وفي اتفاقية منع التمييز ضد المرأة فقد وفرت قوات الاحتلال الفرصة الذهبية لتوفير مليون أرملة وربع مليون مطلقة لأسباب مذهبية, ووفرت للمرأة العراقية مكانة تفتقر لها دول العالم المتحضر ومنها الاغتصاب في سجون الاحتلال وسجون حكومات الاحتلال المتعاقبة, وأن عبير قاسم حمزة أبرز دليل على هذه المكانة المرموقة للمرأة العراقية تحت راية حقوق الإنسان, وكان إستبدال الزواج الدائم بزواج المتعة الفردي والجماعي بين الزينبيات قد أثلج قلب المرأة العراقية ورفع مكانتها الأخلاقية والاجتماعية بين سائر الأمم ؟

وفي اتفاقية مناهضة التعذيب, فقد تطورت وسائل التعذيب إلى حد كبير بإدخال المكننة والتكنولوجية عن طريق سمل العيون بالدريل الكهربائي واستخدام المنشار الكهربائي في نزع إطراف البشر إضافة إلى الوسائل الأخرى كالمكواة والكلاب الشرسة واستخدام أسلوب التعذيب الجماعي واغتصاب الرجال سيما رجال الدين وأئمة الجوامع, وأمسى الكثير من السجناء يفضلون الموت على الاعتقال والتعذيب, و لاشك أن سجن أبو غريب والجادرية أفضل نموذج لتطبيق هذه الاتفاقية.

أما اتفاقية حماية حقوق الطفل وهي آخر اتفاقية في مجال حقوق الإنسان وقعها العراق, فقد شهدت تطبيقاً رائعا تجلى في تسرب أكثر من مليون طفل من مقاعد الدراسة, إضافة إلى سرقة غذاء ألأطفال في ملاجئ الأيتام وتعرض الأطفال إلى الاغتصاب في السجون بتهمة غريبة وهي مساعدة رجال المقاومة, وقد أعترف أحد الأطفال مؤخراً لرابطة العدل والدفاع عن المعتقلين بأنه أغتصب على يد قواتنا النظامية الباسلة والشريفة ثلاث مرات؟ ويذكر السيد خالد ربيعة من الرابطة بأن الأطفال يعاملون معاملة الراشدين في السجون العراقية, ولكن أحد عمالقة العمالة العقيد خالد حسين ينهق بصوته المنكر في رده على المنظمة بأن " العراق يحترم حقوق الإنسان بما فيهم الأطفال"؟ وعندما تطالب المنظمة بزيارة سجن الأطفال الذي يضم(220) طفلاً يرفض طلبها. وتشير المنظمات الإنسانية بأن نسبة الفساد في دائرة الرعاية الاجتماعية بلغت 75%.

أما اتفاقية حماية الأقليات فقد وجدت الميدان الخصب لعملها في العراق, فقد تحولت الأقليات بعد الغزو إلى اكثريات حسب شدة الجذب المغناطيسي لقوات الاحتلال, وتحولت الأكثرية إلى أقليات غصباً عنها وهمشت عن الحياة السياسية حسب التوزيع البريمري لسكان العراق ؟ وبدأت الأقليات تحكم البلاد وتقيم العلاقات الاقتصادية و الدبلوماسية وتعقد اتفاقيات نفطية كما تشاء, فحكومة إلاقليم الواحد أصبحت تحكم الحكومة المركزية؟

أما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية فقد نجح بدرجة امتياز, فهناك أكثر من مليون قتيل وضعفهم ما بين معوق وجريح وأربعة ملايين لاجئ عراقي داخل وخارج العراق, وتحولت الحياة السياسية إلى معترك بين الأحزاب الزاحفة كالخنافس مع العقرب الأمريكي, كل له أجندته الخاصة وأطماعه في الكعكة العراقية المحشوة بلحوم العراقيين والمزينة بدمائهم الزكية وأمست الحقوق السياسية حكراً على العملاء وشبكاتهم العنكبوتية, وذهبت الحقوق المدنية أدراج الرياح بذهاب الأمن والاستقرار.

أما العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والثقافية والاجتماعية فقد غنى وأنتعش في العراق الجديد, فقد بلغ الفساد المالي والإداري السنوي (18) مليار دولار منذ الغزو؟ وذكر الرئيس السابق لمفوضية النزاهة راضي الراضي أن معالي رئيس الوزراء المالكي تسبب بضياع (14) مليار دولار بسبب تستره على وزرائه وأقربائه اللصوص, ومازالت الأمم المتحدة وفقها الله وحماها راعية حقوق الإنسان تتباكى على فشلها لإثبات فساد عقود اتفاقية النفط مقابل الغذاء؟؟ وقد أعلنت منظمة الشفافية العالمية في تقريرها السنوي لهذا العام بأن العراق يأتي في المرتبة الثالثة على المستوى العالمي بسبب الفساد المالي والإداري, وهذا يعني أن العهد الجديد سيطلق عليه العصر المالكي وسيدخل العراق في موسوعة جينز للأرقام القياسية وسيسلم رئيس وزرائنا الميدالية البرونزية عن هذا النصر المؤزر, ولكنه مصر خلال العام القادم على نيل الجائزة الذهبية بأن يحل العراق في المرتبة الأولى في تقرير منظمة الشفافية،هكذا هي إرادة القيادة الآحتلالية صلبة لا تلين.

أما الحقوق الثقافية فحدث عنها ولا حرج فقد راجت ثقافة السحر الأحمر والأسود والبلورة السحرية وعمل الطلاسم والأوفاق وقراءة الكف بين أوساط الناس,وراجت ثقافة النواح واللطم والنحيب وسادية إيذاء النفس بضربها بسلاسل حديدية أو التطبير على أيدي مراجعنا السمحاء وأعيد سجال مناقشة حوادث مر عليها أكثر من ألف وثلاثمائة عام عمن هو أحق بالخلافة بعد الرسول, لقد أصبحت هذه الأمور مواضيع الساعة وليس الأوضاع البائسة التي يرزح الشعب العراقي تحتها ويعاني الويلات من قوات الاحتلال وذيولهم وقوى الإرهاب, وانهالت ألوف الكتب من الجارة إيران إلى العراق لتوقظ الفتنة وتغذيها بمنشطات التيجاني والمجلسي والطبرسي والخميني وبأسعار لا تغطي ثمن غلاف الكتاب فقط؟ ونشرت الكتب بلا حسيب أو رقيب كل ينشر أفكاره وهواجسه ورعونياته وأمراضه ولوثته العقلية لتغذية المتطرفين والجهلاء والسذج, ومن الطرائف أن أول كتاب صدر عقب الغزو حمل عنوان " طعم الخرى" وأستميح القارئ الكريم عذرا للعنوان فقد ورد هكذا ونسيت أسم مؤلفه, كأن المؤلف قد سبق الجميع في إستذواق طعم المرحلة القادمة فكتب عن مذاقها الكريه. أو ربما تأثر بهذه المفردة المهمة واستعارها من رواية غابرييل ماركيز" ليس لدى الكولونيل من يحادثه" .

أما اتفاقية الحد من تجارة المخدرات, فقد سبق العراق العالم في هذا المضمار, فقد بارك مراجعنا العظام هذه التجارة السمحة وهي الحمد لله تتم تحت رقابتهم الصارمة وتباع قرب العتبات المقدسة, فالتجار يدفعون الخمس من إرباحها لأحفاد آل البيت الكرام لجعلها رزق حلال؟ وشهدت البلاد طفرة هيرويينية رائعة فقد حلت زراعة الحشيش محل الرز العنبر في وسط العراق وجنوبه بعد أن كان العراق حسب بيانات الأمم المتحدة من أنظف دول العالم من ناحيتي المخدرات والايدز.

هذا جزء من واقع حقوق الإنسان العراقي في ظل العهر ألاحتلالي والجريمة أبعد كثير من هذه المساحة ولربما يكمل المشوار غيرنا, ويسلطوا الضوء على هذا الركن المظلم ويكشفوا الكثير الكثير من المستور.


Alialkash2005@hotmail.com

 

 

 

 

شبكة المنصور

السبت /  23 شــــوال 1428 هـ  الموافق  03 / تشــريــن الثاني / 2007 م