بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

 طفيليات ميليشياوية في رحم الديمقراطية

 

 

شبكة المنصور

علي الكاش / كاتب ومفكر عراقي

 

في خرائب العراق الديمقراطي الفدرالي الموحد تنتشر البوم والخفافيش ليلا بين الإطلال ناعقة ومنذرة بمزيد من الجثث القادمة على يد أشباح العراق الجديد، إنها الميليشيات الطائفية المسعورة التي ما فتأت تلعق بدماء الوطن الجريح كالطفيليات وكلما التأم جرح فتقته من جديد , هذه الأشباح تختلف عما عهدناه في السابق التي تحدث عنها أجدادنا مثل الطنطل وفريج الأقرع والسعلوة وصائدة الرجال التي كانت تتراءى لبعض الساذجين والبسطاء في المقابر والخرائب ليلاً فقط؟ أشباح اليوم هي من نتاج الديمقراطية والحرية المزعومة وهي لا تفرق والنهار وبين السكون والحركة وبين المذنب والبريء وبين الشيخ والطفل وبين الفتاة والعجوز فهي تتعرض للعراقيين للجميع حتى وهم في بيوتهم آمنين، هذه الأشباح لا تكتفي بالإفزاع فحسب فهي أشبه بمصاصي الدماء تتغذى على دماء الأبرياء من أبناء هذا الشعب بكل مفرداته وشرائحه ومذاهبه وتتلذذ بها، وتنتعش بفياغرا البغضاء والاعتداء لتنتهك ألإعراض وتستبيح البيوت الآمنة وممتلكات الدولة وتسرق كل ما يقع تحت يدها، وتقتل كل من يعارضها..أنها أشباح خارقة فآيات من الذكر الحكيم وقراءة سور الكرسي والمعوذات لا تؤثر فيها ولا تطردها فهي مدرعة بحصانة شيطانية مستمدة من أسلافها مسيلمة وسجاح والأسود العنسي، و تعتبر الكبائر التي وردت في المصادر الإسلامية صغائر بالنسبة إلى جرائمها وحتى عتاة المجرمين وكبار الزنادقة والملحدين لم يتجرءوا على القيام بأفعالها كتدنيس بيوت الله وحرقها ونهب كل ما فيها باستثناء شيء واحد لم يسرقوه، وهو النسخ الموجودة من القرآن الكريم، فهم لم يجدوا فيها ما يستحق السرقة إذ أنها بلا ثمن مادي فهي كما هو معروف تهدى ولا تباع؟

أن هذه الميليشيات على أنواع فمنها المصدرة خصيصاً للعراق وهي ما يقرب عددها الثلاثين بمسميات مختلفة لكن أهمها الميلشيات التابعة للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية وما يسمى بفيلق بدر المطعم بنكهة فيلق القدس الإيراني وميليشيا حزب الدعوة الإسلامية وكلاهما تربى وتدجن في أحضان الجارة إيران, وهي المسئولة عن تدريبهم وتسليحهم وتمويلهم وتوجيههم لخدمة أجندتها ومخططها الرامي إلى إضعاف العراق لعدة أسباب منها نزعتها الانتقامية بعد أن هزمت في حربها ضد العراق الذي أفشل طموحها اللامشروع في تصدير الثورة الإسلامية إلى دول الخليج العربي, إضافة إلى الانتقام من البلد الجار الذي أحتضن المعارضة الإيرانية المتمثلة بمجاهدي خلق والتي تشكل الخطورة الأشد على نظام الملالي, وكذلك انتقاما من سياسة النظام السابق الذي أعاد المواطنين من التبعية الإيرانية إلى وطنهم الأم بعد أن تبين أن العديد منهم يعملون ضد مصلحة البلد الذي يعيشون في خيراته, إضافة إلى النزعة المذهبية فإيران تحاول أن تنشر المذهب في الدول القريبة والبعيدة عنها فرغم أن الشيعة في إيران هم الأكثرية, لكن تبقى الشيعة هي الأقلية في الوطن العربي والعالم, وتحاول إيران استقطاب الشيعة حولها وإغرائهم بإمكانية تكرار تجربتها في بلدانهم, ومن المؤسف أن يكون شيعة العراق الضحية الأولى التي وقعت في هذا الشرك, سيما ان الظروف الدولية أصبحت ملائمة لهذا التوسع بعد القضاء على أشرس جارين يهددان المذهب الرسمي للدولة وهما نظام البعث العلماني ونظم طالبان السني المتطرف وقد تم القضاء عليهم بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية, يضاف إلى ذلك الجانب الاقتصادي فإيران تهدف إلى بسط نفوذها على جنوب العراق للسيطرة على الثروة النفطية وضم الجنوب الشيعي في خطوة لاحقة إلى سيادتها عبر الفدرالية التي روجها تابعها الأمين في العراق عبد العزيز الحكيم وأصر على تضمينها في الدستور المسخ بصفقة مع الأكراد فضحت مؤخراً من قبل الساسة الأكراد أنفسهم. إضافة إلى أهداف أخرى منها السيطرة على الخليج العربي ومحاولة جرً العراق إلى دفع تعويضات الحرب ضدها والتي قدرها الخبير الاقتصادي الدولي عبد العزيز الحكيم بحوالي(100) مليار دولار, إضافة إلى ضمان بقائها كأقوى قوة عسكرية في المنطقة بعد إزاحة العراق عن دربها ومحاولتها مساومة الولايات المتحدة الأمريكية في برنامجها النووي مقابل الملف العراقي وعوامل عديدة. وهذا يفسر التعاون الإيراني مع الولايات المتحدة لإسقاط النظام البعثي في العراق وهو ما أعترف به المسئولون الإيرانيون أنفسهم بأنه لولا إيران لما تمكنت الولايات المتحدة من إسقاط نظام البعث وطالبان؟ و يفسر أيضاً قبول الولايات المتحدة بتوغل فيلقي بدر وقدس الإيراني إلى العراق ودعم نفوذهما وسيطرتهم على معظم مرافق الدولة المحتلة.

من المؤكد أن عبد العزيز الحكيم لم يكن يتصرف بوحي من نفسه فقد كانت تسيره المخابرات الإيرانية في كل خطوة يتخذها ولم يكن زج عناصر بدر والقدس في الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية سوى خطوة مخابراتية ذكية مكنته من شدً عضلاته وإبرازها أمام الأمريكان أنفسهم, وبالتالي لجم قوة بقية الميليشيات المنافسة على المشهد العراقي, أما ميليشيا حزب الدعوة فهي لم تكن سوى تابع ذليل لقوات بدر وواجهة ضعيفة للحزب بحكم ضعف قاعدته الشعبية فاكتفت بحماية قادة الحزب وتصفية رموز البعث والانتقام ممن لاحق وطارد عناصرها من منتسبي البعث والأجهزة الأمنية.

بعد الغزو مباشرة قامت عناصر بدر وحزب الدعوة بعمليات اغتيال منظمة ومدروسة وجريئة أحياناً لكوادر حزب البعث والأجهزة الأمنية ولم تخلو منطقة في العراق دون أن تدفع دماء العديد من أبنائها على أيدي السفاحين الجدد, وكانت بين آونة وأخرى تصل قوائم بمن تقرر تصفيتهم إلى مراكز الشرطة ويتم التحقيق من أماكن وجودهم ومتابعتهم لتنفيذ الأوامر الصادرة بحقهم,وبعد أن تجاوزت هذه الجرائم حدود الرضا الأمريكي أوعز بول بريمر بتهدئة الأمور فقد أصبح الوضع الأمني مهدداً بالخطر, ومن شأن هذه الاغتيالات أن تواجه ردة عنف قوية من عشائر وعوائل من تعرضوا للاغتيال, وتم الاتفاق بين بريمر والحكيم على حصر هذه التصفيات بكبار القادة العسكريين والطيارين والمستويات القيادية في حزب البعث والأجهزة الأمنية, وأعطى بريمر الضوء الأخضر على أن تجري التصفيات بسرية تامة وهادئة وبعيداً عن أنظار قواته, وتأتي موافقة بريمر على مطلب الحكيم لضربه أكثر من عصفور بحجرة واحدة منها أن كبار القادة العسكريين لما لهم من قوة ونفوذ وخبرة قتالية عالية يمكن أن يلموا شتاتهم ويعودوا للمشهد العراقي بصورة وأخرى وهذا يشكل تهديدا مباشرا لقواته ويضيف عبأ جديداً عليه , كما أن تصفية هؤلاء القادة والطيارين هو مطلب إسرائيلي - إيراني, ونظراً لتوزيع الأدوار فقد أقترح الرئيس الطالباني استضافتهم في كردستان حين يجول ويصول الموساد بحرية تامة؟ كما أن تصفية رموز الجيش هو مطلب معظم أعضاء مجلس الحكم العراقي من أحمد الجلبي والمحمداوي وبحر العلوم والجعفري وغيرهم. فبقاء قادة الجيش يؤرقهم ويهدد مصالحهم ويحبط مخططاتهم وهذا يفسر تعنتهم وضغطهم لحل الجيش العراقي, ولكن تتابع الإحداث وتناسل هذه الميليشيات أثبت خطأ بريمر الفادح فهو لم يستخدم البوصلة لمعرفة اتجاهات هذه الميليشيات وطبيعتها وقوتها, سيما وأن بعض جنرالاته صرح بأن خطر هذه الميليشيات وإرهابها يزيد عن خطر تنظيم القاعدة؟ ورغم شعبية التيار الصدري التي أكتسحت جنوب العراق ووسطه لكن قوات بدر كانت نداً قوياً للتيار الصدري وهي بحكم دعمها إستخبارياً من قبل إيران وهو ما يفتقر إليه الصدريون فقد كانت تقوم بعمليات إجرامية ومنها الاغتيالات والخطف والتهجير وحرق المساجد وتشكيل فرق موت لكنها كانت تلصق هذه التهم بالتيار الصدري للحد من تنامي قوته ونفوذه, وتوجه عملائها إلى بث الإشاعات بأن جيش المهدي هو من يقف ورائها, وساعدها في نشر هذه الرؤية وجود عناصر منفلته من التيار الصدري سبق أن طردهم السيد مقتدى الصدر من صفوفه, إضافة إلى وجود عناصر من بدر متوغلة داخل التيار الصدري نفسه وتوجه لتنفيذ مخططات محدودة ولم يكشفها التيار الصدري بعد, إضافة إلى وجود عصابات إجرامية تدعي إنها من جيش المهدي وليست لها علاقة من قريب أو بعيد بالتيار, إضافة إلى عدم وجود قيادة عليا للجيش ذات خبرة وسيطرة على أتباعها, وافتقار جيش المهدي إلى منظومة مخابراتيه فاعلة كما هو الأمر لدى فيلق بدر, علاوة على ذلك أن جيش المهدي خارج الخيمة الأمريكية في حين أن قوات بدر داخل هذه الخيمة, مما يجعل قوات الاحتلال تجد في حليفها المجلس الأعلى للثورة الإسلامية وذراعه العسكري فيلق بدر أقرب لتنفيذ مخططاتها من جيش المهدي الذي غالباً ما يكون متمرداً على إرادة الاحتلال ويرفض الانضواء تحت خيمته, الأمر الأخير هو ضعف إعلام التيار الصدري إذ إن معظم الناطقين باسم التيار هم من صغار السن ورجال الدين الذين لا تزيد معرفتهم عن الإعلام عن الظهور على شاشات التلفزيون وغالباً ما تكون تصريحاتهم متضاربة لعدم وجود مرجع أعلامي رئيسي يوجههم.

أما تنظيم القاعدة فهي ميليشيا مسلحة قوية تشكلت في الرحم الأمريكي نفسه, فقد وجدت الإدارة الأمريكية أن أفضل وقف للمد الشيوعي الذي أجتاح أفغانستان خلال الغزو الروسي هو الإسلام وكانت ورقة رابحة حينها ولعبت بذكاء مفرط, ومازال المسلمون يدفعون فواتيرها بعد أن لصق التطرف والإرهاب بهم من قبل الإدارة الأمريكية نفسها التي شجعت نمو القاعدة ودعمته مالياً وعسكرياً ولوجستياً, ولم يكن للقاعدة موطأ قدم في العراق قبل الغزو الأمريكي, وتبين أن كل الخيوط التي حاكتها الولايات المتحدة لإثبات وجود علاقة بين نظام صدم وابن لادن كانت واهية كخيوط العنكبوت باعتراف الكونغرس الأمريكي نفسه, وبعد الغزو وجدت القاعدة في العراق المحتل أفضل موقع لتصفية حساباتها مع الأم التي أنجبتها, وانتقلت عناصرها للعراق بعد أن وجه الرئيس بوش دعوة للمصارعة على حلبة العراق تحت شعار" العراق هو الميدان الرئيس لمحاربة الإرهاب الدولي", وكانت تلك محاولة لأبعاد شبح الإرهاب عن بلاده بعد اللطمة التي وجهها إليه تنظيم القاعدة في عقر بيته الأبيض, ومحاولة جذبها للبلد المحتل وهذا ما جرى فعلاً, ومن الصعب سبر أغوار العلاقة بين الولايات المتحدة وتنظيم القاعدة حيث يكتنفها الغموض ومن الصعب فك رموزها ومعرفة تداخلاتها المرئية وغير المرئية, وأن تصريحات منظرها ابن لادن في المناسبات القليلة لا تلقي المزيد من الضوء لتوضيحها؟ ويشكك الكثير من المراقبين في إدعاءات الإدارة الأمريكية بفشلها المتكرر من محاولة إلقاء القبض على زعيمها ابن لادن أو على الأقل معرفه مكانه بالرغم مما تملكه من تكنولوجيا الاتصالات ومراكز المعلومات وأقمار التجسس ومئات الألوف من العملاء المنتشرين في كل بقاع الأرض إضافة إلى تعاون معظم حكومات العالم معها, إلى جانب الإغراءات المادية التي وظفتها للنيل من الزعيم الشبح. ومهما يكن فأن تنظيم القاعدة يعلن دائماً عبر بياناته بأن عدوه الحقيقي هو قوات الاحتلال وأنه يستهدف هذه القوات فقط ولا شأن له بالتفجيرات الإرهابية التي يدفع الشعب العراقي ثمنها من دم أبنائه, ويحمل التنظيم قوات الاحتلال والكيان الصهيوني والمتعاونين معه مسئوليتها؟ ومن الصعب بمكان اتهامها أو تبرئتها عن الإرهاب الذي يتعرض له الأبرياء من الشعب العراقي, سيما أن قوات الاحتلال والحكومة العراقية فشلت في إلقاء القبض على بعض عناصرها وتقديمهم للمحاكمة وقد أضاعت قوات الاحتلال فرصة إلقاء القبض على الزرقاوي في حينها وكان بإمكانها اعتقاله دون أن تضطر لقتله وتضيع العديد من الخيوط المهمة؟ ومع هذا يلاحظ انخفاض شعبية هذا التنظيم سيما بعد أن قامت العشائر السنية بتشكيل قوات لمحاربة التنظيم وأبعاد شبحه عن مناطقها, ويلاحظ أن نشاط القاعدة أمسى محدوداً خلال الفترة السابقة في العراق ويكن أن يكون سبب ذلك تغيير في إستراتيجية التنظيم أو بسبب الضربات القاصمة التي أدعى سفير واشنطن في العراق توجيهها للقاعدة.

أما ميليشيا جيش المهدي فهي ميليشيا متذبذبة في مواقفها ولا تثبت عند حد معين, كما أن تصريحات منظرها السيد مقتدى الصدر تتلاطم كالأمواج, فعند تشكيلها بادئ ذي بدء أدعت بأن هدفها محاربة قوات الاحتلال وتأمين المساعدة للحكومة لفرض الأمن واستتبابه, ومع أول تهديد أمريكي تخلت عن أسلحتها وباعتها إلى قوات الاحتلال, ثم اعتبرت بعدها قوات الاحتلال ضيوفاً على العراق مما يوجب إكرامهم! وعادت مرة أخرى لتعلن مناهضتها للاحتلال؟ من ثم رفعت مشروعاً جديدا لمحاربة الاحتلال بالطرق السلمية دون أن تكلف نفسها الإفصاح عن هذه الطرق؟ وأحيانا تعلن أنها تحت تصرف ومشيئة المرجعية ومع هذا فهي تعلم أن المرجعية كانت تقف وراء معارك النجف وكربلاء عام 2003 وأن رحلة السيد السيستاني إلى بريطانيا كانت محاولة مكشوفة لفسح المجال لضرب جيش المهدي وهذا ما أكده بريمر في مذكراته أكثر من مرة, مدعياً عدم ارتياح السيد السيستاني لتنامي قوة الشاب مقتدى الصدر؟ ولاشك ان تردد بريمر وأياد علاوي كان السبب الرئيسي وراء تنامي نفوذ الصدر, وكان وراء الوساطة التي قام بها كريم شاهبوري مستشارا لأمن القومي بين القوات الحكومية وجيش المهدي تدخل في هذا الباب أيضاً وهي وساطة فريدة في بابها؟ فكيف تسمح الحكومة لنفسها بهذه الوساطة المهينة وهي تتنازل عن كرامتها ونفوذها السيادي بالتفاوض مع ميليشيا مسلحة وجودها مخالف للقوانين؟ وكيف تسمح بأن تضع نفسها في الكفة الثانية من الميزان لتتوازن مع جيش المهدي ؟ وكيف يغيب عن بالها بأن نتائج هذه المفاوضات كانت نصراً حقيقياً للصدر وهزيمة منكرة لعلاوي بغض النظر عن نتائج المعركة؟

ورغم أن الولايات المتحدة هي المسئولة بشمل مباشر عن تنمية الميليشيات سواء تلك التي وافقت على استقدمتها من إيران أو التي تشكلت وتناسلت بعد الغزو أو التي استضافتها للمنازلة في العراق, فأنها بدأت تواجه أزمة حقيقية في مواجهة هذا المارد العنيف, فقد أعترف السفير رايان كروكر بأنه بعد توجيه ضربات قاصمة للقاعدة " سلط الضوء على المشكلة الكبيرة الأخرى وهي قوة الميليشيات الشيعية, ولاسيما جيش المهدي, وهي ميليشيا شديدة الرعب" ويضيف كروكر " ان عناصر جيش المهدي يتحكمون في محطات البنزين والعقارات والتجارة ومعظم الخدمات, وهذا يشكل تحدياً كبيراً للحكومة( أنظر ليس لقوات الاحتلال) وهي مشكلة يصعب معالجتها ولكنها أيضاً مشكلة يجب التصدي لها" ؟

من الملاحظ أن طروحات جيش المهدي تتباين مع حقيقة ممارساتها ففي الوقت الذي تدعي فيه تبنيها أجندة وطنية وتنتقد حزب الدعوة والمجلس الأعلى على تبني أجندات خارجية, فقد أثبتت الوقائع إن عناصر جيش المهدي يتدربون ويتسلحون في إيران أيضاً, كما أن رواتبهم تدفعها الحكومة إلايرانيه؟ وكان اختفاء السيد مقتدى في إيران بعد تنفيذ الخطة الأمنية الأخيرة قد أزال الغموض عن هذه العلاقة ووضع النقاط على الحروف, وقد أطلق السفير كروكر مؤخراً تصريحاً جاء فيه" لدينا أدلة كبيرة بأن إيران تستخدم هذه الميليشيا بالوكالة لتعزيز نفوذها وإضعاف الحكومة العراقية" وهي نفس الاسطوانة المشروخة التي رددها المجلس الأعلى للثورة الإسلامية على لسان نائبه جلال الدين الصغير والذي يحلو لبعض العراقيين تسميته (رثاء الدين القزم) في اتهامه للتيار الصدري بعد احتدام المعارك في البصرة والديوانية مؤخراً؟

رغم اعتراف معظم العراقيين بأن التيار الصدري يمكنه تحقيق الكثير من المكاسب لو تبنى أجندة وطنية ثابتة وغير متذبذبة, وقطع علاقته مع إيران, وابتعد عن الطائفية التي رافقت مسيرته خاصة بعد أحداث تفجيرات سامراء ومد يده إلى أشقائه من السنة والأقليات ليتراصوا معاً ضد العدو المنظور وغير المنظور للعراق, ونخل عناصره بشكل جيد واخرج الشوائب الضارة من التيار, واتخذ تدابير الحيطة والحذر تجاه اللكمات التي يتعرض لها في الخفاء من قبل قوات بدر, فهو باعتراف الجميع بما فيهم قوات الاحتلال الأكثر قوة وشعبية, وحتى المبادرة التي أطلقها مقتدى الصدر بوقف إطلاق النار منذ شهر آب الماضي لإعادة تنظيم قواته وقصر النشاطات على التوعية الثقافية والوطنية, فأنها مرجحة للفشل الذريع, فقوات بدر ستعمل جاهدة على إحباط هذه المبادرة بكل الطرق لأن من شأنها أن تكشف أصابعها المتورطة بدماء الكثير من العراقيين ولا سيما من أبناء الطائفة السنية, وتبرئ التيار الصدري في الكثير من الجرائم التي لصقت به جزافاً, ومن المتوقع أن تمثل المعاهدة التي عقدها التيار الصدري مع الحكيم فرصة سانحة لاستهداف العناصر القيادية للتيار الصدري عبر الحليف الأمريكي هذه المرة وبالتنسيق الكامل مع فيلق بدر؟ ولاشك أن الفترة القادمة ستشهد تصعيداً خطيراً من قبل الحكومة العراقية وقوات الاحتلال ضد التيار الصدري من خلال الهجمات الشديدة على أوكار جيش المهدي واعتقال قياداته واستفزازه بكل الطرق الممكنة للوصول إلى حالة نفاذ الصبر ويعلن تجميد الاتفاق مع الحكيم واستئناف النشاط العسكري؟ وعندئذ ستوجه له الملامة عن هذا الانتهاك المزعوم ويتحمل وزر غيره كما تحملها سابقاً؟ وحري بالتيار الصدري أن يستفيد من الدروس السابقة ويتعامل مع هذا الموضوع بعقلانية وحكمة ويحصر التصريحات بقائده فقط أو من يخوله كنصار الربيعي أو بهاء الأعرجي وليس رجال الدين؟ ومن وجهة نظر شخصية بحتة أتوقع فشل الهدنة ورجوع المصادمات بشكل عنيف في جنوب العراق وسقوط بعض المحافظات بيد التيار الصدري وسبب الفتنة وإيقاظها سيكون على أيدي قوات الاحتلال والقوات العراقية التابعة للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية.

أما ميليشيا الأكراد وهم البيشمركة أو كما يدعوهم البعض الجحوش فهم في حقيقة الأمر عملاء بالجنسية وتتأرجح عمالتهم بين الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران, بمعنى أن كردستان يصلح تسميتها ب" اتحاد العمالة العالمي" وقد كشف النقاب مؤخراً بأن ضباطاً إسرائيليين يشرفون على تدريبهم وتنظيمهم وليس هذا بغريب عن تأريخهم المفعم بالخيانة للوطن الأم؟ وإذا طالبتهم بموقف وطني فآخر ما في جعبتهم هو موقف القائد الكبير صلاح الدين الايوبي ولا يستذكرون شيئاً بعده؟ وكشف الكاتب الأمريكي سيمون هيرش عن خطة إسرائيلية , لتدريب (75) ألف من البيشمركة؟

وما تزال البيشمركة تلعب دوراً غامضاً في المحافظات الوسطى من العراق وبالذات بغداد, ويرجح الكثير أن بعض العمليات الإرهابية تقف الجحوش خلفها, بما فيه ذلك إثارة الفتنة الطائفية، والذي يشجع على الأخذ بهذا التصور أن الأكراد فقط كانوا خارج نطاق الاغتيالات والتصفيات التي جرت في المحافظات الوسطى والجنوبية, كما أن مقرات الأحزاب الكردية في هذه المحافظات كانت بمنأى عن التفجيرات التي تعرضت لها مقرات بقية الأحزاب؟ ولم يتعرض الوزراء الأكراد ونوابهم في البرلمان العراقي إلى عمليات اغتيال كأقرانهم كما أن وزارات الأكراد ومنها الخارجية كانت بعيدة عن استهداف الإرهابيين لسبب غامض يصعب تفسيره, مع الأخذ بنظر الاعتبار أن ضعف الحكومة المركزية من شأنه أن يعزز قوة الأكراد ويساعدهم على تحقيق مطامعهم بالانفصال.

أما بقية ميليشيات الأحزاب الأخرى سواء كانت من السنة أو الشيعة فأنها تكاد أن تكون هامشية وذات دور محدود في تنفيذ توجيهات زعمائها وحماية مسئوليها فهي غالباً ما تضطلع بواجبات الحراسة والحماية وتنفذ واجبات محدودة ولا تشكل أهمية تذكر مقارنة بنظيراتها.

رغم الادعاءات الأمريكية بأن مخاطر وجود هذه المليشيات لا يقل خطراً عن تنظيم القاعدة فأن الإدارة الأمريكية لم تتخذ خطوة واحد لتفكيكها مما وفر لها الوقت اللازم للتناسل والنمو وهذه حالة غريبة من الصعب تفسيرها! فقوات الاحتلال تعترف بتردي الوضع الأمني وتعزو السبب الرئيسي إلى وجود هذه الميليشيات وتنظيم القاعدة لكنها تغض النظر عن نشاطاتها الإجرامية وسرقتها لثروات العراق التي قدرتها ب(2) مليار دولارا سنويا, إضافة إلى تسريب مخصصات الوزارات إلى عناصرها, ومنها ما حصل في وزارة الصحة العراقية على يد الوزير علي الشمري الذي هرب مؤخراً إلى بلاد العام سام في لغز محير؟ وكذلك الأمر بالنسبة إلى وزارتي الداخلية والدفاع باعتبارهما من أفسد الوزارات العراقية؟ وفي الوقت إلى نجحت فيه الإدارة الأمريكية بنزع سلاح الميليشيات عبر الإغراءات المادية عام 2004 فأنها توقفت فجأة عن الاستمرار بهذه الخطوة الناجحة دون أن تفصح عن الأسباب؟ ورغم كشف هذه الإدارة عن أسلحة كبيرة توردها إيران لهذه الميليشيات وإلقاء القبض على عصابات تهريب أسلحة إيرانية فأنه غالباً ما يسدل الستار عن الموضوع بمساومات لم يفصح عنها.

كما يصعب تفسير تغاضي قوات الاحتلال نظرها عن الإرهاب الذي تمارسه الميليشيات باختلاف إشكالها وتوسيع نطاق جرائمها إلى ابعد الحدود, وكانت أحداث سامراء وما صاحبها من عنف قد تم تحت أنظار قوات الاحتلال التي اتخذت موقف المتفرج إزاء حرق الجوامع ونهبها وعمليات القتل الجماعي المنظم والتهجير ألقسري ولم تنفع استغاثات القوى المشاركة في العملية السياسية من حث قوات الاحتلال على وقف المجازر التي كانت قادرة فعلياً على إيقافها؟ ويفسر هذا برضا أمريكي عن جرائم الميليشيات, وحتى الإحداث الأخيرة التي تمخضت عن سقوط البصرة بيد إحدى الميليشيات وفرار قائد عمليات البصرة إلى جهة مجهولة؟ فأن ذلك لم يستفز قوات الاحتلال إلى التدخل رغم أن هذه السقوط يومئ بسقوط صورة الاحتلال على الصعيد المحلي والعربي والعالمي؟ فأكبر قوة عظمى في العالم عندما تكون غير قادرة على وضع حد لميليشيا محلية محدودة العدد والعدة هي بالتأكيد غير جديرة بهذه العظمة وغير قادرة على امتحان جيوشها في حروب كبرى؟

أما موقف حكومة الاحتلال الرابعة فأنه لم يختلف عن سابقاتها فبالرغم من إعلان المالكي وقسمه أثناء توليه مسئولية رئيس الوزراء بأن سيقوم بتفكيك هذه الميليشيات, فأن الواقع الحالي يكشف فشله في الإيفاء والالتزام بقسمه وذلك لأنه ببساطة توكأ على عصا الميليشيات في توليه منصبه الحالي, لذلك كانت أحاديثه عن هذا الموضوع غير متوازنة فهو أحياناً يعتبر وجودها لا يتناسب مع هيبة حكومته ويؤكد عزمه على تفكيكها, وأحيانا يدعو إلى سحب سلاحها فقط من ثم يستدرك حديثه فيدعو إلى دمجها مع الشرطة والجيش ومرة أخرى يدعوها إلى الانخراط في وظائف الدولة المدنية, من ثم يطالبها بالمشاركة في العملية السياسية متغاضياً عن حقيقة أن جميع هذه الميليشيات ممثلة في حكومته ومجلس النواب! المالكي تنقصه الجرأة للاعتراف بالحقيقية المرة وهي أن هذه الميليشيات قد كبلته بكرمها بتنصيبه كرئيس وزراء وأنه يشاركها الشعور بأنها تؤمن الحماية للطائفة الشيعية والتي تعجز حكومته عن توفيرها, وأنها أقوى من حكومته الهزيلة؟ كما أن تفكيكها من شأنه أن يغضب الجارة ايران المسئولة عن توجيهها ويغضب إسرائيل أيضاً في حال مطالبته بتفكيك ميليشيا البيشمركة والذي من شأنه أن يعصف بحكومته لإصرار الأكراد على الاحتفاظ بالجحوش لتنفيذ مخططات العمالة.

لاشك أنه كلما مرً الزمن تعززت قوى الميليشيات من ناحية العدد والتسليح والتمويل والنشاطات ومع بقاء الحكومة على ضعفها وهزالها فأن كفة الميليشيات ترجح على كفة الحكومة وبالتالي سيصعب مستقبلاً تفكيكها وهذه حقيقة معروفة ولنا في الميليشيات اللبنانية خلال الحرب المدنية أسوة حسنة. ولاشك أن سقوط ثاني أكبر محافظة بيد الميليشيات يؤكد هذه الحقيقة ويعصف بادعاءات المالكي حول تطوير قواته المسلحة وتأهيلها, فقد أثبتت ميدانيا فشلها الذريع في المحافظة على أمن واستقرار أكثر من محافظة؟ فعندما يهرب إفراد الجيش والشرطة كالجرذان في مواجهة الميليشيات فأقرأ عليهم السلام وأقرأ السلام أيضاً على مليارات الدولارات التي أنفقت على تدريبهم وتسليحهم وتطويرهم لتسلم مهام المراحل القادمة والتي ربما تمتد إلى " يوم يبعثون" ؟ ولا أعرف كيف سيكون الموقف عندما تتطلب مهام هذه القوات المحافظة على سيادة الوطن وحماية ترابه من العدوان الخارجي لا سامح الله؟ ربما الجواب سيكون أسهل من تلك الأسئلة الخمسة الابتدائية التي تطرح في برنامج " من سيربح المليون" ؟

وطالما أن العراق على عتبة غزو تركي قادم لا محالة فهل سيعي قائد الجحوش الكردية مسعود البرزاني حقيقة وضع الجيش العراقي الحالي, وهل سيدرك مغبة طلبه من الحكومة العراقية بأن تهيأ قواتها المسلحة لتنضم إلى جحوشه لدرء هذا الغزو؟ ففي سقوط البصرة عبرة لمن أعتبر والله من وراء القصد.

Alialkash2005@yahoo.com

 

 

 

 

شبكة المنصور

الاحد /  17 شــــوال 1428 هـ  الموافق  28 / تشــريــن الاول / 2007 م