بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

حرب كونية ..
امبريالية الراغبين والمرغوبين والمُرغّب بهم

 

 

شبكة المنصور

علي الصراف
عوني القلمجي

 

بمجندين "كونيين" وشركاء "كونيين" وأدوات "كونية" تخوض الولايات المتحدة حربها في العراق من أجل مصالحها "الكونية".

"القوة العظمى الوحيدة" موجودة هناك ليس لأنها "وحيدة"، بل تحديدا لأن لديها اتباعا كثيرين يُلحقون دباباتهم بدباباتها ومرتزقتهم بجنودها فيكون الكل مرتزقة يعملون لخدمة مصالح "القوة العظمى" بالطريقة، والفهم، والمصطلح الذي يناسب بقاءها وحيدة.

ربما كانت هذه هي "الامبريالية" ، التي هيمنت على المصطلح النضالي زمنا طويلا.
ولكن بمقدار ما يتعلق الأمر بالوقائع، فنحن نعرف انها كانت هي نفسها العدو الذي احبط كل مشاريع الإستقلال الوطنية وحولها الى صراع يغذيه صندوق النقد الدولي بالقروض و... "النصائح" الهيكلية. وهي نفسها التي جلبت الإستعمار الصهيوني الى فلسطين، لنظل نرزح تحت أعبائه قرنا، ولنقدم من اجل الخروج منه تنازلات لا نهائية. بل وهي نفسها الشركات والمصالح التي حولت كل سفارة أمريكية في كل عاصمة الى مقر لإدارة أعمال الحكومة، وهي التي تقرر من يفوز في الانتخابات ومن لا يفوز، وكيف تكون الديمقراطية.

ولعل الولايات المتحدة، في المصطلح الآخر، "رمز الحرية والتقدم" الوحيد الذي يعرف كيف يجمع بين خرافة الدفاع عن حقوق الانسان وبين تعذيب واغتصاب المعتقلين في ابو غريب. كما انها "إقتصاد السوق" الذي يعرف كيف يجمع بين حرية التجارة وبين اجراءات الحماية. وهي ذاتها "نظام القيم" الذي يعرف كيف يجمع بين محاربة الدكتاتورية وبين ان يكون هو نفسه دكتاتورية اسوأ وأكثر وحشية.

ولكنها لا تحارب في العراق من اجل الهيمنة على العراق وحده.
فالمشروع الكوني يقضي بان يكون، كل مكان ، عراقا آخر: توقع حكوماته "عقود شراكة" لاستخراج النفط، وتسرح فيه "الشركات الأمنية"، ويكون رؤساء حكوماته عضاريط يحتمون في منطقة خضراء، ويرتدي كل منهم عمامة طائفية تتيح له "تقاسم الحصص" في جمهوريات موز "فيدرالية".
وما تفعله الدبابات في العراق، يمكن ان تفعله احزاب و"شخصيات" و"شركات أمنية" في كل مكان ، تارة لتحارب "الإرهاب" إياه، وتارة لـ"بناء ديمقراطية".

وفي النهاية فان اغتصاب وتعذيب المعتقلين في العشرات من السجون السرية التي تديرها وكالة المخابرات المركزية، ليس في الواقع سوى دلالة رمزية لأشكال لا حصر لها من أعمال الإغتصاب والهيمنة التي يمارسها تحالف الدبابات والشركات الامريكية.

× × ×

هل كان يمكن للامبريالية أن تأتي على أي شكل آخر؟
، نحن لا نعرف سواها. فالقوة التي تعلو سطوح الرأسمالية، كان من المنطقي في النهاية ان تأتي، في غمرة نفوذ ومصالح الشركات، محمولة على ظهور دبابات متعددة الجنسية لـ"تحالف راغبين" وشركات أمنية متعددة الجنسية لتحالف "مرغوبين" ومليشيات لمُرغّب بهم (من متعددي الطائفية).
فهل سمعت شيئا من أولئك الذين ظلوا، على مدى أكثر من نصف قرن، يصدحون بالدعوة لمحاربة "الامبريالية"؟

ها هي في عقر دارنا-دارهم على أي حال. وها هم يقلبون النظر في ما إذا كانت المقاومة ضد الامبريالية إرهابا، بل وما إذا كانت المقاومة العراقية تليق بالمساطر التي تقيس المسافة بين الإسلام والعلمانية. فيُترك المقاومون ليقاوموا من دون سند "كوني" مضاد، ربما الى حين يعود الأمر لكي يصح فيه القول مجددا: إبك كالنساء ملكا مضاعا، لم تحافظ عليه مثل الرجال.

المفاجأة غير المناسبة ربما، لمقاييس المساطر النظرية، هي ان المقاومين العراقيين يدحرون الامبريالية ويمرغون أنف كونيتها بالوحل، ويحولون نهارها الى ليل، وليلها الى جحيم، بكونيتهم الخاصة: الإيمان الصادق برسالة الدين والوطن والحرية.

وبينما يتقاضى كونيو الامبريالية اجورا تتراوح بين 200 الى 1500 دولار يوميا، يتقاضى كونيو المقاومة العراقية "اجورا" تتراوح بين ما لا يقاس من الحسنات الى ما لا يقاس من ثراء الضمير ورفعة الشرف وغطرسة الكرامة.
المرتزقة يحاربون من اجل مصالح الامبريالية، والعراقيون، ومن وقف في صفهم، يحاربون من اجل الحرية. هم لديهم الكثير مما يخسرونه، إذا هزموا، والفقراء والمحرومين والمظلومين ليس لديهم ما يخسرونه سوى أغلالهم.

فبمن يحاربون، وبمن نحارب؟
انهيار وتداعي الحدود في الدفاع عن مصالح الامبريالية "الكونية" ربما يكون هو السمة الوحيدة التي تجمع البوتسواني والجنوب أفريقي والكولومبي والمكسيكي واللبناني بالامريكي والبريطاني والإسترالي.
مرتزقة من كل لون، يرتدون زيا واحدا، ويتحدثون بلغة واحدة، ويتقاضون أجورهم بعملة واحدة، وتحت غطاء بنتاغون واحد.

انهم جنود في حرب كونية، لا يهم بالنسبة لهم ماذا تعني، او كم يسقط فيها من الضحايا، او اين ستكون معاركها المقبلة. وهم يخوضونها من اجل ما يأتي آخر الشهر. بينما يخوضها البنتاغون من اجل ما يستمر حتى آخر القرن الحالي والقرن الذي بعده.
وتداعي الحدود بين المجاهدين ضد الامبريالية هو ما يجب ان يكون الرد.
إذا كنت تريد ان تهزم الأمبريالية، فبامبرياليتها نفسها تفعل. حيث لا قيود ولا أعراف ولا قوانين ولا سيادات دول.

لا نعرف كم كان من المضحك ان يندد مرتزقة الشركات الطائفية الحاكمة في العراق (وهي نوع آخر من "الشركات الأمنية") بـ"المجاهدين العرب والأجانب" الذين يتسللون الى العراق، بينما هم يحتمون بمرتزقة من كل لون، وهم اليوم: 160 ألف امريكي، و5000 بريطاني، وبضعة آلاف استرالي وليتواني وبولوني... وبينهم نحو 150 ألف مرتزق من كل مكان على سطح الأرض، يعملون لحساب شركات من قبيل: "بلاك ووتر" و"داينكروب إنترناشونال" و"تريبل كانوبي"، و"آرمر غروب" و"ايجيس ديفنس سيرفيس"، وذلك من بين 181 شركة أمنية تعمل في العراق (حسب تقرير لمكتب المحاسبة الامريكي صدر في مارس-آذار 2006)، ويبلغ حجم عقودها وأعمالها نحو 120 مليار دولار سنويا (حسب تحقيق لصحيفة الاندبندنت البريطانية نشر في 21 سبتمبر أيلول الماضي). بينما تقول "واشطن بوست" ان حجم جيش "بلاك ووتر" وحدها يبلغ 160 ألف مسلح، يقومون "بكافة أنواع المهام العسكرية مثل نقل الوقود والعتاد العسكري والتموينات الغذائية وحماية الشخصيات الرسمية الأمريكية وحراسة القواعد والقوافل الأمريكية". وبما ان القوات الأمريكية "لا تستطيع أن تقوم بكل هذه الوظائف" فقد أصبح وجود البلاك ووتر وغيرها من الشركات الأمنية الخاصة ضروريا "لأننا لا نستطيع أن نستمر في الحرب بدونهم كما لا نستطيع أن نحرز النصر في هذه الحرب بدونهم".
وهؤلاء "فوق القانون" لأن الحرب الكونية التي تخوضها الولايات المتحدة للهيمنة على العالم هي نفسها "فوق القانون".

والترخيص الذي منحه بول بريمر في مرسومه المؤرخ في 27 يونيو-حزيران عام 2004، يكفي للدلالة على طبيعة تلك الحرب. إذ انه "منح الشركات الأمنية الخاصة (ومن ضمنها "بلاك ووتر") حرية العمل والحركة في العراق وكفل لها الحصانة ضد أي ملاحقات قانونية، وأعطاها الحق في استخدام كل أنواع الأسلحة من طائرات عمودية ودروع ومعدات ثقيلة ومتوسطة".

وماذا كان يعني ذلك؟
انه ترخيص بفعل كل شيء، وأي شيء من اجل ان يتحقق للولايات المتحدة النصر الذي تريد تحقيقه على العراق، وعلى العالم كله.
وكما عرفناه، فقد كان ذلك النصر المنشود هو نصر لكل وجه من وجوه الوحشية؛ لأعمال التطهير العرقي؛ لقتل الأبرياء بالجملة؛ لمئات الآلاف من المعتقلين من دون محاكمة؛ لنهب ثروات البلد؛ لتمزيقه على أسس عرقية وطائفية؛ لتدمير بنيته التحتية (لكي تكون موضوعا لعقود نهب تحت ستار "إعادة الإعمار")؛ ونصر لقتل ما يزيد اليوم عن مليون إنسان وخمسة ملايين مهجر.

نصر.. ساحق، بأسلحة دمار شامل، أين منه مجازر بول بوت في كمبوديا، وأين منه جرائم النازيين في أوروبا، وأين منه مجازر الهوتو والتوتسي في رواندا.
ولا تسأل عن مجتمع دولي او ضمير عالمي او حتى منظمات إنسانية، فلكل من هؤلاء واولئك دور يؤديه للتغطية او للتعمية او للتواطؤ مع ما يجري من جرائم. فالامبريالية التي علينا، هي امبريالية عليهم أيضا. وهي التي تحدد جدول أعمالهم، كما انها التي تحدد نوع العقاقير الأيديولوجية والمفاهيم التي يؤدون من خلالها أدوارهم في هذه الحرب الكونية الشاملة.

× × ×

وتخشى الولايات المتحدة انها لو تهزم في العراق، فانها ستهزم في كل مكان في العالم. وتخشى ان تعود امبرطورية القتل بحرية، دولة محدودة النفوذ والقدرة، تعجز عن حماية أدنى مصالحها، بما فيها تلك القريبة من فناءآتها الخلفية، دع عنك توفير الحماية لاسرائيل.
ولكن الحرب الكونية التي تخوضها الولايات المتحدة في العراق (وضده) ما كان يجب ان تُخاض من جانب العراقيين بأيديهم وحدهم.

كان مطلوبا، وما يزال مطلوبا، من كل حركات اليسار وقوى التقدم والحرية في العالم، ان تنهض بمسؤولياتها لدعم المقاومة الوطنية والإسلامية العراقية، لتكون هي الأخرى مقاومة كونية ضد المشروع الكوني للوحشية الأمريكية.
لو كانت تلك الوحشية الامبريالية هي العدو الرئيسي الذي تتوجب مواجهته، فلسوف يكون من الثانوي تماما الاختلاف حول هوية هذا الفصيل او ذاك من فصائل المقاومة.
لو كانت الهيمنة الامبريالية ضد كل مقدرات الشعوب على سطح الأرض هي ما يشكل الخطر على مصالح الأمم وحرياتها وحقها في الإستقلال وتقرير المصير، فان مقاومة العراق يجب ان تكون مقاومة الجميع أيضا.
ولو كانت الجرائم التي يرتكبها مرتزقة الولايات المتحدة الكونيون تشكل انتهاكا لكل معنى من معاني الحرية والمساواة وقيم العدل والقانون، فان مقاومة العراق يجب ان تكون مقاومة كل حر شريف على وجه الأرض، مسلما كان او مسيحيا او يهوديا او بوذيا.

وهزيمة الوحشية الأمريكية آتية لا ريب فيها. وليل الإحتلال في هزيعه الأخير.
والدلائل التي تشير الى تلك الهزيمة أكثر من كثيرة. الجنود يبكون، وقادتهم يولولون، ومرتزقتهم يكشفون عن هستيريا خوف مماثلة لكل هستيريا سبقت الهزيمة.
المقاومة في العراق قد لا تحتاج الى قوى اليسار والتقدم والحرية لتنتصر. ولكن هذه القوى نفسها هي التي تحتاج الى دعم المقاومة لتظل قادرة على القول انها قوى يسار وتقدم وحرية.
الدفاع عن المقاومة العراقية، إذا كان دفاعا عن شعب مظلوم ومضطهد، وإذا كان دفاعا عن قيم الخير والعدالة والمساواة بين الشعوب، فانه دفاع عن المدافعين أنفسهم؛ دفاع عن ما يتبنونه من أفكار وأخلاقيات وقيم.
الوقت قد حان.
ولا وقت أفضل.
ولتسقط الحدود والسيادات والقيود والدول. ولتكن، كما كانت يجب ان تكون، حربا كونية ضد حرب كونية.
أي دعم يمكن تقديمه للمقاومة العراقية، كائنا ما كان فصيلها، هو دعم لمشروع الحرية، دعم لثراء الضمير ورفعة الشرف وغطرسة الكرامة، التي بها وحدها، ومن اجلها وحدها، يحارب المقاومون، عراقيين وعربا و"أجانب".
ليس لمعركة الحرية وطن. الحرية هي الوطن. وهذه، ليس فيها "أجانب".
الفيالق الأممية التي ذهبت لنصرة الجمهوريين ضد الملكيين الفاشيست في إسبانيا، في ثلاثينيات القرن الماضي، كانت فيالق رفاق في الدفاع عن الحرية، لا فيالق "اجانب".
من اجل شرف الحرية نفسها، لا من اجل العراقيين وحدهم، فان فيالق رفاق ومناضلين يجب ان تتقدم لمواجهة فاشيست الإمبريالية ومرتزقتها، ولتحاربهم بكل شيء، وأي شيء، بالطلقة او بالحجارة؛ بالكلمة او الموقف؛ بصرخة التضامن مع الضحايا او بملاحقة المجرمين او مقاطعتهم. فكل فعل طلقة.
لقد حان الوقت، وليس منه الآن أفضل.

 

 

 

 

شبكة المنصور

الاحد /  10 شــــوال 1428 هـ  الموافق  21 / تشــريــن الاول / 2007 م