بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

معركة التحرير ووحدة فصائل المقاومة العراقية الشاملة

 

 

شبكة المنصور

عوني القلمجي

 

تمخضت الجهود والاتصالات بين فصائل المقاومة العراقية المقاتلة ، عن انجاز خطوات مهمة لتوحيدها في الميدان وتشكيل قيادة عسكرية مشتركة ، حيث تم الاعلان عن ثلاث جبهات انضوت تحت لوائها معظم الفصائل المسلحة الفاعلة ضد قوات الاحتلال ، وهي جبهة الجهاد والتحرير وجبهة الجهاد والتغيير وجبهة الجهاد والاصلاح. ولم تكن مصادفة ان تعلو كلمة الجهاد فوق اسماء الجبهات الثلاث ، وان تتضمن بياناتها الاولى دعوة بقية الفصائل الى هذا الجهد المبارك. فجميع هذه الفصائل قد وضعت الجهاد المسلح في صدارة الوسائل الاخرى لتحريرالعراق ، واعتبرت تشكيل الجبهة الموحدة عتلة التحرير وعودة العراق موحدا مستقلا.

ولكن هذا ليس كل شيء ، فعلى حد علمنا ، فان غالبية هذه الفصائل ارتبطت فيما بينها بصلات وعلاقات متطورة وتنسيق ميداني ورؤية سياسية مشتركة حول الموقف من الاحتلال واهدافه العدوانية. ولديها تصور واضح عن عراق ما بعد التحرير ، وهو عراق مستقل وموحد ، عراق ديمقراطي تعددي يضمن الحقوق لكافة مكونات الشعب العراقي. وجراء كل ذلك فان مطالبة قيادات هذه الجبهات بالسير قدما وعلى وجه السرعة لتحقيق الوحدة المنشودة ، تصبح مطالبة مشروعة خاصة وان اعلان مثل هذا الحدث الكبير ، من شأنه ان يدفع بقية الفصائل للالتحاق بالجبهة الموحدة ويسهل اقامة الجبهة الوطنية الشاملة لتصبح المرجعية العليا المعبرة عن ارادة شعبنا ووحدة قواه المناهضة للاحتلال ومشاريعه العدوانية.

حسبنا في هذا المضمار ان نلفت انتباه قادة الجبهات الثلاث وبقية الفصائل الاخرى الى اهمية هذه الوحدة ، ليس من اجل ادارة الصراع مع المحتل في الوقت الحاضر فحسب ، وانما من اجل مواجهة تطورات الصراع في المستقبل القريب وعلى وجه التحديد بعد مجيء الادارة الامريكية الجديدة والتي لا يفصلنا عنها سوى عام تقريبا ، وكل الدلائل تشير الى ان مرحلة ما بعد بوش ستشهد تغيرات كبيرة في ادارة مشروع الاحتلال ومحاولات انقاذه من السقوط. الامر الذي يقود حتما الى اعتماد استراتيجية مختلفة تماما عن استراتيجيات بوش الخائبة. وبعبارة صريحة ، فان بقاء الجبهات مستقلة عن بعضها البعض ، على الرغم من التعاون والتنسيق فيما بينها ، وفي ظل غياب الجبهة الوطنية الشاملة ، فان عقبات قد لا يستهان بها ستنتصب امام المقاومة وتعقد مهمتها في تحرير العراق.

ولكي لا نضيع في التفاصيل والعموميات ، فان الادارة الامريكية القادمة سواء كانت ديمقراطية ام جمهورية ، باتت مقتنعة بفشل قوات الاحتلال في انهاء المقاومة العراقية ، سواء بزيادة عدد القوات العسكرية او بالالتفاف عليها بوسائل مختلفة او اقناعها بالدخول في العملية السياسية. بالمقابل فقد فشلت محاولات الاستعانة ببعض العشائر العراقية وتشكيل مجالس منها كمجلس الصحوة واستخدامها كرأس حربة ضد المقاومة العراقية. ونجد نموذجا عنها في تصفية رئيسها ابو ريشة وعدد من أفراد زمرته الخائنة. ناهيك عن التقارير والشهادات العلنية منها والسرية ، التي تؤكد بان امريكا خسرت الحرب وان الوضع في العراق كما وصفه قائد قوات الاحتلال السابق ريكاردو سانشيز أصبح "كابوسا مخيفا لا نهاية له". وجراء ذلك سادت وجهة نظر داخل الحزب الديمقراطي وغالبية الحزب الجمهوري ، تدعو الى تغير مسار الحرب تحت عنوان "وضع جدول زمني لانسحاب القوات الامريكية من العراق" ، وهنا تكمن الخطورة لما تنطوي عليها هذه الشعارات من عملية خداع كبيرة.

ولكن قبل الدخول في ماهية تغيير مسار الحرب او اكذوبة الانسحاب المجدول ، تجدر الاشارة الى ان كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري ، لم يدر في خلدهما اطلاقا الانسحاب طواعية لا دفعة واحدة ولا وفق جدول زمني محدد او غير محدد ، فالانسحاب يعني بالنسبة لكلا الحزبين هزيمة منكرة مهما اطلق عليها من اسماء مبتكرة كـ"المشرفة" وغيرها من التسميات. ووفق هذه الحقيقة العنيدة ، فان المقصود بوضع جدول زمني للانسحاب لا يتعدى في المفهوم العسكري ، سوى اعادة انتشار القوات المحتلة خارج المدن العراقية وقد تكون بغداد من بينها وتموضعها في قواعد عسكرية امنة وقد يصاحبه سحب جزء منها الى دول حدودية مثل امارة الكويت او السعودية ، ليجري تسليم هذه المدن الى المليشيات المسلحة التابعة للحكومة ومواجهة المقاومة بمفردها مع تقديم الدعم العسكري واللوجستي لها او حتى المشاركة في بعض المواجهات اذا تطلب الامر ذلك.

وهذا يحقق ثلاثة اغراض اساسية وفي غاية الاهمية بالنسبة للادارة الامريكية القادمة. الاول، هو تجنب الخسائر البشرية والمادية التي سببت موجة كبيرة من الاحتجاجات داخل الشعب الامريكي ضد استمرار الحرب في العراق ووصفها بالعبثية او انها حرب من اجل النفط وليس من اجل حماية الشعب الامريكي من الارهاب وهذه لا تساوي حسب تعبيره ، حجم التضحيات بارواح ابنائه. والثاني، ايهام المقاومة العراقية او بعض اطراف منها بنية الادارة الجديدة على الانسحاب من العراق ، اذا ضمنت هيبة امريكا وكرامتها او كما يسميه البعض زورا بـ"الانسحاب المشرف". لاقناعها بالتخلي عن سلاحها واللجوء الى مفاوضات قبل توفر شروطها ، يكون طابعها المساومة وعقد الصفقات وليس من اجل ترتيب انسحاب قوات الاحتلال النهائي دون قيد او شرط. والثالث ، وهو الاهم ، تحويل الحرب من حرب بين المقاومة وقوات الاحتلال الى حرب بين المقاومة وقوات وانصار الحكومة العميلة. وهذا ما يفسر تهديدات اقطاب الادارة الامريكية لنوري المالكي بالانسحاب كلما زار احدهم بغداد ، كما يفسر الجهود المكثفة التي تبذلها قوات الاحتلال لتقوية ما يسمى بالجيش العراقي والمليشيات المسلحة وتاهيلها لليوم الموعود.

نحن اذن ازاء مرحلة جديدة من الصراع واستراتيجات مختلفة وادوار اكثر فاعلية لحلفاء امريكا في المنطقة وعودة للامم المتحدة كعنصر تآمر لشق صفوف المقاومة العراقية. ويكفينا وصف هذه المرحلة بانها نقلة نوعية تتغير جراءها مواقع اطراف الصراع الرئيسة وتفرض آلية جديدة لادارته. فانسحاب قوات الاحتلال خارج المدن يعني تراجعها الى الخلف لتحل محلها قوات الحكومة العميلة ، وتقدم الاخيرة الى الامام لتصبح رأس الحربة في مجابهة المقاومة العراقية بعد تخلي قوات الاحتلال عن حمايتها. الامر الذي يضع المقاومة العراقية امام خيارين لا ثالث لهما ، فاما ان تقبل بالقتال على جبهتين وتوزع قواتها على هذا الاساس مما يؤدي الى اضعافها او على الاقل تخفيف الضغط على قوات الاحتلال ، او تتراجع هي ايضا الى الخلف لتحل محلها التنظميات الشعبية في مواجهة الحكومة وميليشياتها المسلحة وتستمر في القتال على جبهة واحدة هي جبهة الاحتلال حيث يكون الهدف هذه المرة القواعد العسكرية الثابتة بعد ان تصبح قوات الاحتلال في موقع دفاعي وقطع خطوط تموينها ومنع اي دعم تقدمه لقوات الحكومة.

لندع الادارة القادمة واستراتيجيتها فهذا شأنها ولندقق في خيارات المقاومة والاصلح منها والمهمات التي ستترتب عليها والاستعدادات الواجب اتخاذها وسرعة انجازها ، حيث الفترة التي تفصلنا عن المرحلة القادمة من الصراع قصيرة اذا ما قيست بحجم المهام المطلوب انجازها. وفي هذا الخصوص نرى ضرورة تمسك المقاومة بالهدف المركزي المتمثل بمجابهة قوات الاحتلال وتصعيد عملياتها العسكرية وفعالياتها السياسية ضد المحتلين . وفي نفس الوقت البحث في توفير المستلزمات السياسية والعسكرية للتنظيمات الشعبية في مواجهة الحكومة وقواتها العميلة ودحرها ، كما لو انها احزاب معارضة تسعى الى اسقاط النظام واستلام السلطة عبر الكفاح المسلح. وهذا لن يتم الا من خلال نقل نشاطها التنظيمي وعملها السري الى ميدان النشاط العسكري والسياسي وتهيئتها وتسليحها لتصبح مستعدة لخوض هذه المعركة بدا بتنظيم المظاهرات وقيادتها والعمل على التفاف الجماهير حول الشعارات الجهادية وصولا الى الانتفاضة الشعبية وذلك بنزول الجماهير الى ساحة المواجهة الساخنة وبكل الوسائل المتاحة سواء بالسلاح او القنابل اليدوية او المولوتوف وغيرها. بمعنى آخر، هو ان المرحلة المقبلة تتطلب تغييرا في المعادلة التي حكمت العلاقة بين المقاومة وجماهيرها لتصبح معكوسة تماما ، حيث يتحول دور الجماهير والتنظميات الشعبية من دور الحاضنة للمقاومة العراقية والمساندة لها والساهرة على حمايتها ، في حين يصبح دور المقاومة المسلحة لتكون هي الحاضنة والحامية والسياج العالي للتنظيمات الشعبية في معركتها مع الحكومة وقواتها.

وبوسع التاريخ ان يقدم لنا نماذج عديدة تعزز هذا التوجه وتؤكد صحته. وبشكل عام ، لا ينبغي في حروب التحرير الشعبية الطويلة الامد ، ان يقتصر دور الجماهير والتنظميات الشعبية على توفير مستلزمات القتال من مال وسلاح ومؤن وحماية للفصائل المسلحة ، فهذا من شأنه تحويلها الى مجرد مجموعات لا يتعدى دورها سوى استنزاف القوات المحتلة وارباكها، أو في احسن الاحوال تظل عملياتها العسكرية محصورة في نطاق الحروب التكتيكية التي لن ترتقي الى الحروب الاستراتيجية والتي من دونها لا يمكن طرد الاحتلال نهائيا. يضاف الى ذلك توفر الامكانات لدى امريكا لتحمل حرب استنزاف لمدة طويلة. ولديها ما هو اهم من ذلك: اهدافها الكبيرة التي تتعدى احتلال العراق ، واهمها تحقيق الحلم الامريكي ببناء الامبراطورية الكونية دون منازع او حتى منافس.

ومن هنا تأتي أهمية تشديد مطالبتنا بانجاز وحدة فصائل المقاومة العراقية وبناء الجبهة الوطنية الشاملة، فعندئذ يمكن توسيع نطاق الحرب والتحكم بمسارها وتجاوزحدودها التكتيكية والدخول في رحاب الحروب الاستراتيجية ومعالجة قضاياها مثل الدفاع الاستراتيجي وانشاء القواعد الثابتة والمحمية لتكون منطلقا الى الهجوم الاستراتيجي ، الذي يستهدف تحرير المدن الواحدة تلو الاخرى واقامة السلطة الوطنية عليها وصولا الى تحرير العاصمة العراقية بغداد لتشمل هذه السلطة الوطنية العراق كله.

ليس لدى شعبنا ما يفقده غير الذل والأغلال اذا واصل القتال ضد المحتلين والحاق الهزيمة بهم. ترى، هل نحن على موعد قريب لاعلان الوحدة الميدانية واقامة الجبهة الوطنية المنشودة؟

 

 

 

 

شبكة المنصور

الاريعاء /  20 شــــوال 1428 هـ  الموافق  31 / تشــريــن الاول / 2007 م