بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

معجم(جمهورية المنطقة الخضراء) 13- متعهد دفن الموتى!!!
(ابو أُصيّبع)

 

 

شبكة المنصور

الدكتور عبدالستار الراوي

 

متعهد دفن الموتى!!!

متعهد دفن الموتى في (النجف الأشرف) , يكنى (بأبي أصيبع) , وبهذه الصفة عرف وذاع صيته في المدينة المقدسة , وهو رجل عريق في المهنة , امضى أربعين عاماً من عمره المديد بين إستقبال نعوش المتوفين , ومراسيم دفن الموتى وقد أدلى الرجل بأكثر من حديث لصحف محلية , أصبحت موضوع تعليقات الأوساط الشعبية ومجالس الطبقة المثقفة , وحكاية تطوف في ليالي العراق الحزينة والطويلة معا. وقد جاء في حديث أبي أصيبع بعض التفاصيل االمأساوية التي تتكثف لوحتها الدامية في عراق أباطرة الموت , الذي أرادوه نقيضا لكل ماعرف عن هذا البلد من القيم الجمالية في المحبة والسماحة والسخاء .

1- قبل حرب بوش الصغير , كانت أبواب الرزق ضيقة محدودة , فالموتى الآتون إلى النجف الأشرف كانوا يردون مقبرة السلام فرادى , يتوزعون علي متعهدي الموت المنتشرين كما الجراد , وبسبب إنخفاض معدلات الموت وضآلة الموارد هجرالكثيرون العمل وأغلقت مكاتب عديدة أبوابها , ولم يبق إلا القدامى الراسخون في هذا الضرب الفريد من العمل , ولأن أحداً من هؤلاء لا يحسن عملاً آخر غير ما فطر عليه منذ طفولته ,وبمرور الزمن تراكمت لديه الخبرة المطلوبة ( إنتقاء المكان , الحف,التجهيزالخ...) , فأحاط علما بأسرارالعمل وألمّ بتفاصيله , ..وعقب مرور سنوات عجاف طويلة من الإنقطاع وسوء الحال وتدني أعداد النعوش , حدث الزلزال الهائل الذي قلب الدنيا ولم يقعدها حتى الان ؟!! , فقد حدث مالم يكن في حسبان أحد من ( الدفانّة) ؟!

2 - حاشى لله أنْ ينسى أحدا من عباده , فجأة وبقدرة العزيز الحكيم فتح الله عليّ وعلى زملائي في المكاتب الاخرى أبواب الرزق على مصراعيها , منذ الأيام الأولى لدخول قوات الولايات المتحدة البلاد , فبدأنا في إستقبال عشرات النعوش , الوافدة إلينا من محافظات العراق كافة ,التي أخذت تتدفق علينا على مدى الدقائق والساعات , الى الحد الذي فاق قدرات المكاتب وإمكانيات المشتغلين فيها على تلبية طلبات الزبائن في إستيعاب هذا الزخم الهائل من الضحايا ,

3- أدى العدد المتوالي الكثيف بالضرورة الى ظهور سوق سوداء أي (الدفن البراني) خارج المكاتب المجازة رسميا , مما خلق نوعا من المضاربات في الأسعار شبيهة بالبورصة المالية طبقا لقانون العرض والطلب !!,

4- أخذت الأمور على مدى الأيام تتعقد وتتشابك شيئا فشيئا , الى الحد الذي أصبح فيه عمل ( الدفان ) موضع منافسة وحسد شديدين , ممن كانوا الى عهد قريب يتطيّرون من مجرد التلفظ بكلمة (مقبرة) , والشيئ الذي قد لايخلو من عجائب هذا العالم أن إستحدث الموت اليومي في البلاد العديد من الطبقات على هامش هذه المهنة من أهمها : طبقة المقاولين الثانويين , القرّاء , الملقنين , الوسطاء (القومسيونجية) ؟!

5- بدأت قوافل الموتى تصل تباعا منذ معارك أم قصر في الإسبوع الأول من حرب عام2003, فيما تضاعفت أعداد الضحايا في السنة الثانية , وقفزت معدلاتها في العامين الأخيرين (2006 -2007 ) , إلي أرقام مروعة , حتى أطلق علي عام 2006 بعام (الموت) , بعد أن إزدهرت أعمال مكاتب (الدفّانة) , وهي تستقبل يومياً مالا يقل عن (100) مائة قتيل .

ملاحظات :

1-الذي فات عميد الدفانة أو تناساه المتعهد العتيد لدواعي أسرار المهنة الاعداد الحقيقية للشهداء المغدورين الذين تراكموا في مقابر جماعية لاحصرلها , التي تمّ تعيّين مواقعها وأعدادها , من قبل أبناء المدينة المقدسة المعروفة بحميتها العروبية فقد تولّى فتية النجف الوطنيون بإستقصاء المعلومات المتعلقة بجثث الشهداء الذين قتلوا غدرا , والذين ووريت جثامينهم الطاهرة في الليل البهيم .

2- إن تقديم هذه اللوحة المأساوية الغارقة بدم شهداء شعبنا من ضحايا العدوان الامريكي وقوات جمهورية المنطقة الخضراء لاتمثل إلا جزئية متواضعة , بالغة الصغر , الى جوار لوحات الدم الوطني النبيل الذي يتفجر نهرا دافقا على إمتداد أرض الوطن الحمراء .

 

 

 

 

شبكة المنصور

الجمعة / 19  ذو الحجة 1428 هـ  الموافق 28/ كانون الأول / 2007 م